عندما يُصيب فيروس كورونا العمّال المهاجرين في لبنان: تمييز ضد عمّال رأس النبع ومطالبات بإخلائهم


2020-06-19    |   

عندما يُصيب فيروس كورونا العمّال المهاجرين في لبنان: تمييز ضد عمّال رأس النبع ومطالبات بإخلائهم

نشرت هذه المقالة على موقع “المفكرة القانونية” بتاريخ 19 حزيران 2020. ونعيد نشرها في هذا العدد الخاص نظراً للإضاءات التي تتضمّنها حول أوضاع العمّال الأجانب في لبنان في زمن الأزمات وبخاصة أزمة كورونا (المحرر).

“وصمة” تُلاحق العمّال القاطنين في مبنيين في منطقة رأس النبع في بيروت منذ أن أعلنت وزارة الصحّة في 24 أيار إصابة أكثر من ثمانين شخصاً من العمّال البنغاليين القاطنين في أحدهما بفيروس كورونا. ما أن تمّ الإعلان عن الإصابات، طالبت عدد من الجمعيات العائلية في المنطقة بإخلاء جميع المباني التي يعيش فيها عمّال أجانب. ولا تنتهي معاناة هؤلاء عند هذا الحدّ، بل يواجهون خطر إنهاء خدمتهم وترحيلهم إلى بلادهم فور فتح المطار. ويتّضح أنّ ما يشهده العمّال المهاجرون من إجراءات تمييزية تجاههم في ظلّ انتشار فيروس كورونا في لبنان، قد يدفع قسماً كبيراً منهم إلى تجنّب الحديث عن أوضاعهم الصحيّة خشية تعرّضهم للمزيد من التمييز إذا ثبتت إصابتهم بالفيروس.

هواجس المستنكرين لوجود العمّال في مبنى رأس النبع تتّخذ من فيروس كورونا سبباً لإخلاء مباني العمّال انطلاقاً من الخوف من احتمال انتقال العدوى إليهم. وهؤلاء لم تقنعهم الإجراءات التي اتّخذتها وزارة الصّحة لمنع انتشار الفيروس في الأحياء، وهي إجراءات تمثّلت بفصل المصابين عن المخالطين، فجرى تنفيذ الحجر على المبنيين:

  • الأوّل مبنى العمّال البنغاليين المؤلّف من ثلاث طبقات وقد تبيّن إصابة 81 عاملاً فيه. تمّ إبقاء هؤلاء في المبنى إلى حين التعافي، لعدم ظهور عوارض عليهم وجرى نقل 9 آخرين من مبنى يقع في منطقة البسطة إلى مبنى رأس النبع بعد تأكيد إصابتهم بالفيروس أيضاً، واتخذت إجراءات أمنية تمثلت بمنع خروج ودخول أحد إضافة إلى حواجز حديدية وعناصر أمنيين تواجدوا طيلة فترة الحجر الصحّي. أمّا من جاءت نتائج فحوصاتهم سلبيّة فتمّ نقلهم إلى الحجر في فندقين في بيروت لأكثر من أسبوعين.
  • والمبنى الثاني مؤلّف من خمس طبقات، يسكنه عمّال سوريّون وعائلاتهم، فرض الحجر عليهم، وتمّ إخضاعهم لفحوصات PCR أتت سلبية، ومنع الدخول والخروج من المبنى وإليه على اعتبار أنّ هناك مخالطة بين الأفراد في كليهما، عدا عن إجراء وزارة الصحّة لفحوصات في الأبنية المجاورة داخل الحي بتاريخ 2 حزيران.

جمعيّات عائليّة تطالب بإخراج العمّال من رأس النبع

منذ الإعلان عن الإصابات في مبنى رأس النبع، انهالت المطالبات من بعض الجمعيات العائلية البيروتيّة للسّلطات المحلية لإخراج المصابين منه، من بينها اتّحاد جمعيات العائلات البيروتية الذي طالب بإخلاء المبنى نهائياً وإقفاله بالشمع الأحمر. وكذلك طالبت رابطة أبناء بيروت وجمعية سفينة الخير بالأمر نفسه.

وفتح بعض المطالبين الأبواب على أبنية أخرى يعيش فيها عمّال أجانب مطالبين بإخلائها بذريعة احتمال إصابتهم بفيروس كورونا، إضافة إلى عدم حيازتهم إقامات شرعية. في هذا الاتجاه، طالبت رابطة أبناء المزرعة الإنمائية الاجتماعية وزير الصحة حمد حسن بـ “اتخاذ الإجراءات اللازمة والضرورية للكشف على مبانٍ يقطنها أشخاص من جنسيات مختلفة وبأعداد كبيرة”. ولم يقف البيان عند هذا الحدّ بل اعتبر أنّ هؤلاء “محتمل إصابتهم بفيروس كورونا”. وذكر البيان أسماء ثلاثة مبان أخرى يسكن فيها عمّال أجانب. ودعا الأجهزة الأمنية إلى “اتخاذ الإجراءات اللازمة لإخلاء هذه المباني من قاطنيها والتأكّد من قانونية إقامتهم فيها”.

“يشرح” رئيس رابطة أهالي رأس النبع الاجتماعيّة عبد الودود النّصولي لـ”المفكرة” الأسباب التي دفعت الأهالي إلى مطالبة بلديّة بيروت بإخلاء المبنى. يقول النصولي إنّ “الاكتظاظ في المبنى الذي يعيش فيه العمّال البنغاليون يُسبّب ضجة طيلة الوقت للسكان المجاورين، كما تنتشر روائح كريهة بسبب هذا الاكتظاظ لعدد هائل من العمّال”. النّصولي غير مقتنع بإجراءات وزارة الصحّة معتبراً أنّ موجة الإصابة كبيرة في المبنى ما يستدعي نقل المصابين بعيداً عن السكّان لمنع انتشار العدوى.

هواجس سكّان المنطقة تولّت تغذيتها النائبة في البرلمان اللبناني رولا الطبش. وقد ساقت هذه الأخيرة الحديث إلى السياسة قائلة في بيان نشرته في 6 حزيران إنّ “منطقة رأس النبع ما زالت تدفع ثمن السياسة الكيدية للحكومة، وخصوصاً وزارة الصحة”. وتابعت: “وكأنّ وزير الصحة أخذ قراراً بعدم الاهتمام، معتمّداً التمييز بين المناطق”. وسألت الطبش: “هل رأس النبع وكلّ بيروت خارج السيادة اللبنانية؟ أو أنّه يعاقبها لأنّها خارج عباءة مرجعيّته السياسية؟”

 

وزارة الصحة تردّ على الهواجس

“المفكرة” تحدّثت إلى مستشار وزير الصحّة د. إدمون عبّود الذي ردّ على هواجس السكّان. وقد أكّد عبّود أنّ “الفيروس لا ينتقل بالهواء، بل فقط عبر الاختلاط المباشر مع المصاب، ما يعني عدم وجود أي خطر على محيط المبنى السكني في منطقة رأس النبع”. وأضاف أنّ “ردّة الفعل التي شهدناها ناتجة عن الهلع، لكن الإجراءات التي اتخذت من قبل الوزارة كانت جدّية ومن غير المنطقي التفكير بأنّ ما قمنا به يعرّض صحة السكان للخطر”. وبحسب تعبيره، “لو كان هناك أيّ خطر لكانت الوزارة سعت منذ اللحظة الأولى لتغيير مكان الحجر”.

يتحدّث عبّود عن المسار الذي اتخذته وزارة الصحّة شارحاً أنّ كشف الإصابات حصل عندما توجّه أحد العمّال البنغاليين إلى مستشفى الروم، بعدما ظهرت عليه عوارض “كوفيد 19″، فتبيّن بعد خضوعه لفحص PCR أنّه مصاب. عندها أبلغت المستشفى وزارة الصحّة التي بدورها وجّهت دائرة الترصّد الوبائي للتحرّك والتحقيق لمعرفة المخالطين للمصاب. ويشير عبّود إلى أنّه تبيّن جرّاء الفحوصات التي أجريت للعمّال في المبنى الذي يسكنه العامل البنغالي إصابة 80 آخرين وجميعهم من البنغاليين. فقرّرت الوزارة أن تنقل المخالطين الذين أتت نتائج فحوصاتهم سلبية إلى الفندقين اللّذين غطّت تكلفتهما مؤسّسات دوليّة تابعة لمنظمة الأمم المتحدة. وعن سبب عدم نقل المصابين إلى مكان آخر والاكتفاء بحجرهم في المبنى، يؤكّد عبّود أنّ “جميع المصابين كانوا بصحّة جيدة ولم تظهر عليهم عوارض. وبعد مرور نحو ثلاثة أسابيع أظهرت الفحوصات الجديدة شفاء الحالات كافة، وبالتالي تمّ إعادة نقل العمّال من الحجر الصحي في الفندقين إلى محل سكنهم في رأس النبع”.

الشركة تنوي ترحيل العمّال حين يفتح المطار

يتجمّع نحو 10 شبّان بنغاليين تحت المبنى المستأجر من قبل الشركة التي يعملون فيها، فيما يطلّ آخرون من على الشرفات، وذلك بعد معاودة فتح الطريق وإعلان شفاء جميع من كانت الفحوصات أظهرت إصاباتهم. يقول أحدهم إنّ المبنى مكتظ، ويعيش فيه أكثر من 200 شخص. وفي الداخل تمّ فصل الغرف لاستيعاب أكبر عدد ممكن، عبر تقسيمها بفواصل خشبية.

يؤكّد العمّال بأن شركة “أوبيريتور” Operator التي يعملون فيها استأجرت المبنى هنا، ويلفت أحد هؤلاء إلى أنّ الشركة لم تعطِهم أجرهم خلال فترة وجودهم في الحجر الصحّي، عدا أنّهم تقاضوا رواتبهم في الفترة الأخيرة بالليرة اللبنانيّة على سعر الصرف الرسمي 1500 ليرة بينما يُسجّل سعر الصرف في السوق ارتفاعاً ملحوظاً يتخطّى 5000 ليرة أحياناً (تجاوز 8700 خلال العمل على إصدار هذا العدد).

وفي حديث مع “المفكرة” أكدّ مدير الشركة برنار صغبيني أنّ الشركة تنوي تقليص 60% من خدماتها بسبب عدم قدرتها على مواجهة الأزمة الاقتصاديّة، عدا عن عدم قدرتها على الاستمرار بدفع رواتب الموظفين. ويحيل موضوع عدم دفع الرواتب إلى الأزمة الاقتصادية وقيام عدد من الشركات التي تؤمّن لها “أوبيريتر” موظفين بإنهاء العقود معها، أو إبلاغها بعدم النيّة في تجديد العقود. لذلك، فإنّ عدداً كبيراً من موظفي الشركة اليوم لا يعمل. ويشرح صغبيني أنّه “خلال فترة تواجد العمّال في الحجر الصحّي، تكفّلت الشركة بدفع جزء من كلفة الفندق، إضافة إلى تأمين الوجبات الغذائية للعمال”. ويُضيف: “دفعنا كل الأموال التي بحوزتنا ولم يعد بمقدورنا دفع الرواتب”.

ويلفت صغبيني إلى نيّة الشركة ترحيل العمّال إلى بلادهم ريثما يفتح المطار، مشيراً إلى أنّه “لم يعد أمامنا خيارٌ سوى ترحيل العمّال الأجانب”، مُشيراً إلى أنّ هناك أكثر من 150 عاملاً أبدوا رغبتهم في العودة إلى بلادهم. وعمّا إذا كانت الشركة سوف تأخذ بعين الاعتبار رغبة العمّال الآخرين في البقاء في لبنان، يقول صغبيني إنّ “الأمر يعتمد على الشركات التي نتعاقد معها، فإذا قرّرت الإبقاء على العمّال الذين نوظّفهم لديها فلن نقوم بترحيلهم، إنّما ليس للشركة قدرة على إبقائهم في حال قرار مخالف”. وبالنسبة للمطالب بإخلاء المبنى، يرى صغبيني عدم وجود أسباب تستدعي إخلاءه، لافتاً إلى أنّ “الشركة لن تتمكّن من استئجار مبنى جديد للعمّال وهي على شفير تسفير جزء كبير منهم”.

ويؤكد صغبيني أنّ “الشركة اجتمعت مع وزارة العمل وشرحت لها أسباب نيّتها تقليص عدد الموظفين وترحيل الأجانب منهم”، معتبراً أنهم “أمام قوّة قاهرة استلزمت هذا التوجّه”، ونافياً في الوقت نفسه الوصول إلى مرحلة “الإفلاس”.

 

العمّال يشكون عدم حصولهم على تقارير طبيّة

التقت “المفكرة” حوالي عشرة عمّال بنغاليين تجمّعوا أسفل المبنى الذي يسكنون فيه، حيث اشتكوا من عدم حصولهم على تقاريرهم الطبيّة. وفي اتصال مع صغبيني للاستيضاح عن الأمر، أكدّ أنّ الشركة استلمت التقارير الطبيّة وأبلغت العمّال شفهياً بنتائجها، ووعد بتسليم العمّال التقارير في القريب العاجل.

في المبنى المجاور حيث يقطن العمّال السوريون الذين فرض الحجر عليهم أيضاً، يؤكد أحدهم أنّ المبنى فيه نحو 170 فرداً بينهم 28 عائلة. ويلفت إلى أنّهم يواجهون ضغوطاً لإخراجهم من المبنى، بدون أن يذكر اسم من يسعون لإخراجهم. ويلفت إلى أنّ “هناك اعتراضات من جهات عدّة على وجودنا هنا، منها حزبية وأخرى من السكّان”. ويُضيف، “جميع من في المبنى يستأجرون الشقق بأنفسهم (ليس عبر شركة) ويعملون كمياومين، فلا يمكن إخلاؤهم ضدّ إرادتهم”. ثم ينتقل للحديث عن صعوبة وجود خيارات أخرى للسكن في هذا الظرف، إذ يقول: “أعمل كمياوم في مجال الصيانة، أي على الطلب، فلا يوجد عمل ثابت، ومنذ شهور والعمل شبه متوقّف، لم يعد أحد يتّصل لطلب الصيانة”.

ظروف معيشيّة صعبة: نقص في التهوئة والاحتياجات الأساسيّة

أظهرت ظروف حياة العمّال في هذه المباني نموذجاً للمخاطر التي يواجهها الآلاف ممّن يعيشون في الأحياء الشعبية والمباني المكتظّة. وكانت منظمة “أطباء بلا حدود” قد كشفت على مبنى العمّال البنغاليين ومبنى آخر في منطقة البسطة في إطار تدخّلها في مجال التّوعية والكشف الطبّي على العمّال، حيث تصف نائبة المنسّق الطبي في منظمة “أطباء بلا حدود” كالين رحيّم في حديث لـ”المفكرة” الظروف التي يعيشها هؤلاء العمّال في مبنى رأس النبع وفي البسطة، بـ”السيّئة”، وذلك من ناحية “التهوئة والاكتظاظ والاحتياجات الأساسية الأخرى”. وينسحب ذلك على “صعوبة الحفاظ على النظافة في ظل تكاثر أعداد المقيمين في كلّ شقة”. وتشير إلى استحالة فصل المصابين عن المخالطين في المبنى نفسه بسبب تشارك الغرف والمراحيض.

ومن جهة ثانية، وفي بيان أكدّت المنظمة من خلال مقابلاتها مع العمّال على ما قاله بعضهم لـ”المفكرة” أنّ كثيرين منهم “لم يعرفوا نتائج اختبارات التشخيص التي خضعوا لها”. وشدد البيان على “حق كلّ شخص في الوصول إلى بياناته الطبيّة والحصول على الرعاية الطبيّة، بغض النظر عن وضعه الإجتماعي”.

 

تداعيات انتشار فيروس كورونا على العمّال المهاجرين

تُشير أرقام غرفة العمليات الوطنيّة لإدارة الكوارث إلى أنّ 89 شخصاً من الجنسيّة البنغاليّة في لبنان ثبتت إصابتهم بفيروس كورونا. وتُظهر الأرقام أنّ أعداد الأجانب المصابين في لبنان بلغت 172 حالة وهم يشكّلون 12% من مجموع الإصابات مقابل 88% للبنانيين (الأرقام تعود إلى منتصف حزيران 2020).

أمام هذه الأرقام، من الضروري طرح مسألة واقع العمّال الأجانب في لبنان في ظل انتشار فيروس كورونا. وتؤكّد المنسّقة الوطنية لبرنامج “العمل بحرية” في منظمة العمل الدولية زينة مزهر لـ”المفكرة” الارتباط الوثيق بين هشاشة أوضاع الفئات العمّالية المهاجرة في كافّة الظروف ونظام الكفالة الذي يعيق إمكانيّة حصول العامل على حقوقه التي يفقدها أكثر خلال الأزمات.

وتلفت مزهر إلى أنّ “عمّال النظافة في الشركات يخضعون لقانون العمل اللبناني، على خلاف العمل المنزلي المستثنى من قانون العمل”. لذلك، تؤكّد على “أنّ من مسؤوليّة الشركة التي يعمل فيها العمّال المهاجرون أن تؤمّن احتياجات العمّال لناحية السكن اللائق أو بدلاً عنه والتأمين الصحّي، وعدم اتّخاذ أيّة إجراءات في حالة الحجر الصحّي بحق العمّال كخصم الرواتب أو عدم دفعها. يُضاف إلى ذلك، عدم صرف العمّال خلال مرحلة الحجر”.

وتحذّر مزهر من أمر آخر، وهو تعرّض العمّال المهاجرين المصابين بفيروس كورونا للتمييز على صعيدين: التمييز في مكان العمل الذي قد ينتج عنه خسارة الوظيفة، والتمييز الاجتماعي الذي قد يواجهه العمّال في المحيط الذي يسكنون فيه. وللحالتين نتائج كارثية على ظروف العمّال: “من ناحية العمل، قد يتم صرف العمّال من عملهم فقط بسبب إصابتهم بفيروس كورونا حتى بعد شفائهم، إذ أنّ هذا النوع من الممارسات، كحرمان العامل من دخله أو صرفه من العمل ينقلهم إلى حالة أكثر هشاشة تُحمِّلهم أعباء نتيجة التمييز ضدهم”. ويعني ذلك بحسب مزهر “الدخول في سلسلة من التغيرات تبدأ من خسارة الوظيفة فخسارة المدخول، ثم السكن في أماكن أكثر اكتظاظاً. أيّ الدخول في حلقة مفرغة تعرّض صحّتهم والصحّة العامّة أكثر للخطر”. وتلفت النظر إلى أنّ منظمة العمل شاركت في مرحلة سابقة في تقديم المشورة لتعديل قائمة التدقيق الخاصّة بمفتّشي وزارة العمل حول السلامة والصحّة المهنيّة والحقوق الأساسية في العمل، وقد أضيفت أسئلة خاصّة بالعمال المهاجرين وتتعلّق بالوقاية من كورونا.

ومن ناحية اجتماعيّة، كحالة عمّال رأس النبع الذين يواجهون مطالبات محليّة لطردهم من المنطقة بسبب إصابتهم بالفيروس، تقول مزهر إنّ “الفيروس لا يميّز بين جنسيّة أو طبقة اجتماعيّة”. وتلفت إلى أنّ “لبنان ملزم بالمواثيق الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي تناهض التمييز”. وتضع المسؤولية هنا على “عاتق السلطات التي من واجبها بثّ الخطاب التوعوي للسيطرة على النزعات الشخصية ضدّ المصابين واتّخاذ إجراءات عمليّة تحمي من وصمة العار. وتضيف: “هم في وضع هشّ ويحتاجون إلى الاحتضان لا التمييز”.

العمّال المهاجرون يخشون التصريح عن حالتهم الصحيّة

تلخّص مزهر بعض الارتدادات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا على العمّال المهاجرين:

  • الخوف من الكلام عن الوضع الصحّي خشية التمييز ضدّهم أو حتى خسارة عملهم.
  • عدم وصول المعلومات الكافيّة للعمّال حول إجراءات السّلطات التي يمكن أن تكون لمصلحتهم، والتوعيّة حول فيروس كورونا.
  • عدم إمكانية حصولهم على أدوات الوقاية، كمواد التعقيم والكمّامات (في حالة عملهم في شركات أو منازل، يقع على عاتق هذه الشركات وأصحاب العمل تأمينها).
  • خسارة الكثير من العمّال المهاجرين المياومين لمداخيلهم وإمكانية استمرارهم في تغطية احتياجاتهم الأساسية.

لكن، ماذا عن العمّال الذين دفعت بهم الظروف إلى أوضاع غير نظاميّة؟ تجيب مزهر أنّه “في حال إصابتهم بالفيروس قد لا يشعرون بالراحة لطلب الرعاية الصحية خشية توقيفهم ثم ترحيلهم”. ورداً على إعلان مدير عام مستشفى رفيق الحريري الحكومي د. فراس أبيض لـ”المفكرة” بأن “المستشفى لا تحيل أحداً إلى الأمن العام في حال لم تكن أوراقه قانونية، بل تطلب تأمين أيّة أوراق تثبت هويّته للتمكّن من فتح ملف له”، تعلّق مزهر بأنّ عدم توقيف أحد في المستشفى هو الأمر الصائب. لكنّها ترى أنّ الأمر لا يكتمل إلّا بأن تعلن السلطات عن هذا الأمر بشكل رسمي لطمأنة العمّال المهاجرين في هذه الظروف بأنّه لن يتمّ توقيفهم. وتختم “نسعى ونأمل أن تأخذ جائحة كورونا معها بعضاً من القوانين والممارسات التي تنتهك حرمة أن تكون عاملاً حرّاً”.

 ***

كيف تطوّرت قضية رأس النبع؟

 بعد مضيّ أشهر على هذه الواقعة، تواصلت “المفكرة” مع مدير الشركة برنار صغبيني للاستفسار عن الإجراءات التي اتّخذتها بالنسبة للعمّال الأجانب، فجاءت ردوده مقتضبة. وقد أشار إلى أنّ “نحو 30% من العمّال الأجانب عادوا إلى بلادهم أو سافروا إلى بلدان أخرى للعمل حيث يمكنهم تقاضي رواتب بالعملة الأجنبيّة، وحصلت عمليّة ترك العمل بالتراضي بدون ضغط من الشركة”. ورداً على سؤال عمّا إذا كانت الشركة أعطتهم أيّة تعويضات قبل مغادرتهم لبنان، اكتفى بالقول: “أعطينا ما هو حق”. وبالنسبة للعمّال الأجانب الّذين يستمرّون في العمل بالشركة، لفت صغبيني إلى أنّ “هؤلاء نحاول تحسين رواتبهم عبر تقديم حلول وسطيّة”، بدون توضيح ماهيّة هذه الحلول. وتبعاً لذلك أجرينا زيارة ميدانية إلى منطقة رأس النبع فوجدنا أنّ المبنى الذي كان يقطنه العمّال فارغ كلّياً وقال لنا الجيران إنّه جرى تسفير جميع العمّال. ولدى مواجهة صغبيني بهذه المعلومة وسؤالنا عن مكان السكن الجديد للعمّال الذين قال إنّهم ما زالوا في لبنان، رفض إعطاء أيّة تفاصيل وطلب منّا التوقّف عن الاتصال به. 

 

انشر المقال

متوفر من خلال:

مجلة ، تحقيقات ، مجلة لبنان ، لبنان ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، الحق في الصحة والتعليم



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني