عكار تحتج في زمن الكورونا: منتفضو حلبا يرفضون “التسوّل” بإسم المستشفى الحكومي


2020-03-29    |   

عكار تحتج في زمن الكورونا: منتفضو حلبا يرفضون “التسوّل” بإسم المستشفى الحكومي

عادت عكار من جديد لتحتلّ واجهة المشهد العام في لبنان. ففي ظل الرتابة التي تسيطر على الوضع السياسي والإجتماعي قرر المنتفضون إعادة بث روح إنتفاضة 17 تشرين التي تمّر بفترة إستراحة بسبب حالة الطوارئ التي تعيشها البلاد نتيجة انتشار فيروس كورونا. فيوم السبت 28 آذار، قرر ناشطو حلبا القيام بوقفةٍ إحتجاجيةٍ رمزية أمام المبنى البلدي بالتزامن مع انعقاد فعالية لنوّاب عكار لجمع تبرّعات لتجهيز المستشفى الحكومي. وأراد المتظاهرون التعبير عن رفضهم للمقاربة التي يتبّعها سياسيو المنطقة لمكافحة خطر كورونا والتي تحاكي  المقاربة العامة للسلطة والطبقة السياسية والتي تقوم على حملات التبرّع لدعم المستشفيات وتعزيز القطاع الطبي. ولكن تحوّل الأمر إلى إشكال بين المتظاهرين ومرافقين وأنصار نائبين عن المنطقة تخلله إطلاق نار كثيف.

واليوم الأحد، أوقف عناصر من فرع المعلومات الناشط غيث حمّود الذي يعتبر الناطق بإسم خيمة اعتصام حلبا في ساحة البلدة على خلفية إشكال الأمس وحتى كتابة هذه السطور لم يتكشّف شيء عن مصيره أو الدافع وراء توقيفه.

"حفلة تسوّل"

اجتمع في مركز عصام فارس البلدي في حلبا نوّاب عكار السبعة بينهم هادي حبيش ووليد البعريني وأسعد درغام وطارق المرعبي وحضرت فعاليات سياسية وبعض رؤساء البلديات التابعة لعكار بهدف جمع الأموال عبر التبرعات والمساعدات المالية وتقديمها  إلى المستشفى الحكومي. ولكن لم يرق ذلك للمنتفضين الذين رأوا فيها "حفلة تسوّل" كما وصفها أحد ناشطي خيمة اعتصام حلبا فراس عبدلله، و"خطة مدبرّة فيها منفعة سياسية واضحة"، فتداعوا إلى وقفة إحتجاجية أمام المبنى البلدي مبدين سخطهم إزاء هذا الإجتماع ونيّتهم فضح نوايا الموجودين.

حاول عدد من المحتجّين الدخول إلى الإجتماع الذي كان قائماً للتعبير عن رأيهم أمام الحضور ولكنّ القوى الأمنية رفضت ذلك بحجة أنّ ما يجري في الداخل هو مناسبة رسمية بحتة. وبعد منعه من الدخول، لم يتوانَ الناشط غيث حمّود الذي من رفع الصوت أمام المدخل قائلاً: "المجتمعون في الداخل هم سبب الأزمة كلّها، هم وراء سياسة التفقير ونهب الأموال العامة وإضعاف دور المستشفى الحكومي وسرقة صندوقه". ولم تكن النقمة على سياسيي المنطقة وحدها محرّك هذا الإحتجاج بل "إجتماعهم الوقح " حسب وصف أحد المنتفضين والهدف من هذا الإجتماع هو السبب الأساسي، "إنهم وباء عكار الحقيقي" يضيف.

وسادت حالة من الهرج والمرج تخللّها تدخّل مناصرين للبعريني وحصل تدافع كبير بينهم وبين المتظاهرين ما أدّى إلى وقوع إصابات، ولاحقاً أطلق مرافقو البعريني النار في الهواء لتفريق الحشد قبل أن ينطلق موكب النائب هادي حبيش ويقوم مرافقوه أيضاً بإطلاق النار بكثافة في الهواء. ومع تصاعد حدّة الإشكال تمّ تعليق الفعالية وغادر جميع النواب والفعاليات مبنى البلدية.  

وفي فيديو مسجّل بُثّ على فيسبوك يروي غيث حمّود أنّ: "ما حدث هو إطلاق نار مباشر على مواطنين عزّل. المنتفضون أتوا لمصارحة الموجودين من الساسة بحقيقة الوضع في لبنان أيّ أنّهم سبب المأساة الرئيسي، وسبب تقاعس الدولة وأنهم من منح الغطاء الأول للمصارف التي نهبت أموال الناس". وأكد أنّ المنتفضين سلميّون وعزّل لا يملكون "عصا" للدفاع عن أنفسهم، ولا سلاح لهم سوى صرختهم، منتقداً الجيش والقوى الأمنية الذين حافظوا على هدوئهم ولم يأخذوا أي قرار لحماية المنتفضين.

المنتفضون في وجه النواب

"منذ بداية أزمة كورونا وحملات التسوّل إنطلقت" يقول عبدلله لـ"المفكرة القانونية"، ويتابع "المركز البلدي كان شبيهاً بالمزاد العلني، الموجودون في الداخل مشهود لهم بالفساد وملفّاتهم تعجّ بالمخالفات". ويتابع أنّ المنتفضين في حلبا ما زالوا على مواقفهم السابقة، يعارضون النهج السياسي المتّبع ولو تشكلت حكومة جديدة، لكنهم وبسبب الظروف الإستثنائية قرروا أن يتمهّلوا قليلاً ليعززوا دورهم في المقابل في تأدية واجبات وطنية أخرى كحملة الإغائة التي قاموا بها في الأسبوع الماضي أو حتى تضامنهم العلني مع مدير المستشفى الحكومي عارضين عليه خدماتهم غير المشروطة.

ويشير عبد الله إلى أنّ ما حدث (أمس) غير مقبول أبداً ليس فقط لأنه شهد عملية تسوّل وتلقّي تبرّعات وتقديمات المالية آتية من أشخاص لهم باع طويل في الفساد بل أيضاً لأن المحتجّين لا يثقون بنوّاب المنطقة لذلك لا يمكنهم ائتمانهم على المال المخصص لدعم المستشفيات الحكومية والقطاع الطبي. وأعرب عبد الله عن قلقه وقلق المحتجّين من أن تمتدّ اليد أيضاً على أموال البلديات التي ستتحوّل من الصندوق البلدي المستقلّ.ويقول المحتجّون إنّه منذ بدء الأزمة جُمع حوالي 500 مليون ليرة للمستشفى الحكومي ولم يعرف ماذا حصل فيها، متسائلين ما الذي يضمن ألّا تلقى التبرّعات الجديدة مصير سابقاتها؟  

والنوّب يردّون

في إتصال مع النائب السابق وليد البعريني ينفي الأخير لـ"المفكرة" أن يكون قد أرسل مناصريه لمهاجمة المنتفضين، مؤكّداً أنه بالرغم من اختلاف وجهات النظر معهم إلّا أنّهم "أهلنا وأحباؤنا". وقال إّنّه خرج إلى المعتصمين وطلب منهم أن يختاروا ممثلاً عنهم إلّا أنهم رفضوا مصرّين على الحضور جميعاً مما أفشل مبادرته.

بدوره يقول النائب طارق المرعبي الذي كان حاضراً في الإجتماع إنّه "لا يجب أن يكون هناك انقسام في وجهات النظر أو خلاف لأنّ لإجتماع (أمس) كان مهمّاً جداً، ليس فقط لأنه ضمّ الفرقاء السياسيين فحسب بل لأنهم إستطاعوا أن يجمعوا أكثر من مليار ليرة لبنانية في أقل من ساعة من أفراد داخل عكار وخارجها".

ورداً على تشكيك المحتجّين في مصادقية النوّاب، يجيب "شكّلنا لجنة مؤلفة من 30 شخصاً فيها 7 نواب ونقيب المحامين وغيرهم من الشخصيات الفعّالة تمارس التدقيق على الحسابات مرة في الأسبوع وتتابع مستجدات التبرعات وأحوال المرضى، كان يهمّنا أن تكون هذه اللجنة موسّعة أكثر وتضم المخاتير وهيئات تابعة للبلدية لأنهم على علمٍ وثيق بأوضاع المواطنين الحقيقية إلّا أن جائحة كورونا حالت دون ذلك". ويدعو جميع المشكّكين في عمل اللجنة إلى مساءلتها وحضور إجتماعاتها إذا كانوا حريصين على الوضع ومندفعين إلى العمل أمّا إذا كان هنالك أحد غير معجب بتاتاً في عمل هذه اللجنة ويرفضها إطلاقاً  فدعاه إلى أن يعمل لوحده، لا أحد يمنعه من ذلك، حسب تعبيره. وعند سؤالنا له عن غياب نقيب الأطباء أجاب المرعبي بأن نقيب الأطباء لا وظيفة حقيقية له أصلاً في هذه المهمة بل دوره يقتصر مع وزارة الصحة والمستشفى الحكومي لمتابعة الأوضاع.

رئيس إتحاد بلديات الشفت عكار أنطون عبوب كان غائباً عن الإجتماع الذي جرى في المركز البلدي. ويعلّق على عدم حضوره بالقول: "كنت أوّل من تبرّع للمستشفى الحكومي بقيمة 10 ملايين ليرة وللصليب الأحمر بـ5 ملايين ليرة لكنني لاحظت أن كمية التبرعات التي يحظى بها المستشفى الحكومية هائلة". ويرى أنه كان من الأفضل أن يذهب جزء من هذه التبرّعات إلى البلديات لدعمها وتعزيزها، فهو وكونه رئيس بلدية منيارة يقوم بتوزيع مساعدات للعائلات المحتاجة ويجري ذلك في أوقات الليل، إحتراماً للخصوصية. ووصف ما جرى في المركز البلدي بأنه "ليس سوى مبايعة سياسية،  حملة إستغلال سياسي. ولكن لا أتّفق مع فكرة الإستيلاء على صندوق البلديات إذ معظم البلديات لا مال لها وشبه مأفلسة كما أن رؤساء البلديات لن يقبلوا بأن يستولي أحد على أموالها".

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، حراكات اجتماعية ، الحق في الصحة والتعليم



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني