عشــرون مقترحــا من أجل قانون حديث لمهنة المحاماة بالمغرب


2019-08-21    |   

عشــرون مقترحــا من أجل قانون حديث لمهنة المحاماة بالمغرب

ملاحظات أولية:

قبل تقديم المقترحات التي نرى أنها يمكن أن تساهم في وضع قانون جديد لمهنة المحاماة بالمغرب يستجيب لتطلعات المحامين، نقدم بعض الملاحظات التي نعتبرها مهمة في تدبير عملية تعديل القانون الحالي المنظم للمهنة.

الملاحظة الأولى: القانون الجديد يجب أن يتمثل نص وروح دستور 2011:

صنف فقهاء القانون الدستوري دستور 2011 في خانة الدساتير صك الحقوق، وذلك بالنظر إلى ما حمله تصديره من توجه واضح نحو تبني حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، وجعل الاتفاقيات الدولية تسمو على القاعدة القانونية الوطنية، وإن كان ذلك بشروط، وأيضا بما تضمنه هذا الدستور من تنصيص على كثير من الحقوق رافعا بعضها من مستوى القواعد القانونية “العادية” إلى المستوى الدستوري، وكذا من خلال دسترة عدد من المؤسسات ذات الصلة. والأهم من كل ذلك، جعل القضاء الذي هو الحامي الأصلي للحقوق والحريات سلطة مستقلة.

في ظل هذا الدستور وتنزيلا لمقتضياته، صدرت كثير من القوانين والقوانين التنظيمية، منها ما تمثل روح ونص الدستور المشار إليهما أعلاه ومنها ما جاء بعيدا عن ذلك.

قانون مهنة المحاماة، وهو المنظم لمهنة جوهرها الدفاع عن حقوق واحترام القانون وتجسيد القيم، لا يمكن بحال من الأحوال ألا يتمثل روح دستور 2011 وفلسفته. لذلك لا نتصور أن يصدر قانون للمهنة بمنهجية غير تشاركية. ونرى ضرورة أن يكون هذا القانون ديمقراطيا وحداثيا شكلا ومضمونا.

الملاحظة الثانية: العمل على تعديل بنية القانون المنظم للمهنة عوض مجرد تعديلات

جرت العادة في إعداد القوانين السابقة المنظمة للمهنة، أن يتم اعتماد القانون المطبق أساسا للتعديل، فيتم الاحتفاظ ببنيته الأساسية واللجوء إلى تعديل المقتضى أو المقتضيات المراد تعديلها، مما جعل بنية القانون وحجمه يظلان دون تغير منذ عقود من الزمن، وتظل كثير من مقتضياته مختصرة جدا، وبعض الجوانب المهمة غير منظمة بشكل كاف ومفصل، مما يطرح إشكالات كثيرة في التطبيق. والحال أنه ليس هناك ما يمنع من اصدار قانون مفصل كما هي الحال بالنسبة لكثير من القوانين المقارنة، وذلك سعيا إلى سد الفراغات والتصدي بالتنظيم لما يفرزه الواقع من إشكالات.

الملاحظة الثالثة:

إن قانون المهنة المزمع إصداره، يأتي في سياق مختلف عن ذلك الذي صدرت فيه القوانين السابقة، وهو تحديدا سياق دستور 2011. خاصة بنفسه الحقوقي وبدسترة السلطة القضائية وما ترتب عن ذلك من قوانين وقوانين تنظيمية. الأمر الذي يتعين معه تمثل نص وروح هذا الدستور، سواء في مضامين القانون الجديد أو في منهجية وضعه. وفي هذا الإطار نذكر ما نص عليه تصدير الدستور من تشبث المغرب بحقوق الانسان كما هي متعارف عليها عالميا. وجعل الاتفاقيات الدولية كما صادق عليها المغرب وفي نطاق أحكام دستوره وقوانينه وهويته الوطنية الراسخة تسمو على التشريعات مع ما تتطلبه تلك المصادقة.

ونص الفصل الأول أن النظام الدستوري للمغرب يقوم على أساس فصل السلط وتوازنها وتعاونها والديمقراطية المواطنة والتشاركية وعلى مبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة.

وبناء على ما سبق، فإن وضع مشروع القانون، أو حتى تقديم مسودة أو مقترح من جهة ما ، والتكتم على مضامينه، لم يعد مناسبا في ظل التنصيص الدستوري  على الديمقراطية والتشاركية. الأمر الذي يقتضي إشراك عموم المحامين في مناقشة المشروع وإعداده من خلال الهيئات والتنظيمات المهنية.

بعد هذه الملاحظات نقدم المقترحات التي نعتبرها مساهمة منا في النقاش العام حول قانون المهنة.

أولا: شرط شهادة الماستر لولوج المهنة

بعد التغير الذي عرفته مناهج التعليم الجامعي، والتعديلات الكثيرة التي لحقت الترسانة القانونية الوطنية، بل والقوانين الجديدة والكثيرة التي صدرت في العقدين الاخيرين لتنظيم مختلف مناحي الحياة في المجتمع المغربي، والتي لا يدرس منها إلا النزر اليسير خلال سنوات الإجازة، وبعدما تم تعديل شروط الولوج إلى كثير من المهن والوظائف وتحديدا شرط المؤهل العلمي، وبعدما أصبح المحامي مطالبا بالإلمام بكثير من فروع القانون وهو ينوب ويؤازر أمام محاكم ومجالس تأديبية متعددة التخصصات، وصعوبة التخصص في هذا الفرع أو ذلك، والذي يعود إلى أسباب كثيرة متعلقة بواقع الممارسة المهنية، بالنظر إلى كل ذلك، فإن شرط الإجازة لولوج المهنة لم يعد مناسبا، خاصة أمام تعثر فكرة التكوين أو التكوين المستمر. وقد يساهم اعتماد شهادة الماستر لولوج المهنة في تجويد الممارسة المهنية أمام المعيقات والصعوبات المذكورة.

ثانيا: إجراء مباراة للولوج عوض الامتحان

لولوج المهنة، تجري وزارة العدل امتحانا تعلن عن موعده وباقي تفاصيله بمرسوم. وما دام الأمر يتعلق بامتحان، فإنها لا تعلن عدد المناصب المتنافس حولها بل يبقى العدد مفتوحا وبالتالي يعتبر فائزا كل من حصل على المعدل المحدد. وهكذا يمكن تصور فوز الآلاف في كل مرة بغض النظر عن الحاجة إلى هذه الأعداد من عدمه، وبغض النظر عن القدرة الاستيعابية للهيئات وبنياتها الاستقبالية.

ونظرا لما يخلقه هذا الوضع من ارتباك ولكونه غير عملي ولا يطبق لولوج أي مهنة أو وظيفة، فإنه يتعين القطع مع هذا الاختيار واعتماد نظام المباراة كما يجري به العمل في كل القطاعات الأخرى. ويجب أن يكون هذا الاختبار منصوصا عليه في قانون المهنة، تجنبا لأي لبس أو جدال في كل مناسبة.

لكن كيف يتم تحديد عدد المناصب المتبارى عليها؟ هذا ما نقترحه في المقترح الموالي.

ثالثا: تحديد مجلس كل هيئة سنويا نسبة الخصاص من المتمرنين

إن هيئات المحامين بحكم ممارستها اليومية، هي الأقدر على تحديد الخصاص في كل هيئة وكذا قدرتها الاستيعابية. لذلك، فإنه يتعين أن يتخذ مجلس كل هيئة في بداية كل دخول قضائي قرارا يحدد خصاص الهيئة من المتمرنين، إذا كان هناك خصاص، وذلك بناء على استقراء الهيئة وعلى طلبات المكاتب التابعة لها.

وتبلغ الهيئات قرارتها إلى وزارة العدل التي تقف من خلال تلك القرارات على العدد المطلوب والذي يكون أساسا لمباراة الولوج التي تعلن عنها في الوقت الذي تراه مناسبا (كل سنة أو أكثر).

رابعا: التكوين بالمعهد

ينتظر المحامون منذ سنوات طويلة إحداث معهد للتكوين والتكوين المستمر الذي نص عليه قانون المهنة دون إخراجه للوجود. ولا نعرف الأسباب الحقيقية لعدم إخراج المعهد إلى الوجود، رغم مرور كل هذه السنوات.

وتجدر الإشارة إلى أن مهنة المحاماة من المهن القليلة إذا لم تكن الوحيدة في مكانتها التي يلجها الخريجون دون تكوين مسبق. وقد قامت بعض الهيئات بمبادرات ذاتية للتكوين والتكوين المستمر، لكن لم تحقق النتائج المطلوبة لاعتبارات عديدة، أهمها عدم مأسسة الفكرة وضعف الميزانيات الموصودة (إن رصدت لها ميزانيات) وترك الأمر اختياريا للمحامين للاستفادة من هذه التكوينات. وقبل كل ذلك عدم أخذ مسألة التكوين والتكوين المستمر بالجدية اللازمة من طرف المحامين والجهات ذات الصلة بالموضوع. علما بأن الجناح الثاني للعدالة، القضاة، يستفيدون ومنذ سنوات طويلة من تكوين رفيع سواء في المعهد أو من خلال البعثات إلى الخارج أو الدورات التكوينة المحلية خاصة بمناسبة صدور قوانين جديدة، مقابل إهمال تام لتكوين المحامين وكأن العدالة يمكن أن ترفرف وتطير بجناح واحد.

وهذا الواقع لم يعد مقبولا، أمام اتساع الهوة بين مكونات العدالة، خاصة في إثر الصدور المستمر لقوانين جديدة تخص مختلف مناحي الحياة، ما يتطلب مواكبة مستمرة عن طريق التكوين الرصين. وهذا لا يمكن أن يتم إلا عن طريق معهد مختص يقضي فيه المحامي المتمرن سنتين قبل أن يلتحق بمكتب محاماة لقضاء سنة ثالثة تكون بوابة لدخول الممارسة الفعلية للمهنة.

كما يستخدم هذا المعهد في التكوين المستمر للمحامين الرسمين المسجلين في مختلف الهيئات عبر دورات منظمة وإلزامية كما سيأتي بيانه.

خامسا: بحث نهاية التمرين

في كل المهن التي يخضع فيها الوالجون إلى تمرين، يقدم المتمرن بحثا في نهاية تمرينه يتمحور حول موضوع معين، يعكس معارفه النظرية والتطبيقية وكيفيات اعتماد المناهج العلمية في الكتابة تحليلا واستنتاجا. وهو الأمر الذي يتعين اعتماده في مهنة المحاماة، حيث يقدم كل متمرن بحثا في موضوع مختار وتحت إشراف محام رسمي معين لهذا الغرض، ويناقش البحث أمام لجنة مهنية علمية. ويتوقف ترسيم المتمرن على نتيجة مناقشته لهذا البحث، وإلا يمدد تمرينه.

ولعل هذا البحث يكون مفيدا فيما ذكرناه أعلاه، وأيضا في جعل المتمرن مهتما بالبحث والتحصيل والتمرس خلال مدة التمرين عوض أن يعتبر نفسه محاميا كما هو الحال اليوم إذ لا ينتظر المتمرن إلا نهاية المدة حيث يصبح محاميا رسميا بمرور الزمن فقط ودون البحث فيما إذا كان فعلا قد خضع إلى تمرين أم لا.

سادسا: حذف واجب الإنخراط وتعويضه من الميزانية العامة

من المعلوم أن هيئات المحامين بالمغرب تشترط على كل والج للمهنة واجبا للانخراط عبارة عن مبلغ مالي. وما فتئ هذا المبلغ يرتفع قدره سنة بعد أخرى حيث أصبح غير متاح لعدد كبير من خريجي الحقوق الالتحاق بالمهنة، بخاصة من لا تكون أسرهم ميسورة الحال حتى ولو كانت لهم رغبة وقناعة واختيار حقيقي للمهنة.

وبالرغم من أن هذه الرسوم غير منصوص عليها في القانون إلا أن العمل جار بها منذ عقود. وتعتبر الهيئات أن مبرر فرضها هو اعتماد مبالغها لتسيير إدارة الهيئات، إذ تضاف إلى واجب الاشتراك السنوي للمحامين وتصرف في أداء واجبات المستخدمين وغيرها مما يقتضيه سير الهيئة. لكن أليست المحاماة جزءا من مرفق العدالة وأنها تقدم خدمة عامة؟ وأن المشرع اعتبر المحامي إلزاميا لاجراء المحاكمة في أغلب القضايا؟

إذا كان الأمر كذلك فإنه لا مبرر لعدم أداء الدولة واجبات تسيير هذا المرفق من الميزانية العامة للدولة، وأنه لا مبرر لأداء المحامين هذه الواجبات من مالهم الخاص إضافة إلى واجبات تسيير مكاتبهم.

وعلى كل حال، فعدد الهيئات قليل وتكاليف سيرها ليست كبيرة ولا بالحجم الذي قد يثقل الميزانية العامة.

ورب قائل إن ذلك قد يمس استقلال المحاماة، فنقول أن ذلك غير صحيح، فالقضاء في كل الديمقراطيات في العالم يصرف عليه من الميزانية العامة دون أن يخشى على استقلاله.

لذلك كله حان الوقت لإنهاء ما جرى به العمل من اشتراط واجب الانخراط لأنه غير مستند على أساس من القانون، وماس بالمساواة بين الراغبين في الولوج إلى المهنة.

سابعا: التسجيل في جدول الهيئة بداية كل سنة قضائية مع شرط التكوين

يجرى العمل بالتسجيل في جدول الهيئة مرة واحدة عند الترسيم. وبعد ذلك لا يصبح المحامي ملزما إلا بأداء واجب الاشتراك السنوي، وحتى هذا الاشتراك تجد الهيئات صعوبات جمة في استخلاصه بعدما ينتشر محامو الهيئة في الأرجاء، وكثير منهم لا يظهر له أثر إلا لطلب شهادة العمل، وفئة أخرى لا تظهر إلا في فترة الانتخابات المهنية، علما بأن أعداد المحامين الممارسين دون مكاتب تزداد يوما بعد يوم.

وأمام سلبيات هذا النظام، وبالاطلاع على بعض الأنظمة المقارنة، فإنه يمكن اعتماد التسجيل السنوي لكل المحامين الرسمين، أو بعبارة أدق إعادة التسجيل أو تجديد التسجيل كل سنة. وتحديدا في بداية السنة القضائية حيث يلتزم كل محام رسمي بوضع طلب إعادة التسجيل بالجدول.

والأهم من ذلك أن يكون هذا الطلب – تحت طائلة عدم قبوله – مرفوقا ب:

  1. واجب الاشتراك السنوي
  2. ما يفيد استفادة صاحب الطلب من حصص للتكوين المستمر لا تقل عن كذا ساعة (علما أن عددا من الأنظمة المقارنة تشترط أربعين ساعة من التكوين المستمر، من خلال الحضور لندوات أو ورشات أو محاضرات في أي فرع من فروع العلوم والمعرفة). ولاشك أن نظاما كهذا قد يجعل المحامين أكثر حضورا وارتباطا بهيئاتهم، ومن جهة أخرى يمكن من التنزيل الفعلي لشرط التكوين المستمر الذي هو اليوم ضرورة ملحة.

ثامنا: “الاحتكار” الكامل لمهام الدفاع:

بالرغم مما يثيره مصطلح “الاحتكار” من معانٍ سلبية، فإنه يكون معبرا في السياق الذي نتحدث فيه عن معنى إيجابي، حيث يقصد به أن يقوم المحامي دون غيره بـأعمال النيابة والدفاع وتمثيل الأطراف في المحاكم وغيرها، وتقديم الاستشارة.

ولا شك أن المحامي باعتبار تكوينه وتخصصه ضمن مهنة تأهلت تاريخيا للقيام بعمليات الدفاع، هو أقدر من غيره على القيام بتلك المهام كيفما كانت مؤهلات وتكوين ذلك الغير الذي له مهنة أو عمل آخر غير عمل الدفاع.

لكن رغم ذلك، فإن المشرع المغربي لازال يسمح لعدة أطراف من دولة ومؤسسات وحتى أشخاص ذاتيين بالاستغناء عن المحامي وخوض غمار التقاضي واجراءاته بشكل مباشر.

ومن الواضح أن هذا الوضع لم يعد له ما يبرره بعدما تم فتح باب المهنة لاستقبال أعداد جديدة من الوافدين بالآلاف تضاف إلى آلاف آخرى ضاقت عنهم جنبات المهنة وساءت أوضاعهم لأسباب عديدة منها عدم احتكار المحامين لمهام الدفاع دون غيرهم.

ولا شك أن اتساع مجال القانون والقضاء وصدور قوانين كثيرة وإنشاء محاكم متخصصة وصعوبة الإجراءات وتعقيدها كل ذلك يجعل أمر الدفاع مهمة شاقة حتى بالنسبة للمحامي في الظروف الحالية. فكيف بالأحرى بالنسبة للمواطن الذي يسمح له بالدفاع شخصيا، أو بالنسبة لموظف يمثل الإدارة كعبء يتحمله فوق عمله الأصلي؟

وبالرجوع إلى ما تقدمه الإدارات والمؤسسات والأشخاص الذين يتقاضون مباشرة دون محام، من مذكرات أو مقالات يتضح أنهم بعيدون كل البعد عما يقتضيه التقاضي من معرفة وخبرة.

وإن ذلك لا يساهم في تجويد العملية القضائية، ويزيد متاعب القضاة وكتاب الضبط وهم يتعاملون مع تلك الفئات.

لذلك فإن القانون الجديد للمهنة يجب أن يتضمن نصا واضحا يؤكد على الاحتكار التام لمهام التمثيل والدفاع من طرف المحامي، مع توفير المساعدة القضائية لكل من لا تتوفر له امكانيات تنصيب محام.

تاسعا: إعادة النظر في شروط قبول النقض

مهنة المحاماة هي الوحيدة التي لا تراتبية بين المنتمين إليها في المغرب. وحتى من يتحمل المسؤولية كنقيب أو عضو في المجلس، فإن ذلك لا يمنحه أي امتياز أثناء أداء عمله حين يمثل الأطراف أو يدافع عنهم في مواجهة زميل آخر. ويصحّ هذا الأمر أيضا أمام درجتي التقاضي المعتمدتين في النظام القضائي المغربي. وحتى لدى محكمة النقض، فإن الترافع أمامها يتساوى فيه المحامون مع مرور الزمن إذ أن شرط الخمس عشرة سنة اللازمة لتمثيل الأطراف هي مسألة وقت فقط. لكن نظرا لكون محكمة النقض هي أساسا محكمة قانون، وإن من المفروض أن يكون مستوى التقاضي أمامها رفيعا، سواء من حيث الطلبات والمذكرات، وما تثيره من اشكالات قانونية تعتمد كأساس للاجتهاد القضائي وتوحيد اتجاهات القضاء في مختلف القضايا التي تطرح أمامه، وهي بهذا تمثل واجهة القضاء ووجهه ليس في المغرب فقط بل في كل الانظمة القضائية المقارنة.

لكل ذلك فإن استمرار نظام القبول بالنقض بمجرد مرور الزمن فقط لم يعد مناسبا، لأنه لا بد من وضع معايير أخرى تضاف إلى الاقدمية وخاصة تلك المتعلقة بالتكوين والإنتاج العلمي والشواهد العلمية كأساس للقبول أمام محكمة النقض.

عاشرا: دمقرطة أجهزة الهيئات وتمكين الجمعية العمومية من سلطات تقريرية

في ظل التحول المؤسساتي الجاري وخاصة في ضوء تنزيل دستور 2011 الذي جعل القضاء سلطة مستقلة، وخلق مؤسسات للحكامة ونص على الديمقراطية التشاركية وأتاح للمواطنين إمكانية المساهمة التشريعية ونص على ربط المسؤولية بالمحاسبة، في ظل كل هذا لا يمكن للمحامين الاستمرار في العمل بناء على قانون بعيد كليا عن فلسفة وروح دستور 2011 وخاصة على مستوى تكوين أجهزة الهيئات وصلاحياتها، إذ من غير المعقول الاستمرار في اعتبار الجمعية العمومية للمحامين إطارا صوريا ليس له أي اختصاص تقريري، إذ ينتهي دورها بانتخاب النقيب والمجلس، وبعد ذلك يصبح ما تقوم به مجرد مناقشات، دون أن يكون لها الحق في اتخاذ أي قرار.

وليس طبيعيا أن يكون الجهاز الذي ينتخب النقيب والمجلس ليس له أي سلطة لمراقبتهما وبالأحرى محاسبتهما. والمفروض أن تكون الجمعية العمومية هي أعلى جهاز تقريري يبت ويقرر في شؤون المهنة على صعيد الهيئة، والجهازين الآخرين ينفذان ما تقرره الجمعية العمومية. لكن الوضع في هيئات المحامين مقلوب، وعليه يتعين تعديل هذا الوضع بتمكين الجمعية العمومية من السلطات التقريرية التي تمكنها من وضع التصورات العامة في كل شؤون الهيئة وخاصة التصويت على الميزانية ومراقبة النقيب والمجلس ومحاسبتهما وترتيب النتائج اللازمة تطبيقا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.

ولعل عدم تمكين الجمعية العمومية من أية سلطة تقريرية هو ما يجعل اللجوء إلى القضاء هو الوسيلة الوحيدة  اليوم لمحاسبة المسؤولين على ما يمكن أن يرتكبوه من أفعال.

حادي عشر: انتخاب النقيب لولاية واحدة وتخفيض مدة الأقدمية

من الأوضاع غير الطبيعية في هيئات المحامين بالمغرب تنقل بعد المحامين لعقود من الزمن بين منصب النقيب وعضوية المجلس دون أن يقدموا لهذه الهيئات أية إضافات، وإنما يصرون على التواجد بهذه المواقع لمجرد التواجد أو لأهداف أخرى، وهم بذلك يحرمون فعاليات مهنية أخرى من تحمل المسؤولية وإمكانية تقديم عطاءات واجتهادات أخرى. كما أن هذا السلوك يقدم صورة غير صحيحة على مدى التداول على ممارسة المهام بين الأشخاص والأجيال في أوساط المحامين وهم في الأصل رجال ونساء القانون وحقوق الإنسان ويفترض فيهم السبق في تطبيق الممارسات الفضلى في الديمقراطية والحكامة الجيدة.

وقد حصلت القناعة لدى أطراف كثيرة بكون ذلك الوضع ليس طبيعيا. لذلك نص ميثاق إصلاح منظومة العدالة على حصر مدة انتخاب النقيب في ولاية وحيدة غير قابلة لتجديد. ولا شك أن هذا الاختيار ينهي ممارسة غير طبيعية استمرت لعقود .

وسيكون الوضع أفضل لو تم تخفيض الأقدمية اللازمة للترشح لمنصب النقيب من خمس عشرة سنة إلى عشر سنوات، ففي ذلك تجسيد فعلي لنهج التداول وإفساح المجال للشباب لتحمل المسؤولية.

ثاني عشر: حذف الفئوية من مجالس الهيئات.

عمد القانون الحالي لتنظيم المهنة إلى تشكيل مجلس الهيئة من ثلاث فئات:

النقباء السابقون، المسجلون بالجدول لمدة تفوق عشرين سنة والمسجلون بالجدول لمدة تتراوح بين عشرة وعشرين سنة.

مع تساوي عدد أعضاء الفئتين الثانية والثالثة.

وقد أفرز هذا الاختيار أوضاعا غير طبيعية في هيئات كثيرة عدد النقباء السابقين به ثلاثة أو أربعة ابتعد بعضهم عن الانتخابات، مما جعل هذه الفئة دائما ممثلة بنفس الشخص أو الشخصين. أيضا من غير المفهوم في مثل هذه الهيئات تمثيل فئة النقباء السابقين وهل هم فئة فعلا؟ علما أن النقيب السابق يكون عضوا بالمجلس بقوة القانون.

وحيث بالنسبة للفئتين الثانية والثالثة فلم تعودا تعكسان هرم البنية الجيلية داخل أغلب الهيئات. وفي كل الأحوال وما دامت عملية اختيار أعضاء المجلس تتم بالانتخابات، فإنه من المفروض بالنسبة للمحامين، وهم جزء من النخبة الوطنية، أن يختاروا الأفضل والأنسب بغض النظر عن الأقدمية أو الفئة التي ينتمي إليها المرشح. وهذا ما ظل العمل يجري به قبل صدور القانون الحالي. ولا يفهم ما الداعي لسن مسألة الفئوية.

ثالث عشر: دعم التمثيلية النسائية

بعد مصادقة المغرب على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التميز ضد المرأة (سيداو) ورفع كل التحفظات عليه، واعتماد دستور 2011 بما نص عليه تصديره من جعل الاتفاقيات الدولية كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور وقوانين المغرب وهويتها الوطنية الراسخة تسمو فور نشرها على التشريعات الوطنية، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات مع ما تتطلبه تلك المصادقة. وما نص عليه الفصلان 19 و 164 من نفس الدستور بخصوص مساواة الرجل والمرأة ومناهضة التمييز والسعي إلى المناصفة بين الجنسين، وبعد أن اعتمدت جل المؤسسات والهيئات مقاربة النوع ولجأت إلى نظام الكوطا كآلية مؤقتة تضمن تمييزا ايجابيا لفائدة النساء وتمكينهن من الوصول إلى مركز القرار، فإن هيئات المحامين لازالت لم تتمثل بعد المقتضيات الدستورية والمرجعية الحقوقية المذكورة ولازلت تمثيلية النساء ضعيفة في المجالس، أما على مستوى منصب النقيب فهي  منعدمة.

ولا شك أن طبيعة هذه الهيئات، كمؤسسات ذات طبيعة حقوقية تفرض أن تكون السباقة لاعتماد تلك المرجعية لضمان حضور مشرف للمحاميات في أجهزة تسيير الهيئات.

رابع عشر: الاقتراع باللائحة

لا شك أن الأوضاع التي تعيشها هيئات المحامين اليوم، يعود الجزء الأهم من أسبابها إلى الأجهزة المسيرة للهيئات، وتحديدا النقباء والمجالس، سواء في خلق هذه الأوضاع أو في تدبير القائم منها. وكثيرا ما يطرح السؤال حول تملك الذين يرشحون أنفسم لهذه المواقع لتصورات لأوضاع الهيئات ولبرامج وخطط عمل أم أن الأمر يتعلق بمجرد ترشح لشغل منصب، وبعد ذلك يتم الاشتغال على التدبير اليومي. لكن الوقت المناسب لطرح هذا الأمر للنقاش هو مرحلة الترشح والتصويت أي مرحلة الزمن الانتخابي والتي يرفض المحامون تسميته بالحملة الانتخابية رغم انخراط الجميع فيها.وينبغي ألا يكون الأمر موضوع نقاشات عامة فقط، بل أن يتخذ الشكل القانوني، أي أن يتم التصويت على المرشحين بناء على تصوراتهم وبرامجهم عبر لوائح ترشيح تتضمن كل لائحة المرشح لمنصب النقيب وأعضاء المجلس الحاملين لذلك البرنامج والملتزمين بالعمل على إنجازه. وبهذا تصبح العملية الانتخابية المهنية عملية تعاقد بين القاعدة الناخبة واللائحة المعنية وصك تعاقدها هو ذلك البرنامج الذي يصبح فيما بعد أساسا للمراقبة والمحاسبة.

ومن خلال هذه الوسيلة أيضا يتم الكشف عن الرؤى والأهداف الحقيقية التي يدافع عليها كل مرشح ويتبناها حيث يقع فرز في الساحة المهنية على أساس الأفكار والمشاريع والبرامج عوض التقاطب على أسس شخصية واعتبارات أخرى…

إن اختيار النقيب وأعضاء المجلس بالطريقة التقليدية وعلى أساس العلاقات الشخصية لم يعد مناسبا ولا يستجيب للوضع المهني المعقد الذي تعيشه المهنة اليوم والذي يحتاج إلى رؤى وتصورات جديدة يتم التعاقد عليها، لذلك فإن نظام التصويت باللائحة وعلى أساس برنامج هو المناسب للمرحلة الحالية.

خامس عشر: تعديل المادة 61 من قانون المهنة وتحديد مجال التأديب بدقة.

تنص المادة 61 من القانون المنظم للمهنة على أنه يعاقب تأديبيا المحامي الذي يرتكب مخالفة للنصوص القانونية أو التنظيمية أو قواعد المهنة أو أعرافها أو إخلال بالمروءة والشرف ولو تعلق الأمر بأعمال خارجة عن النطاق المهني .

كيف يعاقب المحامي على مخالفة قواعد مهنة وأعراف غير مكتوبة ولا محددة ولا أحد يستطيع حصرها؟ بل إن القانون نفسه يسميها مجرد أعراف، وهل القواعد العامة للتجريم والعقاب تسمح بعقاب الشخص على اخلاله بالعرف؟ ألا تعتبر معاقبة المحامي على سلوك غير محدد ومعروف سلفا خرقا لمبدأ الشرعية؟

إن المقتضيات المتعلقة بالتأديب في قانون المهنة تستحق إعادة النظر بشكل شامل، لكننا ركزنا على هذه المادة لخطورتها ولكونها استعملت في كثير من الحالات بشكل غير دقيق لأن صياغتها تسمح بذلك، ولأن مسألة التأديب مهمة، وتكررت في الآونة الأخيرة في حالات أثير حولها نقاش كبير بين المحامين، فقد آن الأوان للتدقيق في صياغة النصوص المتعلقة بالتأديب واحترام مبدأ الشرعية القاضي بألا جريمة ولا عقوبة إلا بنص،  وأنه لا يمكن الاستمرار في معاقبة المحامين على أفعال يقال أنها تخالف الأعراف والمروءة والشرف … وهي مفاهيم غير دقيقة وغير محددة.

سادس عشر: تمييز المخالفات المهنية عن الأخطاء المهنية

يجري العمل من طرف الجهات ذات  الصلة بتحريك المتابعة أو الحكم في قضايا التأديب مهنيا على متابعة ومعاقبة المحامي متى ارتكب خطأ أو مخالفة مهنية، ويتم إنزال العقاب به من انذار أو توبيخ أو توقيف أو تشطيب، دون تمييز في ذلك بين ما يعتبر فعلا مخالفة ذات طبيعة جنحية مهنية تستحق تلك العقوبة، وما هو خطأ مهني غير مقصود يرتب مسؤولية مدنية طبقا للقواعد العامة وعلى المتضرر اللجوء في شأنها إلى القضاء لطلب التعويض مما لحقه من ضرر. علما بأن الهيئات ترتبط مع شركات التأمين بعقود تأمين عن المسؤولية المهنية. وهكذا فإنه ليس معقولا الاستمرار في معاقبة المحامي لمجرد أنه لم يرد على موكله في الهاتف أو لم يستقبله أو حتى لفوات أجل الطعن أو غيرها من الحالات التي يجب على المدعي فيها أن يلجأ إلى القضاء لطلب التعويض بعدما يثبت عناصر المسؤولية وخاصة الضرر الذي لحقه من فعل المحامي.

سابع عشر: فصل سلطة المتابعة عن سلطة الحكم في قضايا التأديب.

من القواعد العامة أو شروط المحاكمة العادلة أمام القضاء أو المجالس التأديبية، أن الجهة التي تضع المتابعة، وهي التي تكون في موقع المدعي أو الخصم، لا ينبغي أن تكون في نفس الوقت في موقع الحكم، والأمر في قضايا التأديب المهنية، يجري على خلاف ذلك، إذ أن النقيب غالبا ما يضع المتابعة وهو نفسه الذي يرأس المجلس التأديبي. وهذا الوضع ماس بأصول المحاكمات وفيه كثير من الإحراج. لذلك يتعين إسناد سلطة المتابعة للنقيب وسلطة الحكم للمجلس الذي يرأسه النقيب السابق أو أقدم عضو بالمجلس.

ثامن عشر: إحداث المجلس الوطني للمحاماة

تنظم مهنة المحاماة في المغرب قانونا على مستوى الهيئات التي تمارس كل منها اختصاصاتها في حدود دائرتها. لكن القانون لم ينص على أي تنظيم وطني للمحامين، وكأنهم ليست لهم أية قضايا ذات طبيعة وطنية مشتركة تفرض مخاطبا وطنيا منظما بالقانون.

وهذا الوضع الغريب تنفرد به مهنة المحاماة في المغرب إذ أنها منظمة محليا فقط. وقد حان الوقت لتنظيمها وطنيا عن طريق النص في قانون المهنة على مجلس وطني للمحاماة ينتخب أعضاؤه وطنيا وبشكل مباشر من طرف الجمعيات العامة للمحامين، ويختص أساسا في التدبير الوطني لقضايا المهنة، كما يمكن أن تسند له اختصاصات أخرى.

تاسع عشر: إحداث لجنة لتتبع ومراقبة مالية الهيئة

يعتبر الشأن المالي للهيئات من القضايا المهمة والمثيرة اليوم لكثير من المشاكل في جل الهيئات.وقد زادت حدة المشاكل بعد سن المادة 57 من القانون الحالي للمهنة والذي جعل النقيب والمجلس يدبر ميزانيات ضخمة دون أية آليات للمراقبة.

وإن هذا الوضع غير سليم قانونيا، ولا شك أن المشرع سيتدخل لإنهائه. لكن قبل ذلك، وحيث أن ما لا يدرك كله لا يترك جله، فإنه يتعين إحداث آلية داخلية للتتبع والمراقبة المالية عبارة عن لجنة تنتخب مباشرة من الجمعية العامة للهيئة تكون مهمتها تتبع ومراقبة مالية الهيئة.

عشرون: ولوج القضاة والأساتذة الجامعيين

من الإشكالات المطروحة اليوم والتي يتعين إيجاد صيغة لحلها في مشروع قانون المهنة: ولوج القضاة وأساتذة كلية الحقوق إلى مهنة المحاماة وشروط ذلك.

ونعتقد أنه ينبغي التعاطي مع الموضوع في إطار ما تقتضيه المصلحة العامة وليس مصلحة هذه الفئة أو تلك. فمن المعروف أن المحامين والقضاة وأساتذة كلية الحقوق نهلوا من نفس النبع، ومستوياتهم المعرفية متقاربة وكذلك مواقعهم الاجتماعية، وهم بهذا يشكلون عصب الأسرة القانونية في المجتمع، وكل طرف لا يستطيع الاستغناء عن الأخر، بل إن هذه الحاجة تزداد اليوم بشكل أكبر. إذ القاضي والمحامي في حاجة إلى الاستمرار في النهل من معين البحث الأكاديمي، ويجب أن تعطاه الفرصة لاستكمال البحث والتكوين المستمر في الجامعة. والبحث الجامعي لا يمكن أن يظل نظريا مرتكزا على المصادر والمراجع فقط بل هو في حاجة إلى مستجدات التطبيق العملي لنصوص القانون والنظريات الفقهية، وذلك لا يمكن أن يتم دون فتح الباب للمحامي والقاضي. ومن جهة أخرى فإن المحاماة في حاجة إلى تعزيز صفوفها بقضاة سابقين أكفاء خبروا تطبيق النص القانوني من الموقع الآخر. والقضاء في حاجة إلى تعزيز صفوفه بالمحامين الذي تمرسوا على كل المساطر في تعامل مباشر مع المواطنين، ومارسوا أمام كل درجات التقاضي وتخصصاته (عادي، إداري، تجاري، عسكري…) وهو ما لا يتاح للقضاة.

إذن من خلال هذا، وخاصة ضرورة انفتاح كل مهنة على محيطها بشكل إيجابي يتضح أنه لا ينبغي أن توصد الأبواب في وجه أي طرف مما ذكر وينبغي فتح الجسور بين المجالات الثلاتة بكل يسر، وبشروط متشابهة وبنفس درجات الشواهد العلمية والأقدمية في الممارسة.

ولا شك أن ذلك سيكون فيه خير للجامعة وللعدالة بجناحيها، ويؤدي إلى تجويد العملية القضائية وتمتين البحث العلمي بالجامعة.

هذه إذن، بعض المقترحات التي يمكن أن تساهم في اعتقادنا في تجويد النص القانوني المنظم لمهنة المحاماة، علما بأن هناك كثيرا من الجوانب التي تستوجب المراجعة.

مواضيع ذات صلة:

واجبات الإنخراط في المحاماة تصل مستويات هائلة في المغرب: حين تصبح مهنة المحاماة حكرا على الفئات الميسورة

بوادر مواجهة بين إدارة الضرائب والمحامين الشباب بالمغرب

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، استقلال القضاء ، المغرب



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني