شراء علبة بنادول يتسبّب بفتح تحقيق بلدي وطرد عائلة: اللاجئون السوريون عالقون بين كورونا والعَوَز


2020-04-08    |   

شراء علبة بنادول يتسبّب بفتح تحقيق بلدي وطرد عائلة: اللاجئون السوريون عالقون بين كورونا والعَوَز

بينما كانت عائلة اللاجئ السوري بسّام حلّاق الذي أضرم النار بنفسه في البقاع تشيّع شهيد لقمة العيش والضائقة الاقتصادية، كان وزير الشؤون الإجتماعية رمزي مشرفية يعلن عن وجود “مليوني نازح سوري في لبنان” في اجتماع “مجموعة الدعم” الخاصة بلبنان في قصر بعبدا صباح الإثنين 6 نيسان 2020. رقم المليونين يستعمل رسمياً للمرة الأولى، على الرغم من أنّ أرقام المفوضية السامية لشؤون اللاجئين تشير إلى وجود 910 آلاف لاجئ مسجّل لديها في مركزها في بيروت. وكانت الأرقام المتداولة في لبنان، قبل الإثنين، لا تتخطى المليون ونصف المليون لاجئ سوري ما بين مسجّل مع المفوضية وغير مسجّل.

في الإجتماع نفسه، ساوى رئيس الجمهورية ميشال عون بين ما أسماه “أكبر أزمتين يشهدهما لبنان” منذ الإستقلال “أزمة الكورونا، وأزمة النزوح السوري”. وفيما رأى أنّ فيروس “كوفيد 19” اجتاح كل العالم، شدّد على أنّ “لبنان تفرّد بتحمّل عبء النزوح السوري بكلفة لامست 25 مليار دولار باعتراف المنظمات الدولية”، ليدعو الدول إلى الإيفاء بالتزاماتها بدعم لبنان بـ11 مليار دولار أقرت في مؤتمر سيدر، ولمساعدته أيضاً في “ملف النزوح السوري”.

الهاجس اللبناني الرسمي، ومعه الشعبي من “عبء” اللاجئين السوريين في لبنان، وخصوصاً مع الهلع من انتشار فيروس كورونا وتفشيه، تترجمه بعض البلديات في ممارساتها تجاه السوريين القاطنين في نطاقها البلدي، تعسفاً. تتذرع بعض السلطات المحلية بإعلان التعبئة العامة لتمعن في إجراءاتها المخالفة للقانون تجاه اللاجئين، كأن تحصر أوقات خروجهم من التجمعات السكنية بين 9 صباحاً والواحدة بعد الظهر (كما فعلت بلدية بريتال) تحت طائلة المسؤولية والعقاب، أو فرض حظر تجوّل على السوريين فقط وتحديد شخص واحد لشراء حاجيات كل المخيم (كما في بر الياس)، مما دفع بـ”منظمة هيومين رايتس ووتش” إلى إبداء قلقها من تأثير هذه الإجراءات على فرص اللاجئيين السوريين بتلقّي العلاج أو طلب المساعدة في حال إصابتهم بالفيروس. واعتبرت المنظمة أن هذه الإجراءات تناقض كل التزامات لبنان الدولية. وتتسبب الإجراءات البلدية ورد فعل المجتمع اللبناني عامة تجاه أي مشتبه بإصابته بالكورونا في تخوّف اللاجئين من طلب المساعدة نظراً للوصمة ورد الفعل الذي يصل في بعض الحالات إلى الترحيل من المنطقة التي يقطن فيها اللاجئ. وطبعاً يؤدّي هذا الوضع إلى عزوف اللاجئين عن التبليغ عن أي عوارض قد تجعلهم موضع شبهة واتهام ووصم وهو ما يهدد بانتشار كورونا وتفشيه ليس فقط ضمن المجتمع اللاجئ وإنما في المجتمع اللبناني، كون اللاجئين السوريين يشكلون حالياً ثلث سكان لبنان تقريباً.

وفيما أكّدت الناطقة باسم مفوضية اللاجئين ليزا أبو خالد لـ”المفكرة القانونية” “إلتزام المفوضية بتغطية تكالبف فحوصات وعلاج من يصاب بكورونا في المستشفيات اللبنانية”، علماً أن التغطية تشمل المسجلين مع المفوضية فقط، أي 910 آلاف، والذين تقل نسبتهم عن نصف عدد السوريين المتواجدين في لبنان وفق مشرفية. فمن يتكفل بعلاج وفحوصات مليون ومئة ألف لاجئ غير مسجلين، في وقت يعاني فيه لبنان أزمة اقتصادية غير مسبوقة وإقفال تام للقطاعات والمؤسسات غير المرتبطة بقطاعي الطبابة والغذاء وملحقاتهما؟ مع التذكير أن غالبية اليد العاملة السورية مياومة، أي مرتبطة بالشغل اليومي لتقاضي الأجر، وهو عمل توقّف بدرجة كبيرة في لبنان.

نبحث في هذا التحقيق في ظروف اللاجئين السوريين العالقين ما بين إجراءات البلديات وقلة المساعدات وانعدام فرص العمل لتعويض النقص في الإعانات، كما في مدى سهولة وصولهم إلى الخدمة الصحية ودرجة انتشار التوعية في تجمّعاتهم حول الفيروس وسبل الحماية وتوفّر أدوات الحماية المطلوبة من معقمات وأدوات تنظيف وكمامات وقفازات، كما في إمكانية التزام الحجر الصحي في حال وجوبه، وسط الإكتظاظ السكاني في الخيم نفسها كما في المخيمات والتجمعات السكنية الخاصة بهم.

علبة بنادول تتسبب بطرد عائلتين

خرج فتى سوري من خيمة أهله، في إحدى المناطق الزراعية في محافظة جبل لبنان، ليشتري علبة بنادول من الدكان الصغير القريب من تجمّع يضم نحو خمسين عائلة سورية. ما أن عاد إلى خيمته حتى تبعه نحو 10 شبان متطوعين لمساعدة البلدية في تنفيذ إعلان التعبئة العامة المطبق في البلاد منذ 15/3/2020، والذي ترجمته بعض السلطات المحلية بمنع تجوّل السوريين القاطنين في نطاقها البلدي. أراد متعقبو الفتى التحقيق في السبب الذي دفع العائلة إلى شراء البنادول “البنادول يعني في أعراض إنفلونزا، يعني ممكن حدا من بيناتكم معه كورونا”. وإذ اعترض أب العائلة على هذه الرقابة المتشددة “كل الناس بيوجعها راسها”، اندلع حسب جاره إشكال تطوّر إلى تضارب. لم يكتف المتطوعون بضرب أفراد العائلة وعددهم نحو ثمانية أشخاص، بل طلبوا من البلدية ترحيلهم من المنطقة تحت طائلة التوقّف عن مساعدتها. انصاعت البلدية لطلبهم وأمرت صاحب البيت، مع عائلته وعائلة إبنه المتزوج بالمغادرة، برغم مكوثهم في البلدة منذ سبع سنوات. ولم يتمكّن هؤلاء من حمل أغراضهم معهم، وبعد يومين عادت الأم من عكار، حيث لجأوا قبل يومين، لتأخذ ملابسهم وبعض الحاجيات. وقد تردّد أنّ المتطوعين ينتمون لأحد الأحزاب اليمينية في المنطقة، ولكن لم يتسنّ لـ”المفكرة” التأكد من الأمر، وسط تضارب المعلومات.

في قصة مشابهة ولكن لم تصل حدّ الترحيل من البلدة، يروي لـ”المفكرة” مواطن من إحدى البلدات العكارية ما حدث مع لاجئ سوري يعاني من عوارض الإنفلونزا قصد صيدلية البلدة التي يعيش فيها لشراء دواء يساعده في تخفيف الإحتقان الذي يعاني منه. وما إن عاد هذا اللاجئ إلى المبنى الذي يسكنه حتى ضرب حراس البلدية ومعهم بعض السكان طوقاً حول المبنى طالبين من سكانه، وجميعهم من السوريين ضرورة الحجر الصحي بسبب الشك بوجود إصابة بالكورونا بينهم. وبعد أخذ وردّ، أرغم الرجل على الذهاب إلى مستشفى رفيق الحريري في بيروت لإجراء فحص الكورونا. بعد أخذ عيّنة الفحص، طلبت المستشفى من اللاجئ العودة إلى بيته والحجر على نفسه ريثما تظهر النتيجة. لم يكن اللاجئ يملك أجرة طريق العودة، ما استدعى جمع المال من جيرانه وأقاربه لإعادته إلى البلدة وسط هرج ومرج ومراقبة للتأكد من عدم خروجه “برغم أنّ الرجل لم يحاول الخروج نهائياً من غرفته”، وفق ما أكد الشاهد، إلى حين تأكيد عدم إصابته بالفيروس. وطبعاً تداولت كلّ البلدة أنّ فلاناً مصاب بالكورونا رغم أنّ “ذلك غير صحيح”.

على خط موازٍ، تداول الإعلام خبراً مفاده إقدام اللاجئ السوري بسام الحلاق على إضرام النار بنفسه في تعلبايا – البقاع الأوسط، مما أدى إلى وفاته في إثر نقله إلى مستشفى البقاع في تعنايل. حلاق فقد امكانية مزاولة عمله في البناء في ظل فرض حظر التجول، وحصره بالضروريات. وفيما نقل عن عائلة الحلاق أنه انتحر بسبب عدم قدرته على دفع إيجار منزله وتأمين سبل العيش لعائلته، قالت موظفة في محافظة البقاع لـ”المفكرة” أن الرّجل يسكن مع أولاده المتزوجين منهم مع عائلاتهم وغير المتزوجين في بيت واحد، ويعاني الجميع من مشاكل جمّة على رأسها الضائقة الإقتصادية.

55% من اللاجئين السوريين تحت خط الفقر

نحن نتحدث عن “مليوني نازح سوري” في لبنان،  قال وزير الشؤون الاجتماعية إنهم “يعيشون في مخيمات غير شرعية، ويتوزعون على مختلف المحافظات، وهناك ملاجئ سكنية وغير سكنية دائمة وغير دائمة لهم”.  وتذكّر الناطقة باسم المفوضية ليزا أبو خالد لـ”المفكرة”، أنّ 55% من اللاجئين السوريين في لبنان يعيشون بأقل من 2.9 دولار في اليوم، وفق أرقام 2019، أي قبل تفاقم الأزمة الاقتصادية نهاية 2019 وبداية 2020، ثم حلول أزمة فيروس كورونا الذي أقفل البلاد وشلّ معظم الأعمال ومعها الأشغال، وخصوصاً أشغال المياومين التي تشكل مصدر رزق غالبيتهم.

هذه المعطيات مضافة إلى الوضع المفروض على كل القاطنين في لبنان بمن فيهم اللبنانيين، ومعطوفة على ممارسات خاصة تقيّد تحركات السوريين، تطرح أسئلة مشروعة عن وضع هؤلاء الاقتصادي والإجتماعي والصحي. ما هي الخطط التي وضعت لحمايتهم صحياً ومعيشياً ووقائياً؟ بخاصة إذا ما علمنا أنّ 20% من بينهم فقط يحصلون على مبالغ مالية لا تتخطى شهرياً 260 ألف ليرة للعائلة الواحدة، لدعم احتياجاتهم الأساسية، فيما يستفيد 40% من بينهم فقط بـ40 ألف ليرة للفرد من برنامج الغذاء العالمي، وفق أبو خالد نفسها. وتؤكد أبو خالد أنّ بعض عائلات اللاجئين تستفيد من الخدمتين معاً، مما يعني أنه لا يمكن جمع نسبة المستفيدين، بل يؤشر في أفضل الأحوال إلى أنّ 50% من المسجّلين مع المفوضية فقط يستفيدون من المساعدات المالية والغذائية وبمبالغ رمزية نسبياً، فيما الـ50% الآخرين، أي ما يقارب أربعمائة وخمسين مليون لاجئ إلى مئات آلاف السوريين غير المسجلين، لا يتلقّون أيّة إعانات من المفوضية أو برنامج الغذاء العالمي.

وفيما اعتبر مشرفية “أن الإنكماش الاقتصادي في لبنان سجل نسبة 12% اضافية في العام 2020 وقد ترتفع نسبة من هم تحت خط الفقر إلى 52% نهاية العام بحسب تقارير البنك الدولي، من بينهم 22% تحت خط الفقر المدقع و44% من العاطلين عن العمل، أكّد أن “كلفة اللاجئين سنوياً تتراوح بين 4 و5 مليارات دولار منها حوالي المليار دولار تكاليف مباشرة سنوياً. وهو ما يوازي نحو 25 مليار دولار بإجمالي السنوات المنصرمة”.

وزير الصحة يتهم المؤسسات الدولية بـ”هدر الوقت”

في اجتماع “مجموعة الدعم” نفسه، ولدى حديثه عن وضع “النازحين السوريين في زمن الكورونا”، انتقد وزير الصحة حمد حسن “غياب المؤسسات الدولية والأممية عامة عن خطط التدخل الصحية الميدانية”، وقال “لا يزال معظمها في صدد وضع خطط ودراسات وهذا هدر للوقت، مما قد يشكل كارثة وبائية وإنسانية”. واعتبر أنّ الوزارة “لا تفرّق بين المجتمعات أو الجنسيات، وتؤمّن الحماية بشفافية ومهنيّة للجميع على كل الأراضي اللبنانية”. وترك حمد لوزير الشؤن الاجتماعية الذي تتولى وزارته قطاعات أساسية في ملف اللاجئين السوريين تحديد الإحتياجات: “هناك الحاجة إلى أسرّة ووحدات عناية فائقة تصبح ملحة وكبيرة جداً، ما يوازي نحو 200 سرير إضافي و25 وحدة عناية فائقة وأجهزة تنفس إضافية إذا ما أصابهم وباء الكورونا. وهناك الوقاية والتدريب والعناية الضرورية التي تقوم بإعطائها المفوضية العليا للاجئين إضافة إلى تقديم العاملين الإنسانيين والبرامج الخاصة”.

من جهتها، تؤكد أبو خالد أنّ المفوضية، وإضافة إلى إبلاغها السلطات اللبنانية بتغطية تكاليف فحص كورونا وتكاليف العلاج للاجئين المسجّلين عندها، تقوم ومنذ أواخر شباط 2020 “بنشر المعلومات بين اللاجئين حول فيروس كوفيد 19، وعوارضه وكيفية الحماية منه، وما العمل عند رصد عوارضه”. وشملت جلسات التوعية “226 ألف و400 لاجئ، يعيشون في بيئات مكتظة (مخيم أو مأوى أو ملجأ جماعي)، مشيرة إلى حصول التوعية في 4 آلاف و249 موقعاً، مع توزيع الصابون بالتعاون مع اليونيسف. وأكدت ان المفوضية والمنظمات الشريكة نشروا التوعية في كل تجمعات اللاجئين المكتظة والتي تشكل 22% من المجتمع اللاجئ في لبنان.

وتؤكد أبو خالد أن المفوضية تعمل “بشكل وثيق مع السلطات الوطنية للإستجابة لكوفيد 19، وأنها تلقت ضمانات تفيد بعدم اعتقالهم أو توقيفهم أو ترحيلهم لعدم حيازة إقامة في حال لجوئهم لإجراء فحص الكورونا”. وتقول أنه لم يسجل لغاية اليوم أي إصابة بالكورونا بين اللاجئين السوريين، من دون أن تعطي “المفكرة” رقماً محدداً عن الذين أجروا فحص كورونا بين السوريين، برغم انتظارنا الرقم لأيام. في المقابل، أوضح عاملون في جمعيات تتابع مدى إجراء فحوصات للاجئين السوريين أنهم لم يروا سيارة واحدة للصليب الأحمر تنقل لاجئاً لإجراء فحص الكورونا من المخيمات، وهذا يطرح تساؤلات جدية حول عدد الذين خضعوا لفحوصات. ويشير تقرير وزارة الصحة العامة الصادر في 7 نيسان 2020 إلى وجود ثلاثة سوريين بين المصابين في لبنان، من دون تحديد ما إذا كانوا من تجمعات اللاجئين أم لا.

وعن آلية إخضاع اللاجئين السوريين للفحص، تقول إنّ الآلية نفسها متبعة للبنانيين وغير اللبنانيين عبر وزارة الصحة لدى الإتصال بالخط الساخن المخصص لكوفيد 19. ويتطور البروتوكول، وفق أبو خالد حسب الحالة، إذ يطرح فريق الوزارة سلسلة أسئلة على المتصل حول العوارض والإحتمالات المرتبطة بها، والإجراءات المتصلة ومنها: العزل في المنزل، والتوجه لإجراء الفحص. وهنا، تلفت أبو خالد، إلى أنّه أذا كان اللاجئ قادراً على الوصول إلى مستشفى رفيق الحريري عبر قيادته سيارته بنفسه أو أن يقود به شخص أخر، يطلب منه/ما اتخاذ الإجراءات الوقائية من كمامات وقفازات والتوجه إلى مستشفى الحريري في بيروت، أما اذا لم يكن هناك وسيلة نقل، فإن وزارة الصحة تطلب من الصليب الأحمر نقله.

وتلفت إلى سعي المفوضية لتجهيز بعض المستشفيات ومراكز للحجر الصحي في المناطق التي يتواجد فيها اللاجئون بأعداد كبيرة ليتسفيد منها المجتمعان المضيف واللاجئ. ولكن أبو خالد لم تفصح عن نوعية هذه التجهيزات ولا الوقت المحدد لتأمينها. وبحسب خطة توسيع الإستجابة الوطنية لتحديات كورونا، وفق أبو خالد، فإن دعم المفوضية سيزيد 800 سرير في المستشفيات للعلاج ومئة سرير في العناية المركزة.

وثمّة مفارقة يلفت إليها جهاد وهو لاجئ سوري أب لخمسة أطفال لم يتخط كبيرهم العاشرة من عمره، في سهل البقاع، يقول لـ”المفكرة”، إنّ اتصالاً ورده من موظف في إحدى المنظمات الدولية يطلب منه ملاقاته إلى مدخل المخيم ليسلمه ما وصفها “مساعدات” للساكنين فيه. ويتابع أنّه فوجئ بالموظف يمنحه كرتونة كبيرة تحتوي رزمة من المنشورات “فلايرز” التي توعّي اللاجئين على فيروس كورونا وكيفية غسل أياديهم وضرورة ارتداء الكمامات والقفازات وتؤكد لهم على ضرورة التباعد الاجتماعي ودوره في الحماية من العدوى. ويتابع أنّه سأل الموظف: “ولكن كيف نأتي بالكمامات والقفازات ومواد التعقيم والتنظيف؟”، فأجابه بحركة من يديه تنفض عنه المسؤولية “هيدا لي معي هلأ”.

حظر بسمنة وحظر بزيت

وعلى خط مواز ثانٍ، تكشف ممارسات بعض البلديات اللبنانية التي فرضت حظر تجوّل على السوريين أكثر حدة من ذلك المفروض على اللبنانيين كالعادة، الوضع السيئ الذي يعاني منه السوريون. ووزع ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي حادثة وقعت مع أحد السوريين في إحدى قرى قضاء البترون كمثال على ما يحدث مع هؤلاء بعيداً عن الإعلام. فقد صودف أن التقى حارس إحدى البلديات بلاجئ سوري في الطريق. غضب الحارس البلدي واعتدى بالضرب على اللاجئ من دون أن تشفع له محاولة البعض الرد عنه. ليس هذا فحسب بل قامت البلدية بمنح اللاجئ مهلة ساعة واحدة ليترك البلدة تحت طائلة المسؤولية. علماً أن اللاجئ يعيش منذ عشر سنوات في البلدة نفسها ولم يبدر منه أي سلوك سلبي طيلة تلك الفترة.

وفي الوقت الذي يعتبر فيه كثر من اللبنانيين والمسؤولين أنّ التضييق يطال السوريين واللبنانيين، تحدث جار العائلة التي تم ترحيلها من إحدى مناطق جبل لبنان إلى عكار، عن تمييز سلبي ضد السوريين تحديداً “مثلاً نعمل كسوريين ولبنانيين في شركة تنورين للمياه. تسمح البلدية للبنانيين بالتوجّه يومياً بشكل طبيعي إلى العمل في الشركة وتمنع السوريين، ليسأل “أليس هذا القرار عنصرياً؟”، مؤكداً أن المياومين في الشركة يتقاضون 30 ألف ليرة عن كل يوم عمل. “من وين بدنا نجيب لنعيش، وهل الكورونا تصيب السوري ولا تصيب اللبناني؟ أم أنهم يعتبروننا موبوئين ومرضى لمجرد انتشار الكورونا في لبنان”. ويؤكّد هذا اللاجئ أنّ أوضاع عائلات سورية كثيرة “صارت تحت الصفر وما معهم ياكلو”، وسط غياب تام لأي نوع من المساعدات “قامت بلديات المنطقة والأحزاب بتوزيع مساعدات على اللبنانيين وأدوات تعقيم وتنظيف ولم يعطونا أي شيء بحجة أن مسؤوليتنا تقع على الأمم المتحدة”، يضيف.

عشرون شرطياً إضافياً لحراسة 15 ألف سوري

وما أن تطرح موضوع اللاجئين السوريين والكورونا أمام أي لبناني، مواطناً عادياً كان أم مسؤولاً في أي من الإدارات المعنية باللجوء السوري في لبنان حتى يأتيك الجواب موحداً لناحية مضمون الإجابة “ليش وضع اللبنانيين أحلى؟”

“يعاني اللبنانيون طبعاً”، وفق ما يقول موظف في إحدى المنظمات الدولية العاملة مع اللاجئين في لبنان، ولكن “هل حصل ووظفت إحدى البلديات عشرين شرطياً إضافياً لمراقبة اللبنانيين وضبط تحركاتهم؟”، وفق ما يقول لـ”المفكرة”. ويؤكد أنّ بلدية تلحياة في سهل عكار، على سبيل المثال لا الحصر، وظّفت عشرين شرطياً إضافياً لحراسة نحو 15 ألف لاجئ سوري يقطنون في نطاقها البلدي في مناطق قعبرين وكفرملكي والمقيطع وتلحياة موزعين على 180 مخيم يراوح عديدها ما بين  4 إلى 150 خيمة. ويقفل هؤلاء مداخل التجمعات السورية في الخيم ويتركون مدخلاً واحداً يسمحون فيه بالخروج للضرورة القصوى فقط “مثلاً إذا بدنا نروح ع الحكيم لازم نجيب معنا تقرير طبي حتى يخلّونا نرجع نفوت ع خيمتنا”.

مصدر في بلدية تلحياة تضع إجراءتها في إطار المحافظة على المجتمع من سوريين ولبنانيين “منع التجول يسري على الجميع، ونحن نسمح بخروج شخص ليشتري حاجيات بقية القاطنين في المخيم عند الحاجة”.

ويقول المصدر إنّ البلدية تهتم بكل من تعلم بمعاناته من عوارض الإنفلونزا والحرارة وأية ظواهر أخرى قد تدفع إلى الشك بإصابته “وإلا بتفلت الأمور”. ترسل البلدية المريض إلى مستوصف البلدة للكشف عليه. طبعاً لا يوجد فحص كورونا في سهل عكار حيث يعيش 60 ألف لاجئ سوري على الأقل موزعين على بلدات السمونية-بلانة الحيصة، والسماقية وتلحياة: “من يشك طبيب المستوصف بإصابته بالكورونا منبعته على مستشفى رفيق الحريري”، يقول.

ويرى المصدر البلدي أنّ السوريين في سهل عكار بخير كونهم “يعملون ضمن السهل في الزراعة ويعودون إلى بيوتهم، كما يتلقون مساعدات وبطاقات تغذية”، معتبراً أن أوضاعهم أفضل من أوضاع اللبنانيين”.  وكشف عن مركز حجر صحي تجهزه البلدية بالتعاون مع مفوضية اللاجئين في مبنى كان مخصصاً لمهنية رسمية في البلدة. ويختم المصدر بالقول “ما تخافوا ع السوريين من البلديات، خافوا عليهم من الشاويش الذي يقاسمهم مناصفة على يومياتهم من العمل في الزراعة ويتحكم بهم في كل مفاصل الحياة وكلفتها”. والشاويش هو الشخص الذي يتولّى إدارة المخيم بشكل عام وكانت مهامه محصورة بداية في تأمين فرص عمل للاجئين في الورش الزراعية والبناء، وقد أنجزت “المفكرة” تحقيقاً عن عمالة الأطفال في الزراعة وممارسات الشاويش الذي يقاسم العاملين، من أطفال وبالغين، أجرة يومهم. ومع الوقت تطوّرت سلطة الشاويش على العامل وصاحب العمل في الوقت نفسه، حيث أفاد بعض كبار المزارعين لـ”المفكرة” أنّ من لا يرضى عليه الشاويش، سواء من أصحاب العمل أو العمال، من الصعب تيسير أعماله وتأمين العمال لأول، والعمل للثاني، إذا لم تسر الأمور وفق إرادة الشاويش.

المعكرونة مقابل الحليب

تعيش جمال في أحد مخيمات بلدة ببنين بين طرابلس وعكار في خيمة مع عائلتها وزوجها الذي لم يجد عملاً منذ ثمانية أشهر. لا تتلقى أم الأطفال الأربعة أي مساعدة “لا من المفوضية ولا من غيرها، غربلوني ما بعرف ليش”. ويستعمل اللاجئون توصيف “غربلوني” للدلالة على مراجعة المفوضية ملفات بعض اللاجئين وحرمانهم من المساعدات. تقول جمال إنّها تلقّت كرتونة “إعاشة” بحجة انتشار الكورونا من إحدى المنظمات أوائل شهر نيسان. قامت المرأة ببيع 4 علب معكرونة وكيس فاصوليا وقارورة زيت لتشتري كيس حليب لطفلتها الرضيعة “نشف حليبي من قلة الأكل ورح تموت بنتي من الجوع”.

جهاد من جهته يعتبر جمال محظوظة. يعيش الرجل مع زوجة وأربعة أطفال وأمه وشقيقته في خيمتين في أحد مخميات عرقا في عكار. يستفيد من 200 ألف ليرة كمساعدة من المفوضية “وما شفنا ولا كرتونة إعاشة أو معقمات أو مواد تنظيف”. يدفع الـ200 ألف إيجار الخيمتين لصاحب الأرض، ولا يبقى معه شيء ليطعم عائلته وأمه المريضة وشقيقته “بقضّيها عم اتدين حق الخبز وشي علبة جبنة لطعميهم”. يقول أنه يريد أن يعمل في أي شيء ليرد الجوع عن أطفاله من دون جدوى “ممنوع الخروج من المخيم ونقطة ع السطر”. يخاف جهاد من الكورونا “ولكن إن لم نمت بالفيروس سنموت من الجوع”.

يشار إلى أنّه بحسب آخر تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” الصادر أوائل نيسان الجاري فإنّه “بسبب القيود الناتجة عن سياسات الإقامة في لبنان، 22% فقط من نحو 1.5 مليون لاجئ سوري في لبنان لهم الحق القانوني في العيش في البلاد، بينما تعيش الغالبية العظمى في الخفاء وتعتبر عرضة للاعتقال التعسفي والاحتجاز والمضايقة. وأشارت إلى أن “افتقارهم إلى الوضع القانوني يعني أنهم غير قادرين على العبور بحرية عند نقاط التفتيش الموجودة في كل مكان حتى قبل انتشار فيروس كورونا المستجد، ويجدون صعوبة في الحصول على الخدمات كالرعاية الصحية أو التعليم وفي في تسجيل الولادات والوفيات والزواج”.

  • لقراءة المقال باللغة الانجليزية اضغطوا على الرابط أدناه:

Syrian Refugees in Lebanon Caught Between Corona and Destitution

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، لجوء وهجرة واتجار بالبشر ، لبنان ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني