سجال حول أولويّة الصحافيّين بالتلقيح: اتّجاه نحو ضمّ المراسلين إلى المرحلة الثانية


2021-02-20    |   

سجال حول أولويّة الصحافيّين بالتلقيح: اتّجاه نحو ضمّ المراسلين إلى المرحلة الثانية
من عملية التلقيح (عن الوكالة الوطنيّة)

بدأت يوم الأحد في 14 شباط 2021 المرحلة الأولى لعمليّة التلقيح في لبنان التي شملت العاملين في القطاع الصحّي، أي من هم في الصفوف الأماميّة لمواجهة خطّة كورونا. ومع توقّع وصول حوالي 35 ألف جرعة السبت المقبل، أعلنت نقابة المحرّرين في لبنان عن موعد لبدء تلقيح الإعلاميين الذين سجّلوا أسماءهم على المنصّة وهو 27 شباط الجاري. فتح هذا الإعلان سجالاً حول أولويّة تلقيح الصّحافيين قبل غيرهم من الأشخاص، خاصّة كبار السنّ والمصابين بأمراض مزمنة، والأشخاص العاملين في قطاعات تفرض عليهم الاختلاط اليوميّ، مثل عمّال التوصيل (الديلفري) وسائقي سيّارات الأجرة وغيرهم. 

ورداً على النقاش الدائر حول هذا الموضوع قالت وزيرة الإعلام في حكومة تصريف الأعمال منال عبد الصمد لـ”المفكّرة القانونيّة” إنّ اجتماعاً حصل بينها وبين وزير الصحّة حمد حسن ورئيس اللجنة الوطنيّة للقاح كورونا لتحديد أولويّة الصّحافيين في تلقّي اللقاح، بخاصّة بعد تصنيف منظّمة الصحّة العالميّة الإعلاميّين ضمن العاملين في الصفوف الأماميّة الذين بحاجة لتلقي اللقاح في المراحل الأولى من خطط الدول. ونفت وزيرة الإعلام وجود موعد محدد لتلقيح الإعلاميين، وأكّدت أنّ تلقيح الإعلاميّين لن يبدأ الأسبوع المقبل، لأنّ تلقيح المسنّين والأطبّاء لم ينتهِ بعد. وأشارت إلى أنّ موعد تلقيح الإعلاميّين يحدّد فقط من قبل اللجنة الوطنيّة للقاح كورونا، وأيّ تدخّل لتقريب الموعد يعدّ جزءاً من المحسوبيّة والزبائنيّة.

وبحسب الخطّة المقترحة من قبل وزارة الإعلام وموقف نقابة المحررين وعدد من الصحافيين، يبدو أنّ الاتّجاه الآن هو لتلقيح المراسلين والمصوّرين العاملين على الأرض الذين يغطّون الأخبار في التظاهرات والمستشفيات وأماكن التجمّع قبل غيرهم وفي المرحلة الثانية من الخطة الوطنية للقاح كورونا. 

أولويّة تلقيح الصحافيّين عالميّاً

عالمياً، أعلن الاتّحاد الدوليّ للصحافيّين عن دعمه لوضع تلقيح العاملين في القطاع الإعلاميّ ضمن المجموعات الأولى في حملات التلقيح في الدول، داعماً هذا التوجّه بأنّ الصحافيّين برهنوا دورهم الأساسيّ في إعلام المواطنين عن مخاطر الوباء. وشدّد الاتّحاد على أهميّة تلقيحهم ضمن الخطط الوطنيّة للقاح كورونا. وفي الولايات المتحدة الأميركيّة، صوّتت اللجنة الاستشاريّة لمركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها على أن يكون المراسلون والإعلاميون العاملون “على الأرض” ضمن المرحلة الأولى لعمليّة التلقيح. وصرّحت منظمة الصحة العالمية في لبنان بأنّ الموضوع يعود للحكومة وسياسة التلقيح لكلّ بلد.

تلقيح الصحافيّين في المرحلة الأولى: تمييز لصالحهم؟

محليّاً، يأخذ النقاش منحىً آخر، بخاصّة لارتباط عمليّة التلقيح أساساً بعدد الجرعات القادمة إلى لبنان والتي لا تغطّي كامل المقيمين والجرعات المحدودة التي وصلت حتى الآن. لذلك سجّل عدد من الصّحافيين اعتراضهم على هذه الأولويّة الممنوحة لهم، باعتبار أنّ أهاليهم وكبار السنّ هم بحاجة أكثر منهم إلى اللقاح، مع ارتفاع عدد الوفيّات في لبنان. يقول الإعلاميّ رياض قبيسي لـ”المفكّرة” إنّه من غير المنطقي أن يأخذ اللقاح قبلهم، مشدّداً على أنّ الأولويّة يجب أن تكون فقط للعاملين على التغطية المباشرة التي تعرّضهم للاحتكاك مع الناس. واعتبر أنّ منح الأولوية للصحافيين يعتبر معاملة مميّزة لهم في وقت يحاول هؤلاء التأكيد بأنّ الجميع سواسية أمام اللقاح. 

ويترك المراسل في قناة “الجديد” نعيم برجاوي حسم أولويّة تلقيح الصحافيّين للطبّ والجهات الصحيّة، انطلاقاً من رأيه “بأن الإعلاميّين والصحافيّين هم مثل أيّ شريحة في المجتمع، في حال استوفوا الشروط لأخذ اللقاح، يفترض أن يتلقوه”. وكان برجاوي قد أصيب بفيروس كورونا خلال عمله سواء على الأرض بفعل احتكاكه مع الناس أو احتكاكه بزملائه في العمل. وعلى الصعيد الشخصيّ، يفضّل برجاوي أن يأخذ المرضى والمسنّون اللقاح قبله، آخذاً بعين الاعتبار العدد المحدود للجرعات الموجودة حالياً.

واعتبر نقيب المحرّرين جوزف القصيفي في حديث لـ”المفكّرة” بأنّ فرقاً كثيرة من الإعلاميّين والصحافيّين يعملون على الأرض وهم على تماس مباشر مع الخطر، بخاصّة خلال التظاهرات، من دون أن يعني ذلك أنّهم مختلفون عن المواطنين الآخرين. وأضاف أنّ السبب الآخر برأيه لتلقيح الصّحافيين في المرحلة الأولى هو أنّهم “أساساً في التوعية على أخطار كورونا والتغطية الدائمة للخطر واستضافة الاختصاصيّين لشرح الأخطاء الشائعة، لذلك فإنّ سلامتهم ضرورية لاستكمال هذه الرسالة”.  

التوضيح الرسميّ حول أولويّة تلقيح الصّحافيين

ولتوضيح أسباب الإعلان عن أولوية الصحافيين في المرحلة الأولى، أشار رئيس اللجنة الوطنيّة للقاح كورونا عبد الرحمن البزري إلى أنّ الخطّة التي قُدّمت للبنك الدوليّ حتّى يوافق على تمويل اللقاحات في لبنان، أوصت بتلقيح الصحافيّين ضمن المرحلة الأولى لعمليّة التلقيح “وعلينا الالتزام بها”. وأكّد أنّ اللجنة الوطنيّة تسير وفق خطّة واضحة. وعن آليّة تلقيح الإعلاميّين وتحديداً المراسلين والمصوّرين العاملين في التغطيات المباشرة، يحيل البزري الموضوع إلى الخطّة الموضوعة وعدد الجرعات القادمة من دون أن يحسم ما إذا كان التلقيح سيكتفي بالعاملين المباشرين أم سيشمل العاملين في المكاتب.

ووفقاً لوزيرة الإعلام، فإنّ وزير الصحّة حمد حسن اقترح سابقاً تلقيح جميع الإعلاميّين دفعة واحدة خاصّة أنّ عددهم يبلغ حوالي 3000 شخص، ما يعني الحاجة إلى 6000 جرعة من لقاح فيروس كورونا. ولكن، بعدما تبيّن أنّ عدد المسنّين كبير (مع غياب إحصاءات سابقة تحدّد عددهم)، لم تعد اللقاحات المتوفّرة للمرحلة الأولى كافية للإعلاميّين أيضاً. 

وزيرة الإعلام تقترح آليّة للتلقيح من ثلاث مجموعات

وتعقيباً على ذلك، أرسلت وزيرة الإعلام إلى وزارة الصحّة، بدون أن تلقى ردّاً حتى لحظة تصريحها لـ”المفكّرة”، آليّة تقسيم الإعلاميّين إلى ثلاث مجموعات وفقاً لثلاثة معايير:

المجموعة الأولى وهم الإعلاميّون من الفئة العمريّة 75 وما فوق والذين يعانون من أمراض مزمنة، وهذه المجموعة ستتلقّح ضمن مجموعة المسنّين. ولن يكون لمهنتهم أيّ تأثير على الأولويّة. 

المجموعة الثانية ستشمل الإعلاميّين والمراسلين الذين تفرض عليهم طبيعة عملهم الاحتكاك بالآخرين واحتمال الإصابة بالعدوى ونقلها، إمّا في أرض الحدث أو في مؤسّساتهم الإعلاميّة (مثل مهندسي الصوت، والمخرجين والمصوّرين). وهؤلاء يكونون ضمن المرحلة الثانية بحسب الخطة الوطنية بعد كبار السّن والعاملين في القطاع الصحّي والمصابين بأمراض مزمنة.

أمّا المجموعة الثالثة فستكون لمن ليسوا مشمولين في المجموعتين السابقتين، ويحصلون على اللقاح في المرحلة الرابعة بحسب الخطة الوطنية.

مخاوف من دخول المحسوبيّة 

يسجّل تجمّع نقابة الصحافة البديلة علامة استفهام حول موضوع أولويّة تلقيح الصحافيّين، بخاصّة بعد تصريحات من البنك الدوليّ لوّحت بمحاولة دخول المحسوبيّة في عمليّة التلقيح في لبنان. وركّز بيان النقابة البديلة على “التزامنا كصحافيّين بمراقبة عمليّة توزيع اللقاح لأنّ لا ثقة لدينا في أداء هذه السلطة بكل أشكالها ومن ضمنها النقابات الفاقدة للشرعيّة التمثيليّة للصحافيّين والعاملين في المجال الإعلاميّ، وبالتالي سنكون بالمرصاد لأيّ محاولة لتوزيع اللقاح بمحسوبيّات زبائنيّة باسم الجسم الإعلاميّ”. وتعقّب إلسي مفرّج، إحدى الأعضاء في التجمّع، بأنّ المطلوب الآن من الناس هو “تفتيح عيونهم” لمراقبة عمليّة التلقيح، وتتخوّف من إصدار بطاقات صحافيّة مزوّرة بدون الاستناد إلى المعايير المهنيّة. 

وأعلن النقيب القصيفي أنّ النقابة قدّمت أسماء الصحافيّين الذين جمعتهم طوال أسبوعين وأنّ “لا اسم مدرج من خارج المهنة”، مضيفاً “نحن نقدّم أسماءنا على المنصّة كحال جميع المواطنين، وهناك يقوم المعنيّون بتقدير درجة المخاطر وفقاً لأصول علميّة”. وهنا تطرح مفرّج قضيّة إحصاء الإعلاميّين في لبنان، بخاصّة أنّ المهنة أصبحت مفتوحة لعدد أكبر من الناس بوجود “الإنترنت”، بالإضافة إلى وجود الصحافيّين الأجانب. وذلك يعني أنّ الأعداد المقدّمة من قبل النقابات الإعلاميّة (وهي نقابات غير إلزاميّة) لا تمثّل عدد الصحافيّين والإعلاميّين الموجودين في لبنان. لذلك، من المفروض، وفقاً للنقابة البديلة، أن تقوم المؤسّسات الإعلاميّة بتقديم أسماء العاملين فيها لتلقّي اللقاح، بدلاً من أن تكون عبر هيئات مشكوك بمصداقيّتها وشرعيّـها.

وفي ما يخصّ غير المسجّلين في النقابة، أوضحت الوزيرة عبد الصمد لـ”المفكّرة” أنّ بإمكان المؤسّسة الإعلاميّة إرسال لوائح باسم الإعلاميّين وبتصنيفاتهم وفق المعايير المذكورة سابقاً إلى وزارة الإعلام مباشرة، إضافة إلى تسجيل الإعلاميّين في المنصّة التي أنشأتها وزارة الصحّة للتلقيح. وحينها يتمّ تمييز الإعلاميّين وفقاً لتسجيلهم في المنصّة، وللوائح المرسلة من قبل وزارة الإعلام، إضافة إلى إظهار بطاقة الصحافة قبل الحصول على اللقاح. وبما أنّ المهنة غير منظّمة ومع انتشار مواقع إلكترونيّة عديدة، فإنّ الإعلاميّين العاملين بشكل حرّ لن تشملهم أولويّة التلقيح للإعلاميّين المشروحة آنفاً، وفقاً للمصدر نفسه.

انشر المقال

متوفر من خلال:

الحق في الصحة والتعليم ، مساواة ، حقوق العمال والنقابات ، عمل ونقابات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، سياسات عامة ، جائحة كورونا ، سلطات إدارية ، مؤسسات إعلامية ، نقابات ، قطاع خاص ، الحق في الحياة ، الحق في الصحة ، لبنان



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني