بتاريخ 22/6/2016 أصدر قاضي الأمور المستعجلة في بيروت جاد معلوفقراراً"بإقفال مطاحن لبنان الحديثة وضبط كامل كمية القمح ومنتوج الطحين والعلف الحيواني الموجود داخلها حالياً. وتقرر ألاّ يعاد العمل بها الا بعد إصدار الخبيرة المعيّنة من قبل المحكمة تقريراً يبيّن أن المستدعى بوجهها قامت بكل التعديلات اللازمة التي تؤمن الحد الأدنى من الجودة والسلامة في المنتوجات التي تبيعها. وعلى أن تدفع هذه الأخيرة غرامة إكراهية مئة وخمسين مليون ليرة لبنانية عن كل يوم تتمّ فيه مخالفة هذا القرار". وعندالساعة العاشرة من صباح 23/6/2016 توجه كاتب المحكمة زياد شعبان يرافقه محامي الجهة المستدعية (المتمثلة بعدد من الافراد وجمعية "فرح العطاء" وجمعية "حماية المستهلك" وجمعية "المفكرة القانونية") ملحم خلف الى "مطاحن لبنان الحديثة"، لتطبيق قرارالقاضي.على ان هذه العملية لم تخلو من حصول مشادة بين محامي الجهة المستدعية الذي عرض على وسائل الاعلام النتائج التي توصلوا اليها اثناء التفتيش الاولي والتي أدّت الى كل التحركات التالية وصولاً الى صدور قرار القاضي. فيما حاول محامي الجهة الاخرى تبيان ان الاثباتات محض افتراءات وادعاءات وان ما عثر عليه في المطاحن من قوارض وحشرات كان في مخزن مهجور لا يستعمل. وبناء عليه وعد خلف وسائل الاعلام بمؤتمر صحافي يبرز بالصور والفيديو ما تمّ العثور عليه.
وهكذا عقدت جمعيات "حماية المستهلك"، و"المفكرة القانونية" و"فرح العطاء" مؤتمراً صحافياً نهار الاثنين 27/6/2016 في نقابة الصحافة في بيروت، تحت عنوان "هكذا جهد القضاء في ميدان الغذاء، فمتى تنشأ الهيئة الوطنية لسلامة الغذاء".
شرحت الجمعيات الخطوات التي دفعت بهم الى التحرك "في ظل تقاعس الحكومة عن تفعيل قانون سلامة الغذاء الصادر في 24 تشرين الثاني 2015 تبعا لسلسلة من فضائح الغذاء".
وقد القى المدير التنفيذي لـ “المفكرة القانونية" نزار صاغية بياناً باسم الجمعيات فصل فيه الاجراءات القضائية التي اتبعت في قضية المطاحن غير الموافية للشروط من "مطالبة القضاء بتعيين خبير لتتبع جميع مراحل انتاج الخبز، بدءاً من استيراد القمح وتفريغ حمولات السفن وتخزينه في اهراءات المرفأ او نقله الى المطاحن ومن ثم طحنه وتوضيب الطحين في اكياس توزع فيما بعد على الافران".
وتطرق الى "تقديم طلب الى القضاءين العدلي والاداري. القضاء الاداري اي مجلس شورى الدولة لانه المرجع الصالح فيما يتصل بالاهراءات والمرفأ والوزارات المعنية"، والذي صدر عنه قرار "بتعيين خبيرة للقيام بمهمة هائلة في موضوعها. واذ سعت بعض الادارات الى عرقلة عمل الخبيرة فإن المجلس تميّز بقراراته السريعة الآيلة الى تمكين الخبيرة المعنية من تجاوز كل هذه العقبات. فاعتبر في قرار اول ان التعميم الصادر بمناسبة مهمة الخبير عن وزير الاقتصاد بمنع أيا كان من دخول اي منشأة تابعة لوزارته من دون موافقته، لا يسري على خبير معيّن من المجلس عملاً بمبدأ فصل السلطات. واعتبر أنّ بإمكان الخبير الحصول على جميع المستندات من الجمارك من دور المرور بالهرمية الادارية المنصوص عنها في احكام المادة 57 من قانون الجمارك".
أما في ما خص القضاء العدلي وتحديداً قاضي الامور المستعجلة، فقد تركز دوره على "اجراء معاينة على المطاحن واخذ عيّنات منها كونها تشكل شركات خاصة. وفي اثناء القيام بهذه المهمة تمّ عرضاً اكتشاف خلل كبير في معايير الصحة العامة المعتمدة في "مطاحن لبنان الحديثة"، على نحو يتهدد سلامة الغذاء. فتمّ التقدم بطلب ثان لاغلاقها الى حين التثبت من التزامها المعايير الصحية وهذا ما تمّ. وقد شكل هذا القرار نموذجاً هو الاول من نوعه من حيث صدوره عن قاض تبعاً لدعوى تقدمت بها جمعية مدنية".
واعتبر بيان الجمعيات أنّ هذه الخطوات القضائية شكلت نموذجاً أساسياً يهدف الى تحقيق أمرين، "الأول تعزيز القدرات الاجتماعية في حماية سلامة الغذاء، وقد تمثل ذلك في انخراط لاعبين اجتماعيين جدد في مهمة حماية سلامة الغذاء على نحو يعوّض بعضاً من تقاعس السلطات الرسمية الحاصل في هذا المجال. وهؤلاء اللاعبون الجدد هم الجمعيات المدنية التي اكتسبت صفة التدخل الى جانب جمعية حماية المستهلك، والمحامون المتطوعون لحماية المستهلك. والأهم من ذلك هو القضاء في فرعيه الاداري والعدلي والذي أرسى في هذه القضية اسساً اتاحت وستتيح ليس فقط الوصول الى المعلومات انما ايضا اتخاذ القرارات المناسبة مهما كانت قاسية بهدف حماية المستهلك كما حصل في قرار قاضي الامور المستعجلة في بيروت والقاضي باغلاق مطاحن لبنان الحديثة. وقد ادى القضاء في هذه القضية دوره الحمائي لمصالح المواطنين في ابهى صوره.
ثانيا، الضغط من اجل تفعيل عمل المؤسسات وخصوصاً المؤسسات التي انيط بها مهمة حماية سلامة الغذاء. فمهما كان العمل القضائي هاماً في هذا المجال، فان دوره يبقى دوراً رائداً، منبهاً وربما مكملاً، وليس له بحال من الاحوال ان يحل محل ادارات الدولة التي هي تتحمل المسؤولية الاولى والكبرى في هذا المجال. وجوانب الضغط تتمثل بداية في تقارير الخبراء بما تبينه من نواقص وثغرات ترسم ما يشبه خارطة طريق يتعين على مؤسسات الدولة اعتمادها لتحسين اليات مراقبة سلامة الغذاء وبالامكان طبعا ان نسهب على ضوء هذه التقارير في طرح الاسئلة عن الرقابة التي تمارسها الوزارات فعليا لضمان سلامة القمح المستورد وسلامة تخزينه في اهراءات المرفأ والمطاحن كما بامكاننا امام تعدد المختبرات وارتفاع اكلافها لفحص العينات ان نسأل عن اسباب اغلاق المختبر المركزي من دون اي مبرر، كما بامكاننا تبعا لهذه الاسئلة ان نوجه للإدارات المعنية مجموعة واضحة من المطالب على ضوء ما تبيّن من خلل في اعمالها".
وتمّ عرض مجموعة من الصور والفيديوهات التي تظهر وجود مجموعة من الصراير والدود في شوالات القمح فضلاً عن تصوير لقطات لجرذان تسرح وتمرح وأخرى نافقة، والحمامات ناهيك عن صور النشّ على الجدران لقساطل الصرف الصحي والمجارير التي تتسلل الى حيطان مخازن القمح والطحين في مشاهد تقشعر لها الابدان.
ودعت الجمعيات مجلس الوزراء وجميع القوى السياسية قبل 15/7/2016 الى "تشكيل الهيئة اللبنانية لسلامة الغذاء وفق ما تفرضه أحكام المادة 23 من قانون سلامة الغذاء"، معتبرة ان ايّ مسؤول يعيق تشكيل هذه الهيئة او يرفض تشكيلها هو مشارك في تسميم الشعب اللبناني". كما دعت الوزراء والحكومة الى "اعلان موقف واضح من هذه النتائج واتخاذ موقف منها، والا تكون الحكومة والوزراء في حالة من التواطؤ وعليهم ان يتحمّلوا المسؤولية الكاملة".
واعتبرت الجمعيات انّ "عدم تشكيل الهيئة اللبنانية قبل 15/7/2016 سيدفعها الى "اللجوء الى الوسائل السلمية الضاغطة من خلال دعوة عامة للشعب اللبناني للمطالبة بتشكيل هذه الهيئة بهدف وقف هذه الجريمة بحق المستهلك ووضع حدّ لها".
وفي حديث لنا على هامش المؤتمر مع رئيس جمعية "حماية المستهلك" زهير برو عن أهمية انشاء الهيئة اللبنانية لسلامة الغذاء، قال "ان مشكلة الغذاء في لبنان بسيطة جداً وهي انها موّزعة على ثمان جهات ووزارات معنية بها. وبالتالي فإن "الطاسة الضايعة" بين هذه الوزارات والادارات والبلديات. والحلّ يكمن في تشكيل الهيئة اللبنانية لسلامة الغذاء التي يتمركز فيها كل عملية سلامة الغذاء من الألف الى الياء. وبالتالي هي التي ستضع الاساس والسياسات الخاصة بكل قطاع غذائي".
وأضاف: "اليوم هناك 12 قطاع لسلامة الغذاء في لبنان. هذه الهيئة سوف تقوم بعملية تنظيمها وكل قطاع ستضع له أسسه وقوانينه عبر المراسيم التظيمية. وفي الوقت نفسه فإن لها دور الضابطة العدلية التي لديها جهازها الخاص وبالتالي تستطيع التدخل ساعة تشاء على الاراضي اللبنانية. هذا الموضوع يسمح في حال تقاعست احدى الوزارات ام كان هناك خللاً وفساداً في احدى الادارات بالتدخل لضبط الوضع والقيام بهذه الواجبات".
وتابع: "وهناك أهمية قصوى في ان تكون هذه الهيئة ادارة مستقلة وخارج اللعبة الطائفية التي تحضن الفساد وتحميه. كما انه من المهم ايضاً أن يتمّ اختيار الاشخاص بناء على طاقاتهم وقدراتهم والتي لا يجب ان تأتي بناء على توصيات سياسية انما على امكانيات وكفاءات هؤلاء الاشخاص والا تتدخل الطبقة السياسية. وهذا يجب ان يكون الشعار الاساس لهذه الهيئة "اقفال التلفونات مع السياسيين" حتى لا يضغطوا على القضاء اويعطلوا القرارات التي من الممكن ان يتم اتخاذها".
ولا ينفي برو امكانية تعطيل انشاء هذه الهيئة ويقول: "مضى على صدور قانون حماية المستهلك احدى عشر سنة والى اليوم فإن المراسيم التطبيقية لهذا القانون لم تصدر بعد فهي معرقلة من قبل التجار في هذا البلد".
واعتبر ان لا حلّ سوى في الاستمرار بالضغط والعمل لافتاً الى انه على كل جيل ان يتحمّل مسؤولياته تجاه هذا الوطن. "ربما لن نصل الى نتيجة على المدى المنظور الا اننا على الاقلّ نراكم. وانا ارى ان هناك وعي اليوم لدى الشعب اللبناني وهذا بحد ذاته انجاز".
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.