ردّ دعوى نقابة الموظفين العمومييّن في فلسطين: حين تصيرُ الحمايةُ الدستورّية سبباً لهدر الحق الدستوريّ


2016-05-10    |   

ردّ دعوى نقابة الموظفين العمومييّن في فلسطين: حين تصيرُ الحمايةُ الدستورّية سبباً لهدر الحق الدستوريّ

في 11-4-2016، أصدرت محكمة العدل الفلسطينية المنعقدة في رام الله حكما بردّ الطعن الإداري (1/2015) الذي تقدم به أعضاء في نقابة الموظفين العاملين في الوظيفة العمومية، ضد قرار مجلس الوزراء الفلسطيني الصادر بتاريخ 11/11/2014، والآيل إلى اعتبار "نقابة العاملين في الوظيفة العمومية جسما غير قانوني، ولا وجود لها من الناحية القانونية، وتاليّا إغلاق مقر النقابة بالشمع الأحمر، وتجميد حساباتها في البنك العربي".

وكان قرار الحكومة بحظر النقابة قد أثار جدلا كبيرا على الساحة الفلسطينية، لاسيما أنه اتخذ بعد خلاف حاد بين الحكومة والنقابة على خلفية إضراب الموظفين،  الأمر الذي دعا الحكومة إلى التشكيك بمدى  قانونية النقابةومن ثمً حظرها، تبع ذلك قيام الشرطة الفلسطينية باعتقال نقيب الموظفينونائبه.
وفي عقب اعتقال نقيب الموظفين، اعتصم الأمين العام للمجلس التشريعي الفلسطيني  في مقر المجلس تضامنا معه، وأصدرت بعض الكتل النيابية بياناً يستنكر اعتقاله. تبع ذلك توجه رئيس مجلس الوزراء إلى مجمع فلسطين الطبي، حيث كان يقضي نقيب الموظفين مدة توقيفه لأسباب صحية. وقام رئيس مجلس الوزراء بشخصه بتنفيذ قرار الإفراج عن نقيب الموظفين واصطحبه معه خارج المستشفى، ليقوم نقيب الموظفين بعد الافراج عنه بالذهاب مشيا على الأقدام إلى مقر المجلس التشريعي، حيث كان يتواجد المعتصمون المتضامنون معه ومع النقابة.

الإفراح عن نقيب الموظفين لم ينه أزمة النقابة مع مجلس الوزراء. فتقدمت نقابة الموظفين بطعن لدى محكمة العدل العليا ضد قرار إغلاقها. وبعد مرور ما يزيد عن سنة من الجلسات المنعقدة للنظر في هذا الطعن، أصدرت محكمة العدل العليا حكهما بتأييد قرار مجلس الوزراء بحظر النقابة، وتاليّا رد دعوى النقابة.

التمسّك بالأسباب الموضوعية في مواجهة الحق الدستوري

في مطلع تسبيب حكمها، استندت المحكمة "للصفة" باعتبارها شرطا لازما لقبول الدعوى الإدارية، حيث أشارت في منطوق حكمها إلى أنّ المدعين أقاموا دعواهم بصفاتهم الشخصية دون صفاتهم كممثلين للنقابة المدعية، ودون أنّ تقام الدعوى من قبل المفوض بالتوقيع عن النقابة وفقا للنظام الداخلي لها وعقد التأسيس الخاص بها. ويلاحظ هنا أنّ المحكمة قد عالجت على نحو موجز مسألة عدم توافر الصفة لمقدمي الطعن. إلا أنّ المحكمة لم تقم برد الدعوى لهذا السبب، بل اكتفت بالإشارة ضمنيا إلى عدم توافر الصفة لمقدمي الدعوى دون الاستناد إليه صراحة كسبب لردّ الدعوى، لتمضي من ثم إلى مناقشة موضوع الدعوى في اتجاه إهدار حقّ دستوري كفله القانون الأساسي الفلسطيني والمواثيق والعهود الدولية التي صدّقت عليها دولة فلسطين.

الحمايةُ الدستوريّة يعِقلُها غياب التشريع العادي

على الرغم من قيام محكمة العدل العليا بالإشارة صراحة إلى المادة 26 فقرة 2 من القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لسنة 2003، والتي نصت على أنّ "للفلسطينيين حق المشاركة في الحياة السياسية أفراداً وجماعات تشكيل النقابات والجمعيات والاتحادات والروابط والأندية والمؤسسات الشعبية وفقاً للقانون"، إلا أنّها ذهبت وفق ما يفهم من منطوق قرارها  إلى ربط وجود هذا الحق بوجود قانون ينظمه، واعتبرت أنّ أي ممارسة لهذا الحق الدستوري دون وجود قانون ينظمه يجعلها فاقدة للشرعية. وفي هذا الإطار، أشارت حرفياً إلى أنه "لا بد لاستيفاء الشرعية… أن تستوفى كامل الإجراءات القانونية لتسجيل النقابة وحصول الموافقة والمصادقة على وجودها وعلى قانون تشكيلها ونشر قانون تشكيلها في الوقائع الفلسطينية (الجريدة الرسمية)".
وبيّنت المحكمة أنّ المادة 26 فقرة 2 المشار لها تستدعي أنّ تأسيس وتأليف وتشكيل النقابة يجب أن يستند إلى قانون، الأمر الذي لم يتحقق بسبب عدم إصدار المشرع العادي لقانون ينظم حق الموظفين العموميين في تشكيل نقابة، حيث اعتبرت المحكمة أنّ الوجود القانوني للنقابة يجب أن يكون مكتوبا ومصادقا عليه من قبل الجهات الرسمية المختصة.

ويلاحظ هنا أنّ المحكمة قامت بالاستناد إلى النص الدستوري الذي كفل الحق بإنشاء النقابات كسبب موضوعي لعدم الاعتراف به، ذلك أنها ربطت وجود هذا الحق بوجود قانون ينظمه. وحيث لا يوجد قانون ينظم هذا الحق، فإنّ المحكمة توصلت إلى نتيجة مفادها أنّ هذا الحق لا يمكن ممارسته دون مصادقة الجهات الرسمية عليه . وهي بذلك حولت هذا الحق من حق ملازم للمواطن إلى حق تمنحه السلطة حين ترغب بذلك ولا وجود له إلا في حال اعترافها به.

الحق في التنظيم النقابي، غيابٌ للمعايير الدولية

اللافت في هذا الحكم أنه لم يستند في أي من حيثيات منطوقه إلى التزامات دولة فلسطين  بموجب من العهد الدّولي الخاصّ بالحقوق المدنيّة والسّياسيّة لسنة 1966 لاسيما المادة 22/1 والتي أكدت على أنّ "لكلّ فرد حقّ في حرية تكوين الجمعيات مع آخرين، بما في ذلك حقّ إنشاء النقابات والانضمام إليها من أجل حماية مصالحه،" وكذلك بالمادة 8 من العهد الدّولي الخاصّ بالحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة لسنة 1966 والتي أكدت أيضا على كفالة حقّ كلّ شخص في تكوين النقابات بالاشتراك مع آخرين وفى الانضمام إلى النقابة التي يختارها، دونما قيد سوى قواعد المنظمة المعنية.
وربما يكون لحداثة التجربة الفلسطينية في إنفاذ المعايير الدولية لحقوق الإنسان في التطبيقات القضائية دور في عدم إعمال هذه الالتزامات الدولية في الأحكام القضائية الوطنية ومنها حكم محكمة العدل المشار له.

وبالنظر إلى ما ذهبت إليه محكمة  العدل العليا الفلسطينية من ربط شرعية الحق في التنظيم النقابي بوجود قانون ينظمه، يمكن لنا القول أن الحق في العمل النقابي منشؤه الدستور، ويقتصر دور القانون فقط على تنظيم ممارسته، وبشرط أن لا يفرض المشرع العادي قيودا مرهقة تجرد الحق الدستوري من مضمونه أو تؤدي إلى منعه. وجريا على ذلك، فإن تخلي المشرع العادي عن سلطته في تنظيم هذا الحق ضمن الضوابط الدستورية لا يسقط الحق في التنظيم النقابي أو يلغيه، بل يجعله حقا مطلقا مباحا دون أية قيود، وهذا ما يجب أن تتحمل مسؤوليته السلطة العامة، لا أن تكافأ عليه.

وكانت المحكمة الدّستورية الأردنيّة أصدرت بتاريخ 24/7/2013 قرارا تفسيريا رقم 6 لسنة 2013، قامت به بربط تأصيليّ عميق بين النصوص الدّستورية وأحكام المواثيق والعهود الدّولية المتعلّقة بحقوق الإنسان؛ وأشارت، على نحوٍّ صريحٍ، إلى إلزامية ما نصّت عليه المادة 23/4 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صادق عليه الأردن في 10 كانون الأول/ديسمبر من العام 1948، والتي جاء فيها أنّ "لكل شخص حقّ إنشاء النقابات مع آخرين والانضمام إليها من أجل حماية مصالحه"، وكذلك ربط صريح للمادة 128/1 من الدّستور الأردنيّ بالمادتين المشار إليهما أعلاه في العهدين الدّوليين الخاصّين بالحقوق المدنيّة والسّياسيّة وبالحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة. كما توسعت هذه المحكمة في إسباغ الحماية على الحقّ في التنظيم النقابي من خلال التأكّيد على الحماية الدّولية له لجهة إلزاميّة ما تضمّنه دستور منظمة العمل الدّولية بمقتضى المادة 1 منه وما بعدها، وكذلك الاتفاقيّة رقم 87 بشأن الحرّية النقابيّة وحماية حقّ التنظيم النقابيّ والمفاوضة الجماعية، وكذلك الاتفاقيّة رقم 89 بشأن حقّ التنظيم النقابيّ والمفاوضة الجماعية. إلا أنه ورغم ما تضمنه القرار التفسيري للمحكمة الأردنية من ترسيخ لأسس الحرية النقابية، فإنها انتهت إلى نتيجة مشابهة لما انتهت إليه محكمة العدل الفلسطينية أي لجهة ربط الحرية النقابية بوجود قانون ناظم لها.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، فلسطين



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني