رئيس المحكمة العليا يفرّ من مواجهة قضاتها في تونس


2021-05-26    |   

رئيس المحكمة العليا يفرّ من مواجهة قضاتها في تونس
القاضي الطيب راشد (القناة التاسعة)

في نهاية حصة العمل المسائية ليوم 24-05-2021، علقت بمختلف جدران محكمة التعقيب التونسية مذكرة صدرت عن رئيسها الأول الطيب راشد تضمّنت إخطارا لقضاة المحكمة والمحامين والمتقاضين  بتأجيل جلسة الدوائر المجتمعة التي سبق الدعوة لها وكانت مقررة ليوم 27-05-2021 بحجة التوقي من الحالة الوبائية. سارع عدد من قضاة محكمة التعقيب إلى اعتبار التأجيل بمثابة هروب من احتمال المحاسبة ومحاولة للتطبيع مع الفساد، وفق ما جاء في بيان علقوه على جدران المحكمة في اليوم الموالي وحمل توقيع حراك “موقعون”. فكان أن صدرت تعليمات من كبير القضاة لمنظوريه من أعوان المحكمة بتمزيق البيان الثاني وهو ما تمّ في حينه.

ويذكّر أن شبهاتٍ عدّة تلاحق منذ فترة رئيس المحكمة راشد بتدخله الفاعل لوقف ملاحقة قضايا تهرّب ضريبيّ، وهي شبهات أعقبتها عدد من الإجراءات من دون أن تؤدّي حتى اليوم إلى عزله عن منصبه.

وللإحاطة بهذه المسألة، يجدر إعادة التذكير بأن رئيس المحكمة راشد ما كان ليدعو إلى جلسة للدوائر المجتمعة إلا بفعل الضغط الذي مورس عليه لهذه الغاية، وأن رئيس المحكمة ما كان ليؤجل انعقادها لولا تهيؤ قضاة الدوائر لتحويلها إلى ساحة لمحاسبة راشد. 

   

لهذه الأسباب دعا راشد لعقد جلسة الدوائر المجتمعة

طيلة النصف الثاني من الشهر الثالث من سنة 2021، نُشرت تدوينات على صفحات التواصل الاجتماعي لقضاة يُحسبون على ما بات يصطلح على تسميته محليا بحراك “موقعون” تندّد بإبقاء مجلس القضاء العدلي الطيب راشد على رأس محكمة التعقيب رغم أنّه محلّ ملاحقة قضائية وتأديبية من أجل شبهات فساد. وتؤكّد هذه التدوينات على أن هذا التراخي في اتخاذ القرار الملائم في شأنه أدّى لتعطيل عمل محكمة القانون. من أبرز مظاهرها (1) عدم تقديمها لتقريرها السنوي للسنة القضائية 2019-2020 لكل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس نواب الشعب ورئيس الحكومة في خرق غير مبرر لأحكام الفصل  115 من الدستور الذي يوجب ذلك و(2) عدم انعقاد الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب لمدة طويلة ناهزت الثمانية أشهر في سابقة لم تحدث من قبل.

ذكر هنا الموقّعون أن تقرير محكمة التعقيب تمّ الانتهاء من صياغته منذ مدّة طويلة وأن مانع تسليمه وفق الصّيغ الدّستورية تخوف” كبير القضاة” مما قد يكون من رد فعل من الرؤساء في صورة طلبه موعدا منهم للغرض. كما لفتوا النظر لكون عشرات القضايا ينتظر أطرافها أن تنظرها الدوائر المجتمعة وأن ما يمنع من عقد تلك الهيئة القضائية التي تلعب دورا محوريا في فضّ المنازعات المستشكلة والمختلف بين المحاكم في وجه البت فيها خشية مماثلة لدى ذات الشخص -الذي له وحده قانونا صلاحية الدعوة لها – مما قد يتم التطرق له إن عقدت من حديث حول أهليته الأخلاقية  لمواصلة الاضطلاع بخطته القضائية السامية. 

وإذ أحرجت تلك الملاحظات راشد ومن يدعمونه داخل مجلس القضاء وفي الساحة السياسية، فكان أن دعا بتاريخ 07-04-2021 لعقد جلسة للدوائر المجتمعة يوم 27-05-2021 جوابا عنها ومحاولة  منه لتكذيبها. وربما شجعته هنا معايير الحركة القضائية التي أعدها مجلس القضاء في ذات الحيز الزمني  والتي أسند له بموجبها صلاحية رئاسة لجان تقييم القضاة المرشحين للخطط القضائية بالتعقيب في اختياره التصعيدي لما كان فيها من رسائل للقضاة تؤكد دعم مجلس القضاء له.

 

لهذه الأسباب أرجأ راشد انعقاد الدوائر العمومية إلى أجل غير مسمّى 

استفزّ جواب راشد “موقعون” فأصدروا بتاريخ 24-05-2021 بيانا يدعو القضاة وخصوصا منهم من كانوا بمحكمة التعقيب للتصدّي لما يتم من “إعادة تأهيل للرئيس الأول من خلال فرض مشاركته في إصدار الأحكام القضائية على حساب حقوق المتقاضين وسمعة القضاة وشرف المؤسسة القضائية.” وكشفوا في بيانهم عن عزمهم تحويل جلسة الدوائر التي دعا لها إلى ساحة محاكمة له ولمجلس القضاء الذي اتهموه صراحة بالتواطؤ معه ومحاولة التغطية عليه. وكان يُفترض عند هذا الحدّ أن يكون انعقاد الدوائر في الموعد المحدّد لها حدثاً مفصلياً في تاريخ محكمة التعقيب التونسية.

وإذ برر راشد إرجاء الدعوة إلى أجل غير مسمى بحجة الوباء، فإن ثمة مؤشرات على أن قرار الإرجاء إنما يتأتى عن نيته الهروب من مواجهته بتهم الفساد والتي كان بعض قضاة المحكمة تداعوا إليها. ومن الأدلة على ذلك أن الدعوى لعقد الجلسة كان وجهها راشد بتاريخ 07-04-2021، في زمن كانت فيه الحالة الوبائية بتونس في أسوأ حالتها. ففي حين أن لجنة مجابهة فيروس الكورونا كانت أصدرت في ذات يوم توجيه الدعوة قرارات  تشدد من الإجراءات الاحترازية التي تقيد التجمعات العامة وحق التنقل، فإن قرار إرجاء الدعوة ترافق على العكس من ذلك مع تراجع لنسق العدوى وما اتخذ من إجراءات تقلل من القيود التي فرضت سابقا.

في الاتجاه نفسه، ذهب البيان الصادر عن جمعية القضاة بتاريخ 25-05-2021 والذي كشف أن ما يوجه لكبير القضاة من اتهام بالتلاعب بمسارات القضايا في محكمة القانون بات مانعا له من مواصلة إدارتها في سياقات تحترم ما هو مطلوب من ثقة في نزاهة القضاء. 

ونقدر هنا أن الإرجاء الحاصل يستحيل لهذا الاعتبار تعطيلا دائما للدوائر ولجانب من العمل القضائي لمحكمة القانون يفرض على مجلس القضاء تدخلا سريعا. 

 

خلاصة

يُحمّل الفصل  114 من الدستور التونسي المجلس الأعلى للقضاء مسؤولية “ضمان حسن سير القضاء واحترام استقلاله”. ويفرض هذا المقتضى في ظلّ التعطيل الفعلي لمحكمة التعقيب أن يتدخل هذا المجلس ليعلن الشغور القانوني لمنصب رئيسها الأول لمحكمة ويفتح باب الترشحات له ضمانا لحق المتقاضين في العدالة وحماية لقيم استقلالية القضاء.

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، سياسات عامة ، تشريعات وقوانين ، استقلال القضاء ، دستور وانتخابات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، مجلة تونس



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني