دروس من تجربة صيدا مع الزبالة: المطمر فرضه “الجبل”.. فلماذا نقبله اليوم؟


2016-10-07    |   

دروس من تجربة صيدا مع الزبالة: المطمر فرضه “الجبل”.. فلماذا نقبله اليوم؟

مَن راقب حال مدن لبنان وقراه خلال السنة المنصرمة، لجهة غرقها بنفاياتها في مشهدٍ تقشعر له الأبدان، لا بد أنه يتوقّف عند غياب مدينة صيدا وقراها المجاورة عن المشهد، وكأنها في بلدٍ آخر. فلا نفايات متكدّسة في الشوارع أو مجاري الأنهر، ولا تظاهرات شعبيّة تقابلها. يعود الفضل في ذلك إلى معمل معالجة النفايات المنزليّة (فرز وتخمير لاهوائيّ) الذي اكتمل إنشاؤه في العام 2008 وبدأ العمل فيه العام 2013، ليستقبل نفايات المدينة والقرى المحيطة بها شرقاً وجنوباً ويعالجها.
كان من المفترض أن يلتفت المسؤولون في وزارة البيئة ومجلس الإنماء والإعمار إلى التجربة المتقدمة في صيدا ويستفيدوا منها منذ زمنٍ طويل. كان يفترض بهم أن يتداركوا الأزمة التي أوصلوا البلد إليها، وأن يسعوا إلى بناء معامل مماثلة بل أكثر تطوراً في مختلف المناطق، بالتنسيق مع الإدارات المحلية من بلديات وإتحادات بلديات. إلا أنهم أبقوا مركزية معالجة النفايات بيد شركةٍ واحدة، مع تحديد نسبةٍ متدنية جداً لإسترجاع المواد بعد الفرز (15%) بينما يتم طمر باقي الكميات (85%) في مطمر الناعمة المركزيّ، على مدى قرابة 18 سنة في مسارٍ لا نهاية له إلا بالإنفجار، كما حصل.
عادوا اليوم إلى صيدا. ولكن، لم يعودوا ليستنسخوا تجربة معملها، بل ليستنسخوا خطيئتها بردم البحر وإقامة مطمر صحّي فوقه. هي خطيئةٌ دُفعت إليها المدينة دفعاً، إتقاءً لشرٍّ أكبر وأعظم، بحجم جبل النفايات الجاثم على شاطئها طوال 35 عاماً والمتنامي اضطراداً، نافثاً سمومه في بحرها وجوّها وصحّة سكانها.
إذا عدنا لنستعرض كيف انتهى الأمر بإقامة المطمر البحريّ في صيدا، نرى تكراراً لعناصر السيناريو ذاته الذي يحاك اليوم لإقامة مطامر بحرية في الكوستا برافا وبرج حمود /الجديدة، مع فارقٍ وحيدٍ هو أن صيدا دفعت الثمن الأكبر مسبقاً قبل إنشاء مطمرها (معاناة 35 سنة مع الجبل)، فيما المناطق الأخرى ستدفعه بعد إنشاء مطامرها.
في ما يلي، تسلسلٌ زمنيّ توضيحيّ لمسار تجربة صيدا مع النفايات ولمكوّنات أزمتها، عساه يشكّل مادةً يُستفاد منها في تجارب باقي المناطق في تحديد ما تريده لنفسها وما يُفرض عليها.

جبل النفايات
في العام 1982، تم إستحداث مكبّ في أرضٍ عامّة على الشاطئ الجنوبي للمدينة، وكان حينها، تحت الاحتلال، إجراءً آنيّاً وضرورياً لتجميع الردميّات الناتجة عن الإجتياح الإسرائيلي في منطقة صيدا والتخلّص من النفايات المتراكمة داخل أحياء المدينة والقرى المجاورة.
مع الأيام، ما لبث أن تحوّل المؤقّت إلى مكبٍّ دائم، في ظل غياب الدولة. ونظراً لموقعه على الشاطئ، كان ينهار تكراراً باتجاه المياه، ملوّثاً الساحل اللبنانيّ بأسره. أضف إلى ذلك حوادث إحتراقه أو إحراقه عمداً، فينفث سمومه باتجاه المدينة مع إتجاه الريح الجنوب/غربي.
تم استثناء المدينة من الخطّة المركزية التي تعتمد على مطمر الناعمة الصحّي، وتركت مثل العديد من المناطق خارج بيروت وجبل لبنان لترمي نفاياتها كلٌّ في مكبها.
وكان المكّب آنذاك يستقبل يومياً 300 طن من 15 بلدية، يقيم فيها 250,000 نسمة.
في العام 2013، كان حجم الجبل قد صار يقدّر بـ 1,500,000 متر مكعّب من المكوّنات، نسبة 60% منها تتشكّل من الأتربة التي كانت تُردم فوق طبقات النفايات تباعاً. وبلغ طول واجهته البحرية 350 متراً، وتراوح إرتفاعه حسب نقاطه من 20 إلى 55 متراً.

إنشاء المعمل، ثم تشغيله
في العام 1998، ولدت فكرة مشروع معملٍ لمعالجة النفايات المنزلية الصلبة بمبادرةٍ من أحد المهندسين في القطاع الخاص (شركة IBC). عرضها على بلدية صيدا، وأقنعها ببناء معملٍ متطوّرٍ لمعالجة النفايات، يكون مدخلاً ولو لإيقاف نمو الجبل، بانتظار إيجاد حلّ يضمن التخلّص منه.
بتاريخ 29 – 11 – 2002، صدر مرسومٌ عن مجلس الوزراء، وحمل القرار رقم 33، يقضي بالترخيص لبلدية صيدا بإجراء إلتزامٍ لردم في البحر في منطقة الدكرمان، أقصى جنوب المدينة إلى جانب محطة تكرير المياه المبتذلة، وإنشاء المعمل المذكور على المساحة المردومة (28095 متراً مربعاً) وجوارها، وفقاً لأحكام شروط العقد الجاري بين بلدية صيدا وشركة IBC. بعد إنجاز الأشغال وبدء العمل بمعالجة النفايات، قضى المرسوم بأن تُنقل ملكية الأراضي المرخّص بردمها لإسم الشركة الملتزمة، عملاً بأحكام العقد ولتأمين المصلحة العامة المتوخاة من معالجة النفايات، مع تثبيت عدم حقّ الشركة باستعمال الأرض المردومة وما عليها إلا لمعالجة النفايات المنزلية الصلبة التي تنتجها مدينة صيدا وجوارها.
أُنجز بناء المعمل في العام 2008، ولكنه بقي غير جاهزٍ للتشغيل لسنوات عدّة بعدها، لأسبابٍ تقنية وإدارية متعددة. إذ كانت قد ارتفعت كلفة بنائه وتجهيزه من 11 مليون دولار إلى 30 مليون دولار، لسوءٍ في التقديرات الأوّلية. بعد الصعوبات الماليّة، تراجع أصحاب المعمل عن
إلتزامهم بمعالجة نفايات مدينة صيدا من دون مقابل حسبما يملي العقد الموقّع مع البلدية، وقد جارتهم في ذلك البلدية والسلطة السياسيّة. كذلك، تراجعوا عن سعر طنّ المعالجة المحدّد في العقد بقيمة 44 دولاراً كحدٍّ أقصى، وبات السعر المعمول به 95 دولار للطنّ.
تمّ تشغيل المعمل بالتزامن مع إقفال المكب وبدء أعمال الردم وإنشاء المطمر.
في طريقة عمل المعمل، يتمّ فرز المكونات القابلة لإعادة التدوير أو الإستخدام عن المواد العضوية. هذه الأخيرة تحوّل إلى خزّانَين للتخمير وفق تقنية “الهضم اللاهوائيّ” أو”Anaerobic Digestion“، وهي طريقة تعتمد التخمير في جوّ ينعدم فيه الأوكسجين. فتتحلّل النفايات العضوية أو البيولوجية بمساعدة بكتيريا معينة، في بيئةٍ عادةً ما تكون ذات رطوبةٍ عاليةٍ وجوّ مشبّع بالماء. فتنتج في غياب الأوكسجين غازاً مكوّناً من الميثان وثاني أوكسيد الكربون. يُسحب الغاز من خزّانات التخمير لتوليد الطاقة الكهربائية التي تقدر بـ 2 ميغاوات يومياً للإستعمال الذاتيّ في المعمل، بينما يوضع الفائض منها تحت تصرّف البلدية.

المواد التي لا يمكن للمعمل معالجتها تسمى عوادم، ثقيلة وخفيفة. وتشمل الزجاج والردميات المختلفة والمطاط والأحذية والأقمشة والحفاضات…إلخ. بالمبدأ، هي فضلاتٌ غير مؤذية، كونها غير معدنيّة أو عضويّة ولا تتفاعل مع الطبيعة بشكل سيء، شرط أن تكون نظيفة ومغسولة وجافّة وخالية من أي موادٍ عضوية اختلطت بها سابقاً. ومع تشغيل المعمل، برزت مشكلة جوهرية تمثّلت بغياب مطمرٍ مخصّصٍ لإيداع العوادم الناتجة عن المعالجة. فالمعمل لا يستطيع إسترداد كامل النفايات التي تصله، وبالتالي يحتاج إلى مطمرٍ ليتخلص من العوادم (وهذا طبيعي ومتوقع في عالم معالجة النفايات الواقعي). بالتالي، ولعدم توفّر مطمر، رغم مطالبات البلديّة للسلطة بتأمينه، لجأ المعمل إلى الحوض البحريّ ليرمي فيه بقايا نفاياته، وقد تمّ ذلك بموافقة البلدية.
التجاوز الخطير هنا هو أن هذه البقايا ليست عوادم صافية، بل مخلوطة مع نفاياتٍ عضوية. ما يجعلها مضرّة عند تسرّبها إلى طبقة المياه الجوفية، عدا عن كونها تصدر روائح كريهة تحملها الرياح إلى أرجاء المدينة. والدليل على علم القيّمين على المعمل والبلدية و”برنامج الأمم المتحدة للتنمية” (UNDP)بهذا التجاوز خلال الطمر هو قيامهم بخلط هذه البقايا مع ردميات (بنسبة ثلثين لثلث) للتخفيف من أثرها البيئي ووقعها على العين، في حين أنها من المفترض بالعوادم أن تكون جامدة وغير مضرّة(inert) ولا تستلزم هذا التدبير (أنظر /ي الموقع على الرسم التوضيحيّ).
مع إستمرار ردم الحوض البحريّ ناحية المعمل ببقايا نفاياته، ومع تحوّلها تدريجياً إلى مكبّ، ومع عجز السلطة السياسيّة عن تأمين مطمرٍ صحّي مناسبٍ لهذه البقايا، فإن خطة مجلس الوزراء الراهنة القاضية بإرسال 250 طنّاً يومياً إلى معمل صيدا ستؤدي حتماً الى تضاعف الكميات المرمية يومياً في الحوض البحري. هذه الخطّة تشكّل خبراً ساراً لأصحاب المعمل الذين سيضاعفون أرباحهم، ولكنها بمثابة وبال على المدينة التي عانت ما عانته مع المكب المشؤوم.

المحاولة الفاشلة لإزالة الجبل
لم تحرّك الدولة اللبنانية ساكناً طوال سنوات لإزالة مكبّ النفايات الذي صار جبلاً بحقّ. لا بل لم تقدّم لبلديات منطقة صيدا أيّ بديلٍ عنه، في الناعمة أو غيرها، ما يتيح إقفاله أو إيقاف نموّه. فجاء أول الغيث في تشرين الأول 2006، مع توقيع “مؤسسة الأمير الوليد بن طلال الإنسانية” إتفاقية مع البلدية لإزالة المكب ومعالجته واهبةً 5 مليون دولار لذلك، على أن تتولى “شركة الجنوب للإعمار” التنفيذ.
يومها، كان التوّجه في التعاطي مع الجبل يقضي بغربلة النفايات وفصلها عن الأتربة، ومن ثم معالجتها. تبقى نسبة 60 إلى 70 % من الكمية هي عبارة عن أتربة وردميات، فكان لا بد من إيجاد مكانٍ مناسبٍ لوضعها فيه بعد معالجة النفايات وتنظيف الأتربة وفرزها.
رفضت السلطة أن تذهب الردميات إلى الناعمة، متحججة بعدم قدرة مكبّ “سوكلين” على الإستيعاب. العجيب في الأمر أن المكبّ ذاته بقي يستوعب النفايات حتى العام الحالي.
اقترحت البلدية على وزارة البيئة حلاً بديلاً يقضي بأن ينقل الردم إلى كسّارة زغدريّا بناءً على دراسةٍ خلصت إلى أنها مكانٌ مناسبٌ لإستصلاح الأتربة. وافقت الوزارة على الدراسة كونها تحلّ ثلاث مشاكل دفعةً واحدة: إستصلاح كسّارة زغدريّا، حلّ مشكلة النفايات في صيدا، وإقفال مكبٍّ عشوائيّ كان أهالي المنطقة المجاورة للكسارة قد بدأوا يعانون ويشتكون منه.
ولكن، برزت فجأةً تدخّلات سياسيّة على إيقاع حساباتٍ مناطقيةٍ طائفيةٍ، ومنعت الموافقة على موقع الردم المقترح. فعلى الرغم من أن منطقة زغدريا تستفيد من مكبّ صيدا، لكنها رفضت أن تكون مدخلاً للحلّ. وليست هناك من هيبةٍ للدولة تستطيع أن تفرض بواسطتها ما يؤمّن المصلحة العامة.
طرحت البلدية عندها وضع الردم في حفرٍ مائية في البحر قبالة الساحل، بعد قيامها بمسح هايدروديناميكي وعثورها على مواقع مناسبة لذلك، بحسب زعمها. ردّت الوزارة الإقتراح معلّلةً الرفض بأن “معاهدة برشلونة” تمنع التخلّص من الردم في البحر، وهي محقّة في ذلك. الطريف أنه عندما احتجت البلدية معتبرةً أن هذا الردم مشابه لما فعلته “سوليدير” في بيروت، أتى الجواب بأن “سوليدير” غير ملزمة بمعاهدة برشلونة “على عكسكم أنتم” (كما روى رئيس البلدية يومها في مقابلة صحافيّةٍ لجريدة البلد، 5 ايلول 2010).
توقّف المشروع، وتجمّدت الهبة، وبقي الجبل يستقبل يومياً ما يقارب 150 طناً من النفايات المتنوعة من مدينة صيدا وبعض القرى التي تعتبر إمتداداً جغرافياً لمدينة صيدا. وكان ذلك بعدما طلبت بلدية صيدا من باقي القرى إيجاد حلول بديلة لنفاياتها، فإنتشرت المكبات العشوائية والمحارق في شتى البلدات.

الحاجز البحريّ والمطمر الصحّي
فشلت كافة محاولات إيقاف نمو الجبل أو إزالته. وقد ساهمت في ذلك عوامل عدّة أهمها: وهن الدولة، وعدم قدرتها على التخطيط واجتراح الحلول والعمل على فرضها. وساهمت أيضاً في إفشال الحلول حالة الإستقطاب الطائفيّة التي تصاعدت بشدّة في العقد الأخير، ما دفع بالمناطق إلى “إدارة ظهرها” لبعضها البعض، رغم علاقات الجيرة والمصالح المشتركة. وأتت المناكفات السياسية بين الأفرقاء السياسيين داخل المدينة وخارجها على مستوى 8 و14 آذار لتعرقل الحلول بغية الكسب السياسي.
مع مجيء موعد الإنتخابات البلدية في العام 2010، ومع فشل البلدية المنتهية ولايتها في تحقيق تقدّمٍ في ملف الجبل، انتخب محمد السعودي رئيساً للبلدية الجديدة، وجاء متسلحاً بمشروع حلٍّ للجبل بتمويلٍ سعوديّ قيمته 20 مليون دولار. كلفة المشروع الإجمالية بلغت 28,9 مليون دولار، وسدّدت خزينة الدولة الفارق.
يقضي المشروع ببناء حاجزٍ بحريّ على شكل هلال طوله 2100 متر، يمتد بين جبل النفايات شمالاً ومعمل معالجة النفايات المنزلية الصلبة جنوباً. فتُحجز خلفه مساحة للردم على امتداد 550 ألف متر مربع، يُردم ويُستخدم 100 ألف متر منها في المرحلة الأولى لإقامة مطمرٍ صحّي عليها (مقابل الجبل)، ثم تردم المساحة المتبقية في مرحلةٍ لاحقة، وهي ما زالت غير مردومة حتى اليوم، إلا بعوادم المعمل (أنظر /ي الرسم التوضيحي). في نيسان من العام 2011، باشرت “شركة خوري للمقاولات” بالأعمال.
على صعيد آخر، فازت بالتزام إنشاء المطمر الصحّي شركة (SUEZ – ENVIRONNEMENT) الفرنسية، ولكن لم نسمع عنها شيئاً منذ تاريخ بدء الأعمال. الشركة المنفذة على الأرض كانت شركة “جهاد العرب” (JCC).
قيمة المشروع 25 مليون دولاراً، عشرون منها تؤمنها خزينة الدولة، والخمسة الباقية تتأمن من هبة “مؤسسة الوليد بن طلال” المجمّدة منذ العام 2004. أما الجهة الإستشارية المشرفة على المشروع فهي “برنامج الأمم المتحدة للتنمية”.
تزامن وتداخل تنفيذ المشروعين: الحاجز البحريّ، ومعالجة المكبّ وتحويله إلى مطمر مستحدث، بحكم إعتماد الأول على مكونات الثاني. فوزارة البيئة، في مراجعتها لدراسة تقويم الأثر البيئي لمشروع الحاجز البحري، أوردت مصادر المواد الأولية المسموح إستعمالها لردم المرحلة الأولى من البركة (مئة ألف متر)، والتي سوف يقام المطمر فوقها. وأتت كما يلي:“حصر إستخدام المواد الأولية التي ستستخدم في أعمال الحماية البحرية من المصادر الوارد ذكرها ادناه وفقا للتسلسل الآتي، من دون استخدام الموارد الطبيعية البحرية على ان تتوافق هذه المواد /الردميات مع المعايير المناسبة لعمليات الردم في البحر: الردميات الموجودة في مكب صيدا، الردميات الناتجة عن دمار الأبنية والمنشآت جراء عدوان تموز عام 2006، الردميات الناتجة عن المكبات العشوائية للردميات، الردميات الناتجة عن ورش البناء، ومقالع مرخصة حسب المرسوم 8803 تاريخ 4/10/2002″.
مع ذكرها للردميات الموجودة في مكب صيدا كمصدرٍ أول للمواد المسموحة، فتحت الوزارة الباب واسعاً أمام المتعهد (JCC) ليردم البحر (المحجوز خلف الجدار البحري) بمكونات الجبل، مدّعياً أنه تمّ فرزها بين ردميات نظيفة ونفايات، ما تكذبه كلّ التقارير المصورة عن هذه العملية التي أظهرت الجرافات وهي تغرف من الجبل، وترمي في البحر. بطبيعة الحال، تمّت التغطية على هذه المخالفة الكبيرة من قبل البلدية والجهة الإستشارية.

النتيجة المباشرة لهذه المخالفة هي السرعة المبهرة لتآكل الجبل، في مدةٍ زمنية تقارب سنة واحدة خلافاً لكلّ التقديرات الأولية. وأتت أعمال إنشاء المطمر الصحّي فوق طبقة الردم هذه لتخفي كلّ ما تقدم.
مع تصاعد الجدل في المدينة حول ممارسات المتعهد وفساد القائمين على المشروع، وكان يومها إنجاز المطمر قد قارب نهايته، خرج رئيس البلدية على الصيداويين بمفاجأة: 35 ألف متر مربع من المساحة المردومة سوف تكون حديقة عامة كاملة المواصفات (من مزروعات وأشجار ومدرج روماني اسمنتي ومسارات مبلطة…)، وهي ملاصقة للمطمر (65 ألف متر مربع)، على نفقة المتعهد. هذه الحديقة لم تكن من ضمن المشروع، ولكن يبدو أن رئيس البلدية احتاجها ليسكت المعترضين فألزم بها المتعهد. وهكذا، بات الشعار طنّاناً أكثر: “حوّلنا الجبل لحديقة”. وقد سميت الحديقة على اسمه، فبات اسمها “حديقة محمد السعودي”.
أما المساحة الخضراء فوق المطمر فهي غطاءٌ من العشب الإصطناعي، ولا يمكن الدخول إليها إلا لسنواتٍ عديدة في المستقبل، ريثما يكتمل اختمار مكونات المطمر، وتخرج جميع غازاتها الدفينة.

أما في برج حمود والجديدة..
يرتفع سطح مطمر صيدا عن الطريق الداخلية لثمانية أمتار، أيّ ما يعادل مبنى من طابقين. ويمتد قرابة 350 متراً على الواجهة البحرية الجنوبية للمدينة. وقد تسامح أبناء المدينة مع هذا الواقع كون الجبل، في ما مضى، ارتفع لخمسين متراً. أما في برج حمود والجديدة فيبدو المشهد كاريكاتورياً إذا ما عايننا المخطط الذي سرّبه النائب سامي الجميل (الصورة المرافقة للنصّ). فيها، يبدو المطمران كرئتين تنفثان غازاتهما نحو المناطق السكنيّة المحاذية، وتسدّان كامل الواجهة البحرية للمنطقتين (حوالي 2,5 كيلومتر). ولا يغرّنك غطاء العشب الإصطناعي الأخضر الذي سوف يكلّلهما، لأن المطمرين سيكونان مساحتين مغلقتين لعقدٍ من الزمن على أقل تقدير. وتجدر الملاحظة هنا أن مساحة مكبّ برج حمود المنوي طمره، خلافاً لجبل صيدا، يشكّل مساحةً يسيرةً من كامل مساحة المطمر المخصّص للمنطقة.
المفارقة الأخيرة في هذا العرض تكمن في أن صيدا “بلعت” مطمرها لأنه كان البديل عن جبلها، فيما يُطلب من أهالي برج حمود والجديدة أن يستقبلوا اليوم هذا المطمر ويعيشوا مدى العمر معه. وهو مطمرٌ يختزل كافة معاني الفشل السياسيّ والإداريّ والبيئيّ للسلطة الحاكمة والطبقة السياسيّة. بذلك، سيدفع أهالي المنطقتين فاتورة هذا الفشل عن كلّ اللبنانيين. وهذا إفتراء.

نشرت هذه المقالة في العدد |43|أيلول/سبتمبر 2016، من مجلة المفكرة القانونية | لبنان |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه :

دعوى لإستعادة المال العامّ… والشاطىء

انشر المقال

متوفر من خلال:

بيئة ومدينة ، الحق في الصحة ، أملاك عامة ، مجلة لبنان ، لبنان ، مقالات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني