دراسة حول قانون مناهضة التعذيب: صفر محاسبة


2022-06-13    |   

دراسة حول قانون مناهضة التعذيب: صفر محاسبة
من صفحة النائب إبراهيم منيمنة

على الرغم من مرور خمسة أعوام على إقرار قانون مناهضة التعذيب وثلاثة أعوام على انتفاضة 17 تشرين لا يزال الناشط خلدون جابر الذي تعرّض للتعذيب أثناء توقيفه من قبل الأجهزة الأمنية، يعاني من آلامٍ دائمة في ظهره، وضعف في السمع. ويقول إن الأثر النفسي كان أصعب عليه من العنف الجسدي، “أنا لهلق بعد ما شفيت من التروما”، يدفع  جابر تكاليف علاجه من جيبه الخاص، فيما شكواه لا تزال محفوظة في النيابة العامة العسكرية التي رفضت التحقيق فيها.

خلدون هو واحد من عشرات المتظاهرين الذين مارست القوى الأمنية عليهم عنفاً يرقى إلى مصاف التعذيب الذي بقي من دون أي محاسبة، ولم يحترم القضاء والأجهزة الأمنية تطبيق القانون 65/2017 لصالحه.

فخلال انتفاضة 17 تشرين 2019 تعرّض العشرات من المتظاهرين إلى التوقيف من قبل الأجهزة الأمنية، حيث وثّقت “المفكرة” بالتعاون مع “لجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين” أكثر من 967 حالة توقيف و732 حالة عنف لغاية 15 آذار 2020، ومورست على الموقوفين أنواع  من التعذيب، حتى أنّ بعضهم تعرض للصعق بالكهرباء، في مخالفةٍ واضحةٍ للقانون رقم 65/2017 الذي ينص على حظر تعذيب الموقوفين. لكن على الرغم من وجود القانون، وتقدّم عدد من الأشخاص الذين تعرّضوا للعنف على خلفية مشاركتهم في التظاهرات، بشكاوى تفيد بتعرّضهم للتعذيب وإصاباتهم بأضرار دائمة في أجسادهم، بقيت ادعاءات التعذيب من دون أي تحرّك قضائي لمحاسبتها.

وقد جرّدت النيابات العامّة ضحايا التعذيب من الحماية التي يمنحها القانون، إثر قيام النيابة العامّة التمييزية بإحالة شكاويهم إلى مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بدلاً من إحالتها إلى القضاء العدلي، ثم قامت معاونة مفوّض الحكومة بدورها بإحالة الشكاوى إلى الأجهزة الأمنية المتهمة بالتعذيب لإجراء التحقيقات والاستماع إلى الضحايا خلافاً للقانون، لينتهي الأمر بحفظ الشكوى.

وقد لحظ المحامون والمحاميات في لجنة الدفاع عن المتظاهرين، من خلال متابعة المسار التطبيقي للقانون، الثغرات التي يستعملها القضاة كذريعة لتفريغ القانون من مضمونه. من هنا أطلقت مجموعة منهم بالتعاون مع مؤسسة “فريدريش إيبرت” (The Friedrich-Ebert-Stiftung)، وضمن حملة “العبرة بالتنفيذ” التوعوية، في مؤتمر صحافي عقد نهار الجمعة في تاريخ 10-6-2020، ورقة بحثية بعنوان “قانون تجريم التعذيب: التعطيل ودور القضاء”. تناولت فيها الثغرات التي تعتري القانون، بالإضافة إلى الصعوبات التي واجهت عملهم  لتطبيق القانون منذ صدوره، مع اقتراح عدد من التوصيات بهدف إصلاح القانون وتفعيل تنفيذه. والمحامون والمحاميات اللواتي أعددن الورقة البحثية هم/هنّ: فاروق المغربي، لمى الأمين، مازن حطيط، ومايا دغيدي. 

خلاصات الورقة البحثية كما عرضها المحامون والمحاميات

تنقسم الورقة البحثية إلى ثلاثة محاور، الأول يتناول السياق القانوني والقضائي لصدور قانون التعذيب وتطبيقه، المحور الثاني يتناول الاشكاليات القانونية التي تعيق حسن تطبيق القانون، أما المحور الثالث فتخلّله عرض لأبرز التوصيات والتعديلات المفترض العمل عليها.

وقد عرض المحامون الأربعة خلال المؤتمر أبرز خلاصاتها.

–         استقلالية القضاء ضمانة لمكافحة التعذيب

تحدث  المحامي  فاروق المغربي عن السرد التاريخي للقانون، إذ اعتبر أنّ “ما بين السياق القانوني لمناهضة التعذيب قبل إقرار القانون وبعده، كما السياق القانوني قبل الانضمام إلى الاتفاقية الدولية وما بعده، لم يحصل أي خرق يذكر لسبب رئيسي وهو عدم وجود أي حكم يجرّم التعذيب أو المعذِّب حتى تاريخه”. 

ونوّه  المغربي بـ “تقرير لجنة مناهضة التعذيب في الأمم المتحدة  الصادر سنة 2013 الذي أكّد أنّ هناك تعذيباً ممنهجاً في لبنان، وأنّ التعذيب ممارسة متفشّية فيه، وصدور بيان في أيار الماضي عن وفد من اللجنة الفرعية لمناهضة التعذيب في الأمم المتحدة كان قد زار لبنان، وأكد أنّ الحكومة اللبنانية لم تقم بأي تحسينات في موضوع التعذيب، وأنّ الأمور لا تزال سيئة والدولة اللبنانية لم تنفذ أي من هذه التوصيات”. كما نوّه بالتقرير الذي صدر في أيار الماضي عن الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان متضمنة لجنة الوقاية من التعذيب، والذي يؤكد على وجود حالات تعذيب في لبنان”.

واستند المغربي إلى كُل ذلك ليقول إنّ القانون اليوم لا يُطبق والتعذيب مستمر، معتبراً أنّ “الانحلال الذي وصلنا إليه هو نتيجة سياسة عدم المحاسبة، لقد زرعنا وحصدنا، ولم نصل إلى هذه المرحلة بالصدفة، هي تراكم سنوات من عدم المحاسبة وعدم تطبيق القوانين”. 

أما المحامية لمى الأمين فأشارت إلى أنّ “التأخير في إقرار قانون يضمن استقلالية السلطة القضائية يعود إلى بنية النظام القضائي في لبنان الذي يحتوي على مخالفات صارخة تتعارض ومبدأ فصل السلطات”، وأضافت أنّ “السلطة التنفيذية هي من تعيّن القضاة في المراكز الأساسية والنيابات العامة بحسب التقسيم الطائفي والانتماءات الحزبية، وهذا كاف للتكلّم عن ضرب استقلالية القضاء وتعطيل الحق العام، وأنّ مجلس النواب المكوّن بغالبيته من أحزاب سياسية شاركت في الحرب الأهلية وتعتمد معايير مانعة للمحاسبة”. 

وتابعت الأمين: “عند صدور قانون تجريم التعذيب تُركت الجهة القضائية صاحبة الصلاحية لجهة الادعاء والمتابعة “ضبابية”، ما سمح بإحالة الشكاوى أمام القضاء العسكري والاستثنائي وتوسيع صلاحياته مجدداً”، ونوهّت الأمين “بأنّ المشكلة الأساسية في القضاء العسكري أنّ رؤساء هذه المحاكم وأعضاءها العسكريين بقوا تابعين خلال تولّيهم مناصبهم في القضاء العسكري مباشرة إلى وزارة الدفاع والأنظمة العسكرية المرتبطين بها، وبالتالي هناك تقاطع بين التدخّل السياسي في العمل القضائي من باب السلطة التنفيذية والتدخّل العسكري في العمل القضائي من باب المؤسسات العسكرية والأمنية ووزارة الدفاع”. 

من هنا شدد المحامون وفقاً لملخّص الورقة البحثية على أهمية استقلالية القضاء كضمانة أساسية لمناهضة التعذيب، حيث شددوا على أنّ “تعيين القضاة من قبل السلطة التنفيذية في المراكز الأساسية (النائب العام التمييزي ورئيس هيئة التفتيش القضائي ورئيس مجلس القضاء الأعلى)، كافٍ بحد ذاته لضرب استقلالية السلطة القضائية مما يسمح للسلطة التنفيذية بتعطيل الحق العام وتسييره وفقاً لما يناسب مصالح القوى. من هنا يحوّل القضاء من حامي الحقوق والحريات إلى حامي لمصالح السياسيين تحت طائلة التعرّض لعقوبات مقنّعة تكفلها ضمن مراسيم التشكيلات القضائية”.

ويفسر المحامون في ملخص الورقة أنّ “الجريمة ترتكب من قبل أشخاص يتصرّفون بصفة رسمية، يحتمون بمنظومة سياسية- قضائية تمنع محاسبتهم، وتبقى ملاحقتهم مرهونة بالتغيرات السياسية ومدى بقاء مرتكبي جرائم التعذيب في زمام السلطة”، مشدّدين على ضرورة تأمين الأمان والثقة للقضاة الناظرين في الدعاوى للتمكّن من الشروع بالمحاسبة الجدية والفعالة.

–         التفريط في دور القضاء العدلي

المحامي مازن حطيط عتبر في كلمته أن “المشرّع الذي عمل على إقرار القانون، خالف الاتفاقية الدولية لتعريف التعذيب من خلال: تضييق إطاره الزمني وإدخال مفهوم مرور الزمن عليه، وتغييب آليات جبر الضرر وتأهيل الضحايا، وحصر القانون بمرحلة الاستقصاء والتوقيف، وهناك “الكثير من الحالات الموثقة  تظهر كيف مورس التعذيب في الاعتقال وفي الطريق إلى مراكز الاعتقال”.  

وتابع: “في الشق القضائي، المشرّع تغاضى عمّا ورد في الأسباب الموجبة للقانون (رقم 65/2017) فيما خصّ حصر التحقيقات والملاحقة بالقضاء العدلي العادي مما أعطى فرصة للنيابات العامة لإحالتها إلى المحاكم الاستثنائية والعسكرية مثلاً”. فقد نصّت الأسباب الموجبة للقانون، ملخص الورقة البحثية، على “أنّه تُناط صلاحية الملاحقة والتحقيق والمحاكمة بالقضاء العدلي العادي دون سواه من المحاكم الاستثنائية”، إلّا أنّ النيابة العامة التمييزية اعتبرت أنّ النص القانوني غير واضح، رافضة الأخذ بالأسباب الموجبة التي تعتبر روح القانون، ورفضت الأخذ بأحكام المادة 15 من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تحصر صلاحية النظر بالجرائم المرتكبة من قبل الضابطة العدلية بالقضاء العدلي. وهذا ما فتح المجال أمام القضاء الاستثنائي العسكري للنظر بشكاوى التعذيب.

وكانت لجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين قد عرضت في مؤتمر صحافي عقد في 6 شباط 2020 كيفية تعامل النيابات العامة مع شكاوى التعذيب التي تقدّم بها عدد من المشاركين في انتفاضة 17 تشرين والتي تم حفظها من قبل مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، حيث تمسّكت النيابة العامة التمييزية بإحالة الشكوى إلى النيابة العامة العسكرية، والأخيرة تمسّكت باحالتها إلى الأجهزة الأمنية المتهمة بالتعذيب. إلّا أنّ الجهة المشتكية رفضت الإدلاء بإفادتها أمام هذه الأجهزة سنداً للقانون الذي يمنع ذلك صراحة، فقررت معاونة مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضية منى حنقير حفظ الشكاوى من دون التحقيق بها.

واعتبر ملخّص الورقة البحثية أنّ “الشكاوى خلت من أي تحقيق جدّي في أعمال العنف والتعذيب وقادت عملياً إلى تحميل المعتدى عليهم مسؤولية إجهاض الملاحقة. وإنّ ما آلت إليه شكاوى التعذيب هو تعبير عن الرغبة السياسية في عدم معاقبة جرائم التعذيب”. يظهر ذلك بحسب الورقة “بصورة فجّة خلال جلسة مناقشة قانون مناهضة التعذيب، لا سيما لجهة تعبير بعض النوّاب عن رفضهم أن يتمّ إحالة ضباط وعسكريين أمام القضاء العدلي وحصر ملاحقتهم بالقضاء العسكري أيضاً لاعتبار حفظ “الأمن القومي” مبراراً ارتكاب التعذيب.

–         توصيات وحلول

ناقشت المحامية مايا الدغيدي بدورها أبرز التعديلات والتوصيات التي خلصت إليها الورقة وقالت: “في الدراسة استعرضنا الإشكاليات الأساسية التي وقفت عائقاً أمام تطبيق القانون وقاربنا الحلول بمعايير واضحة تتمثل أولاً في تطبيق مبدأ فصل السلطات ومن ثم تعديل القانون وآليات تطبيقه وأخيراً معايير تتعلق بالرقابة والأجهزة الرقابية”. 

وأضافت: “فصل السلطات هو مبدأ دستوري يوجب أن تكون السلطة القضائية مستقلة، وطالما أنّها تعيّن من قبل السلطة التنفيذية لن نستطيع أن نتحدث عن استقلالية وحيادية في اتخاذ القرارات وتطبيق القوانين من قبل القضاة، لذلك كلّ حلّ يبدأ بإقرار قانون استقلال السلطة القضائية. علماً أنّ في مجلس النواب اليوم هناك مشاريع قوانين وأبرزها مشرع قانون استقلال السلطة القضائية المقدم من النائب بولا يعقوبيان والمفكرة القانونية في عام 2018 وهذا القانون إذا تم إقرار بروحيته نكون أمام قفزة إصلاحية نوعية في عمل القضاء”.  

واعتبرت دغيدي أنّه على “كلّ سلطة اليوم أن تتحمّل مسؤولية معالجة تطبيق القانون 65، ونبدأ بالسلطة التشريعية التي عليها أن تعدّل في هذا القانون الحالي بما ينزع إمكانية الاستنسابية في تطبيقه كما جرى في شكاوى التعذيب المقدّمة لمتظاهري 17 تشرين التي تحوّلت إلى المحكمة العسكرية في مخالفة واضحة وصريحة للقانون. والتعديلات المطلوبة هي لتمكين الضحايا من الوصول إلى العدالة، وأبرزها توسيع التعريف، وإعلان اختصاص القضاء العدلي بشكل واضح، ورفع قواعد مرور الزمن عن جرائم التعذيب لأنّ مرور الزمن ليس حق للمجرم وإنّما حق للمجتمع في استقراره فلا استقرار من دون محاسبة القوّة العامّة على جرائم التعذيب بحق الموقوفين”. 

وأشارت إلى أنّ “المسؤولية أيضاً تقع على السلطة التنفيذية لوضع آلية تضمن حقوق الدفاع، بالتنسيق مع نقابتي المحامين بالقيام بالتدريبات والتوعية للقيمين على تطبيق القانون والمساءلة والمحاسبة في حال عدم احترام القانون”. 

وختمت: “أيضاً المسؤولية تقع على القضاء وعلى النيابات العامة، فبدل حماية الصالح العام والدفاع عن الحق العام كانت تعمل لمصلحة السلطة السياسية والنظام السياسي. 

بداية المؤتمر

حضر المؤتمر عدد من نواب قوى التغيير هم حليمة قعقور، إبراهيم منيمنة وفراس حمدان وميشال الدويهي، بالإضافة إلى النائب السابق غسان مخيبر، والقاضية هانية الحسن ممثلة نادي القضاة، والمدعي العام السابق القاضي حاتم ماضي، وعضو الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان بسّام القنطار، وعدد من ممثلي الجمعيات المتابعة لقانون التعذيب (ريستارت، المركز اللبناني لحقوق الانسان، منظمة العفو الدولية، المفكرة القانونية، شبكة المنظمات غير الحكومية العربية للتنمية) وآخرون. وحضر عن الأجهزة الأمنية فقط، الرائد حسن فياض ممثلاً المؤسسة العسكرية، والنقيب فايز الساحلي ممثلاً مديرية المخابرات في الجيش اللبناني.

البداية كانت بكلمة افتتاحية من الإعلامية إلسي مفرّج، أشارت فيها إلى أنّ “القوانين في لبنان تأخذ سنوات من أجل أن تصدر وعندما تصدر تتضمن أفخاخاً وثغرات تستخدم كحجج للتمنّع عن تطبيقها”. وعُرض رسم بياني عن أبرز معوقات تطبيق قانون تجريم التعذيب والثغرات التي تعتريه.

وقالت مديرة البرامج في مؤسسة “فريدريش إيبرت” – مكتب لبنان إلهام برجس، إنّ الورقة البحثية هي دراسة وحملة جاءت نتيجة انخراط أفراد ناشطين تابعوا جميع التحرّكات والانتهاكات، ونقابيين ممارسين لمهنة المحاماة وضحايا الانتهاكات وجدوا أنفسهم مجرّدين من أيّة حماية. وشدّدت على أنّ مطلب استقلالية القضاء هو اليوم مطلب شعبي وعام يسعى إلى تحصيل الحماية للناس ولم يعد مطلباً بهدف تحقيق العدالة والإفلات من العقاب فحسب.

النواب الديمقراطيون: شركاء في المعركة

النائبة حليمة قعقور اعتبرت في مداخلتها في المؤتمر أنّ الإشكالية تكمن في الثقافة السائدة القائمة على “التسخيف” والتذرّع دائماً بالحفاظ على “هيبة الدولة” لعدم تطبيق القانون أو عدم اتّخاذ الإجراء المناسب تجاه المخالفين، معتبرةً أنّ “المحاسبة” هي التي تحفظ هيبة المؤسسات العسكرية والأجهزة الأمنية وليس العكس، مع اتباع منطق العلانية والشفافية فحق المواطن معرفة ما يحدث داخل الأجهزة وما هي الإجراءات التي اتخذت بحق المخالفين، “أنا بدي شوف محاسبة، بدي الناس هي ايلي تعرف، لازم تنشروا بالتقارير هيك، بدنا ثقة بكل الأجهزة”.

ودعت قعقور الأجهزة الأمنية والجهاز القضائي للانضمام إلى الانضمام إلى معركة “تطبيق القوانين”، والانتقال من موقع الدفاع إلى الهجوم في هذه المسألة. وتعهدت قعقور بالعمل داخل المجلس النيابي على تعديل القانون لسدّ الثغرات “إذا توحّدنا جميعاً، يمكن أن نفرض التعديل ليس بـ 13 نائباً للتغيير بل من خلال الرأي العام كلّه”.

أما النائب فراس حمدان فحضر المؤتمر ودليله على التعنيف وممارسات الأجهزة الأمنية لا يزال موجوداً في قلبه على شكل حبّة خردق، فكانت كلمته كشهادة حية تعكس ما عاناه المتظاهرون من عنف وقسوة مفرطة، وكونه أحد المحامين في لجنة الدفاع عن المتظاهرين. قدّم فراس شهادته بما عاناه المحامون مع الأجهزة الأمنية والقضاة لمعرفة مراكز توقيف المتظاهرين ومقابلتهم “في كلّ محطة كان لدينا إشكال مع الأجهزة الأمنية، في مركز مخابرات صيدا انتظرنا ست ساعات لنرى الموقوفين الذين يتعرّضون للصعق بالكهرباء تحت الدرج، كنا نبحث عنهم من مركز توقيف إلى آخر”. وأصر حمدان على تسمية القضاة المخالفين للقوانين والذين عانى المحامون من ممارستهم وهم: “غسان عويدات ومنى حنقير وفادي عقيقي وبيتر جرمانوس”.

وتعهّد أمام “الزملاء الحقوقيين” بالبقاء إلى جانبهم بجميع الخطوات “خضنا كلّ المعارك سوية وبدأناها على الأرض وحيث تكونون أنا موجود”.

كذلك اعتبر النائب إبراهيم منيمنة في تغريدة بأنّه “على الرغم من أنّ لبنان صادق على الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وأقرّ قانون تجريم التعذيب (65/2017) لا تزال ممارسات التعذيب شائعة ومتفلّتة من العقاب. أولويّتنا في المرحلة المقبلة ستكون في إقرار قانون يضمن استقلالية القضاء ليكون المدخل لإرساء دولة القانون وتحصين دور القضاة في المحاسبة وفي حماية حقوق الأفراد وحرياتهم”.

سجال حول إجراءات محاسبة المتهمين بالتعذيب 

النائب السابق غسان مخيبر اعتبر بدوره أنّ هناك “إرادة”، أوّلاً من قبل القوى الأمنية وما يسمّى بالضابطة العدلية، وثانياً من قبل القضاة الذين يتستّرون على القوى الأمنية بأعمال مخزية، بعدم تطبيق القانون. ولفت إلى ضرورة التزام الحذر من عدم تحويل الملاحظات إلى ثغرات يقوم على استغلالها القوى الأمنية والقضاة، “القانون ما في ثغرات بحسب ما يقال، ولكن كثرة قول ذلك سهّل على القضاء العسكري والضابطة العدلية أن  تستمر بالممارسات”. وأبدى مخيبر ملاحظته حول الورقة البحثية التي لم تتضمن جملة واحدة حول مسؤولية القضاء رغم تشديدها على أهمية استقلالية القضاء، على حد قوله، “يجب على الورقة البحثية أن تتضمّن مناهضة أخطاء القضاء، وهذا بأهمية الاستقلالية”.

بدوره لفت بسام القنطار، عضو الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب إلى قضية الضحية محمد الحاج، التي تتابعها اللجنة اليوم مع مجموعة من المحامين، والعنف الكبير الذي تعرّض له أثناء توقيفه في مركز أمني. وقال القنطار: “لقد وصلنا إلى الضحية في اليوم التالي واستطعنا أن نوثّق التعذيب الحاد الذي تعرّض له، والأهم من كلّ ذلك أنّ مدعي عام التمييز غسان عويدات مرة جديدة كان يريد تحويل القضية إلى النيابة العامة العسكرية ولكننا استطعنا إبقاء الملف في عهدة القضاء العدلي وسنقاتل من أجل أن نصل إلى نتيجة”. 

ويطرح القنطار علامات استفهام حول غياب الإجراءات التـأديبية المتّخذة بحق القوى الأمنية المخالفة. وذكّر بالتوقيفات بحق المتظاهرين في العام 2019، حيث انتشر فيديو لموقوفين يتمّ ضربهم من قبل العناصر الأمنية خلال سوقهم إلى ثكنة الحلو، “كان كلّ واحد هو وعم ينزل من الريو عم يأكلها كف، تصرّف أقل ما يقال عنه سوء معاملة وحط بالكرامات”، وأضاف أنّه وبسبب ظهور هذا الانتهاك إلى العلن، عبر الفيديو المسرّب، أعلنت القوى الأمنية حينها عن اتّخاذ إجراءات تأديبية بحق المرتكببين، ولكن ما هي هذه الإجراءات؟ هل تم الاكتفاء بحبس المتهم لأربعة ايام؟ “يعني هيدي العقوبة لواحد ناسي يحلق ذقنه”، مؤكداً أنّ العقوبة لها “معايير دنيا”، منها ضرورة تحديد نوع التهمة والتالي العقاب، “أقله لازم يكون بالسجن أو تخفيض رتبة بمعنى يجب أن يكون هناك إجراءات رادعة”.

ويؤكد القنطار أنّه منذ صدور القانون في العام 2017 لم يصدر أي حكم قضائي بحق أي من مرتكبي الجرم، فنسبة الإفلات من العقاب هي 100% ونسبة إنصاف الضحايا 0%، وهي مؤشرات تؤكّد على أن القضاء مع الأجهزة الأمنية لا يريدون تجريم التعذيب وإنصاف الضحايا.

وكانت الهيئة قد نشرت في أيار الماضي تقريراً إلى لجنة الأمم المتحدة الفرعية للوقاية من التعذيب، موضوعه “أحكام البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب أو العقوبة القاسية أو اللانسانية أو المهنية”، وأعربت خلاله اللجنة عن قلقها الشديد إزاء استمرار ارتكاب جرائم التعذيب في العديد من مرافق حجز الحرية في لبنان، والتي يفترض إغلاق العديد منها لا سيما ما يعرف بنظارة “تحت الجسر” الملحقة بنظارة قصر العدل في بيروت.

وقد ردّ ممثل قيادة الجيش، الرائد حسن فياض، بالقول إنّهم يقومون بدورهم بمحاسبة المخالفين، وهناك آلية للمعالجة الشكاوى التي ترد من السجون و”نحن نعالجها ونعمل بكل شفافية ونحاسب كل عنصر يرتكب مخالفات”. فردت المحامية لمى الأمين بالقول: “المشكلة في هذا الكلام أننّي لا أقدر أن أناقشك لأننا لا نعلم ما هي العقوبة التي اتخذتموها ومن هم العناصر الذين يرتكبون المخالفات. ما نطلبه هو أن نعرف كيف تتصرّفون مع انتهاكات العناصر التابعة لكم”. وقد شدد المشاركون على أهمية اعتماد مبدأ الشفافية والعلنية في هكذا إجراءات.

كما ناقش الحضور مع المحامين محاولات تعديل القانون في المجلس النيابي وأهمية رفع مرور الزمن عن جرائم التعذيب من أجل ضمان المحاسبة لارتباط هذه الجريمة بالتغييرات السياسية.

انشر المقال

متوفر من خلال:

انتفاضة 17 تشرين ، قضاء ، احتجاز وتعذيب ، قضايا ، محاكمة عادلة ، أجهزة أمنية ، تشريعات وقوانين ، استقلال القضاء ، محاكمة عادلة وتعذيب ، لبنان ، مقالات ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني