حين يواجِه مصروفو الجامعة الأميركيّة أمام وزارة العمل والقضاء: جلسة تحقيق بحضور وزيرة العمل


2020-08-28    |   

حين يواجِه مصروفو الجامعة الأميركيّة أمام وزارة العمل والقضاء: جلسة تحقيق بحضور وزيرة العمل
جانب من تحرّك للمصروفين (الصورة من الوكالة الوطنية للإعلام)

أكثر من مائة أجير تمّ صرفهم من الجامعة الأميركيّة ما برحوا يجاهدون لنقض قرار الصّرف بحقّم، وفي كل الأحوال لتثبيت أنّ الصّرف تعسّفي وغير مبرر. وللتذكير كانت الجامعة الأميركية صرفت قرابة 850 موظفاً بالاستناد إلى قرار تحكيمي صدر تبعاً للصّلح بينها وبين نقابة مستخدميها وأجرائها في 15 تموز، وحدّد عدد المصروفين بـ850 موظفاً كما حدّد تعويضات اعتبرت زهيدة بالنظر للتقديمات الاجتماعية التي لم تؤخذ في الحسبان. كلّ ذلك من دون الالتزام بشروط المادة 50 والخاصة بالصّرف الجماعي لأسباب اقتصادية. وقد أخذت المواجهة التي جرت بالتعاون مع الاتحاد الوطني لنقابات العمّال والمستخدمين و”المفكرة القانونية” مسارين: المسار الأوّل تمثّل في الشكوى التي تقدّموا بها بدعم من الاتّحاد الوطني أمام وزارة العمل للمطالبة بإلغاء القرار وإعادة الموظفين إلى العمل أو إعطائهم تعويضات عادلة. والمسار الثاني تمثل في الدعوى التي قدمت بالتعاون مع “المفكرة القانونية” لمحكمة استئناف بيروت لإبطال القرار التحكيمي بعد إعادة وصفه بالتحكيم العادي (الذي لا يدخل ضمن نزاعات العمل الجماعية)، لعدم ارتباطه بمصلحة جماعية للعمال بل بمصلحة فئوية لبعض العمّال.

وقد حمّل عدد كبير من المصروفين نقابة عمّال ومستخدمي الجامعة الأميركية مسؤوليّة الإلتفاف على حقوقهم بغرض إخضاع المصروفين لتسوية غير عادلة حرمتهم من ضمانات ومستحقات مختلفة، عدا عن عدم اقتناع المصروفين بوجود أسباب إقتصاديّة قاهرة لصرفهم من العمل.

تحقيق أمام وزارة العمل بحضور وزيرة العمل

انعقدت أول جلسات الشكوى في وزارة العمل بحضور وزيرة العمل لميا يمّين شخصياً يوم الاثنين 24 آب 2020، وحضر عدد من المصروفين وهم مفوّضون عن أكثر من 120 مصروفاً كما حضر إلى جانبهم رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمّال والمستخدمين كاسترو عبد الله. شكوى الموظفين بحسب عبدالله تهدف إلى “إلغاء القرار التحكيمي الذي خلص إلى صرف 850 موظفاً من دون تحديد أسمائهم، وترك الباب مفتوحاً أمام إدارة الجامعة لاختيار أسماء المصروفين من دون مراعاة الشروط القانونية، إضافة إلى تحديد تعويضات اعتبرت زهيدة أمام ارتفاع سعر صرف الدولار وكونها تضرب عرض الحائط التقديمات الاجتماعيّة من تأمين صحي وبدل مدارس وجامعات لأولاد الموظفين، وهي التي يعتمد عليها هؤلاء وقد خسروها بسبب الصرف”. ويشير عبد الله إلى أنّه “على الرغم من أنّ الشكوى تُطالب بعودة المصروفين إلى العمل لعدم وجود مبرّرات لصرفهم، وإلا إعطاء الموظفين تعويضات عادلة تأخذ بعين الاعتبار الأمان الاجتماعي الذي كانوا يتمتعون به قبل الصرف”. ومن هنا، يرفض عبد الله القرار التحكيمي مؤكداً أنّ النقابة خالفت الأصول بعدم العودة للجمعيّة العموميّة لمعرفة مدى موافقة المصروفين على القرار”.

يقول عبدالله إنّ الجلسة كانت إيجابيّة أقلّه في الشكل، حيث تعهّدت وزيرة العمل الحاضرة بالذات بوضع جهودها لإنصاف المصروفين. وتم إمهال وكيل الجامعة الأميركية أسبوعاً واحداً للرد على الشكوى، على أن تنعقد الجلسة الثانية يوم الإثنين المقبل في 31 آب. وهنا يلفت الموظف السابق مروان عرابي أنّه يوم الاثنين من المتوقع ارتفاع أعداد المشتكين أمام وزارة العمل بحيث يجري إعلام باقي المصروفين للإنضمام إلى الشكوى.

عبد الله لفت إلى أنّه حصل نقاش بين المصروفين ومستشار وزيرة العمل طوني فرنجية خلال الجلسة. وإذ سألوا الوزارة عن سبب عدم مطالبة الجامعة بتقديم حساباتها المالية لإثبات أنّها تواجه أزمة اقتصادية لتبرر الصرف، كان رد المستشار بأنّ الجامعة رفضت تقديم الأوراق والمستندات المالية وعلّلت ذلك بأنها “جمعية ذات منفعة عامة بموجب مرسوم”. عبدالله اعتبر أنّ “هذه الذريعة التي تقدمت بها الجامعة تعاملت معها وكأنّها تعفيها من تطبيق أحكام قانون العمل”. إلّا أنّ ذلك بحسب قوله “لا يلغي أبداً مسؤولية الجامعة في تطبيق القانون الذي يفرض عليها تقديم ما يثبت عملياً أنّها تواجه أزمة اقتصاديّة لتبرير أسباب الصرف، وانتظار التحقيق الذي تجريه الوزارة وهذا ما لم يحصل”. من جهته، استغرب المدير التنفيذي لـ”المفكرة القانونية” المحامي نزار صاغيّة هذه الذريعة مشيراً إلى أنّ “الجمعيات ذات المنفعة العامة مثلها مثل أي رب عمل، طالما أنّ المادة 7 من قانون العمل لم تعدّد عقود العمل في إطار هذه الجمعيات ضمن العقود المستثناة من الخضوع لقانون العمل. بل يترتّب عليها مسؤولية أكبر لجهة الالتزام بتطبيق القانون، وتحديداً لأنها جمعيّات ذات منفعة عامة تستفيد من إعفاءات ضريبية. بكلمة أخرى، يفترض أن تكون مسؤوليتها في تطبيق القانون واحترام الحقوق أكبر، لا أن تعفي نفسها من ذلك”.

من جهته، يؤكد وكيل الجامعة الأميركية المحامي ظافر زهر الدين أنّه حين تبلّغت الجامعة موعد الجلسة لم تكن تعلم مضمون الشكوى، مشيراً إلى أنّه توجّه لحضورها وهناك تبلّغ بأنّ “مضمونها إبطال القرار وإعادة المصروفين إلى العمل وإلا إعطاؤهم تقديمات اجتماعية أفضل”. زهر الدين، لا يرى حاجة إلى الشكوى مشدداً على أنّ “القرار التحكيمي الذي صدر يضمن للمصروفين تعويضات تتخطى ما يمكن أن يضمنه قانون العمل”. وهنا يُدلي بأنّ “غالبية المصروفين وافقوا على القرار ومن اعترض هم أقلية معدودة، وجرى إعطاء الشيكات المصرفية لغالبية المصروفين”.

ولناحية الانتقادات الواسعة التي طالت الجامعة الأميركية بعدم التزامها بالمادة 50 “و” من قانون العمل لناحية تقديم المبررات والمستندات التي تثبت الظروف الإقتصادية القاهرة التي دفعتها إلى الصرف، يعتبر زهر الدين أنّ “إدارة الجامعة امتثلت لقانون العمل بحذافيره”، وهنا يلفت إلى المسار الذي اتبعته، “بداية من تقديم طلب التشاور، التي يعتبر أنّها لم تنجح لذلك توجهت الإدارة إلى الوساطة ثم التحكيم”. وينفي زهر الدين أن تكون الجامعة الأميركية على اتفاق مع النقابة إنما يشدد على أنّه “خلال التفاوض كان هناك عدّة تباينات في الآراء”.

طعن أمام محكمة استئناف بيروت يوقف تنفيذ القرار

يعتمد المصروفون اليوم على محكمة الاستئناف المدنيّة لإبطال قرار التحكيم بموازاة شكواهم أمام وزارة العمل. وفي هذا الإطار، يُصرح صاغيّة أنّه تقدم بطعن لإبطال القرار التحكيمي أمام محكمة الاستئناف المدنية بوكالة عن عدد من المصروفين والاتحاد الوطني الداعم لهم وسُجل في القلم يوم الأربعاء الماضي تحت الرقم 271/2020، وبالتالي بمجرد تسجيل الطعن، فإنّ ذلك يوقف تنفيذ القرار التحكيمي حكماً ويجرّده من أي مفعول إلى حين بتّ الدعوى.

ويشرح صاغيّة أسباب الطعن، لافتاً إلى وجود مخالفات جوهرية في الأصول القانونية في القرار التحكيمي. “فمن ناحية، لم تلتزم الجامعة الأميركية بالتشاور والإجراءات الجوهرية الواجب اتباعها عند حصول صرف جماعي لاسباب اقتصادية، حيث لم تلتزم بتكليفها بإبراز الأوراق الحسابية بحجة أنها جمعية ذات منفعة عامة. كما لم تتقيد بمدة التشاور التي هي شهر بحيث حصل الصرف خلال أقل من 20 يوماً من بدء التشاور. وللوصول إلى ذلك، سعت الجامعة إلى الالتفاف على القانون من خلال إجراء وساطة وتحكيم ومصالحة مع نقابة عمّال ومستخدمي الجامعة الأميركية بشأن الصرف الجماعي لفئة من العمال والذي يدخل ضمن إطار النظام العام ولا يجوز لا التحكيم ولا الصلح بشأنه سنداً للمادة 1037 من قانون الموجبات والعقود. هذا عدا عن أنّ التحكيم خرج عن إطار النزاع الجماعي، وذلك لارتباطه بمصلحة فئوية للعمال الذين لم يتم صرفهم، وليس بمصلحة جماعية للعمال كافة. فكأنما المفاوضات ارتكزت على تأمين مصلحة فئة من العمّال لمنع صرفهم ضد مصلحة الفئة الأخرى التي تم صرفها”. وتهدف هذه الدعوى إلى نسف السند الوحيد الذي استندت إليه الجامعة (القرار التحكيمي) لإجراء الصرف الجماعي.

بالإضافة إلى ذلك، سيتقدم في الأيام المقبلة عدد من العمال الرافضين لصرفهم، بدعاوى أمام مجالس العمل التحكيمية.

الإدارة تحاول كسر إرادة المصروفين

لم يمرّ يوم على أول جلسة أمام دائرة التفتيش في وزارة العمل، حتى انهالت الاتصالات على المصروفين الّذين رفضوا التوقيع على براءة الذمّة بهدف الضغط عليهم للتوقيع ملوحة أمامهم بأنّ من لن يوقع قبل نهاية الشهر الحالي لن يتقاضى أيّة تعويضات. ومع العلم أنّ من تقدموا بالشكوى قد توجهوا إلى الوزارة خلال مهلة الشهر القانونيّة، ما يتنافى مع ما تحاول إدارة الجامعة إيهامه للمصروفين، عدا عن صدور قانون تعليق المهل ونشره في الجريدة الرسمية بتاريخ 27 آب. ووصف عبد الله الأمر “بمحاولة سحب أكبر عدد من الموقعين لكسر المعركة التي يخوضها المصروفون”. وينقل عدد من المصروفين بأنّه، لأجل ثنيهم عن تقديم الشكوى أمام وزارة العمل طلبت منهم الجامعة “حفظ خط الرجعة”، وكأنها بحسب بعض ممن تحدثوا إلى “المفكرة”، تُحذرهم من عدم خوض معركة ضدها لأنها لن تعيد استخدامهم في حال تغيرت الأوضاع الاقتصادية.

في هذا الإطار، تروي الموظفة السابقة في الجامعة الأميركية ميرنا عنوتي لـ”المفكرة” أنّه مباشرةً بعد الجلسة، “تلقيت اتصالاً من قسم الموارد البشريّة في AUB وأوضحت لي المتصلة أنّه عليّ التقدّم إلى المكتب لتوقيع براءة الذمّة قبل نهاية الشهر وإلّا لن أحصل على أيّة تعويضات”. وتشرح عنوتي بأنّ الجامعة أدلت لعدّة موظفين بأنّها لا تعترف بالشكوى التي جرى تقديمها إلى وزارة العمل.

عنوتي من خلال الاتصال الذي تلقته تقول أنّ طريقة الكلام معها كانت عاديّة، إنما تعتبر أنّ مجرد الاتصال بها بعد الجلسة هو مؤشر على تخويف المصروفين لردعهم من الاستمرار بالشكوى. ولا تستبعد عنوتي أن يذعن بعض المصروفين لطلب الإدارة، وهؤلاء من الّذين لا يعرفون حقوقهم بشكل جيد، والإدارة تمعن في استغلال جهلهم بالقانون.

وأكثر ما يدفع عنوتي على متابعة النضال لتحصيل حقوقها هو أنّها غير مقتنعة بأسباب صرف هذا العدد من العمّال على صعيد عام. وأمّا على الصعيد الشخصي، فهي تستغرب أن يتم صرفها وحدها من القسم الذي عملت فيه، مشيرة إلى أنّها تعرضت لمضايقات وتمييز على أساس طائفي خلال فترة عملها. لذا، تستنتج عنوتي أنّ أسباب صرفها شخصية ولا تتعلق بالظرف الإقتصادي للجامعة، وإلّا “ما الذي سيُغيّره راتب موظفة واحدة في قسم فيه طاقم كامل من الموظفين وله ميزانيته الخاصة”، حسب قولها.

أحمد المقداد عمل في الجامعة الأميركيّة لـ 25 عاماً، تلقى أيضاً اتصالاً مماثلاً من الإدارة. يرى المقداد أنّه “تصّرف تقوم به إدارة الجامعة لتخفيض أعداد المعترضين على القرار التحكيمي، ويدخل في مجال التخويف والترهيب من خوض معركة ضدّهم”.

يأسف المقداد على سنوات العمر التي عمل فيها في خدمة هذه المؤسسة، ويقول: “قدمنا تضحيات لأجلها، في حرب تموز استمرينا في النزول إلى العمل على الرغم من الخطر، والأمر نفسه في كافة الأحداث الأمنيّة التي طالت لبنان”. ويعتبر المقداد أنّ “إدارة الجامعة تسببت بإفقار آلاف العائلات، وتجريدهم من التقديمات الاجتماعيّة التي يتمتعون بها والتي كانت تُشكل أماناً اجتماعياً مهماً ودافعاً لاستمرارهم بالعمل”. ويخشى من تبعات الصرف على المصروفين، خاصّة وأنّ منهم مرضى ولديهم أولاد، أو عليهم قروض للإسكان. وهنا يلفت أنّ “موظف الجامعة الأميركيّة كان يتمتع بمعاملة مختلفة عن غيره في المصارف، إذ أنّه حين يقدم أوراقه لأخذ قرض مصرفي كان يأتي القبول تلقائياً”، لذلك هناك الكثير من المصروفين الذين استدانوا من المصارف وعليهم سداد الديون.

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، قطاع خاص ، لبنان ، حقوق العمال والنقابات ، اقتصاد وصناعة وزراعة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني