حين واجه محامو الأردن “محكمة أمن الدولة”


2015-12-07    |   

حين واجه محامو الأردن “محكمة أمن الدولة”

تُعتبر محكمة أمن الدولة من المحاكم الخاصة ذات الصبغة العسكرية، أُنشئت بقانون في العام 1959، أي بعد سنتين من إعلان الأحكام العرفية في الأردن سنة 1957، بولاية قضائية على الجرائم التي تضرّ بالأمن الداخلي والخارجي للأردن. وبالرغم من أن الأحكام العرفية ألغيت في العام 1991،  إلا أن المحكمة ما زالت باقية. وتكمن خطورة المحكمة أنها عسكرية تُنشأ بقرار من رئيس الوزراء، وتحاكم المدنيين والعسكريين ولا تراعي معايير المحاكمة العادلة ولا تخضع للسلطة القضائية، وهو الأمر الذي يطعن بنزاهتها وحيادها. ونظرا لافتقارها معايير المحاكمة العادلة المعترف بها دوليا، امتنعت بعض الدول الأوروبية عن تسليم المتهمين إليها، كما أن هروب أردني إلى دولة أخرى بسبب خشيته من المحاكمة أمام أمن الدولة كانت كفيلة بمنحه صفة اللجوء.

مع بدء الحراك الشعبي في الاردن في 2010، تم استخدام قانون محكمة أمن الدولة كوسيلة لقمع المتظاهرين. فوجّهت العديد من التهم إلى نشطاء الحراك مثل تقويض نظام الحكم، تعكير العلاقات مع دولة اجنبية، إثارة النعرات الطائفية، التجمهر غير المشروع وإطالة اللسان على الملك.وكان من الواضح أن هناك مبالغة في توجيه هذه التهم كما هي الحال عندما تم توجيه تهمة تقويض نظام الحكم لشاب في سن السابعة عشر لمجرد ترديد مجموعة من الشعارات في إحدى المظاهرات السلمية.

وقد كان نقيب المحامين السابق، صالح العرموطي، الذي ترافع وشكل هيئات دفاع في العديد من قضايا محكمة أمن الدولة، من أوائل المحامين الذين لفتوا النظر إلى الطبيعية السياسية للتهم الموجهة من خلال التصريحات الصفحية والمقابلات الإذاعية مشيرا إلى أن "معظم قضايا إطالة اللسان وإثارة النعرات الطائفية هي قضايا كيدية وتصفية حسابات، وكثير من هذه القضايا يصدر فيها حكم البراءة لأنها واضحة"[1].

وفي تموز 2010، أعلن صالح العرموطي بالتوقف عن الترافع امام محكمة أمن الدولةاحتجاجا على عدم دستوريتها، مطالبا بإلغائها وتوزيع اختصاصها وصلاحياتها على المحاكم النظامية.وجاء هذا التصريح بعد ان قررت المحكمة حبس طالب جامعي اتُهم بإطالة اللسان على الملك عبر الماسنجر لمدة عامين، وعلى الرغم من "عدم توفر الأدلة الكافية". إلا أنه تراجع عن هذا الموقف في العام 2015 عندما كان رئيس هيئة الدفاع عن زكي بني ارشيد، نائب المراقب العام لجماعة الاخوان المسلمين، الذي اتهم بتعكير صفو العلاقات مع دولة أجنبية أمام محكمة أمن الدولة.

وفي تشرين الثاني 2010، اعتصمت النقابات المهنية ممثلة بلجنة الحريات العامة. وهددت نقابة المحامين بالتصعيد بمقاطعة وعدم الترافع أمام محكمة أمن الدولة، بعدما أُسندت تهمتا اثارة النعرات العنصرية وتعكير صفاء الوحدة الوطنية للمحامي طاهر نصار. وقد وجهت التهمة إلى ناصر على خلفية بيانه الانتخابي الذي أعده لغايات الترشح لمجلس النواب والذي صرّح فيه أن "في جميع دول العالم المتحضر تعتمد الشهادة العلمية لتقلد الوظيفة العامة بالدولة، وفي الأردن تعتمد شهادة الميلاد في ذلك".لم تتصاعد الاحتجاجات لأن مدعي عام محكمة أمن الدولة قرر إحالة المحامي طاهر نصار إلى القضاء النظامي  لعدم الاختصاص على اعتبار أن الجرم المسند إليه يدخل ضمن مخالفة قانون المطبوعات والنشر[2].

وعلى صعيد متصل، استغلت نقابة المحامين مناقشة التعديلات الدستورية في البرلمان وقدمت توصياتها على المشروع المعدل للدستور المقدم من قبل الحكومة. المشروع المعدل أبقى على وجود المحاكم الخاصة، فيما حاولت النقابة إلغاء وجودها من خلال المقترحات التالية:

·        نصت الفقرة 2 من المادة 101 من المشروع المعدل للدستور على أنه "لايجوزمحاكمةأيشخصمدنيفيقضيةجزائيةلايكونجميعقضاتهامدنيين،ويستثنىمنذلكجرائمالخيانةالعظمىوالتجسسوالإرهاب". أوضحت النقابة أنه يجب شطب هذه الفقرة لأن الاستثناءيخالفمعاييرالمحاكمةالعادلةولايجوزبأيحالمنالأحوالأنيحاكمالشخصالمدنيالاأمامقاضيهالطبيعي.
·        نصت الفقرة 2 من المادة 110 من المشروع المعدل للدستور على أنه "تشكل بقانون محكمة أمن دولة يقتصر اختصاصها على جرائم الخيانة العظمى والتجسس والإرهاب". أوصت النقابة بضرورة شطب هذه الفقرة حيث أنها تشرع لقضاء استثنائي ينتقص من استقلال القضاء الطبيعي ويجعل القضاء مجزأ ومقسم وله تبعيات ومراجع  متعددة.

في النهاية، تم الإبقاء على وجود محكمة أمن دولة لكن باختصاص أضيق مما كانت عليه الحال سابقا. وتمّ حصره في جرائم الخيانة والتجسس والإرهاب وجرائم المخدرات وتزييف العملة، الأمر الذي يستتبع تعديل قانون محكمة أمن الدولة ليتواءم مع التعديلات الدستورية.

في تشرين ثاني 2012، أوقف مدعي عام أمن الدولة 130 شخصاً من الحراك الشعبي على إثر مشاركتهم في مسيرات احتجاجية على رفع أسعار المشتقات النفطية. وعاد مجموعة من المحامين للتظاهر و الاعتصام بعدما أقدمت الأجهزة الأمنية على اعتقال المحامي علي بريزات، الذي يعد من مؤسسي الحراك الشعبي في ذيبان[3]، وتحويله الى مدعي أمن الدولة بتهمة تقويض النظام. وفي الوقت نفسه أعلن نقيب المحامين ، مازن رشيدات، أن الهتافات التي يطلقها المشاركون في المسيرات بحسب القانون لا يمكن أن تعتبر تقويضا للنظام، وفي حال استمرار هذه الاعتقالات، ستقوم النقابة بمنع أعضائها عن الترافع عن المدنيين أمام محكمة أمن الدولة.كما أن النقابة ستعاقب من يخالف قرارها من المحامين بحسب قانون النقابة.

وبعد أقل من اسبوع من تصريحات نقيب المحامين، نفذ عدد من المحامين اعتصاماً أمام مجمع النقابات المهنية للمطالبة بالإفراج عن المحامي علي البريزات والإفراج عن باقي المعتقلين السياسيينودفع النقابة لاتخاذ موقف تجاه هذه القضية.وطالب المحامون خلال الاعتصام نقيب المحامين بتفعيل تعهداته بعدم السماح للمحامين بالترافع أمام المحاكم العسكريّة وبعدم السماح لأي قاض أو مدع عام سبق له وأن عمل في المحاكم العسكرية بالانتساب لنقابة المحامين.

استمرت الاعتقالات إلى أن وصل العدد إلى ما يقارب المئتين فيما بات يعرف باسم اعتقالات هبة تشرين. سلّطت لجنة الحقوق والحريات العامة بنقابة المحامين الضوء على المخالفات التي تمت بحق المعتقلين كما أصدرت بياناً أعربت فيه عن قلقها الشديد عن الاعتقالات التي تمت وما رافقها من انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان. وأكدت على حق المواطنين في التظاهر السلمي، حق المعتقلين بالسلامة الجسدية وعدم التعرض للتعذيب واساءة المعاملة والاتصال بالعالم الخارجي والمثول أمام القضاء الطبيعي (المدني) صاحب الولاية العامة. المركز الوطني لحقوق الإنسان بدوره أصدر تقريراً أكد فيه تعرض بعض المعتقلين للتعذيب. كما أن منظمة هيومن رايتس واتش طالبت الحكومة بالكف عن استخدام محاكم أمن الدولة في محاكمة المدنيين، بمن فيهم المشاركين بالمظاهرات السلمية. وعلى صعيد متصل، انتشرت المظاهرات في أغلب محافظات الأردن للمطالبة بالافراج عن المعتقلين. كما أعلنت نقابة المعلمين إضراباً عاماً ليوم واحد شمل جميع المدارس في محافظات الأردن، وكما أكّد رئيس اللجنة الوطنية لنقابة المعلمين، مصطفى الرواشدة، على استمرار إضراب المعلمين والتصعيد من خلال تنفيذ إعتصام حاشد أمام رئاسة الوزراء.

بالمقابل، اجتمع نقيب المحامين، مازن رشيدات، مع رئيس الوزراء عبدالله نسور، الذي وعد بإطلاق سراح الموقوفين. وفي الأسبوع الثاني من كانون أول 2012، أفرجت محكمة أمن الدولة عن أغلب معتقلي هبة تشرين الثاني، ما عدا 13 شخصاً اتهموا بالاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة والتخريب والسلب إضافة إلى الإعتداء على رجال الأمن العام والدرك، رغم أن الملك عبدالله الثاني أوعز لرئيس الوزراء بالإفراج عنهم بعد لقائه بقيادات الحراكات. 

وفي آب 2012، أقرّ مجلس الوزراء مشروع قانون معدّلا لقانون محكمة أمن الدولة. وقد هدف التعديل إلى تأليف هيئات مدنية في محكمة أمن الدولة تتولى النظر في جميع الجرائم المنصوص عليها في قانون المحكمة، باستثناء جرائم الخيانة والتجسس والإرهاب والمخدرات وتزييف العملة. عبرّت نقابة المحامين عن معارضتها لهذا المشروع ووصفته بأنه مخالف للدستور وذلك من خلال رسالة وجهها نقيب المحامين، سمير خرفان، لمجلس النواب أثناء مناقشة مشروع القانون المعدل أشار فيها إلى أن المادة 101/2 من الدستور أوجبت عدم محاكمة أي شخص مدني في قضية جزائية لا يكون جميع قضاتها مدنيين". وحيث أنه لا يجوز إصدار قانون مستندًا إلى استثناء بالنسبة إلى القواعد الدستورية، "فإن هذا القانون بُني على استثناء وحريٌّ بالرد". وأكد كذلك على ضرورة انسجام التعديلات مع مواد الدستور وروحه، ومع الإصلاحات التشريعية التي أُنجزت في الأردن ومع التزاماته الدولية المتمثلة في المصادقة على مواثيق حقوق الإنسان وضمان المحاكمة العادلة المتفقة مع المعايير الدولية للمحاكمة العادلة[4]. كما أن لجنة الحقوق والحريات بنقابة المحامين أوضحت أن هذا القانون ينتهك الحقوق الأساسية وينسف ضمانات المحاكمة العادلة.

في العام 2014، قدّمت الحكومة الأردنية مشروع قانون معدّلا لقانون منع الإرهاب مستغلة الظروف السياسية والنزاع مع الجماعات الإرهابية في العراق وسوريا. وهو ما ساعد على تمرير البرلمان للقانون بسرعة غير مسبوقة باعتباره مطلبًا وطنيًا وشعبيًا، ودون أي معارضة تذكر، وبالرغم من ظهور بعض الأصوات التي عبرّت عن مخاوفها من استخدام هذا القانون كوسيلة لقمع الحريات بشكل عام وحرية التعبير بشكل خاص. فبموجب قانون منع الإرهاب، تم إدراج  "القيام بأعمال من شأنها أن تعرّض الأردن لخطر أعمال عدائية أو تعكر صلاته بدولة أجنبية" ضمن الأعمال الإرهابية. وبالتالي أعيدت إلى اختصاص محكمة أمن الدولة الجريمة التي تُوجَّه أكثر ما تُوجَّه للنشطاء السياسيين قبل تعديل قانون محكمة أمن الدولة أي تعكير صلة الأردن بدول أجنبية. وبذلك، آل قانون الإرهاب إلى هدم بعضاً مما يُعتبر أكبر مكاسب الحراك الشعبي. وما يعزز النتيجة السابقة، توجيه هذه التهمة إلى نائب مراقب جماعة الإخوان المسلمين في الأردن بسبب تعليق ضد دولة الإمارات على صفحته الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك).

في النهاية لا بد من الاعتراف أن حراك نقابة  المحامين ساهم بشكل كبير، مع الجهود الأخرى، في توفير الحماية لمعتقلي الحراك والإفراج عن الكثير منهم من خلال اللجوء للاعتصامات والتهديد بمقاطعة محكمة أمن الدولة من قبل المحامين. 
 
 
 



[1] انظر على سبيل المثال موقع عمان نت، إلغاء محكمة أمن الدولة مطلب شعبي، وثائقيات حقوق الإنسان. http://ar.ammannet.net/documentary/news/389/
[2] حول هذا الموضوع انظر، امن الدولة تقرر احالة المحامي نصار لمدعي عام الرصيفة لعدم الاختصاص، جراسا نيوز، http://www.gerasanews.com/print.php?id=38566
[3] ذيبان بلدة أردنية في محافظة مادبا، تبعد نحو 70 كم جنوب العاصمة عمّان
[4] جريدة الغد، "المحامين": معدل قانون محكمة أمن الدولة" مخالف لمسيرة الإصلاح، 9/12/2013 
انشر المقال

متوفر من خلال:

محاكمة عادلة وتعذيب ، مقالات ، حريات عامة والوصول الى المعلومات ، الأردن



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني