حول برامج الأحزاب الانتخابية لمجلس نواب 2022 (1):أي مكان للبرامج في الحملات الانتخابية؟


2022-05-09    |   

حول برامج الأحزاب الانتخابية لمجلس نواب 2022 (1):أي مكان للبرامج في الحملات الانتخابية؟

فتحتْ انتفاضة 2019 نقاشا حول قدرة الأحزاب الحاكمة أو قوى الاعتراض “على التغيير السياسي الجدّي”. فمن جهة، عبّرت قوى السّلطة التقليديّة عن عجزها في إحداث أيّ تغيير حقيقي بتقديمها معضلة تقوم على: “عائق يضعه الخصم السياسي” / “ضرورة التوافق مع هذا الخصم”. ومن جهة أخرى، كان السؤال الموجّه باستمرار إلى كل من يدعي التغيير من الحالة الإعتراضيّة “ما هو برنامجك ومشروعك للمجتمع وللحكم؟”. يأتي جوابه غالباً على شكل لائحة عناوين، أو “أجندات سياسية وحقوقية” مفصّلة ربما، قلما يرتقي إلى مشروع حكم. عليه، تحوّل البيان الانتخابي إلى مجرّد طقس انتخابي يسبق احتلال مقعدٍ ما (ذي صفة مناطقية\ طائفيّة) في المجلس النيابي. فحلّ التساؤل حول وجود برنامج أيٍّ كان، مكان ما تفترضه الأنظمة الديمقراطية المستقرّة من وجود تنافس بين مجموعة برامج.

للإضاءة على مدى تطوّر مفهوم “البيان الانتخابي” في الانتخابات النيابيّة، قدمنا في الجزء الأوّل من هذه الورقة البحثيّة مراجعة ل”برامج انتخابيّة” لعشرة أحزاب زكّت مرشّحيها لدخول المجلس النيابي. ناقشنا في البداية الأهميّة التي أولتها الأحزاب للبرنامج الانتخابي في حملاتها الانتخابية من خلال أربعة مؤشرات تتعلّق بإعلان وعرض البرنامج. ثمّ راجعنا في الجزء الثاني مقدمات البرامج في كيفيّة صياغتها للأزمة، أي المشكلة المطروحة للمعالجة في شقيها المجتمعي والسياسي. وتركنا للجزء الثالث مقاربة مضمون البرامج.

وقبل المضي في عرضنا، لا بدّ من إبداء ملاحظتين:

الأولى،  لا نسعى فيما يلي إلى إجراء مفاضلة بين المواقف والتوجهات والسرديات الحزبيّة بل إلى حثّ الناخب نحو مساءلة من يناصره حول ما قد يظهر من نقص أو خلل منهجي في إيضاح رؤى البرامج.

الثانية، اخترنا ستة من أحزاب “السلطة التقليدية”: التيار الوطني الحر، حزب الله، حركة أمل، القوات اللبنانية، الكتائب، التقدمي الإشتراكي. وأربعة من أحزاب “الحالة الإعتراضية”: الحزب الشيوعي، الكتلة الوطنية، مواطنون ومواطنات في دولة، بيروت مدينتي. علماً أننا لم نجد البرنامج الانتخابي لتيّار المردة، كما حصل معنا في الموسم الماضي في انتخابات 2018. ولم نتمكن من تغطية جميع القوى المرشحة نظراً لكثرتها. وقد استخدمنا كلمات مختصرة للأحزاب: التقدمي= التقدمي الاشتراكي، ممفد= مواطنون ومواطنات في دولة، الكتلة = الكتلة الوطنية، الخ..

الإعلان عن البرنامج

نقارب في هذا المحور 4 مؤشرات حول مدى إيلاء الأهمية لعرض البرنامج الانتخابي انسجاماً مع وظيفته، وهي:
1- مدى تخصيص مناسبة للإعلان عن البرنامج
2- سهولة الوصول إلى البرنامج
3- مدى تواتر عرض ونشر البرامج في الوسائل الإعلامية
4- مدى تبويب البرنامج

  1. هل خصّصت مناسبة للإعلان عن البرنامج؟

خصصت ثلاثة أحزاب (القوات، حزب الله، ممفد) مناسبة للإعلان عن بياناتها الانتخابيّة. “القوات” خصصت للبرنامج حفلا خاصا بعد التأخر عن إعلان البرنامج، حيث أعلنت عن برنامجها في 13 نيسان. أمّا كتلة “الوفاء للمقاومة”، فأطلق نائب أمينها العام نعيم قاسم برنامجها الانتخابي في 30 آذار، خلال مؤتمر صحافي عقده رئيس الكتلة النائب محمد رعد في مقرها في حارة حريك. كما خصصت “ممفد”  حفلاً في 27 شباط لإطلاق مشروعها الانتخابي. وتميّزت بأنها أعلنت باكراً في 17 تشرين الثاني 2019 عن رؤية للمرحلة الانتقالية. ودار كل الخطاب السياسي ل”ممفد” حول أنها الوحيدة التي تحمل مشروعا سياسيا مكتملا للمرحلة الانتقالية. أمّا بقيّة الأحزاب، فقد أتى الإعلان عن عناوين برامجها عرضياً في مؤتمرات أو احتفالات انتخابيّة إمّا كانت مخصّصة لإعلان لوائح المرشحين أو لإطلاق الماكينات الانتخابيّة (الوطني الحر، الكتائب، الكتلة، أمل، مدينتي، الشيوعي، التقدمي).

“الوطني الحر” أطلق ما سماه “وثيقة لبنان المدني” في 26 شباط مع “مجموعة من الشخصيات المستلقة”[1]، ثمّ طوّره “الوطني الحر” وأطلقه لاحقاً كبرنامجه الانتخابي خلال حفل إعلانه أسماء المرشحين للانتخابات النيابية في 13 آذار. أمّا برنامج حركة أمل، فقد توّلى رئيس مجلس النواب نبيه بري قراءة عناوينه في مؤتمر صحافي من عين التينة، المقر الرسمي لمجلس النواب متجاهلاً بذلك القوانين التي تمنع استعمال مقرّ عام للدعاية الانتخابية، وهو الأمر ذاته الذي حصل عام 2018.

أمّا الكتائب فأشارت إلى برنامجها الانتخابي خلال حفل إطلاق ماكينته الانتخابية لحزب الكتائب في 20 شباط. قال رئيس حزب الكتائب سامي الجميّل أن “الحلول موجودة ومشروعنا كامل وجاهز”. وأصبح “مشروع” الكتائب الإنتخابي متوفراً على موقع خاص بحزب الكتائب لانتخابات 2022 منذ 16 آذار 2022.

الكتلة الوطنيّة” أعلنت حملتها الانتخابية في 19 شباط، وعدّد أمينها العام بيار عيسى المبادئ التي يجب أن تقوم عليها الدولة وفق برنامج “الكتلة”، معتبرا الانتخابات محطّة من محطات مواجهة السلطة.

أمّا ال”تقدمي” فلم يطرح بياناً انتخابياً ولكنه طرح ما سماه “الرؤية والمبادئ” المتعلّقة بانتخابات 2022، أطلقها خلال حملة إعلامية لكتلة “اللقاء الديمقراطي” في 5 نيسان، واعتبرها بمثابة برنامجه الانتخابي.  

كما عقد “الشيوعي” مؤتمرا في 19 شباط 2022، أطلق خلاله أربع وثائق (الوثيقة الفكرية- السياسية- البرنامجية، التقرير التقييمي التنظيمي، تقييم انتفاضة 17 تشرين، ومشروع التعديلات المقترحة على النظام الداخلي”) شارك بتحضيرها مائة عضو من الحزب، على حد قول أمينه العام حنا غريب. الوثيقة الأولى كانت طرحت باكراً على أنها برنامج الحزب للمرحلة الانتقالية في حزيران 2021، ثمّ تمّ تعديلها قبل إعادة نشرها في 12 كانون الثاني 2022، على أنها البيان الانتخابي للحزب.

أمّا “بيروت مدينتي” فأعلنت تحوّلها إلى حزب “مدينتي” خلال مؤتمر في 19 كانون الأوّل 2021، والذي أطلقت بمناسبته برنامجها السياسي الإنتخابي. 

  • مدى سهولة الاطّلاع على البيان الانتخابي

يسجّل لسبعة من الأحزاب (حزب الله، الكتائب، الشيوعي، مدينتي، القوات، الكتلة، ممفد) سهولة إيجاد برامجها على الإنترنت وتخصيصها صفحات خاصة لهذه الغاية. أمّا برنامج –أو رؤية ومبادئ- (التقدمي) فقد حاولنا البحث عنه مراراً من خلال محرك البحث وبمفردات مختلفة (مشروع، برنامج، بيان، رؤية…) واضطررنا بالنهاية إلى التواصل مع المسؤول الإعلامي في (التقدمي) لإيجاد الرابط.  بالمقابل، يبقى برنامج (أمل) غير متاح لأي باحث.  كما أن إيجاد البرنامج الانتخابي ل(الوطني الحر) يتطلب جهدا حثيثا للوصول إليه، فبعد محاولات عدة على محرك بحث “غوغل” لم نجد البرنامج، توقعنا أن نجده على صفحة أحد النواب، أو حتى أحد الناشطين في التيار (مثلاً وديع عقل أو غسان سعود) فلم نجده كذلك، ولم نجده أيضاً على الصفحة المخصّصة لإنتخابات 2022 للتيار، حتى وقعنا عليه بالصدفة على إحدى صفحات التواصل الإجتماعي.

  • مدى حرص الحزب ومناصريه في تكرار نشر البرامج

اعتمدنا أسلوب البحث ذاته مع باقي البرامج، وصرفنا الوقت الأكبر على الصفحات الرسمية للنوّاب، ولا يمكننا القول أننا غطينا كل صفحات النواب المرشحين وبعض الصحافة الموالية للأحزاب، ولكن البارزين منهم على الأقل. وقد وجدنا أنّ كلا من صفحة الكتائب وصفحة سامي جميل على تويتر قد نشرتا برنامج “الكتائب” مرّة واحدة في 11 نيسان، وكذلك نشرت صفحتا سمير جعجع والقوات على تويتر برنامج القوات مرّة واحدة في 13 نيسان. ولم يتكرر نشر البرنامج لدى أي من الطرفين. أمّا “ممفد” فنشرت رابط البرنامج على صفحاتها مرات عديدة، كما دار كل خطابهم السياسي حول فكرة أن المشروع السياسي أهم من الأشخاص. كما خصص المرشّح والإعلامي جاد غصن حلقة خاصة من برنامجه على يوتيوب للحديث عن برنامج “ممفد” الانتخابي.

وخلال بحثنا على محرّكات البحث على الإنترنت، وجدنا أربعة أخبار فقط عن توزيع لكتيبات البرنامج الانتخابي: خبر عن حملة تعريف وطنيّة ببرنامج “الكتلة” شملت توزيع 30 ألف نسخة من البرنامج، خبرين مقتضبين عن حملات توزيع قامت بها الكتائب، إحدى الحملات شارك فيها نواب، وخبر رابع حول توزيع برنامج لائحة “معاً للتغيير” بعد إعلان اللائحة في صور رغم الإشكال الذي وقع مؤخراً في الصرفند.

بالمقابل، باستثناء أعضاء ومناصري ممفد الذين تداولوا في مناقشاتهم مع الآخرين على وسائل التواصل الاجتماعي البرامج، قلما تجد مناصرا لأي حزب آخر يبادر إلى نشر برنامج حزبه أو المجادلة بشأنه.

  • مدى تبويب البرنامج

هنا نتناول المؤشر الرابع وهو يتصل بالتبويب المعتمد. ففي حين من الصحيح أن التبويب ليس مؤشرا كافيا على العناية المبذولة لإنجاز البيان الانتخابي، فإن غياب التبويب أو ضعفه إتما يؤشر إلى أنّ معدّ البرنامج لا يعتبره أمراً معقدّاً يحتاج إلى جهد فكري وعلمي في التفنيد. وقد ميّزنا بين ثلاث فئات من البرامج من حيث تبويبها لمضمونها: (1) البرامج التي لم تقم بأي تبويب، (2) البرامج التي بوبت بعناوين كبرى فقط ، (3) البرامج التي بوبت بعناوين كبرى ومجموعة عناوين فرعيّة.

الفئة الأولى: لا تبويب

كما حال دورة 2018، جهدت معظم الأحزاب في تبويب بنود برامجها تحت عناوين عامة ما عدا “أمل” التي لم تبذل جهداً لتقسيم برنامجها إلى محاور، واكتفت بـ 11 نقطة (كانت 14 نقطة عام 2018) عرضت بإيجاز.

الفئة الثانية: تبويب عامّ

برنامج حزب “مديني” عُرض على موقعه تحت عنوان “مشروعنا لبناء الدولة“. وقد تمّ تبويبه بأربعة عناوين (تتعلق بالمواطنة والمدنيّة، السيادة، الاقتصاد الحر، والعدالة الاجتماعية والبيئية). وفي رابط منفصل على الموقع تحت عنوان “الانتخابات“، سردت “مدينتي” 16 نقطة من أولويات عملها التشريعي. ورقة “الوطني الحر” انقسمت على أربعة عناوين (تتعلق بتطوير النظام نحو دولة مدنية، السيادة، حقوق الإنسان والفئات المهمشة، التعافي المالي والاصلاح الاقتصادي والإجتماعي). فيما انقسمت ورقة “حزب الله” إلى خمسة عناوين كبرى تبدأ كل منها بعبارة “النهوض” (الاقتصادي المالي، الاجتماعي، التنموي، العام، السياسي والإداري).

الفئة الثالثة: تبويب متشعب

أمّا بقيّة الأوراق (الكتلة، القوات، التقدمي، الكتائب، الشيوعي، ممفد) فكان تقسيمها أكثر تشعّباً، وجرى تقسيمها في عناوين كبرى، ثمّ عناوين فرعيّة.

ورقة “الكتلة” بوبت بتسعة عناوين غير واضحة الترتيب في طريقة عرضها (ورش النهوض، منبت الإنسان، الإقتصاد الجديد، زمن العدل، مدن الغد أرياف المستقبل، القرار لأهل القرار، لبنان طائفتي، التحييد سيادة، موطن للنساء)، يضاف إليها عنوان “صوتوا على أولوياتكم”. بالتالي بدت هذه العناوين غير متربطة من ناحية، وفقاً لما تقتضيه أي خطّة عمل، وطغت الصيغة الإنشائيّة على أغلب مفرداتها.  

وانقسمت ورقة “التقدمي” إلى مقدمة تحتها ثلاثة عناوين فرعية (اللقاء الديمقراطي، الأهداف، الرؤيا) ثم عنوانين كبيرين: “العناوين السياسية” (10 عناوين فرعية )، “العناوين الإصلاحية” (24 عنوان فرعي).

أمّا ورقة “القوات” فانقسمت إلى مقدمة تحتها عنوانين فرعيين، ثم انقسمت جزأين: الأول (في السياسة) تحته ثلاثة عناوين كبرى (تتعلّق بثوابت القوات، خارطة الحل، إعادة بناء الدولة) توزّع عليها 18 عنوان فرعي. والقسم الثاني (في الاقتصاد والمجتمع) تحته ثلاثة عناوين كبرى (تتعلّق بحلول الأزمة المالية، القطاعات الاقتصادية، المجتمع والبيئة) توزّع عليها 19 عنوانا فرعيا.

بدورها انقسمت ورقة “الكتائب” إلى خمسة عناوين كبرى السيادة (مع 3 عناوين فرعية)، الديمقراطية (4 عناوين فرعية)، الاقتصاد (10 عناوين فرعية)، المجتمع (5 عناوين فرعية)، البيئة (5 عناوين فرعية).

فيما انقسمت ورقة “ممفد” أربعة أقسام (تتعلّق بالأزمة، شكل النظام، الدولة المدنية، العلاقات مع الخارج) كل منها ثلاثة عناوين فرعيّة، ما عدا الأخير أربعة عناوين.

أمّا ورقة “الشيوعي” فكانت مقدمتها موسّعة وتحتها عنوان فرعي (سمات المرحلة الحالية)، وانقسمت إلى عنوانين كبيرين: التغيير السياسي وبناء الدولة الديمقراطية العلمانية (7 عناوين فرعيّة) والمسائل السياسيّة الملحّة (7 عناوين فرعيّة).


[1]  أبرز هؤلاء الشخصيات المرشحة بشرى الخليل التي تلت نص الوثيقة والوزراء السابقين عدنان السيد حسين وعصام نعمان وحسن مراد

انشر المقال

متوفر من خلال:

البرلمان ، أحزاب سياسية ، لبنان ، مقالات ، دستور وانتخابات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، اقتصاد وصناعة وزراعة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني