حوار مع الكاتب العام للجامعة العامة للتعليم الثانوي الأسعد اليعقوبي: إصلاح التعليم رهين تغيير الدولة لسياستها تجاه القطاع العام ككلّ


2020-07-08    |   

حوار مع الكاتب العام للجامعة العامة للتعليم الثانوي الأسعد اليعقوبي: إصلاح التعليم رهين تغيير الدولة لسياستها تجاه القطاع العام ككلّ

مشاكل قطاع التعليم في تونس، لم تظل حبيسة أروقة وزارة التربية أو أسوار المؤسسات التعليمية، بل احتلّت الفضاء العام في شكل احتجاجات ضخمة للأساتذة والمدرسين طيلة السنوات الفارطة، لتكون وجها آخر لأزمة هذا القطاع تجاوزت بعدها البيداغوجي وقضايا البنى التحتية لتعري معاناة الإطارات التربوية وحالة الإحتقان في أوساطهم نتيجة تراكم المشاكل المتعلقة بحقوقهم المادية والإجتماعية.

النضال النقابي في قطاع التعليم، لم يستطع أن ينأى بنفسه عن التجاذبات السياسية ليصل في محطات عديدة إلى حدّ الصّدام العنيف مع السلطة وإثارة امتعاض المركزية النقابية. صراع انخرط فيه الأولياء مع تتالي الخطوات التصعيدية من قبل نقابات التعليم وخطاب إعلامي انزلق بقصد أو دون قصد إلى شيطنة التحركات الإحتجاجية للمربين. من خلال هذا الحوار مع الكاتب العام للجامعة العامة للتعليم الثانوي، الأسعد اليعقوبي، تحاول “المفكرة القانونية” قراءة واقع قطاع التعليم بعيون “جيش الطباشير”، كما يسمى الأساتذة والمعلمون في تونس، والعودة إلى خلفيات الصراع مع السلطة والجفاء مع قيادة الإتحاد العام التونسي للشغل، إضافة إلى رؤية نقابة التعليم الثانوي لمسار الإصلاح ومآله وغاياته.

المفكرة القانونية: لنبدأ أولا بتوصيف واقع التعليم العمومي، كيف تشخصون اليوم واقع القطاع؟ وما هي أبرز مشاكله؟

الأسعد اليعقوبي: جائحة كورونا، عرّت واقع القطاع العام ككلّ، وبشكل خاص قطاعات التربية والتعليم والصحة. وقد كشفت هذه المحنة للعموم عمق الأزمة التي تعيشها المدرسة والتي نبهت إليها نقابات التربية والتعليم منذ سنوات، مطالبة بإصلاح جذري للمنظومة التربوية ككل والتي تفتقر إلى المقومات الحقيقية لتقديم تعليم نوعي، ذي جودة لجميع الفئات الاجتماعية. في المقابل، كانت الجهات الرسمية تُسوّق لخطاب يتمحور حول تحديث المدرسة العمومية والرقمنة وتجويد التعليم. ولكن جاءت الكورونا لتكشف كل ذلك الزيف، ولتجد المدرسة العمومية نفسها عاجزة عن توفير الحد الأدنى الممكن لاستمرار العملية التربوية، في ظل النقائص الكبيرة على مستوى البنية التحتية التي تسمح بالتعليم عن بعد، والوضع المزري للمؤسسات التعليمية التي لا يمكنها توفير الحدّ الأدنى من السلامة في حال استئناف الدروس.

إن واقع التربية والتعليم مأزوم على مستوى المناهج والبرامج التربوية، إضافة إلى تقادم البنية التحتية ومحدودية الإمكانيات المادية، كما يعاني القطاع من افتقاده لاستراتيجيات وخطط عمل واضحة تتلاءم مع التغيرات الإقتصادية والتكنولوجية في العالم. وبالتالي، نعتقد أنه بات ملحّا اليوم تغيير السياسات الحكومية في علاقة بالتعليم العمومي، ووضع استراتيجية متكاملة للنهوض بالمدرسة التونسية العمومية.

المفكرة القانونية: كيف تقيمون أداء الوزارة خلال جائحة كورونا؟

اليعقوبي: لا يمكن أن ننتظر من حكومة جديدة ورثت تركة صعبة على الصعيد الإقتصادي والإجتماعي، أن تخوض هذه المعركة بشكل مثالي ومن دون هنات. لذلك فإن الحكم على أداء الوزارة الحالية في التعاطي مع أزمة كورونا ما زال مبكرا، لأن الاختبار الحقيقي لوزارة التربية هو مدى قدرتها على ضمان الشروط الموضوعية لعودة الدراسة بشكل طبيعي انطلاقا من يومي 27 و28 ماي. وقد عبرنا من جهتنا عن استعدادنا للتفاعل والمشاركة شريطة توفير شروط السلامة للإطار التربوي والتلاميذ.

المفكرة القانونية: كيف تقيمون مسار إصلاح المنظومة التربوية منذ الثورة حتى يومنا هذا؟

اليعقوبي: لقد بدأت دعوات النقابة للقيام بإصلاح جذري للمنظومة التربوية منذ الأيام الأولى للثورة. لكن المحاولات الأولى للإصلاح كانت فاشلة لأن وزارة التربية كانت ترغب في الهيمنة على المسار ككلّ. سنة. في 2015، إنطلقت محاولة جديدة عبر تأسيس ما أطلقنا عليه إسم اللجنة التربوية لإصلاح المنظومة التربوية التي ضمّت الإتحاد العامّ التونسي للشغل والمعهد العربي لحقوق الإنسان ووزارة التربية. وقد خطوْنا أشواطا جيدة في البداية، ولكن المشكل الأساسي كان قبول وزارة الإشراف لمبدأ التشارك الكامل في عملية الإصلاح والإقرار بأن هذه العملية لا يمكن أن تكون خاضعة إلى قيود. وهو أمر لم يكن ممكنا بعدما ارتهنت السلطة قرارها لدى الجهات المانحة. فالهبات والقروض كانت ضمن سياقات وبشروط معينة فارضة توجهات ما كنا لنقبلها على غرار تسليع القطاعات ذات الطابع الإجتماعي وفتحها أمام الإستثمار الخاص. كما أن الوزارة أرادت أن تستثمر ملف الإصلاح لغايات سياسية ودعائية. أما العامل الثالث لفشل عملية الإصلاح، فهو أننا وجدنا الوجوه القديمة في نظام بن علي، والتي خربت التعليم طيلة سنوات التسعينات، تتصدر المشهد من جديد وتمسك هي بهذا الملف. وقد اعترضنا على ذلك لأننا نعتبر أن من أفسد سابقا لا يمكن أن يكون مصلحا اليوم.

المفكرة القانونية: ما هي رؤية النقابة لمسار الإصلاح؟ وما هي أسسه وأولوياته العاجلة؟

اليعقوبي: أعتقد أنه يجب إعادة عملية الإصلاح إلى المربع الصحيح. فالدولة يجب أن تغيّر سياساتها وتؤمن أن التعليم خدمة اجتماعية وتسعى لتوفير كل الموارد المطلوبة من أجل إصلاحه بشكل جذري. لكن الأمر لا يتعلق بالموارد المالية فحسب. فللقيام بإصلاح هيكلي وكلي للمنظومة التربوية، يجب أن تتوفر عدة شروط على غرار وضوح الرؤية ووضوح البرنامج وتوفر آليات الرقابة على مسار عملية الإصلاح. كما يجب فسح المجال أمام المجتمع المدني بنقاباته وخبرائه والمتطوعين من أهل الإختصاص للمشاركة في تحديد الخيارات الوطنية لعملية الإصلاح وغاياتها، وإلا ستكون كل الإجراءات أو القرارات مجرد حلول ترقيعية لا غير.

المفكرة القانونية: كانت السنوات الثلاث الأخيرة حافلة بالصدام مع وزارة الإشراف. فما الذي فرض هذه المعارك؟

اليعقوبي: بالنسبة لنا، كانت الفترة التي تولى خلالها السيد حاتم بن سالم حقيبة وزارة التربية منذ سنة 2017 إلى تاريخ خروجه منها بعد تشكيل حكومة الياس الفخفاخ، أسوأ حقبة. فقد عاد إلى وزارة التربية وزير من النظام القديم لم يُغيّر سلوكه أو عقليته في التعاطي مع الطرف الإجتماعي ومع الملفات التربوية ومع مطالب المدرسين. عموما تحركاتنا لم تكن ضد الوزير في شخصه، ولكن ضد توجهات وتصورات نعتبرها خطيرة لأنها تريد إعادة رسكلة المنظومة التربوية القديمة بممارساتها القائمة على الإقصاء وعدم الإعتراف بالشركاء الاجتماعيين.

المعركة في تقديري كانت استراتيجية: لم يعد من الممكن تأجيلها. ولم يعد ممكنا السكوت عن حق الأساتذة في تحسين ظروفهم المادية تحت تعلة حساسية الوضع الاقتصادي. فالحكومات هي من تخرّب الاقتصاد، وهي المسؤول الأول عن تردّي الأوضاع الإجتماعية وتدنّي المقدرة الشرائية للمواطنين واستشراء الفساد والتخريب الممنهج للمرفق العمومي وضعف السياسات وإنعدام الرؤية. ولا يمكن تحميل الأجراء تبعات ما ترتكبه الحكومات. لذلك لم نتردد في طرح قضية المستحقات المالية للإطارات التربوية. وعلى الحكومات القادمة أن تعي جيدا أنه لا طائل من محاولة إلغاء الأطراف الإجتماعيين وأن الحل يكون جماعيا وتشاركيا بين مختلف الأطراف.

أعتقد اليوم أن علينا الإستفادة من تجارب الماضي من أجل إرساء نمط جديد من العلاقات الإجتماعية بين الأطراف الحاكمة والأطراف الممثلة للمحكومين والعمّال، خصوصا أن النقابات سيكون لها دور كبير في المستقبل في ظل الأزمات الإجتماعية المرتقبة خصوصا بعد أزمة كورونا.

المفكرة القانونية: تحدّث البعض عن توتر العلاقة بين نقابة التعليم الثانوي والمركزية النقابية خلال التحركات الأخيرة منذ سنتين. فما هي طبيعة هذا الخلاف وأسبابه؟

اليعقوبي: الصراع بين الجامعة العامة للتعليم الثانوي والنقابة المركزية ليس وليد اللحظة ولا وليد السنوات الأخيرة فحسب. بل اتسمت العلاقة بمراحل مدّ وجزر منذ نشأت نقابة التعليم الثانوي داخل الإتحاد العام التونسي للشغل. تاريخيا، الإتحاد كان يعتمد سياسة المجاراة والتقارب مع مختلف الحكومات، حتى وإن حدثت بعض الأزمات على غرار انتفاضة الخبز في سنة 1985 والخميس الأسود في سنة 1978. والنقابة المركزية كانت دائما تحاول تجنب القطيعة التامة مع السلطة. فالسياسات الإقتصادية والإجتماعية التي فرضتها الحكومات قبل 14 جانفي 2011 مرت تحت أنظار المركزية النقابية التي لم تقم بدورها في حماية القطاع العام خصوصا في بداية تسعينات القرن الماضي.

أما مواقف نقابة التعليم الثانوي فقد كانت تاريخيا جذرية في تعاطيها مع السلطة ولم تساوم في كل ما له علاقة بالحقوق الإجتماعية والحريات ومجابهة الإستبداد مع مختلف الحكومات التي تعاقبت على البلاد قبل سنة 2011 وبعدها.

عموما نحن نختلف مع المركزية النقابية في المقاربة النضالية وأدوات التغيير. فنحن اخترنا أن نسخر كل الإمكانيات النضالية من أجل تنفيذ مطالب منظورينا، والخلاف كان حول الخيارات النضالية التي قررناها بمعزل عن رأي المكتب التنفيذي لاتحاد الشغل. وقد واجهتنا عراقيل داخلية للأسف حالت دون تحقيق أي تقدم نوعي. فهناك داخل المنظمة من يخاف من خوض المعركة مع الحكومات حول حقوق العمال بأكثر شراسة وصلابة وراديكالية.

لكن في نهاية المطاف، نحن محكومون دائما داخل المنظمة بمعادلة الصراع والوحدة. قد تحصل الأزمات. ولكن علينا الإقتناع دائما أن لا بدّ من الإلتزام بالوحدة النقابية لأن قطاع التعليم الثانوي لا يمكن أن يكون قويا دون الإتحاد العام التونسي للشغل، وبالمثل كذلك قد يخسر الإتحاد جزءاً هاماً من وزنه وقوته إذا تخلص من نقابة التعليم الثانوي.

المفكرة القانونية: بعض التحركات الإحتجاجية على غرار الإضرابات العامة وتعليق الدروس وحجب الأعداد، لقيت إستهجانا من جزء من الرأي العام، وربما حالة عداء ضد نقابات التعليم، ألا ترون أن هناك ضرورة للتوفيق بين شرعية التحركات وشعبيتها؟

اليعقوبي: هناك مستويان في التعاطي مع هذه النقطة. المستوى الأول هو ما نسميه “أصحاب الحق” أي أنه يجب أن نكتسب مشروعيتنا أولا من أصحاب الحق وهم المدرسون، والذين لم تكن مطالبهم مجحفة وخيالية بل بالعكس كانت مشروعة ومعقولة مقارنة بما قُدّم إلى قطاعات أخرى شبيهة على غرار التعليم العالي.

وبالتالي الأزمة لم تتعلق بالإمكانيات المادية وإنما كان الصراع من أجل كسر نموذج يقلق السلطة. لأن نقابة التعليم الثانوي كانت تتحرك وفق رؤية شاملة مناهضة لسياسات وطبيعة الحكومات التي تداولت على الحكم. فعندما خضْنا صراعنا ضد حكومة يوسف الشاهد، كان ذلك من منطلق رفضنا لسياساتها التي قلنا أنها ستساهم في تجويع وتفقير التونسيين والتي ضمنت في قانون المالية لسنة 2018، في الوقت الذي كان الاتحاد العام التونسي للشغل آنذاك مباركا لتلك السياسات قبل أن يغير موقفه لاحقا.

لذلك، عندما نجلس إلى طاولة التفاوض، نسلّط الضوء ونوجّه أصابعنا إلى مكمن الداء وإلى الملفات الكبيرة والحساسة ونتحدث عن عملية إصلاح جدية ومطالبنا دليل على ذلك، من قبيل الزيادة في ميزانيات المعاهد، المطالبة بإصلاح المنظومة التربوية إصلاحا جذريا وهيكليا إضافة إلى رد الاعتبار للمدرسين كقيمة إعتبارية في المجتمع.

هذه المطالب ذات عمق استراتيجي، لذلك تجد معارضة شديدة. فلو كان الإشكال متعلقا فقط بالزيادة في أجور المدرسين مقابل التنازل عن بقية المطالب الأخرى التي تمس مستقبل المدرسة العمومية لدفعوا بسخاء. وقد تعرضنا طيلة مسارنا النضالي إلى حملات رهيبة تهدف إلى شيطنتنا. بدأت عبر وسائل التواصل الإجتماعي لتنخرط فيها بعض وسائل الإعلام لاحقا من أجل تأليب الرأي العام ضدّنا وتحريض الأولياء وإثارة مخاوفهم، ولا مصلحة لأحد في ذلك سوى بعض الأطراف السياسية المنخرطة في الحكم.

أما المستوى الثاني لشرعية مطالبنا وتحركاتنا فينبع من التنوّع الفكري والسياسي والإيديولوجي داخل نقابة التعليم الثانوي والتي تتفق على قاعدة رؤية مشتركة. الأمر الذي مكننا من جمع 60 ألف شخص في القصبة في فيفري 2017، من مشارب اجتماعية وسياسية وجغرافية مختلفة، وهو ما لم يقدر عليه أي من الأحزاب أو النقابات الأخرى. حدث أخاف الكثيرين وترك إنطباعا بأن هذ القطاع قادر على التحرك والدفاع عن القضايا الإجتماعية الكبرى وإرباك أصحاب القرار. لذلك، نجد أنه هناك رغبة جامحة لإضعاف هذا القطاع وتفكيكه من الداخل والمحاولات ما تزال مستمرة حتى الآن.

المفكرة القانونية: هل تعتبر أن غياب الإستقرار طيلة سنوات التعليم العمومي تتسبّب في نفور الكثيرين إلى التعليم الخاص بحثا عن الإستقرار والجودة؟

اليعقوبي: هذا يحتاج إلى تنسيب، فعدد المتمدرسين في القطاع الخاص في التعليم الثانوي يناهز 25 ألف تلميذ، وقد تراجع هذه السنة بنسبة وصلت إلى 40% بسبب جائحة كورونا. وأعتقد أن العدد سيتقلص شيئا فشيئا، لأنه قد ثبت وللجميع أن التعليم الخاص لم يستطع أن يضمن استمرارية العملية التربوية ولم يقدم الإضافة النوعية التي يدعونها. كما أن التكاليف الماديّة جد مرتفعة في التعليم الخاص وفوق طاقة الطبقة المتوسطة والضعيفة خصوصا مع تواصل تدهور الأوضاع الإقتصادية. وأخيرا، تبقى الكفاءات المتوفرة داخل المدرسة العمومية أكبر بكثير من نظيراتها في المعاهد الخاصة التي تركز على الجانب الربحي عبر الضغط على أجور الأساتذة.

المفكرة القانونية: يتعرض الأساتذة لهجوم عنيف حول موضوع الدروس الخصوصية، ويدافع بعض المربين عن أنفسهم بدعوى الوضع المادي الصعب للأساتذة؟ ما هو تعليقكم حول هذا الموضوع؟

اليعقوبي: الأساتذة جزء من مجتمع يعاني تبعات الأزمة الإقتصادية وتراجع المقدرة الشرائية واستفحال التضخم. وأجورهم التي تتراوح بين 1100 دينار و1500 دينار لا يمكن أن تضمن الرفاهة. كما أن موضوع الدروس الخصوصية لا برتبط فقط بالحاجة المادية للمدرسين من أجل توفير دخل إضافي وإنما يرتبط بعقلية العائلة التونسية التي أصبح من تقاليدها البحث عن دعم أبنائهم وبناتهم عبر الدروس الخصوصية، وهو أحد نتائج انهيار المنظومة التربوية العمومية واعتمادها على معيار التنافس الكمي.

بالنسبة لي، أعتقد أن الدروس الخصوصية هي ظاهرة اجتماعية تتطلب وضع مقاربة شاملة وليس اللجوء إلى المنع وتسليط العقوبات. والحل هو إعادة الثقة للمدرسة العمومية وتوفير الإمكانيات الكاملة ليكون التعليم داخل القسم كافيا لتكوين التلميذ دون الحاجة إلى دروس إضافية. وهذا لا يعني أننا نقبل هذا النوع من الدروس أو نبررها، وإنما ندينها بشدة داخل النقابة، وسنعمل بعد انتهاء أزمة كورونا إلى طرحها للنقاش والمطالبة بمناقشة الخطة التي أطلقناها سنة 2016 والتي تعتمد على تسخير المعاهد كفضاءات للدروس الخصوصية، ومراقبتها إداريا وبيداغوجيا.

المفكرة القانونية: يخوض الأساتذة النواب معركة متواصلة لافتكاك حقهم في التشغيل والإنتداب. وتعرضوا خلال نضالهم إلى شتى أساليب المماطلة والتسويف وحتى الإعتداء. هل من أفق لحل قريب لهذه المعضلة؟

اليعقوبي: المعضلة ليست في النواب بل في منظومة العمل بالنيابات التي تعتبر آلية غير قانونية ومخالفة لكل التشريعات الدولية والوطنية. فالأساتذة النواب يتقاضون أجورا أقل من زملائهم المقيمين ناهيك أنهم لا يتمتعون بأي ضمانات اجتماعية. وهو ما يؤثر بالسلب على نفسية المدرس وأدائه وجودة ما يقدمه في القسم.

ويجب أن تطرح عملية الإصلاح إشكالية التشغيل الهش التي يعاني منها المدرسون. فالمسألة تتجاوز مجرّد إنصاف مجموعة من الخريجين، بل تطال جودة التعليم ومستقبل المتمدرسين ومستواهم العلمي. لذلك سيكون هذا الملف وإلغاء العمل بهذه النيابات من بين الملفات الأساسية التي سنطرحها على الوزارة مستقبلا، لأن حاجيات وزارة التعليم للأساتذة ستزداد نظرا لقانون التقاعد الجديد الذي يمكن 3500 مدرس تقريبا من مغادرة وظائفهم وبالتالي سنفرض أن تكون الصيغة المعتمدة في المستقبل هي صيغة الإنتداب الدائم.

المفكرة القانونية: بعد مرور جائحة كورونا، ما هي أبرز الملفات المطروحة التي ستضعها النقابة على طاولة التفاوض؟ وما هي أبرز التحديات التي تنتظر وزارة التربية؟

اليعقوبي: هناك تحديات عاجلة لا تقبل التأجيل كمعالجة مخلفات أزمة كرورنا على سير الدروس والبحث في كيفية انهاء البرامج التعليمية التي لم تكتمل إضافة إلى وضع استراتيجية لضمان عودة سالمة لمقاعد الدراسة في السنة المقبلة إذا ما انحسر الوباء وتمت السيطرة عليه. الملف الثاني الذي سنضعه على طاولة الوزارة هو استكمال مسار الإصلاح في قطاع التعليم. لقد تم إنجاز الكثير خلال السنوات الفارطة. ولا يجب العودة إلى نقطة الصفر وتكرار النقاشات نظرا لضيق الوقت واستعجالية هذا الملف. إذ يجب المضي بسرعة نحو إصلاح البرامج والمناهج وتحسين البنية التحتية عبر توفير اعتمادات إضافية لوزارة التربية. ولن نتخلى طبعا عن جملة من المطالب المادية المستحقة للمدرسين.

المفكرة القانونية: هل هناك بوادر للتغيير في طبيعة العلاقة بين النقابة ووزارة التربية في ظل قدوم وزير نقابي هو محمد الحامدي؟ وهل تم النقاش معه حول الملفات العالقة؟

اليعقوبي: خلافنا مع الوزراء السابقين لم يكن شخصيا، وإنما بسبب السياسات المتبعة. فبقطع النظر عن علاقتنا بمحمد الحامدي سيكون حكمنا عليه بناء على خياراته وقراراته. الجيد هو أنه يعرف طرحنا ورؤيتنا أكثر من غيره، وتعاطيه مع مطالبنا هو ما سيحدّد المسافة بيننا وبينه. وقد جمعتنا بالفعل جلسات نقاش معه قبل تفشي فيروس كورونا. ولكنها لم تكن بالعمق المطلوب لأن الجائحة علقت كل النشاطات والإجتماعات.

  • نشر هذا المقال  بالعدد 18 من مجلة المفكرة القانونية | تونس |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه:

التعليم، قلعة تونس المتصدعة

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، تونس ، الحق في الصحة والتعليم ، مجلة تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني