حوار المفكرة القانونية مع رئيس نادي قضاة المغرب : الاستقلال المؤسساتي للسلطة القضائية


2018-04-05    |   

حوار المفكرة القانونية مع رئيس نادي قضاة المغرب : الاستقلال المؤسساتي للسلطة القضائية

بحلول السادس من أبريل تكون قد مرت سنة على تنصيب المجلس الأعلى للسلطة القضائية بالمغرب ودخول القوانين الجديدة لإصلاح القضاء حيز التنفيذ. حدث مهم يؤرخ للحظة بارزة في تاريخ الحراك القضائي بالمغرب ويتوج نضالات الطبقة الحقوقية، وجمعيات القضاة والنسيج المدني المطالب باستقلال القضاء وشفافيته.

المفكرة القانونية تجري حوارا مع رئيس نادي قضاة المغرب د. عبد اللطيف الشنتوف لتقييم واقع المشهد القضائي الجديد بعد سنة من بداية عمل المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وأهم العراقيل والتحديات التي تواجهه (المحرر).

 

المفكرة: كيف تقيمون عمل المجلس الأعلى للسلطة القضائية بعد قرابة عام من تنصيبه؟

الشنتوف: ما يزال الوقت مبكرا لتقييم عمل مؤسسة المجلس الأعلى للسلطة القضائية بشكل موضوعي، خاصة إذا استحضرنا الظروف الصعبة التي تم فيها إخراج هذه المؤسسة إلى حيّز الوجود، من حيث انعدام مقر ملائم لها. فالمقر المؤقت المخصص لا يعد كافيا لاشتغال الأعضاء والموظفين بشكل مريح. كما أنه لن يستوعب الهيكلة الإدارية المنصوص عليها في النظام الداخلي للمجلس، دون أن ننسى أن الميزانية المستقلة لم تصرف  للمجلس إلا مع مطلع السنة الجديدة 2018. ولربما حتى الوضعية المادية للأعضاء لم تتم تسويتها بعد حسب علمي. وكل هذه العوائق المادية والبشرية أثرت سلبا على حصيلة عمل هذه المؤسسة.

لكن، رغم كل هذا، استطاع المجلس أن يحترم الأجل القانوني لوضع نظامه الداخلي، حيث صادقت عليه المحكمة الدستورية ونشر بالجريدة الرسمية. كما عقدت، إلى جانب عدة اجتماعات تحضيرية أولى، دورة استثنائية، ودورة أولى انطلقت بتاريخ 31 كانون الثاني من العام الجاري، وننتظر الإعلان عن نتائجها في الأيام المقبلة.

 

المفكرة: ما هي أهم مؤاخذاتكم على عمل المجلس الأعلى للسلطة القضائية خلال هذه المدة؟

الشنتوف: أهم مؤاخذات نادي قضاة المغرب حول عمل المجلس خلال المرحلة السابقة تمثلت أساسا في غياب التواصل سواء مع القضاة أو الجمعيات المهنية والحقوقية أو الرأي العام. فالمجلس دشّن عملية انطلاقه بشكل صامت، ربما لأن الولادة كانت متعثرة طالما أنه لم تكن هناك ميزانية مستقلة، ولم يتم تدارك هذا النقص في التواصل إلا في وقت لاحق، بعد إطلاق موقع الكتروني رسمي قام بنشر بعض الإعلانات والأنشطة التي تخص اشتغال المجلس خاصة تلك المتعلقة بجدول أعماله. ورغم ذلك يسجل على أداء المجلس ضعف على مستوى المؤشرات التي يمكن أن تجعل عمله متسما بالشفافية. فعلى سبيل المثال نشر المجلس إعلانا عن فتح باب الترشيح لمناصب المسؤولية، لكن لم يتم نشر لوائح المرشحين لهذه المناصب، ولا مؤهلاتهم، علما بأن هناك تجارب مقارنة في بلدان الجوار (إسبانيا نموذجا) دعما للشفافية تنشر أيضا فيديوهات المقابلات التي تم إجراؤها مع المرشحين.

ويلاحظ أيضا غياب المقاربة التشاركية، إذ لا يعقل أن يتم إعداد النظام الداخلي للمجلس دون إشراك الجمعيات المهنية التي كانت حاضرة طيلة فترة الإعداد ومناقشة قوانين السلطة القضائية، وهو ما اضطرنا في نادي قضاة المغرب إلى تقديم مذكرة مفصلة، رغم عدم توجيه أي دعوة لنا لمناقشتها. ونفس الأمر ينطبق على مدونة السلوك حيث اكتفى المجلس بإمهال جمعيات القضاة أجلا قصيرا لا يتعدى 15 يوما لتقديم التصورات، وهو أجل اعتبرناه غير كاف لمناقشة موضوع شديد الأهمية بحجم مدونة السلوك.

 

المفكرة: سبق لنادي قضاة المغرب أن أثار وضعية عمل المفتشية العامة للشؤون القضائية بعد فصلها عن وزارة العدل، ما مآخذكم حول عمل المفتشية العامة خلال هذه الفترة؟

الشنتوف: تعيش المفتشية العامة للشؤون القضائية حاليا وضعا خاصا. فقد تمّ تعيين مفتش عام دون أن تتوفر المؤسسة على قانون يحدد اختصاصها ومجال عملها ولا حتى على مقر خاص بها. فالمفتشية ما تزال موجودة داخل بناية في قلب وزارة العدل، والمفتشية العامة تشتغل دون وجود النص القانوني الذي تحيل عليه المادة 53 من القانون التنظيمي للمجلس التي تنص على ما يلي: "يتوفر المجلس على مفتشية عامة للشؤون القضائية يحدد القانون تأليفها واختصاصاتها وقواعد تنظيمها وحقوق وواجبات أعضائها…". وهو ما يفرض ضرورة التعجيل بإصدار قانون جديد للمفتشية العامة، يقطع مع فكرة التفتيش التأديبي "الترهيبي"، ويؤسس للدور التأطيري والتصحيحي الذي ينبغي أن تقوم به مؤسسة التفتيش كمراقب معقول ومحايد لإيصال المعلومة المتعلقة بمشاكل المرفق المادية والقانونية إلى الجهات المختصة. كما يجب أن تقوم أيضا في إطار دورها التقليدي في ملاحظة الخروقات وترتيب الآثار القانونية عنها. وهذا لن يتحقق إلا بشرطين أساسيين: أولا وجود عنصر بشري كفؤ يتم اختياره بناء على معايير قانونية واضحة وشفافة مع منحه التحفيزات المادية اللازمة، وثانيا الاشتغال بطريقة حديثة باستعمال الأدوات المعلوماتية التي تمكن من تتبع مشاكل كل المحاكم عن بعد واقتراح حلول لها، ومنها على سبيل المثال منح المفتشية صلاحية تتبع  طريقة  توزيع  الأشغال على القضاة داخل المحاكم، لأن هذا التوزيع يتم أحيانا بشكل غير عادل بين القضاة، بل ويشكل نوعا من التأثير غير المشروع على استقلالهم.

المفكرة: مرت حوالي ستة أشهر على استقلال النيابة العامة عن وزارة العدل، كيف تقيمون عمل مؤسسة النيابة العامة خلال هذه الفترة ؟

الشنتوف: رغم أن الوقت ما يزال مبكرا لتقييم حصيلة عمل النيابة العامة بعد استقلالها عن وزارة العدل خلال هذه الفترة القصيرة، خاصة إذا استحضرنا أيضا حجم الإكراهات التي صاحبت عملية فك الارتباط مع وزارة العدل، ومشكل الموارد البشرية والمالية المخصصة لهذه العملية، وهي المشكلة ذاتها التي واجهت المجلس الأعلى للسلطة القضائية كما أسلفت.

ولكن يمكن رصد  بعض المؤشرات المهمة التي تنم عن بداية تحول ايجابي تمثل أساسا في السياسة التواصلية الجديدة لرئيس النيابة العامة مند اليوم الأول لممارسة مهامه حيث تم توجيه المنشور رقم 1 الذي يحدد خريطة عمل النيابة العامة وأولويات المرحلة القادمة إلى الوكلاء العامين للملك ووكلاء الملك وكافة قضاة النيابة العامة، وتعميم المنشور على كافة وسائل الإعلام ، ولا شك أن التواصل مهم يجعل المسؤول ينصت، ويجعله ملتزما أمام الرأي العام لأنه يعلم انه سوف يسأل وهو مطالب بتقديم أجوبة، وقد امتدت سياسة التواصل لتشمل الجمعيات من خلال استقبال السيد رئيس النيابة العامة لممثلي الجمعيات المهنية القضائية، وجمعيات ومنظمات أخرى. ونتمنى من المجلس الأعلى للسلطة القضائية أن يقوم بنفس الدور أيضا. كما نتمنى النجاح لهذه المؤسسة وأن تشتغل بنفس حقوقي في علاقتها بالمواطنين حتى يستشعر المواطن العادي أثر هذا التحول الجديد.

ولا يخفى على المتتبعين من جهة أخرى أن تجسيد استقلال النيابة العامة ما يزال في طور التنزيل في انتظار صدور قانون جديد للمسطرة الجنائية يفترض أن يجيب على العديد من الإشكاليات القانونية التي لم يتطرق لها قانون رئاسة النيابة العامة، الذي يبقى ورغم أهميته، إصلاحا إجرائيا وتقنيا اقتصر على نقل صلاحيات وزير العدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بوصفه الرئيس الجديد للنيابة العامة.

 

المفكرة : ما هو تصوركم لمؤسسة  المعهد  العالي للقضاء؟

الشنتوف: آن الأوان اليوم لإعادة النظر في القانون المنظم للمعهد العالي للقضاء حتى تصبح عملية تكوين القضاة تحت إشراف كامل للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، مع إعادة النظر في طريقة التكوين المستمر للقضاة والتي سبق لنادي قضاة المغرب أن قرر مقاطعته، وإصلاح مناهج التكوين عموما. فتكوين القضاة ينبغي أن يزاوج بين الجانب القانوني والحقوقي وأن يهتم بالتربية على الاستقلالية ومعرفة الحقوق والواجبات وطرق التواصل مع المحيط الذي يشتغل فيه القضاة. ولن يكون ذلك إلا بنخب قضائية واعية بهذه الرهانات، دون أن ننسى ضرورة توفير الموارد البشرية والمالية لهذا الإصلاح، فلكل إصلاح تكلفة. عموما، نحن نشتغل في نادي قضاة المغرب على إعداد مذكرة مفصلة حول المعهد العالي للقضاء وسؤال تكوين القضاة.

 

المفكرة : كلمة أخيرة

الشنتوف : نحن متفائلون طالما أن القضاة متكتلون داخل نادي قضاة المغرب، وسنواصل نفس الخطة المعتمدة في مسار مناقشة قوانين السلطة القضائية، وذلك بالإدلاء بتصوراتنا حول كافة الإصلاحات القانونية المرتقبة، من جهة. كما سنواصل عملية المراقبة تجسيدا للدور الذي تلعبه الجمعيات المهنية القضائية في الدفاع عن مبادئ استقلال القضاء. فتكتل القضاة وعملهم الجماعي أهم خطوة في الدفاع عن استقلال القضاء الذي يبقى بالدرجة الأولى حقا للمتقاضي.

 

انشر المقال

متوفر من خلال:

استقلال القضاء ، مقالات ، المغرب



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني