حملة التضامن مع فلسطين تفضح انحياز المنصّات الإلكترونيّة لإسرائيل


2021-05-20    |   

حملة التضامن مع فلسطين تفضح انحياز المنصّات الإلكترونيّة لإسرائيل
رسم من تصميم مؤسسة SMEX

اتّسعت حملة التّضامن عربيّاً وعالميّاً مع الفلسطينيين في جميع أنحاء فلسطين التاريخية من القدس إلى غزة إلى الضفة إلى أراضي 48، لا سيّما على مواقع التواصل الاجتماعي. وقد ترافق ذلك مع توجه عدد من هذه المواقع إلى حجب صفحات أو محتوى مؤيّد للفلسطينيين وفرض سياسات يتضّح فيها الانحياز ضدّ الرواية الفلسطينيّة لما يجري في فلسطين المحتلّة، منذ بدء شرطة الاحتلال الإسرائيليّ سعيها لتهجير سكّان حيّ الشيخ جرّاح في شرقي القدس، مروراً بالعدوان على مدينة غزّة، وصولاً إلى الانتفاضة في الضفة والداخل الفلسطينيّ المحتلّ.

وكان انتشار وسم #أنقذوا_حي_الشيخ_جرّاح التضامني مع قضية سكان الحي المهددين بالتهجير، على “فيسبوك” و”تويتر” كفيلاً بأن تردّ عليه إدارتا الموقعين بحذف المنشورات بحجّة انتهاك سياسات المحتوى أو القواعد الإرشادية Community guidelines وصولاً إلى حظر أصحابها عن تلك المواقع إذا تكرر نشر تعليقات مماثلة. أما منصة إنستاغرام فكانت أشد قسوة. فخلال الأسبوع الماضي، حذفت كلّ محتوى ذكر فيه وسم #الأقصى، وعادت وبرّرت بأنّ ما حصل هو خطأ تقنيّ .

نجم: المرة الأولى التي تحصل موجة حظر بهذا الحجم في المنطقة

بلغت سياسات تقييد المحتوى بإدارات المنصّات الاجتماعيّة درجة منع عدد كبير من الناشطين من البثّ المباشر من الداخل الفلسطينيّ للأحداث الحاصلة على الأرض. كما منع ناشطون آخرون من وضع الصور والفيديوهات على حساباتهم الخاصّة. وقد ذهبت المنصّات أبعد من ذلك حيث منعت الناشطين من كتابة التعليقات على المنشورات، أو حجبت جميع المحتويات المتعلّقة بفلسطين، بحيث يمكن للناشط نشرها ولكنها لا تظهر عند الآخرين على حسابه. ولجأ “تويتر” إلى تعليق بعض الحسابات بشكل مؤقّت لنشرها محتوى يتعلّق بفلسطين أو الحد من انتشار المنشورات الخاصة بالموضوع. 

وكلّ عمليّات الحجب والحظر اقتصرت فقط على كلّ ما له علاقة بالتضامن مع فلسطين. ويؤكّد المدير التنفيذيّ لمنظّمة “سمكس” المتخصّصة بالحقوق والحريّات الرقميّة لـ”المفكّرة القانونية” إنّ عمليّة الحجب والحظر الضخمة المتعلّقة بقضيّة واحدة تحصل للمرّة الأولى في المنطقة.

ويعتبر نجم أنّ سياسات شركات التكنولوجيا ظالمة ومجحفة بحقّ فلسطين، بحيث “تقف هذه السياسات مع الرواية الاسرائيليّة ضدّ الرواية الفلسطينيّة”، بما يمثّل ذلك من وقوف ضدّ الواقع على الأرض ومن انحياز لجهة محتلّة واستعماريّة تمارس الفصل العنصريّ ضد جهة تخضع للاحتلال والتمييز والتهجير والحصار والقتل.  

إسرائيل تضغط علناً على المنصّات الاجتماعية 

لم يكنْ الإيعاز السياسيّ وراء عملية الحجب والحظر الممارسة خافياً بل علنياً. فوفقاً لنجم، سرّبت إحدى الصحف الإسرائيلية صورة من مكتب وزير “الدفاع” الإسرائيليّ تظهر اجتماعاً بينه وبين موظفين في إدارة منصتي “فيسبوك” و”تيكتوك”. وحثّ الوزير إدارة المنصّتين على مساعدته لمكافحة وحذف المحتوى المناهض للاحتلال الإسرائيليّ. 

وضعت هذه الصورة إدارة “فيسبوك” في موقف محرج، هربت معه “إلى الأمام” بحسب نجم، فاضطرت إلى إشراك السلطة الفلسطينيّة في الأمر وذلك عوضاً عن قبول الاجتماع مع الجهات الحقوقيّة التي تدين ممارسات فيسبوك وقريناتها. ويشير نجم إلى أنّ الاجتماع مع السلطة الفلسطينيّة لن يكون سوى تغطية للصورة المسرّبة، كون السلطة تشارك أيضاً في قمع الشعب الفلسطينيّ وفي قمع التضامن معه. وعلى ضوء ذلك، أعلنت السفارة الفلسطينية في لندن عن تلقيها اعتذاراً رسميّاً من “فيسبوك” و”واتساب” و”إنستغرام” وعن نيّة هذه المنصّات تصحيح الأخطاء و”احترام حقّ التعبير عن الاضطهاد الذي يتعرّض له الفلسطينيّون”.

ويوضح المدير التنفيذيّ لمنصّة “سمكس” أنّ منظّمات عديدة معنيّة بالحقوق الرقميّة قد طلبت من إدارات المنصّات المذكورة، اجتماعاً معها حول موضوع الحجب والحظر والتعتيم، إلّا أنّها لم تردّ على طلب المنظّمات. في الوقت عينه، برّرت إدارة “إنستغرام” أنّ الحجب الذي حصل هو نتيجة خطأ تقنيّ، ولكن من دون أن تبرّر كيف استهدف الخطأ التقنيّ المحتوى الفلسطينيّ دون غيره. فإن حُذف هذا المحتوى عن طريق الخطأ، فهذه مشكلة، وإن حذف نتيجة انحياز الشركات لإسرائيل فهذه مشكلة أخطر. 

ورداً على حملة الحظر، أعدّت “سمكس” بالتعاون مع منظمات أخرى تعنى بالحقوق الرقمية وحقوق الإنسان، عريضة إلكترونية طالبت فيها المنصّات الإلكترونية بالتوقف عن حظر المحتوى المرتبط بفلسطين وتقديم شرح واضح لأسباب إزالة المحتوى. وقع على العريضة حتى كتابة هذه السطور أكثر من 5000 شخص.

حملة ليست جديدة

ليست سياسات “فيسبوك” وزميلاتها جديدة على الناشطين المتضامنين مع القضيّة الفلسطينيّة، فقد بدأت سياسات الحظر منذ العام 2013. فمن الناحية الإدارية، في فيسبوك مثلاً شخص واحد مسؤول عن سياساتها لكامل المنطقة العربية، بينما ثمة مسؤولة عن سياساتها تجاه إسرائيل وحدها. وأشار نجم لـ”المفكّرة” إلى أنّ المسؤولة الأخيرة كانت موظّفة في إحدى السفارات الإسرائيلية وفي مكتب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو شخصياً وتعدّ من المقرّبين منه، وفي الوقت نفسه تدير محتوى “فيسبوك” وهو ما يقوّض حيادها. إضافة إلى ذلك، فإنّ الموظّفين من أصول فلسطينيّة المشرفين على المحتوى في فلسطين المحتلة لا يستطيعون القيام بعملهم في مكتب “فيسبوك” في تل أبيب.

تحايل على الحظر 

لم تُسكت سياسات المواقع ومنصّات التواصل الاجتماعيّ حملة التضامن مع الشعب الفلسطينيّ وضدّ الاعتداءات الإسرائيلية، فقامت حملات في عدّة بلدان، للاحتيال على تلك السياسات. فمثلاً أطلق حساب “نحو وصرف” على “فيسبوك” المختصّ باللغة العربيّة، منشورات يدعو من خلالها إلى كتابة المحتوى الفلسطينيّ باللغة العربيّة القديمة، أي من دون نقاط في الكلمة وذلك للاحتيال على الحظر. وسرعان ما انتشرت هذه الطريقة لتشمل كتابات على الموقع، أو ضمن صور معيّنة منشورة لا يستطيع الذكاء الاصطناعيّ أو خوارزميّات المنصّات التعرّف إليها. وللالتواء على تلك الخوارزميات، لجأت حسابات أخرى إلى إبعاد الأحرف في الكلمة الواحدة عن بعضها البعض مثل: “م—ق-اومة” أو إلى استبدال أحد حروف الكلمة التي قد تؤدي إلى حظر المحتوى بحرف أجنبيّ مثل “sصهاينة” بدلاً من “صهاينة”، وكذلك استبدال الحرف أحياناً بنجمة “*”.

وبالتوازي دعت إحدى الحملات المستخدمين إلى الاحتجاج عبر إلغاء حساباتهم الشخصيّة على موقع “فيسبوك”، كموقف اعتراضيّ على حظر المحتوى الفلسطينيّ. ودعت حملة أخرى على “تويتر” و”فيسبوك” للتوّقف عن الترويج المدفوع على “فيسبوك”، بحيث يتوقّف الدعم الماليّ للشركة من قبل الناشطين المعترضين على سياساتها الرقابيّة. واقترحت حملة أخرى وضع تقييم سلبي لـ”فيسبوك” على متجر التطبيقات على أندرويد وآيفون، بحيث يؤدّي ذلك إلى ضرر معنويّ وماديّ أيضاً للشركة. وفتح بعض الاختصاصيّين منصّات بديلة يستطيع الناشطون التعبير عبرها بحرية ونشر كلّ ما يدعم القضيّة الفلسطينية على شبكات الإنترنت. ولم تمنع كل محاولات الحظر والحجب الناشطين من إنشاء حسابات جديدة والتعبير عن دعمهم لفلسطين. 

وبالتالي، حافظت حملة التضامن مع فلسطين على زخمها وضخامتها بكلّ الوسائل الإلكترونيّة الممكنة، وخاصّة لناحية نقل المحتوى الذي يظهر اعتداءات المستوطنين والجيش والشرطة الإسرائيلية في الداخل الفلسطينيّ المحتلّ وعلى قطاع غزّة، إضافة إلى نقل ما يفعله الشعب الفلسطينيّ كأفعال مقاومة للاحتلال. ولا تزال مواقع التواصل الاجتماعيّ تشهد يومياً دعوات للمشاركة في وقفات تضامنيّة في معظم الدول العالم، وللمشاركة بدعم الفلسطينيّين في إضرابهم الكبير أمس الثلاثاء في 18 أيّار 2021.

انشر المقال

متوفر من خلال:

حريات ، مؤسسات إعلامية ، قطاع خاص ، حرية التعبير ، حراكات اجتماعية ، فلسطين ، حريات عامة والوصول الى المعلومات ، إعلام



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني