“حكومة تصريف الأعمال”: ماذا يعني ذلك؟


2017-01-09    |   

“حكومة تصريف الأعمال”: ماذا يعني ذلك؟

مع انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في 31 تشرين الأول 2016 وبدء ولايته، أصبحت الحكومة عملاً بأحكام البند “د” من الفقرة الأولى من المادة 69 من الدستور بحكم المستقيلة. وباتت صفة تصريف الأعمال تنطبق عليها من الناحية القانونيّة، وفقا للفقرة الثانية من المادة 64 من الدستور التي تنص صراحة على التالي: “لا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة إلا بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال”·

ولمّا كان مجلس الوزراء لا يحقّ له أن يجتمع في ظل فترة تصريف الأعمال، كما يفقد الوزراء حريتهم في ممارسة الصلاحيات التي تنيطها بهم القوانين، أصدر الرئيس تمام سلام في 3 تشرين الثاني تعميماً أعاد به التذكير بالضوابط التي يتوجب على الوزراء احترامها في ظل تصريف الأعمال (تعميم رقم 20/2016 والمنشور في الجريدة الرسمية عدد 54 تاريخ 10/11/2016).

لذلك، كان لا بد لنا من دراسة مفهوم تصريف الأعمال من حيث نشأته وتطوره في لبنان، ومن ثم تحليل التعميم الذي أصدره الرئيس سلام على ضوء المبادئ الدستورية والإجتهاد.

أولاً: المسوغ السياسيّ لمفهوم تصريف الأعمال
يتبع لبنان النظام البرلمانيّ الذي يقوم على ركيزةٍ أساسيّةٍ مفادها مسؤولية السلطة التنفيذيّة أمام مجلس النواب، أيّ ربط ممارسة الحكومة لصلاحياتها بحصولها على ثقة السلطة التشريعيّة. ولمّا كانت هذه الثقة لا تتجسد فقط عند منحها بل هي تمتد بمفاعيلها لتشمل عمر الحكومة برمته، كان من البديهي اقتران ممارسة سلطة هذه الأخيرة بدوام مسؤوليتها أمام مجلس النواب. لذلك، تؤدّي استقالة الحكومة أو اعتبارها بحكم المستقيلة إلى زوال هذه المسؤولية، ما يضعها خارج الرقابة السياسية للسلطة التشريعية التي تفقد بالتالي قدرتها على سحب ثقتها من الحكومة. وبما أن السلطة لا تمنح إلا لجهة تخضع للمحاسبة، ولمّا كانت مسألة حجب الثقة هي الآلية المتبعة في القانون الدستوريّ لتجسيد مبدأ المسؤولية هذا، بات من البيّن لدينا أن الحدّ من صلاحيات الحكومة المستقيلة هو نتيجة منطقيّة تفرضها الطبيعة البرلمانيّة للنظام. وليس تصريف الأعمال في نهاية المطاف سوى الحدّ من صلاحيات السلطة التنفيذية، طوال فترة انعدام رقابة مجلس النواب عليها.

وقد أقر مجلس شورى الدولة في لبنان هذا المبدأ إذ أعلن في قراره الشهير رقم 334/614 (راشد/الدولة تاريخ 17/12/1967) التالي: ” وحيث ان مسؤولية الحكومة تنتهي في الحالات المبينة آنفا ومنها الاستقالة وحيث ان زوال المسؤولية هو الذي يحدد نطاق “الاعمال العادية” التي يوكل الى الوزارة المستقيلة تصريفها اذ ان السماح بتجاوز نطاق هذه الاعمال يؤدي الى قيام حكومة غير مسؤولة بأعمال تخضع للمسؤولية مع ما يترتب على هذا التجاوز من مخالفة احكام الدستور وقواعد نظام الحكم التي يعتمدها…”.

على مستوى أخر، يشكل تصريف الأعمال ضرورةً، إذ لا يجب أن يؤدي تقليص صلاحيات الحكومة وحصرها في نطاقٍ ضيّق إلى الاضرار بمصلحة الدولة عبر تعطيل عمل المؤسسات وتهديد إستمرارية المرفق العام. لذلك، تعتبر ممارسة الحكومة لصلاحياتٍ ما، رغم الحدّ منها بعد استقالتها، شرطاً ضرورياً. إذ لا يعقل القبول بالفراغ المطلق في السلطة إلى حين تشكيل حكومة جديدة. وقد أشار مجلس شورى الدولة الفرنسي إلى هذا الأمر في القرار الأول له الذي يتطرق إلى مسألة تصريف الأعمال بشكلٍ صريح:

‘ Considérant qu’en raison de son objet même, et à défaut d’urgence, cet acte réglementaire (…) ne peut être regardé comme une affaire courante, si extensive que puisse être cette notion dans l’intérêt de la continuité nécessaire des services publics’ (CE, Ass. 4 avril 1952 Syndicat régional des quotidiens d’Algérie).

وقد ذهب مجلس شورى الدولة اللبنانيّ المذهب نفسه فأعلن أيضاً: “وحيث أن تطبيق مفاعيل الإستقالة أو الإقالة على إطلاقه يؤدي إلى قيام فراغ في الحكم في الفترة التي تسبق تشكيل وزارة جديدة مع ما يترتب على هذا الفراغ من تعطيل اعمال السلطة التنفيذية ووقف ادارة مصالح الدولة المنوطة بالوزراء (…) وحيث أنه تجنّباً للأخطار والمحاذير التي تنشأ عن الفراغ في الحكم، جرى العرف الدستوريّ على أن يكلّف رئيس الجمهورية الوزارة المستقيلة بالبقاء في الحكم إلى أن تتألف الوزارة الجديدة، ويحدّد نطاق أعمالها بما يسمى “تصريف الأعمال العادية”. وقد أصبح هذا العرف مبدأ أصيلاً من مبادئ القانون العام واجب التطبيق في حالات فقدان الوزارة كيانها الحكوميّ المشروع، ومن بينها حالة الإستقالة…” (راشد/الدولة).

ومن المسوّغات السياسيّة التي تشرح مفهوم تصريف الأعمال منع الحكومة المستقيلة من إتخاذ تدابير تلزم الحكومة الجديدة المزمع تشكيلها وتحدّ من حريتها بممارسة كامل صلاحياتها الدستورية عند نيلها الثقة. إذ يمكن للحكومة المستقيلة “القيام بالأعمال التي لا ترتبط بسياسة الدولة العليا والتي ليس من شأنها تقييد حرية الحكومة اللاحقة في انتهاج السياسة التي تراها أفضل…” (مجلس شورى الدولة، قرار رقم 700 تاريخ 15/5/1995، منصور حنا هنود/الدولة).

ثانياً: نطاق تصريف الأعمال
كان الدستور اللبنانيّ قبل تعديله سنة 1990 خالياً من مفهوم تصريف الأعمال، لا سيما أن السلطة الإجرائية كانت بيد رئيس الجمهورية، ما حدّ نظرياً من أهمية هذا المبدأ. لكن الدستور، حتى بعد تعديله، اكتفى فقط بالإشارة إلى أن الحكومة المستقيلة لا تمارس صلاحياتها إلا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال. ولم يحدّد ما هو المعيار الواجب اتباعه بغية التفريق بين ما يدخل في تصريف الأعمال وما يخرج عنه، ما حتّم على القضاء الإداريّ أن يستنبط من خلال إجتهاده هذا المعيار.

وبالفعل، جاءت الأزمة الحكوميّة التي عرفها لبنان سنة 1969 لأكثر من سبعة أشهر عقب استقالة الرئيس رشيد كرامي كي تتيح هذه الفرصة لمجلس شورى الدولة. فقد تقدم فؤاد اسكندر راشد، رئيس الديوان في المديرية العامة لوزارة البرق والبريد والهاتف آنذاك، بطعنٍ ضد قرار نقله إلى بيروت، مدعياً أن الوزير لم يكن يحق له اتخاذ مثل هكذا إجراء كونه ينتمي إلى حكومةٍ مستقيلة. وبالفعل، قسّم المجلس في قراره[1] “راشد ضد الدولة” أعمال الحكومة إلى ثلاث فئات:

  • الأعمال العاديّة الإداريّة (actes de gestion): “أيّ الأعمال اليومية التي يعود إلى الهيئات الإداريّة إتمامها، ويتعلّق إجراؤها في الغالب على موافقة هذه الهيئات كتعيين ونقل الموظفين وتصريف الأعمال الفردية التي لا يمارس عليها الوزير سوى إشراف محدود”.
  • الأعمال التصرفيّة (actes de disposition) في الظروف العاديّة: وهي تلك التي ترمي إلى “إحداث أعباءٍ جديدةٍ أو التصرّف باعتماداتٍ هامّة أو ادخال تغييرٍ جوهريّ على سير المصالح العامة أو في أوضاع البلاد السياسية والإقتصاديّة والإجتماعيّة تحت طائلة المسؤوليّة الوزاريّة”. لذلك، لا تدخل الأعمال التصرفيّة في نطاق تصريف الأعمال، ولا يجوز للحكومة المستقيلة أن تقوم بها.
  • الأعمال التصرفيّة في الظروف الإستثنائيّة: الأوضاع الإستثنائية التي تتعلّق بالنظام العام وأمن الدولة الداخليّ والخارجيّ تسمح للحكومة المستقيلة باتخاذ تدابير ضرورية تخرج عن تصريف الأعمال. “وفي هذه الحالات، تخضع تدابير الوزارة المستقيلة وتقدير ظروف اتخاذها إياها إلى رقابة القضاء الإداريّ بسبب فقدان الرقابة البرلمانيّة وانتفاء المسؤولية الوزارية”.

وقد استقرّ مجلس الشورى على هذا الإجتهاد في أكثر من قرارٍ له[2]، لكن المجلس الدستوريّ في لبنان لم يتمكّن من التطرّق إلى مفهوم تصريف الأعمال بشكلٍ مسهب. إذ رأى أن هذا الأخير هو تعبير عن مبدأ إستمرارية السلطات الدستورية منعاً لحدوث أيّ فراغ، كما اعتبر أن “حق رئيس مجلس الوزراء المستقيل بالطعن بالقانون الذي يشارك بتوقيعه رئيس الدولة في مرسوم إصداره لا يدخل في المفهوم الضيّق لتصريف الأعمال، لأنه عملٌ إنشائيّ بامتياز وغير إجرائيّ، طالما أن من شأنه أن يؤدي إلى إبطال هذا النصّ التشريعيّ وإحداث وضع قانونيّ مغاير بنتيجة هذا الإبطال” (قرار رقم 1/2005 تاريخ 6/8/2005).

ثالثاً: تعميم رئيس الحكومة
لا بد من الإشارة أولاً إلى أن التعميم الذي أصدره الرئيس سلام هو مجرد تكرارٍ حرفيّ للتعميم رقم 10/2013 الصادر عن الرئيس نجيب ميقاتي بتاريخ 19/4/2013 عقب تقديم هذا الأخير لاستقالته.

لا تطرح الفقرة الأولى من هذا التعميم أيّ إشكالية محدّدة، كونها تعيد ببساطة ما توصّل إليه مجلس شورى الدولة في قراره راشد/الدولة. فتعرّف الأعمال التصرفيّة وتميّز بين الظرف العاديّ الذي لا يسمح للحكومة المستقيلة باتخاذها وبين الأوضاع الإستثنائية التي تبرّرها.

لكن المشكلة تكمن في الفقرة الثانية التي تتناول الأعمال الإداريّة العاديّة، إذ تعلن التالي: “وبما أن إعتماد نظرية تصريف الأعمال بالمعنى الضيق في المادة 64 من الدستور من شأنه أن يحدّ كثيراً من المفهوم المكرّس إجتهاداً للأعمال الإداريّة العاديّة المذكورة أعلاه، وبالتالي فهو يقلّص من الأعمال والقرارات التي كان من الممكن اعتبارها تدخل في نطاق تصريف الأعمال، لو لم تحدّها المادة 64 من الدستور بالنطاق الضيق، وبما أنه إستناداً إلى أحكام المادة 64 من الدستور، فإن ما يدخل في نطاق تصريف الأعمال هي تلك القرارات التي من شأن عدم اتخاذها أن ينتج عنه فراغ كامل أو تعطيل لكلّ أعمال السلطة التنفيذية ووقف لإدارة مصالح الدولة العامّة…”.

تتبنى هذه الفقرة تعريفاً محدوداً جداً لتصريف الأعمال، إذ تعتبر أن الدستور بإشارته إلى “المعنى الضيق” أدخل تقليصاً إضافياً في نطاق تصريف الأعمال، كون حتى الأعمال العادية لا يمكن إتخاذها إلا لتفادي الفراغ الكامل وتعطيل مصالح الدولة.

وفي النهاية، يضع هذا التعميم آلية فريدة لإتخاذ القرارات، إذ يطلب من جميع الوزراء “في حال أن ثمة قراراً إدارياً يدخل في نطاق أعمال التصرفيّة التي تقتضي الضرورة اتخاذه في خلال فترة تصريف الأعمال إيداع مشروع القرار رئاسة مجلس الوزراء للإستحصال بشأنه على الموافقة الإستثنائية لفخامة رئيس الجمهورية ودولة رئيس مجلس الوزراء”.

ملاحظات على التعميم المعمول به راهناً
أولاً: لا شكّ أن تذكير الوزراء بضرورة احترام الموجب الدستوري والحدّ من صلاحياتهم خلال تصريف الأعمال هو أمرٌ طبيعيّ ومطلوبٌ، لكن التعميم لا يكتفي بذلك بل يقوم بتفسير الدستور عبر تضييق هامش تصريف الأعمال إلى حدوده القصوى. وإذا كان من المسلّم به أن تفسير رئيس الحكومة للدستور لا يتمتع بأيّ قوّةٍ قانونيّةٍ تلزم سائر الهيئات في الدولة، فإن هذا التعميم يفقد جدواه أيضاً كونه يتناسى أن تحديد نطاق تصريف الأعمال يعود إلى السلطة القضائيّة التي يجسدها في لبنان مجلس شورى الدولة، وليس إلى رئيس مجلس الوزراء. فعند استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة تخضع جميع قرارات الوزراء لرقابة القضاء الإداريّ، لا بل أن سلطة هذا الأخير تتوسّع في هذه الحالة نظراً لضرورة شمول الرقابة ليس فقط مشروعية القرار بل أيضاً مدى إندراجه ضمن حدود تصريف الأعمال.

ثانياً: يقوم هذا التعميم على تأويلٍ خاصّ للدستور، لا سيما مفهوم “المعنى الضيّق”. وإذ كان من المستغرب قيام رئيس الحكومة بفرض تفسيره الخاص لهذا المفهوم، فمن المستغرب جداً تبني تفسير يخالف اجتهاد مجلس شورى الدولة في أكثر من قرار حديث له. فقد أعلن هذا الأخير سنة 2013 أن الحكومة المستقيلة “يمكنها البت بكافة المسائل التي لا تتسم بطابع المواضيع الاساسية المصيرية الحساسة كالاتفاقات والمعاهدات الدولية، والخطط الإنمائية الشاملة والطويلة المدى على سبيل المثال” (أنطوان الزغبي/الدولة). لذلك، يكون هذا التعميم بتقليصه نطاق تصريف الأعمال إلى حدوده القصوى قد خالف قرارات مجلس شورى الدولة التي تعتبر ملزمة لكلّ السلطات الإداريّة.

ثالثاً: يستحدث التعميم آليةً لإتخاذ القرارات غير ملحوظة في الدستور، وهو أمرٌ من الغرابة بمكان لا يمكن وصفه كونه يتيح لتعميمٍ يحتل أدنى درجة في هرمية النصوص أن يخالف الدستور، أيّ أعلى نصّ في تلك الهرمية. فضرورة حصول الوزراء على الموافقة الإستثنائية لرئيسي الجمهورية والحكومة في ما خصّ الأعمال التصرفيّة يؤدّي عملياً إلى نقل صلاحيات مجلس الوزراء إلى رئيسي الجمهورية والحكومة، ما لا وجود له في أيّ نصٍّ دستوريّ. فالظرف الإستثنائي الذي يستدعي اتخاد أعمال تصرفيّة تسمح لصاحب الإختصاص باستعادة هذا الجزء من صلاحياته الضروريّ لمعالجة الوضع، أيّ في حالتنا هذه، للوزير المعني أو لمجلس الوزراء المستقيل أن يجتمع كي يتخذ القرار المناسب. وقد عرف لبنان سوابق من هذا القبيل عندما أقرّت حكومة الرئيس رشيد كرامي المستقيلة مشروع الموازنة سنة 1969، وكذلك في سنة 1979 عندما اجتمعت حكومة الرئيس سليم الحص المستقيلة لإقرار مجموعة من مشاريع القوانين المستعجلة، وأخيراً في سنة 2013 عندما أقرت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي المستقيلة تشكيل الهيئة العامة للإشراف على الإنتخابات.

رابعاً: لا يحق لرئيس الحكومة توجيه الأوامر إلى الوزراء. وإذا كان في المبدأ رئيساً لهم من الناحية السياسيّة، فهو ليس رئيساً عليهم من الناحية الإداريّة، أيّ انه لا يتمتّع بسلطةٍ تسلسليّةٍ كتلك التي توجد بين الرئيس ومرؤوسيه[3]. لذلك، يكون هذا التعميم بفرضه آلية محدّدة على الوزراء وتضييقه لهامش تصريف الأعمال قد خالف المادة 66 من الدستور التي تنصّ صراحةً على أن “يتولى الوزراء إدارة مصالح الدولة ويناط بهم تطبيق الأنظمة والقوانين كلّ بما يتعلق بالأمور العائدة إلى إدارته”. فالوزير هو رأس الهرم الإداريّ في وزارته، كما لا يحقّ لرئيس الحكومة مخاطبة الموظفين في وزارةٍ ما مباشرةً من دون المرور بالوزير المعنيّ كما حصل في التعميم الذي يطلب “إلى الإدارات العامّة إيداع رئاسة مجلس الوزراء نسخاً عن القرارات التي يصدرها السادة الوزراء واعتبار المدير العام في الإدارة العامة مسؤولاً مباشرةً عن هذا الأمر في حال عدم التجاوب أو الإهمال”.

خامساً: إن التعميم موضع البحث لا يكتفي بشرح نقاطٍ قانونيّةٍ وتفسيرها، بل يحتوي من خلال إستحداثه آلية عامّة لاتخاذ القرارات في ظل تصريف الأعمال، على قواعد تنظيمية تجعل منه تعميماً تنظيمياً (circulaire réglementaire) بحسب إجتهاد مجلس شورى الدولة الفرنسيّ (CE, Institution Notre-Dame du Kreisker, 29 janvier 1954). وبما أن التعميم يفرض على الوزراء إتباع منهجيّةٍ إستثنائيّةٍ في اتخاذ قراراتهم، أيّ انه ينطوي على تدبيرٍ سيؤثر بشكلٍ ما على المواطنين في تعاطيهم مع الإدارة، يكون قد أدخل قواعد آمرة جديدة. ما يجعل منه تعميماً آمراً (circulaire ayant un caractère imperatif) وفقاً لإجتهاد مجلس شورى الدولة الفرنسيّ الحديث (CE Sect. Mme Duvignères, 18 décembre 2002). وبالتالي، يصبح هذا التعميم قابلاً للطعن لتجاوز حدّ السلطة.

في مطلق الأحوال، وبما أن رئيس مجلس الوزراء لا يمارس سلطةً تسلسليّةً على الوزراء، يحقّ لهؤلاء تجاهل هذا التعميم، ورفض تطبيقه لجهة مخالفته الدستور، وصدوره عن جهةٍ غير مختصة. كما لا بد من التشديد على أهمية دور القضاء الإداريّ الذي تعود له فقط مراقبة القرارات الصادرة عن الوزراء في هذه الفترة، وتحديد ما إذا كانت تدخل في خانة تصريف الأعمال.

 نشرت هذه المقالة في العدد |46|كانون الأول/ ديسمبر 2016، من مجلة المفكرة القانونية | لبنان |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه :

مجلسٌ نيابيّ لا ينتِج


[1] انظر إلى مقال Jean-Claude Douence الذي خصصه لتقديم تحليل مسهب لهذا القرار في المجموعة الإداريّة للتشريع والإجتهاد.
[2] م.ش.د. قرار رقم 478 تاريخ 30/11/1977 جوزف جبر/الدولة وبلدية حمانا؛ أيضاً م.ش.د. قرار رقم 341 تاريخ 19/1/1979 عجاج جرجس ياغي/الدولة؛ أيضاً م.ش.د. قرار رقم 194/2013-2014 تاريخ 5/12/2013 انطوان الزغبي/الدولة.
[3] وقد اعتبرت هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل أن “توجيه التعاميم في دوائر الدولة هو مظهر من مظاهر السلطة التسلسلية التي يمارسها الوزير وحده ضمن وزارته بما له من حق الاشراف والرقابة على موظفي الوزارة بوصفه الرئيس التسلسلي” (استشارة رقم 122/ر تاريخ 18/4/1961).

انشر المقال

متوفر من خلال:

مجلة لبنان ، لبنان ، مقالات ، دستور وانتخابات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني