حكم رائد في قضية الليسيه-فردان: “الظروف الاقتصادية الدقيقة تحتم تدخل المحكمة”


2018-09-29    |   

حكم رائد في قضية الليسيه-فردان: “الظروف الاقتصادية الدقيقة تحتم تدخل المحكمة”

منعطف جديد يشهده حراك أهالي تلاميذ المدارس الخاصة، وقد تمثل هذه المرة في صدور قرار رائد عن قاضية الأمور المستعلة في بيروت كارلا شواح. القرار المذكور صدر بتاريخ 24 أيلول 2018 في سياق الإعتراض الذي قدمته إدارة المدرسة ضد قرار تجميد الزيادة على الأقساط الصادر سابقاً عن المرجع نفسه.

وكان نزاع أهالي التلاميذ في الليسيه – فردان تشعب بحيث بات يضم أربعة أطراف: الإدارة، الأهل، أعضاء لجنة الأهل المستقيلين، وأعضاء لجنة الأهل غير المستقيلين. وقد حصل هذا التشعب تبعا لصدور قرار أول عن قاضية الأمور المستعجلة في بيروت ماري كرستين عيد بتجميد مفعول الزيادة المقررة في موازنة عام 2017-2018، والتي كانت لجنة الأهل قد رفضت آنذاك التوقيع عليها. تبعا لذلك، قدمت إدارة المدرسة اعتراضها على هذا القرار. وإذ باشرت في موازاة ذلك التفاوض مع لجنة الأهل، فقد توصلت معها إلى اتفاق مبدئي يقضي بتنازلها عن قرار تجميد الزيادة، إلى حين بت النزاع أمام المجلس التربوي التحكيمي. إلا أنه عند دعوة كامل أعضاء اللجنة للتصويت على هذا القرار، انقسم هؤلاء إلى فئتين: فئة تمثل الغالبية وقد صادقت على الاتفاق، وفئة مكونة من ستة أعضاء وقد انتهت تبعا لرفضها الاتفاق إلى الاستقالة من اللجنة. وقد انضم إلى هؤلاء عدد من الأهالي من خارج اللجنة، الذين طلبوا التدخل في الدعوى لوقف الاتفاق.

لهذه الأسباب، القرار رائد

إذ صدر القرار موضوع هذا التعليق في هذه الظروف، فإن الإمعان فيه يستدعي ملاحظات عدة، أبرزها الآتية:

أولاً :أنه يعترف بصفة الأعضاء المستقيلين من اللجنة وسواهم من الأهالي من خارجها، للتدخل في الدعوى للوصول إلى هذه النتيجة، إعتبرت القاضية شواح أن هؤلاء هم أصحاب “صفة أكيدة وثابتة أمام هذه المحكمة ولهم مصلحة شخصية ومشروعة للتدخل في هذه الدعوى حماية لمصالحهم التي يعتبرونها معرضة للضياع بوجه المعترضة (الإدارة) والمعترض بوجهها (لجنة الأهل)”. وذلك لمجرد منازعتهم “في صحة وقانونية وشرعية لجنة الأهل وتوقيعها على الإتفاقية …، وإعتبارهم أن اللجنة لم تعد تمثلهم، وأنها تضر بحقوقهم وتعرضها للضياع”.

إعتراف القاضية شواح بصفة ومصلحة الأهالي من خارج اللجنة، يكرس دور القاضي الإجتماعي في حماية الحقوق الأساسية. إلى ذلك، إن قبول القاضية شواح بصفة المتدخلين لم يؤدِّ فقط إلى تمكينهم من التقاضي لحماية مصالحهم “المشروعة”، إنما إلى ترتيب نتائج على النزاع الحاصل بين اللجنة وناخبيها، بعدما رأى هؤلاء أنها لم تعد تعبّر عن مصالحهم. ولإدراك أهمية القرار، يكفي مقارنته بالقرار الصادر في قضية الليسيه –حبوش، حيث رأى القاضي انعدام صفة الأهل من خارج اللجنة.

ثانيا، حق التعليم المقدس:

كرس القرار مجموعة من الحقوق الاجتماعية والتي اعتبرها “مقدسة”، بالاستناد إلى الدستور والمواثيق الدولية. وقد لجأ إلى إعلاء شأن هذا الحق لغاية إعلان سموه على سائر الحقوق المادية التي قد تتذرع بها الإدارة أو سواها. وقد برر القرار ذلك على خلفية أن الزيادة موضوع المنازعة الراهنة ألحقت بكافة مكونات أسرة المعترضة (المدرسة) التربوية أفدح الضرر، نظراً للانعكاسات السلبية التي نتجت عنها ووصلت إلى حد تعطيل حق التلاميذ بمتابعة تحصيلهم العلمي، وإنهاء العام الدراسي 2017-2018”.

وفي هذا المجال، جاء حرفيا في إحدى حيثيات القرار أن “مصلحة الطلاب وحقهم المقدس بالتعليم تكرسه جملة من المواثيق والمعاهدات الدولية لا سيما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اكتسب بعد الإحالة إليه في الفقرة (ب) من مقدمة الدستور اللبناني، مكانة القاعدة الدستورية في النظام القانوني اللبناني (….)”. بالتالي، تكون”المحافظة على مصلحة الطلاب تسمو على كل مصلحة أو إعتبار”.

ثالثاً: أنه يكرس دور القضاء المستعجل في حماية الحقوق الأسمى:  

في هذا الصدد، أفردت القاضية شواح مساحة مهمة من قرارها لتحدد صلاحية قاضي الأمور المستعجلة بما يؤدي إلى تحقيق دوره، أي صون الحقوق وحمايتها. من هنا حدّت في قرارها من صلاحياتها على صعيد تصديق مصالحة ترتبط بموضوع نزاع معروض أمام المجلس التحكيمي التربوي، مع ما تستتبعه ممارسة هذه الصلاحية من إحتمال إضرار بـ “حق مقدس” وبحقوق الجهة “الأجدر” بالحماية.

وإعتبرت القاضية شواح أنه “بمعزل عن مدى صلاحية هذه المحكمة في التصديق على المصالحة” فإن وجود نزاع جدي يتعلق بها أمام المجلس التحكيمي التربوي يحول دون مصادقتها عليها. وهو ما عبّر عنه القرار بالآتي: “يتبدى من الأوراق كافة ومن أقوال وإدلاءات الفريقين والمقرر إدخالهم وجود نزاع جدي بشأن صحة الإتفاقية والمصالحة وبشأن صحة وصفة لجنة الأهل في التمثيل وفي التوقيع عليها ومدى إستمرار شرعيتها وتاريخ حصول استقالة الأعضاء المستقيلين فيها ومدى تأثير ذلك على إستمرار شرعيتها، وتاريخ حصول إستقالة الاعضاء ومدى تأثير استمرارها وبقائها قائمة وممثلة للأهالي وبالتالي مدى سلطتها في اتخاذ القرارات عنهم ومنها توقيع الاتفاقية والتصالح على مصالحهم وحقوقهم (…) تشكل مجتمعة موضوع نزاع جدي عالق أمام المجلس التحكيمي التربوي لم يبت بعد لغاية تاريخه”. وتعتبر شوّاح في قرارها أن هذا الواقع “يحول دون المصادقة على المصالحة أعلاه طالما أنه مطعون فيها، ومطلوب إبطالها أمام المرجع المختص للبت بطلب إبطالها، إذ لا يمكن لهذه المحكمة إزاء منازعة جدية، ونزاع عالق بشأن المصالحة تلك، إعتبار أنها صحيحة وقانونية قبل صدور أي قرار بهذا الشأن عن المجلس التحكيمي التربوي، ولا يمكنها من ثم تصديق تلك المصالحة، وتكريس مفاعيلها لجهة إنهاء النزاع الراهن”.

يكمل القرار في سياق تحديد القاضية لصلاحياتها، ليبين أن هذا الإمتناع لا يرتبط حصراً بوجود نزاع جدي أمام المجلس التربوي التحكيمي، إنما هو ضروري للتمكن من ممارسة صلاحياتها بحماية الحق بالتعليم والطلاب بوصفهم “الأجدر”. من هنا، يبيّن القرار الحيثيات التي  تجعل تمسك القاضية بصلاحياتها أكثر إلحاحاً. وهي ضمن السياق الآتي: الحق بالتعليم حق “مقدس” مكرس في الدستور. والقانون أنشأ مجالس تحكيمية تربوية لتبت بالنزاعات المتعلقة بهذا الحق وحمايته، لكنها غير مفعّلة على أرض الواقع. أيضاً أوكل القانون إلى مصلحة التعليم الخاص أن يتدخل في حال إعتراض الأهل على الموازنات، لكن المصلحة لم تبت بعد بموازنة الليسيه – فردان للعام 2017-2018. إذن قضية الموازنة التي تتضمن زيادات هي من دون أدنى حل في ظل ظروف إقتصادية ضاغطة  يعانيها الأهالي. تنتهي القاضية شواح إلى التعبير عن “رؤية المحكمة” أن الطلاب وأولياء الأمور هم “الجهة الأجدر” بالحماية، وأنه في ظل ما تقدم  يصبح دور قاضي الأمور المستعجلة في حماية الحق بالتعليم أكثر إلحاحاً. لا بل أن دوره يكون في هذه الحالة مرتبطا “بالنظام العام”، لا يعود له أن يمتنع عن تطبيقه.

أخيرا، يؤكد القرار أن صلاحيات قاضي الأمور المستعجلة لإتخاذ إجراءات تحفظ الحقوق وتمنع الضرر يتعلق بالنظام العام. وهو ما يعني أن إختصاص قاضي الأمور المستعجلة لهذه الناحية يستوجب إعماله بمجرد توافر شروطه، و”لا يكون للقاضي أن يمتنع عن اتخاذ التدبير المطلوب متى توافرت شروطه بذريعة وجود دعوى أساس”.

رابعا: تفسير القوانين على ضوء الظروف الاجتماعية

الملاحظة الأخيرة على القرار (وهي لا تقل أهمية عن الملاحظات السابقة) فقوامها أن على القاضي أن يحدد دوره على ضوء التطور الاجتماعي. وهذا ما نستشفه بوضوح من الحيثية الآتية حيث جاء حرفيا أن “الظروف الإقتصادية الدقيقة التي يعاني منها الشعب اللبناني بشكل عام وأولياء الطلبة بشكل خاص … وعدم إتخاذ مصلحة التعليم الخاص أو المجلس التربوي المختص أي قرار نهائي أو مؤقت حتى الساعة بموضوع الزيادة على الأقساط موضوع المنازعة، تحتم تدخل المحكمة الحاضرة حماية لحقوق الأهالي في المدرسة المعترضة، والتي ترى المحكمة أنها أجدر بالحماية في الوضع الراهن من حقوق المعترضة”.

الأهالي واثقون في إستعادة دورهم

في إتصال مع “المفكرة”، لفتت وكيلة الأعضاء المستقيلين المحامية ملاك حمية، إلى أن “قرار القاضية شواح يشكل سابقة لا سيما لجهة قبولها تدخل الأهالي من خارج اللجنة”. المهم، بالنسبة لحمية هنا، هو “أن الأهالي، استطعنا أن نعرض المعطيات التي نملكها، وأن نقنع القضاء ونؤثر في مسار القضية المتعلقة بمصالحنا ومصالح أبنائنا التعليمية”. ويعود هذا الأمر بحسب حمية إلى وجود حراك جدي بالأساس قام به أولياء الأمور في مواجهة أعضاء من تبقى في لجنة الأهل. وتقول حمية في هذا المجال: “أعتقد أن معظم لجان الأهل مجرد مظاهر وهي لا تقوم بدورها بشكل خاص على صعيد الموازنات، وهذا الأمر هو الذي أدى إلى هذه الزيادات العالية على الأقساط”. تضيف أن “الأهل هم ممولو المدرسة الخاصة، لذا هم أصحاب قرار وعليهم أن يتحدوا وأن يختاروا لجان أهل تعبر عن مصالحهم، وعليهم أيضاً أن يتوقفوا على الخوف من إدارات المدارس التي تهددهم بفصل أبنائهم من المدرسة”.

للاطلاع على القرار، اضغط/ي على الرابط ادناه

انشر المقال



متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، لبنان ، حراكات اجتماعية ، الحق في الصحة والتعليم



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني