حكم حظر أنشطة تنظيم الأخوان: خطوة على طريق إنهاء الجماعة ومؤسساتها الاجتماعية والسياسية


2013-09-26    |   

حكم حظر أنشطة تنظيم الأخوان: خطوة على طريق إنهاء الجماعة ومؤسساتها الاجتماعية والسياسية

أصدرت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة يوم الاثنين 23 سبتمبر 2013 حكمها في الدعوى المستعجلة التي أقامها أحد المحامين من أعضاء حزب التجمع اليساري، يطالب فيها بحظر نشاط تنظيم الإخوان في مصر.

أولاً: منطوق الحكم:
قضت المحكمة بحظر أنشطة جمعية الأخوان المسلمين في جمهورية مصر العربية، والجماعة المنبثقة عنها، وأي مؤسسة متفرعة منها أو تابعة لها، أو منشأة بأموالها أو تتلقى منها أيا من أنواع الدعم، وكذا الجمعيات التي تتلقى التبرعات ويكون من بين أعضائها أحد أعضاء الجماعة أو الجمعية أو التنظيم، والتحفظ على جميع أموالها العقارية والسائلة والمنقولة، سواء كانت مملوكة أو مؤجرة لها، وكذا كافة العقارات والمنقولات والأموال المملوكة للأشخاص المنتمين إليها، لإدارتها بما يتفق والغرض من إنشائها وطبقاً لقوانين الدولة المصرية.
وقررت المحكمة في حكمها ضرورة تشكيل لجنة مستقلة من مجلس الوزراء لإدارة الأموال والعقارات والمنقولات المتحفظ عليها مالياً وإدارياً وقانونياً، لحين صدور أحكام قضائية باتة بشأن ما نسب إلى الجماعة وأعضائها من اتهامات جنائية متعلقة بالأمن القومي وتكدير الأمن والسلم العام، مع إضافة المصروفات على عاتق الخزانة العامة.

ثانياً: أسباب الحكم:
قالت المحكمة في تبرير حكمها إن جماعة الأخوان التي أنشأها حسن البنا سنة 1928 وتنظيمها قد اتخذت من الإسلام ستاراً لها، وأهدرت دماء المواطنين عندما وصلت إلى الحكم، وافتقد المواطن أبسط حقوقه وساءت أحواله، ولم ينل إلا التنكيل والاستعلاء، وحاولت السيطرة على مفاصل الدولة، وزادت أحوال المواطنين سوءاً، ما جعلهم يخرجون في ثورة 30 يونيه بسلمية لمواجهة هذا النظام الظالم الذي أعمى عيون الجميع عن الحقيقة، واحتمى الشعب بقواته المسلحة – سيف ودرع الوطن – الذي لا ينفصل عن شعبه في مواجهة النظام الظالم.

ثالثاً: الجماعة محظورة منذ سنة 1948:
جدير بالذكر أن جماعة الأخوان تأسست منذ خمسة وثمانين عاماً في سنة 1928 على يد حسن البنا عقب سقوط الخلافة العثمانية عام 1924. وعلى مدى تاريخها تعرضت للحل والحظر ثلاث مرات. ففي العصر الملكي صدر قرار في 8 ديسمبر 1948 من رئيس الوزراء المصري (النقراشي باشا)، بحل الجماعة، ثم اغتيل بعدها بواسطة أحد أعضاء التنظيم الخاص بالجماعة. وفي العصر الجمهوري صدر قرار مجلس قيادة الثورة بحظر الجماعة في يناير سنة 1954، في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، بعد اتهامها بمحاولة اغتياله في ميدان المنشية بالإسكندرية في العام ذاته. وبعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر سنة 1970، وتولى الرئيس محمد أنور السادات، قام بالإفراج عن أعضاء جماعة الإخوان منذ سنة 1971 وحتى عام 1975[1]. وفي عهد الرئيس السادات رفع الأخوان دعوى قضائية للمطالبة بإلغاء قرار مجلس قيادة الثورة بحل جماعة الإخوان، وظلت الدعوى متداولة أمام محكمة القضاء الإداري، التي أصدرت حكمها في سنة 1992 بعدم قبول الدعوى بسبب عدم وجود قرار إداري بحل الجماعة أو بمنعها من مباشرة نشاطها.

وفي عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك ظلت جماعة الإخوان موجودة من حيث الواقع وتمارس نشاطها رغم وصفها بالجماعة "المحظورة"، وكان لها أعضاء بالبرلمان. وبعد ثورة 25 يناير 2011، خلعت الجماعة عن نفسها وصف المحظورة بعد فوز التيار الإسلامي في انتخابات مجلسي الشعب والشورى وتولى د. محمد مرسى رئاسة الجمهورية. لكن جماعة الإخوان لم تنعم كثيراً بزوال وصف المحظورة عنها، فما لبثت أن استردت هذا الوصف بعد حكم محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بحظر أنشطتها كافة والتحفظ على أموالها، فوصف "المحظورة" جاء هذه المرة بحكم قضائي وليس بقرار إداري.

رابعاً: مدى الحكم وحجيته:
هذا الحكم يطال كل نشاط انبثق عن الجماعة وكل شخص ينتمي إليها. ويقدم الحكم سنداً للسلطات العامة لمنع أي نشاط يتصل بجماعة الإخوان أو الجمعية التي أنشأتها وتم شهرها بين عشية وضحاها بمعرفة وزيرة التضامن الاجتماعي في حكومة الإخوان. من ذلك المظاهرات التي يقوم بها أعضاء الجماعة أو الاعتصامات أو أي عمل يتدثر بعباءة جماعة الإخوان صراحة أو ضمنا.
ومقتضى الحكم اعتبار كل من ينتمي إلى جماعة الإخوان مرتكباً لجريمة الانتماء إلى جماعة محظورة. لكن الصعوبة التي تواجه تنفيذ الحكم في هذا الخصوص هي في كيفية إثبات انتماء المتهم إلى جماعة الإخوان، فقد تبرأ غالبية المقبوض عليهم من قيادات الإخوان بعد ثورة 30 يونيه 2013 من الجماعة ومن عضويتها.

ويتطلب تنفيذ الحكم التحفظ على أموال جماعة وجمعية الإخوان، وكذا الأموال المملوكة للأشخاص المنتمين إليها. وإذا كان من السهل تحديد من ينتمون إلى الجماعة من القيادات العليا، أو فلن يكون ميسوراً حصر المنتمين إليها من القيادات الأدنى وأعضاء الكيانات التي تسيطر عليها أو تساهم فيها الجماعة المحظورة.

كما يترتب على تنفيذ حكم محكمة القاهرة للأمور المستعجلة حظر كل نشاط تمارسه كيانات وأحزاب انبثقت من الجماعة، ومنع الصحف المعبرة عن فكر الجماعة من الصدور، والتحفظ على الجمعيات والمؤسسات المتفرعة عنها أو التابعة لها أو المنشأة بأموالها من مدارس ووحدات إنتاجية أو خدمية وأيلولتها إلى الدولة المصرية عقب صدور حكم محكمة القضاء الإداري في 12 نوفمبر 2013.
وقد بدأ فعلاً تشكيل اللجنة التي طلبت المحكمة تشكيلها من مجلس الوزراء، لحصر أموال الجماعة والتحفظ عليها وإداراتها لحين صدور الأحكام القضائية في الاتهامات الجنائية المنسوبة إلى الجماعة وأعضائها.

والحكم صدر من محكمة القاهرة للأمور المستعجلة في مادة مستعجلة، وهو حكم تحفظي، يجوز الطعن عليه خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدوره عن طريق الاستئناف. لكن الطعن عليه لا يجوز إلا بالنسبة لمن اختصمهم الحكم ، فكانوا أطرافاً في الدعوى المستعجلة، وهم على سبيل الحصر :رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير الداخلية والنائب العام، بالإضافة إلى المدعى في الدعوى. وعلى ذلك لا يجوز الطعن على هذا الحكم إعمالاً لقانون المرافعات من أي شخص لم يكن طرفاً في الدعوى، مثل أعضاء الجماعة أو الجمعية أو الحزب. فليس صحيحاً ما أعلن من جماعة الإخوان أو حزبها بأنها ستطعن على الحكم، لأن طعنها سوف يرفض لرفعه من غير ذي صفة.

ويجوز عمل الاستشكال في التنفيذ من كل ذى مصلحة أمام قاضي التنفيذ المختص، لكن إذا رفض الإشكال في التنفيذ، وجب الاستمرار في تنفيذ الحكم.
ويتحدد الإطار القانوني للحكم باعتباره حكماً صدر من القضاء المستعجل في مادة مستعجلة بحظر النشاط والتحفظ على الأموال. فالحكم لم يقض بحل جماعة أو جمعية الإخوان كما ذكر بعض المعلقين أو الصحفيين، لأن مسألة حل الجماعة أو الجمعية ليست من اختصاص القضاء العادي، لكنها من اختصاص القضاء الإداري، وكذلك حل حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي لجماعة الإخوان يختص به القضاء الإداري، وتوجد دعاوى قضائية مرفوعة أمام مجلس الدولة بهذا الشأن، ينتظر الفصل فيها قبل نهاية العام الجاري.

وإذا افترضنا صدور أحكام من القضاء الإداري بحل جماعة الإخوان وما يرتبط بها أو ينبثق عنها من تنظيمات سياسية، فيكون للدولة أن تلجأ إلى إعلان جماعة الإخوان جماعة إرهابية متطرفة وتطلب من الأمم المتحدة إدراجها ضمن الجماعات الإرهابية، حتى يمكن ملاحقة الهاربين من أعضائها خارج مصر.

ونعتقد أن ما حدث لجماعة الإخوان وجمعيتها يبعث برسالة إلى الجمعيات الأهلية بألا تنجرف إلى الاشتغال بالسياسة وأن تقصر نشاطها على الأغراض التي أنشئت من أجلها وفق ما ينص عليه قانون الجمعيات الأهلية الساري في مصر حتى تاريخه. وقد يكون ذلك مقدمة لتصفية بعض منظمات المجتمع المدني، حيث بدأ الحديث في الأيام الأخيرة عن مخالفات لبعض هذه المنظمات التي وصفت بأنها تمثل الطابور الخامس الذي يسعى إلى إجهاض تنفيذ خارطة المستقبل بمختلف تفاصيلها، وهو الطابور نفسه الذي حصل على تمويل أجنبي في السابق قبل وبعد ثورة 25 يناير 2011 طبقاً لملفات وزيرة التعاون الدولي السابقة فايزة أبو النجا.

خامساً: ردود الأفعال على الحكم:
انقسمت ردود الأفعال إلى مؤيدة ومعارضة للحكم، فالإسلاميون عارضوا الحكم، بينما رحبت به غالبية القوى السياسية الليبرالية واليسارية والقومية.
فحزب التجمع الذي ينتمي إليه رافع الدعوى وصف الحكم بأنه تاريخي وانتصار للديمقراطية، ويؤكد إغلاق صفحة المتاجرة بالدين في مصر لأغراض سياسية وتجارية إلى الأبد. وأكد حزب الوفد أن الحكم يتفق وصحيح القانون، لأن جماعة الإخوان انحرفت عن الهدف والمسار الذي أنشئت من أجله وهو الدعوة، واستخدمت العنف منهجاً لنشر الفوضى في البلاد. واعتبر تحالف القوى الثورية أن هذا الحكم ينهي جماعة الإخوان التي وصفها بأنها باطلة وغير شرعية. وأكد سكرتير عام حزب المصريين الأحرار أن الحكم سيساهم في القضاء على جماعة الإخوان وكل جماعات الإرهاب. وقال رئيس الحزب الاشتراكي أن القرار جاء في وقته تماماً وأن هذا الحكم حكم "تاريخي". وأكد نائب حزب الجبهة الديمقراطية أن هذا الحكم سيساهم في حل حزب الحرية والعدالة بسبب الميليشات العسكرية التابعة له، وأنه قدم للمحكمة مستندات تؤكد امتلاك الحزب لهذه الميليشيات، وأنها ستحكم في جلسة 18 أكتوبر بحل حزب الحرية والعدالة كما حكمت من قبل بحل الحزب الوطني بعد ثورة 25 يناير 2011، وقرر أن حكم محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بحظر أنشطة تنظيم وجمعية الإخوان والتحفظ على ممتلكاتها وأموالها هو بداية للقضاء تماماً على التنظيم الدولي للإخوان في العالم وليس في مصر فقط، وهو ما يؤكد أن مصر تقوم حالياً بالقضاء على الإرهاب.

لكن القوى الإسلامية نددت بالحكم، وقال الدكتور محمد على بشر القيادي بالجماعة، في أول تعليق له على الحكم، أنه صدر من محكمة غير مختصة حيث أنه لم يصدر عن القضاء الإداري، وإنما من محكمة الأمور المستعجلة. والحقيقة أن اختصاص القضاء المستعجل بحظر النشاط لا جدال فيه، فهو يصدر حكماً تحفظياً بحظر النشاط عندما يشير ظاهر الأوراق المقدمة في الدعوى أن هناك خطراً داهماً يحدق بالشعب المصري من جراء نشاط أى منظمة أو جمعية مصرية كانت أو غير مصرية تعمل فى مصر، وهو ما أكده رافع الدعوى في صحيفة دعواه. ووصف عدد من قيادات الإخوان الحكم بأنه سياسي في شكل حكم قضائي وصدر بتاريخ 3 يوليو الماضي وليس يوم 23 سبتمبر، وأنهم لا يعترفون به ومستمرون في مقاومة السلطات الحالية. وقال أحد أعضاء الجماعة الموجود في لندن أنه وفقاً للقانون فإن هذا القرار "الفاشي" بحظر نشاط الجماعة لن يؤثر بأي حال من الأحوال على وجود حزب الحرية والعدالة التابع للجماعة.

وهاجمت حركة "إخوان بلا عنف" حكم محكمة الأمور المستعجلة، ووصفته بالسياسي الذي لا علاقة له مطلقاً بالقانون الذي يعقد الاختصاص لمحاكم مجلس الدولة، وأن اللجنة القانونية للحركة تعتزم الطعن على الحكم وإيقاف تنفيذه. وصرح المستشار أحمد مكي وزير العدل الأسبق[2](2) أن حكم حظر أنشطة الجماعة لا وجود له وأن الجماعة عاشت ثمانين عاماً رغم كل محاولات التضييق عليها. جدير بالذكر أن قاضي التحقيق المنتدب للتحقيق في تزوير انتخابات مجلس الشعب سنة 2005 أصدر قراراً اليوم 24/9/2013 بضبط وإحضار المستشار أحمد مكي والمستشارة نهى الزيني لسماع أقوالهما في موضوع التحقيق.

واعتبرت قوى وأحزاب إسلامية أخرى حكم حظر أنشطة جمعية وجماعة الإخوان المسلمين والتحفظ على أموالها كأنه لم يكن، وأنه لن يؤثر على قوة تنظيم الجماعة وتأثيرها في الشارع، ولن ينهى الأزمة السياسية. ورأي بعضهم أن الجماعة عاشت ستين عاماً منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر محظورة ولم يستطع النظام القضاء عليها، وأن حظر الإخوان لن يقضى عليها لا فكريا ولا تنظيمياً. وأعلن حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان رفضه للحكم وأن الجماعة سوف تطعن عليه.

ولم تقتصر ردود الافعال على النطاق الوطني، بل امتدت الى المستوى العالمي، حيث صرحت المتحدثة باسم الخارجية الامريكية بأن المسؤلين الامريكيين يسعون للحصول على مزيد من التفاصيل بشأن الحكم.

وانتظاراً لأحكام القضاء الإداري في دعاوى حل جمعية وجماعة الإخوان وحزبها السياسي، يثور التساؤل عن تأثير الحكم في الواقع المصري، هل سيؤدي إلى مزيد من أعمال العنف والارهاب من جانب أعضاء جماعة الإخوان أو من تحالفوا معهم فى الماضى كما يتوقع بعض المحللين، أم أن تجفيف منابع التمويل والقبض على القيادات من شأنه أن يؤدي إلى هدوء الجماعة والمتحالفين معها حتى تهدأ العاصفة؟ هذا ما سوف تجيب عنه الأيام القليلة القادمة.
 



[1]وقد تم اغتيال السادات يوم 6 أكتوبر 1981 بمعرفة أشخاص ينتمون للجماعة الإسلامية المنبثقة عن جماعة الإخوان.
 
[2]وهو من المقربين من التيار الإسلامي.
انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، مصر ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني