جريمة أوبر في بيروت: المتهم لا يذكر شيئاً ووالد الضحية مناهض للإعدام


2019-01-29    |   

جريمة أوبر في بيروت: المتهم لا يذكر شيئاً ووالد الضحية مناهض للإعدام

بعد نحو عام على جريمة قتل البريطانية ريبيكا دايكس في لبنان، بدأت المحاكمة الفعلية في هذه القضية أمام محكمة جنايات بعبدا برئاسة القاضي محمد بدران، الذي استمع بتاريخ 24/1/2019 إلى المتهم بقتلها طارق حوشية ثم تم إرجاء الدعوى إلى تاريخ 21/3/2019 وذلك من أجل استدعاء شهود الحق العام. وللتذكير، فإن هذه القضية تعود إلى تاريخ 16/12/2017 حيث عثر على ريبيكا دايكس (30 عاما) جثة مرمية على طريق المتن السريع. وبالكشف على جثتها، تبين أنها تعرضت للاغتصاب ومن ثم تمّ خنقها حتى الموت. وبسرعة قياسية، تمكنت شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي بتاريخ 18/12/2017 من إلقاء القبض على المتهم. وقد تبين أن دايكس هي من الجنسية البريطانية وتعمل كمديرة برامج لدى هيئة التنمية الدولية في السفارة البريطانية منذ كانون الثاني 2017 في بيروت، فيما تركزت الشبهات على المتهم وهو سائق تاكسي لبناني يعمل مع شركة أوبر ويدعى طارق حوشية.

وبحسب الرواية التي جرى تناقلها عبر وسائل الإعلام، فإن حوشية كان أقلّ دايكس من محلة الجميزة ليل الجمعة 15/1/2017 حيث كان تسهر في حانة (pub) تدعى demo مع مجموعة من أصدقائها، وانتقل بها من الأشرفية إلى أوتوستراد المتن السريع حيث قام باغتصابها ومن ثم رمى جثتها بعدما لفّ حبلاً حول عنقها. وقد تمكنت شعبة المعلومات من أن تلاحق سيارة المتهم الذي اعترف بجريمته، من خلال كاميرات مراقبة مثبتة من قبل وحدة غرفة “التحكم المروري” بين منطقة الأشرفية ونهر الموت.

ومنذ اللحظة الأولى لوقوع الجريمة ومعرفة هوية الضحية، تم استبعاد أن تكون الجريمة سياسية وجرى التشديد على أنها جنائية بحتة علماً أن دايكس حائزة على درجة الماجستير في الأمن الدولي والحوكمة العالمية من كلية بيركبيك في جامعة لندن. وكانت قبل تولي منصبها في بيروت، تعمل مع وزارة الخارجية البريطانية كمديرة للسياسات ضمن فريقها في ليبيا، وعملت كمحلل أبحاث في العراق. فيما تبين أن المتهم قد سبق توقيفه عدة مرات بتهمة تعاطي المخدرات، علماً أن شركة أوبر قد صرحت حينها في بيان أنه “يجب على جميع السائقين الراغبين في استخدام أوبر في لبنان توفير المستندات الحكومية اللازمة وسجلا عدليا خاليا من أية أحكام قبل التمكن من استخدام تطبيقنا للقيادة”.

ملاحظات على هامش الجلسة

قرابة الساعة العاشرة صباحاً، حضرت إلى محكمة الجنايات في بعبدا عائلة الضحية المؤلفة من والدتها “جاين” التي جاءت خصيصاً من هونغ كونغ لمتابعة مجريات الدعوى، ترافقها شقيقتها أي خالة الضحية وصديق العائلة، فضلاً عن وكيلة الوالدة المحامية بريجيت شالبيان، فيما غاب والدها فيليب دايكس الذي اتخذ صفة الادعاء الشخصي في هذه القضية وحضر عنه وكيله المحامي أنطوان أبو ديب.

أمام قاعة المحكمة وقفت الوالدة بردائها الأسود وعلامات التعب والإرهاق بادية عليها. عبثاً حاولت إخفاء دموعها المنهمرة بنظارات سوداء. أما خالتها فكانت علامات الغضب بادية عليها تتلفت يمنة ويسرة بنظرات حادة تصيب بها كل من ترمقه وكأن جميع من في المحكمة مسؤول عما حصل لابنة شقيقتها. وقد حاولنا التحدث إلى صديق العائلة السيد “فيليب” (يحمل نفس إسم الوالد) لكنه رفض واكتفى بالقول “إن وسائل الإعلام تعاطت مع القضية بطريقة قاسية جداً لذلك لا يمكن التحدث إلى أحد”.

وبالحديث مع وكيل الوالد المحامي أنطوان أبو ديب، قال أنه “كان حاضراً لدى الاستماع لإفادته لدى قاضي التحقيق الأولي”، وأن”المتهم سرد ما حصل معه بالتفصيل دون أي تأثر حتى”، وقال: “إن للمتهم سوابق في تعاطي المخدرات ولكن وبحسب التحقيقات فإنه يوم وقوع الحادثة لم يكن تحت تأثير المخدر. وقد قام بخنق ريبيكا واستمرت العملية نحو ثلاث دقائق”. وعن مطالب أهل الضحية، أجاب أبو ديب: “أن والدها محامٍ وهو ضد عقوبة الإعدام لكنه يطالب بتعويض عن مقتل ابنته. لكن بطبيعة الحال نحن طالبنا بالإدانة وفقا لنصوص تتعلق بالإغتصاب وأخرى بالقتل الذي تصل العقوبة فيها للإعدام ولكن القرار يعود إلى المحكمة في ذلك”.

ولفت أبو ديب إلى أن”والد الضحية سيكون حاضراً في جلسة المرافعة”، مشيراً إلى أن “الجلسة قد تكون سرية لأنها تحوي جريمة تمس بالآداب العامة”.

قرابة الساعة الثانية عشرة، وصلت محامية السفارة البريطانية في لبنان تاتيانا حمية ومعها ممثل عن السفارة، وقد استحصلت على إذن خاص بحضور الجلسة إذا ما تقرر جعلها سرية”. ثم بدأ جلسات القاضي بدران وقد استبقى قضية دايكس إلى آخر جلسة، علماً أنها كانت موضوعة على الرقم 12 وفقاً للجدول الذي يعلق عند باب المحكمة.

أحضر المتهم طارق حوشية محاطاً بالعناصر الأمنية ومكبلاً بالأصفاد وتم وضعه على المقعد بانتظار دوره. وطارق هو من مواليد 1988 طويل الشعر نسبياً يرخي لحية بسيطة، وكان يرتدي ملابس رياضية survêtment رمادية اللون، يبدو على ملامحه الهدوء التام، يرخي بظهره إلى الأسفل وينظر إلى الأمام مباشرة، حتى أنه لا يكلف نفسه بالنظر إلى وكيله المحامي أنطوان نعمة الذي وصل قرابة الساعة الواحدة والنصف إلى قاعة المحكمة.

قرابة الساعة الثانية والنصف، انتهت الجلسات فيما خلا قضية “دايكس”. القاعة باتت فارغة ومع ذلك أعلن القاضي بدران بأنه سيجعل الجلسة علنية ولكن هيئة المحكمة ستأخذ استراحة لمدة خمس دقائق. وفي هذا الوقت، طلب من وكيل المتهم التوجّه معه إلى مكتبه لإبراز نسخة عن وكالته. وللعلم، فإنه تم توكيل المحامي نعمة من قبل نقابة المحامين في بيروت.

بخطواتٍ بطيئة جداً، توجه المحامي نعمة باتجاه مكتب القاضي بدران ليتبين أنه نسي إحضار نسخة عن وكالته فتقرر الانتظار ريثما تصل نسخة عنها. وهنا عملت جهة الإدعاء على تأمين نسخة إلكترونية عنها حتى لا يصار إلى التأجيل الأمر الذي استدعى المزيد من الانتظار المضني، لاسيما بالنسبة لوالدة الضحية.

كانت “جاين” تنظر إلى قاتل ابنتها طوال الوقت بحنق كبير، تحاول إزاحة النظارات عن عينيها فتخونها الدموع وتدفعها لإعادتها. تتسلل إلى الجهة المقابلة وتمسك بهاتفها من ثم تبادر إلى إلتقاط الصور للمتهم فيقترب منها رجل الأمن وينبهها بأن هذا الأمر ممنوع ويجبرها على مسح جميع الصور. تعتذر فيما تجعل من عينيها اللتين ضاعت زرقتها بين الدموع والاحمرار، إلى كاميرا تحاول من خلالها حفظ ملامحه في ذاكرتها ثم تقول وقد اختنق صوتها :”أنا لا أصدق أنني أجلس على بضع خطوات من قاتل ابنتي”.

استجواب القاضي

ثم بدأ استجواب حوشية بعدما ذكر أنه من مواليد العام 1988 ومتزوج ولديه ولدان، وظل محافظاً على هدوئه. بل بدا غير مكترث بمصيرٍ رسمه بنفسه. أقر بواقعة اغتصاب الفتاة،  ثم روى ما حصل باختصار مؤيداً إفادته السابقة مع الجهات التي قامت بالتحقيق معه ولكنه وبالهدوء نفسه علّق قائلاً “كنت تحت تأثير المخدرات ولم أكن واعيا”. وبسؤال القاضي له إن كان قد تعرض لأي تعذيب أثناء التحقيق معه، أجاب: “لقد تعرضت للتعذيب لدى التحقيق معي لدى شعبة المعلومات وعصبوا لي عيناي، ولم أتعرض للتعذيب لدى قاضي التحقيق”.

فسأله القاضي بدران لماذا لم يشتكِ لدى قاضي التحقيق بأنه تعرض للتعذيب، فرد بأنه أخبر القاضي بهذا الأمر. لكنه لم يتم تدوين ذلك. فسأله عندئذ القاضي:”هل ضربوك لتتحدث بالحقيقة أو لتكذب؟”.فرد: “أنا أدليت بالحقيقة”.

وتعليقاً على كونه كان تحت تأثير المخدرات، ذكّر القاضي المتهم أنه أجري له بتاريخ 18/12/2017 أي بعد أقل من 48 ساعة على ارتكاب الجريمة فحص مخدرات لكنه كان سلبيا. فعلق على الموضوع قائلاً أنه”يتعاطى مادة لا تظهر من خلال الفحص”. فرد عليه القاضي باستغراب شديد:”شو هالمادة العجيبة هيدي؟”.

وسأله القاضي عن نسبة الوعي في تلك الليلة فأجاب أنها كانت “1 أو 2 على عشرة”.

ومجدداً أبدى القاضي استغرابه قائلاً: “قمت بالاستجابة إلى “اوبر”، ثم عمدت إلى التخلص من الجثة وتسليم السيارة بعد تنظيفها وكل هذه الامور تدل على وعي كامل، وهذه المعطيات المادية تناقض ما تقوله فكيف تفسر ذلك؟”. فردّ قائلاً:”لا جواب لدي”.

ثم عاد القاضي وسأله كيف قتل الضحية، فأجاب بأنه لا يذكر سوى أنه أقدم على قتلها خنقاً. فسأله عن السبب فرد: “لا أعرف ربما السبب المخدرات”. ونفى معرفته السابقة بها، ورداً على سؤال:”لماذا أقدمت على اغتصابها؟”.أجاب:”لا أعرف”. وسُئل إن حاول الهروب بعد اغتصابها فأجاب:”ربما”.

ثم عرضت عليه السترة التي كان يرتديها وقت ارتكاب الجريمة وهي تفتقر إلى حبل وسئل إذا كان استخدمه في جريمة القتل فرد بعد تفكير مطول: “أنا سحبته واستخدمته في القتل”.

ثم عرضت عليه صورة الضحية وعلى عنقها الشريط. وسُئل إن كان هو نفسه الذي استخدمه لقتلها، فكان الجواب:”نعم”. كما عرضت عليه السيارة التي كان يقودها يوم ارتكاب الجريمة وذكر القاضي أنه تلقى اتصالا من المكتب بسبب تأخره عن تسليم السيارة وأجاب المكتب أنه كان يقل رجلاً مخموراً. فرد المتهم:”لم أعد أذكر”. فسأله القاضي:”متى استعدت وعيك؟”. فأجاب:”في اليوم التالي عند الساعة 7.30 صباحاً خرجت من تأثير المخدرات، وتوجهت إلى المكتب”. وبحسب التحقيقات لم تكن تبدو عليه أي علامات ارتباك.

المتهم لا يذكر شيئاً عن جريمته

ووجه وكيل جهة الإدعاء المحامي أنطوان أبو ديب مجموعة أسئلة تتعلق بحالة الضحية أثناء ارتكاب الجريمة. ولكن أجوبة المتهم كانت سلبية حيث قال أنه لا يذكر شيئا. وسأل أبو ديب:”هل تتذكر إن كانت قد قاومتك والمدة؟” فأجاب بالنفي. وسأله: “كيف كان وضع الضحية عندما صعدت في السيارة؟” فأجاب: “طبيعية لكن سبق أن تعاطت الخمر”. وسأله: “لماذا استمريت في خنقها وهي تتعذب ثلاث دقائق؟”. فأجاب: “كنت خارج قواي العقلية”. فسأله:”هل كانت تتألم؟”. فرد عليه: “لم أعد أذكر”.

أما وكيل المتهم المحامي أنطوان نعمة فقد حاول التركيز في أسئلته على موضوع وقوع موكله تحت تأثير المخدرات أثناء ارتكاب فعلته. بداية، طلب من القاضي أن يسأل إن كانت الفتاة قد أعجبته فرد بأنه لم يعد يذكرها. ثم سأله عن تعاطي مادة مخدرة من نوع silva وإن كان قد تعاطاها قبل تلقيه اتصال الضحية أو بعده، فرد:”قبل الجريمة بربع ساعة”.فسأله عن الكمية التي قام بتعاطيها فأجاب: “سيجارتين متتاليتين”.

عندها، سأله عن الكمية التي يتعاطاها عادة والكمية التي تعاطاها يوم الجريمة فأجاب: “عشرين سيجارة ولم أعد أذكر الكمية التي تعاطيتها في ذلك النهار”.

ثم انتقل إلى سؤاله عن أداة الجريمة فسأله عن طول الشريط المستخدم في عملية القتل فأجاب بأنه لم يعد يذكر. وسأله “لماذا فكر أن الحبل قادر أن يخنقها دون أن ينقطع قبل ذلك؟”. فرد:”ربما هذا ما وقع”.

فسأله إن كان يذكر أنها قاومته وإن قام بصفعها لذلك، فأجاب بأنه لا يذكر. كما سأله: “على أي أساس جاء قرار التخلص من الجثة؟”. فأجاب: “اتخذت القرار دون وعي”. وفي مكان آخر قال: “لدى التحقيق في فرع المعلومات، كانوا يضربونني لأدون كل المعطيات”.

السؤال الأخير الذي توجه به المحامي إلى المتهم هو إن كان قد سبق له أن تعامل مع أجانب. لكن القاضي بدران قاطعه معتبراً أن”السؤال لا علاقة له بالدعوى”، لكن الوكيل أصرّ على تدوين السؤال فقام القاضي بتدوينه دون أن يسمح له بسماع إجابة المتهم.

انتهى الاستجواب فقرر وكيل الجهة المدعية الاستمهال للمرافعة، ولكن المحكمة أشارت إلى أنه سيتم دعوة شهود الحق العام قبل المرافعة. وطلب وكيل المتهم إجراء كشفا طبيا لموكله، فرد عليه القاضي بأن يتقدم بطلب خطي بذلك ثم رفعت الجلسة إلى تاريخ 21/3/2019.

قضية على نسق أفلام جيمس بوند

وبعد انتهاء الجلسة، كان لنا حديث مع وكيل المتهم المحامي أنطوان نعمة الذي لم يتردد بالإفصاح عن نظريته في هذه القضية. وقال:”إنها مثل أفلام 007 وهذا الملف فيه مغزى ولكن ربما يعجز القضاء عن المواجهة”.

وعن انتظار وصول نسخة عن وكالته قال: “أنا موكل من قبل النقابة وقد تعهدت بإبراز الوكالة في اليوم التالي ولكن القاضي أصرّ على الاتصال بالنقابة التي أرسلت نسخة الكترونية عنها. من هنا طلبت إليه في بداية الجلسة ان يضبط هذه الواقعة بالمحضر لأنها إهانة للمحاماة وليست إهانة لي أنا، فالمحامي عندما يقول “أتعهد”، فإن كلمته تفرق بين الحق والباطل”.

واستطرد قائلاً:”والدة الفتاة كانت حاضرة في الداخل وهي نسخة عنها وهي امرأة جميلة من هنا سألته إن كان لديه سابق عامل مع الأجانب ورغم أن القاضي لم يقبل بالسؤال طلبت تدوينه لأنه يمنحني سبباً للتمييز”.

أما عن نظريته فيما خص هذه القضية، فأدلى المحامي نعمة بمجموعة من الفرضيات يستدل منها على براءة موكله، ونحن نتحفظ عن ذكرها لكونها لم تثر بعد في المحاكمة وبانتظار الاجراءات المستقبلية فيها.

انشر المقال

متوفر من خلال:

محاكمة عادلة وتعذيب ، لبنان ، مقالات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني