تيار اجتهادي لتعزيز “حرية العمل” في لبنان؟


2015-01-13    |   

تيار اجتهادي لتعزيز “حرية العمل” في لبنان؟

في عددها الرابع المنشور في كانون الثاني 2012، نشرت “المفكرة” مقالة للكاتبة يمنى مخلوف بعنوان: “في موازاة الخطاب العام عن الأجور وتعطيل مجلس العمل التحكيمي، قاضي الأمور المستعجلة يتدخل لحماية حرية العمل“. وموضوع المقالة هو التعليق على الحكم الصادر عن قاضي الأمور المستعجلة في بيروت جاد معلوف في 20-1-2012 والذي وصفت الكاتبة حيثياته بـ”انقلاب حقيقي أساسي في النظرة للأجير وبشكل أعم للمواطن”. وقد ذكرت كاتبة المقالة أن القرار شكّل نموذجاً مميزاً لكيفية تفسير النصوص وتطويرها على ضوء المبادئ العامة وعلى ضوء المواثيق الدولية، في اتجاه التشدّد في تقييم صحّة البنود المانعة للأجراء من القيام بأعمال منافسة لأصحاب عملهم السابقين. ففيما كانت المحاكم قد أوجبت من قبل تحديد فترة زمنية ومنطقة جغرافية داخل لبنان للقول بصحة بنود مماثلة، أدخل القاضي معلوف في قراره المذكور شروطاً جديدة، منها أن يكون البند ضرورياً ومبرراً وأن يكون مقابل بدل مالي. وقد توصل القاضي الى قراره بعد إعلان مجموعة من الحقوق الأساسية، أبرزها “الحق في إنشاء علاقات العمل” و”حرية اختيار العمل بشروط عادلة ومرضية” و”الحق بالحياة الخاصة”، وأخيراً وليس آخراً “حق الحماية من البطالة”. وقد تساءلت الكاتبة آنذاك إذا كان هذا الحكم (الانقلاب) سوف يبقى “منعزلاً في المشهد الاجتهادي اللبناني أو أنه يمهّد لقرارات عديدة تجعل من القضاء اللبناني مرصداً لتكريس الحقوق والحريات الأساسية للمواطن، والى حد ما نظيراً للقضاء الفرنسي الذي هز قانون العمل في فرنسا بسلسلة قرارات في العام 2002، تم الاستشهاد بها في متن القرار موضوع تعليقنا، والتي وصفها الفقه الفرنسي بالتسونامي الحقيقي”.

أول جواب إيجابي على هذا التساؤل جاء، وفق ما رصدته المفكرة القانونية، من قاضي الأمور المستعجلة في المتن أنطوان طعمة، وذلك بموجب حكم مؤرخ في 23-10-2014 أي بعد ما يقارب سنتين وتسعة أشهر. ففي قضية رفعتها شركة ضد أجير سابق ترك العمل لديها للعمل في شركة منافسة لها سنداً لبند منع منافسة، رأى القاضي طعمة أن البند يشوبه نزاع جدي حول صحته، ليس فقط لأنه لا يتضمن أي تحديد جغرافي داخل لبنان للمنع من المنافسة أو لأنه لم ينص على مدة معقولة (وهذه مواقف باتت مستقرة لدى القضاء اللبناني)، بل أيضاً لأنه لم يقابله أي بدل مالي. وقد بدا التماهي بين الحكمين واضحاً من خلال استناد القاضي طعمه مرتين متتاليتين الى حكم معلوف في اتجاه وضع لائحة الشروط الضرورية للقول بصحة بنود مماثلة. واللافت أيضاً تضمين الحكم حيثية مفادها تحميل أصحاب العمل مخاطر صياغة بنود غير مطابقة للشروط. فلا يمكن لهؤلاء “توقيع اتفاقيات عدم منافسة غير محدودة في الزمان أو المكان وأن يستنظروا في مقابل ذلك قيام المحكمة بتفسير أو إعادة صياغة بند عدم المنافسة بما يشكل منعاً معقولاً أو مقبولاً في المنطق لجهة مكان أو زمان المنع، الأمر الذي يعدل من المخاطر التي وقف عليها الطرفان الموقعان على الاتفاقية وقبلا بها، ويزيد مخاطر قبول المستخدم ببنود غير مقبولة مطلقاً”.

حكم محكمة المتن هام ليس فقط في مضمونه، بل أيضاً لأنه يعكس تواصلاً في أعمال القضاة من شأنه أن يؤدي الى تكوين توجهات أو تيارات اجتهادية يؤمل منها أن تصنع واقعاً مختلفاً.

نشر هذا المقال في العدد | 24 |كانون الثاني /يناير/  2015 ، من مجلة المفكرة القانونية | لبنان |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه:

حق المعرفة لألشخاص المٌتبنّين

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، عمل ونقابات ، المرصد القضائي ، قرارات قضائية ، مجلة لبنان ، لبنان ، حقوق العمال والنقابات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني