تقاذف المسؤوليات بخصوص منح إذن ملاحقة صليبا: “ابعدوا عنا كأس الحصانات”


2021-07-17    |   

تقاذف المسؤوليات بخصوص منح إذن ملاحقة صليبا: “ابعدوا عنا كأس الحصانات”

سلكتْ مجمل طلبات المحقق العدلي في جريمة تفجير المرفأ القاضي طارق البيطار فيما خص رفع الحصانات ومنح أذونات الملاحقة مسارها القانوني إلى المراجع المختصّة. إلّا أنّ طلبًا واحدًا أثار مساره لغطًا قانونيًا عن المرجع المختص بمنح إذن الملاحقة، وهو الطلب المتعلّق بمدير عامّ أمن الدولة اللواء طوني صليبا. وقد برز هذا اللغط من معطيات عدة تناقلتها الصحف من دون أن يصدر أي تأكيد رسمي عنها. وقد ذهبت هذه المعطيات إلى أنّ كلا من رئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة حسان دياب يتقاذفان صلاحية منح الإذن في مسعى منهما لإبعاد كرة النار عنهما وأن ثمة اتجاها إلى اعتبار أن الجهة الصالحة لإعطاء الإذن هي المجلس الأعلى للدفاع الذي يضم إليهما وزراء آخرين هم وزراء الدفاع والخارجية (زينة عكر)، والداخلية (محمد فهمي) والمالية (غازي وزني) وراوول نعمة (الاقتصاد). ومن البيّن أن الذهاب في هذا المنحى إنما يهدف بالدرجة الأولى إلى تمييع المسؤولية من خلال نقلها من شخص واحد إلى مجلس مكون من أشخاص عدة.    

ومنعا لاستمرار اللغط والهروب من المسؤوليّة، يهمنا توضيح الأمور الآتية: 

لكلا من الرئيسين صلاحية إعطاء الإذن بداهةً 

بحسب قانون الدفاع الوطني، تخضع المديرية العامة لأمن الدولة لسلطة المجلس الأعلى للدفاع وتتبع لرئيس المجلس ونائبه، وهما على التوالي رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء. ومجرّد قراءة هذا النص يعني أنّ لكلا منهما من حيث المبدأ صلاحية إعطاء الإذن بالملاحقة، طالما أنّ المديرية العامة لأمن الدولة تتبع لكلّ منهما. ولو كان الأمر خلاف ذلك لوصلنا إلى نتيجة عبثية قوامها أن يقف المرجع المتبوع والذي يتحمل مبدئيا مسؤولية من يتبعه موقف العاجز عن ملاحقة المخالفات المرتكبة من قبل هذا الأخير، ولأصبح تاليا اتباعهما القانوني للرئيسين قولا مجردا من أي معنى. 

وما يعزّز هذه القراءة هو أنّ الحصانة هي استثناء على القاعدة القانونية التي تضمن مبدئيّا ملاحقة أيّ مشتبهٍ به أيّا كان من دون تمييز، وأنّ الاستثناءات في القانون تطبّق في معْناها الضيّق والحصري وفق اجتهاد ثابت وراسخ للقضاء اللبناني (قرار القاضية المنفردة الجزائية في بيروت لارا عبد الصمد برد الدفوع الشكلية التي تقدّم بها رياض سلامة، قرار قاضي التحقيق في جبل لبنان زياد مكنّا برد ذرائع رياض سلامة بتمتّعه بالحصانة). وهذا الأمر إنما يعني أنه في حال وجود أي شكّ حول المرجع الصالح لإعطاء الإذن، فإنه يجدر اعتماد التفسير الذي يكون الأكثر ملاءمة لتسهيل إجراءات منح الإذن، بما يتلاقى مع منح الصلاحية بذلك لكلا الرئيسين. أما أن يقال أن الإذن لا يكون صحيحا إلا بتوقيع كلا الرئيسين حسبما ألمح إليه بعض الخبراء فهو يؤدي إلى العكس من ذلك أي إلى تصعيب إجراءات الإذن وليس تسهيلها. الأمر نفسه في حال القول أن منح إذن الملاحقة يعود للمجلس بأكمله (عن عرض هذه الآراء، مقابلة مع حاتم ماضي، نهاركم سعيد، قناة ال بي سي 12 تموز).  

إنكار الصلاحية هروبا من تحمل تبعاتها

في حين أنّ الصّراع على “الصّلاحيات” يشكل أمراً مألوفاً ضمن لعبة تقاسم السلطة، من اللافت أن نشهد في هذه القضية اتّجاهاً معاكساً تماماً أي في اتّجاه التدافع إلى إنكارها. ومن شأن هذا الأمر أن يعكس بوضوح كلي حال الترهّب من النقمة الشعبية التي قد تتأتّى من رفض إعطاء الإذن. فكأنّما ثمّة مسعى من كلا رئيسي الجمهورية والحكومة لإبعاد الكأس المرّة عنهما من خلال تمييع المسؤولية وتحويلها إلى مسؤولية جماعية للمجلس الأعلى للدفاع، وربما تتخذ القرارات من الوزراء من دون مشاركتهما حتى في التصويت بسبب أو آخر. 

وعليه، ينتظر أن يتخذ أي من الرئيسين قراره بشأن طلب المحقق العدلي بإعطائه الإذن لملاحقة اللواء صليبا، خلال 15 يوما من تبلّغهما طلب المحقق العدلي الحاصل في 2 تموز 2021، وهي تنتهي اليوم وتمدّد بفعل عطلة نهاية الأسبوع إلى الإثنين القادم. في حال انقضاء المهلة من دون اتخاذ أي قرار ببتّ الطلب من أي من هذين الرئيسين، فإن ذلك سيكون بمثابة موافقة ضمنية على ملاحقة صليبا سندا للمادة 61 من نظام الموظفين.

 

فلنتابع… 

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، أجهزة أمنية ، البرلمان ، أحزاب سياسية ، قرارات قضائية ، استقلال القضاء ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، مجزرة المرفأ



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني