تعديل قانون مكافحة تبييض الأموال: أين قرينة البرائة؟


2015-12-03    |   

تعديل قانون مكافحة تبييض الأموال: أين قرينة البرائة؟

في 13-11-2015، أقرّ مجلس النواب مشروع القانون[1] الرامي الى تعديل القانون رقم 318/2001 المتعلّق بمكافحة تبييض الأموال. ويأتي هذا التعديل في إطار تطبيق الاتفاقيات المتعلقة بمكافحة الارهاب وانصياع لبنان للتوصيات الصادرة عن مجموعة GAFI، وهي مجموعة مؤلفة من دول عدّة ومنظمات دولية تعمل بهدف تطوير استراتيجيات ضدّ تبييض الأموال، ومراقبة المنظومة المالية العالمية. وتجدر الإشارة إلى أن هذه المجموعة “ليست منظمة دولية دائمة وهي لا ترتبط بشرعة دولية ذات طابع الزامي”[2]. الا أنها ومن خلال توجيهاتها تفرض تجريم تبييض الأموال وتعاقب الدول غير المنصاعة لها.

أقر تعديل قانون مكافحة تبييض الأموال الى جانب مشاريع القوانين المالية لتبادل المعلومات الضريبية ومشروع التصريح عن نقل الأموال عبر الحدود، واتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بتجفيف مصادر تمويل الإرهاب.
واعتبرت جمعية المصارف اللبنانية في البيان الذي تلا ذلك[3] أن هذه التشريعات خطوة إيجابية لتشكيل “إطار قانوني صلب لتعاون(لبنان) مع المجتمع الدولي في مكافحة الارهاب والجرائم المالية”.

وأوضحت الجمعية أن هذه الاقرار أتى نتيجة جهود حاكم مصرف لبنان الحثيثة كما الجمعية. وأبدت “ارتياحها الكبير للتوافق السياسي الذي تمّ حول عقد الجلسة التشريعية الأخيرة، والذي كان من ثماره إقرار (هذه المشاريع)” كما جددت “ارتياحها لأن تكون الملفّات المالية والمصرفية قد شكّلت موضع التقاء وتوافق بين الأفرقاء السياسيّين كافة”.

ويُعطي ذلك مؤشرات بالغة الأهمية، عن الدور الذي تلعبه هذه الجهات (أي المالية والمصرفية في شقّيها الداخلي والخارجي) وأولوياّتها في تحديد الحيّز العام في لبنان ومسار التشريع، مع التسليم بالطابع العام لهذه الأولويات، خصوصاً أن ضرورة إقرار هذه القوانين بعد الضغوط الدولية وحفلة التهويل الداخلية من عزل “لبنان”(في اختصار بليغ) عن النظام المصرفي العالمي، اعتبرت بمثابة ال”افتح يا سمسم” وكلمة سرّ الدورة التشريعية الحالية. وتظهر قوّة هذا الضغط خصوصاً بالنظر الى تأزّم نظام الحكم في لبنان والانقسامات الشديدة التي أدت إلى شلّ جميع مؤسّساته مما يجعل التوصلّ الى “التقاء وتوافق سياسي بين جميع الأفرقاء” على هذه التشريعات ذات دلالات مهمّة.

كما يعكس ذلك تطوّر مفهوم السيادة الوطنية مع اتساع السلطة التنظيمية للهيئات الدولية ومنها الخاصةوانحلال الحدود الواضحة بين الداخل والخارج، خصوصاً في ما خص التجريم والملاحقة الجزائية في ظل الطابع العالمي الذي تكتسبه “الجريمة” اليوم.

وكان تعديل القانون رقم 318/2001 أقرّ توسّعاً في تعريف جريمة تبييض الأموال، بحيث فأضيفت[4] جرائم عدّة على الجرائم التي تنتج عن ارتكابها الأموال “غير المشروعة”[5]. ويلحظ أن هذا التوسّع شمل جرائم لا تصل عقوبتها الى أربع سنوات كالحض على الفجور[6]، الأمر الذي يخالف اتفاقية الأمم المتّحدة )باليرمو(لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية[7]، والتي اعتمدت معيار الجريمة الخطيرة التي تعرف بالجريمة التي يعاقب عليها على الأقل أربع سنوات.

الاّ أن التعديلات الأبرز التي طالها القانون تمثلت في توسيع صلاحيات هيئة التحقيق الخاصة، وتوسيع دائرة الملزمين بالتعاون مع الهيئة لا سيما بالنظر إلى خصوصية وضع المحامي.

1.    اتساع صلاحيات هيئة التحقيق الخاصة

فضلاً عن ذلك، توسّع التعديل القانوني في الصلاحيات المناطة ب”هيئة التحقيق الخاصة”. ويعيد ذلك الى الواجهة طبيعة الهيئة ومدى اتساع سلطتها وصلاحياتها، وخطورة انعدام وجود أية ضوابط واضحة لعملها.

توسّع صلاحيات الهيئة وطبيعة التدابير التي لها اتخاذها

أنشئت في ظل القانون 318/2001 هيئة[8] مستقلة لدى مصرف لبنان، ذات طابع قضائي، تتمتع بالشخصية المعنوية، تتألف من حاكم مصرف لبنان رئيساً لها، ورئيس لجنة الرقابة على المصارف، والقاضي المعين في الهيئة المصرفية العليا (وهو حاليا النائب العام التمييزي سمير حمود)، وعضو يعينه مجلس الوزراء بناء على إنهاء حاكم مصرف لبنان.

وإن كانت الهيئة تُسمى “هيئة التحقيق الخاصة”، إلا أن هذه التسمية لا تعبر بشكل وافٍ عن طبيعة الصلاحيات المناطة بها، بما تخللها من توسع في العقد الأخير.

فقد تمّ توسيع تعريف مهمّتها[9] ليصبح إلى جانب تلقي المعلومات وإجراء التحقيقات، الرقابة على المعنيين بالتقيد بموجبات القانون أي كل الجهات الملزمة بموجب الإبلاغ[10] عن عمليات مشبوهة، “باستثناء المحامين والمحاسبين المجازين وكتاب العدل”. كما منحت حق “اصدار النصوص التنظيمية المتعلقة بتطبيق القانون” بالنسبة لكل من أضيف كجهة ملزمة بالتقيد بأحكامه (نوادي القمار والمحاسبين المجازين، وكتاب العدل، والمحامين) و”إصدار التوصيات” لكافة الجهات المعنية. كما لها “توجيه تنبيه” إلى الجهات التي تخالف النصوص التنظيمية، و”طلب تقارير منتظمة عن التدابير التي تتخذها تصحيحاً لأوضاعها”.

أما بالنسبة للقرارات التي لها سلطة اتخاذها، فكان لها في ظل القانون 318/2001 وإثر تلقي المعلومات عن عمليات مشبوهة وبعد التدقيق بها، أن تتخذ قراراً مؤقتاً بتجميد الحساب أو الحسابات لمدة 5 أيام قابلة للتجديد مرة واحدة، وعند انتهائها قراراً نهائياً إما بتحرير الحساب وإما برفع السرية المصرفية عـن الحساب أو الحسابات المشتبه بها ومواصلة تجميدها. وبموجب التعديل، تمّ تمديد مهلة التجميد المؤقت “الاحترازي” للحساب الى “مدّة أقصاها سنة قابلة للتمديد لستة أشهر اضافية ولمرة واحدة” في ما خص الطلبات الواردة من الخارج، و”ستة أشهر قابلة للتمديد لثلاثة أشهر اضافية ولمرة واحدة” في ما خص الطلبات الواردة من الداخل[11]. وهذا التمييز في تحديد مدة التدبير الاحترازي وفق مصدر الطلب مُستغرب، إلاّ إذا كان المقصود منه مراعاة تعقيدات وصعوبات التحقيق كلما اتسع نطاق الجرم جغرافياً. وتجدر الإشارة إلى أن اختيار مفرد “الخارج” واسع جداً، لا يتضمن أي تحديد لكون الجهة جهة رسمية أم خاصة، مما يحمل معه انكشاف الأفراد والشركات اللبنانية في عملياتهم المالية والتجارية أمام اخبار صادر عن أي جهة أجنبية، مهما كان نوعها.

وكان مشروع التعديل قبل اقراره قد مدّد المهلة القصوى للتجميد المؤقت للحساب الى 20 يوم عمل دون أية تفرقة بحسب مصدر الطلب.
وتوضح المادة السادسة بصيغتها الراهنة أن للهيئة أن تتخذ قراراً بالتجميد النهائي للحساب أو العملية[12].

كما أن صلاحيات الهيئة وسّعت لأخذ اجراءات غير محصورة بالحسابات المصرفية المشبوهة. فباتت تشمل اتخاذ اجراءات تتعلق بالعمليات المشبوهة أيضاً (التي لها تجميدها نهائياً أيضاً)، وبالأموال المنقولة وغير المنقولة.

ويكون التعديل الراهن للقانون رقم 318/2001 قد أضاف صلاحيات رقابية، وتشريعية (تنظيمية) وتأديبية للهيئة، ووسّع مضمون التدابير المؤقتة الماسة بحقوق مدنية التي لها حق اتخاذها، الى جانب صلاحياتها كهيئة تحقيق ذات طابع قضائي.

وجوب إخضاع عملها لضمانات المحاكمة العادلة

في مشروع تعديل القانون كانت الفقرة الأخيرة من المادة الثامنة تنص (الفقرة 3 في الصيغة الأساسية لقانون 318/2001) على أن قرارات الهيئة لا تقبل أي طريق من طرق المراجعة العادية وغير العادية الادارية أو القضائية بما في ذلك الطعن لتجـاوز حـد السلطة.ومع اتّساع عمل الهيئة لجهة الأموال القابلة للتجميد أو الجرائم الداخلة ضمن اختصاصها، بات الإبقاء على هذه الفقرة شديد الخطورة. وبنتيجة الاعتراضات المعبّر عنها داخل اللجنة المالية النيابية، تقرّر حذف هذه الفقرة. ولكن حلّ محلّها فقرتان يُستنتج منهما أنهما رسمت سياقاً رسمياً لمآل هذه القرارات يفهم منه غياب أية آلية للطعن أو المراجعة.

الفقرة الأولى تحدثت عن دور النائب العام لدى محكمة التمييز الذي أعطي حق حفظ الأوراق أو السير بالدعوى العامة. واذ نصت الفقرة على أن الأموال تحرر في حال اتخذ قراراً بالحفظ، عادت وأعطت الهيئة إمكانية الإبقاء على التجميد بذريعة وجود أدلة أو قرائن جديدة. وفي هذه الحالة، ترسل الهيئة للنائب العام تقريراً معللاً. وفي هذه الحالة، يشير النص صراحة أنه لهذا الأخير حق التوسع بالتحقيق على ضوء المعطيات، فيما يلزم صمتاً بليغاً في حال لم يرَ حاجة لذلك أو أصرّ على حفظ الملف. فماذا يجري في هذه الحالة؟ هل تبقى الأموال مجمدة؟ بالطبع، هذا الإبهام ليس برئياً وهو يحفظ للهيئة إمكانية الإبقاء على التجميد لفترة طويلة، بحيث يظهر أن المرجع الوحيد المختص لإعادة النظر في قرارها في مرحلة التحقيقات الإبتدائية هو النائب العام التمييزي الذي يبقى رأيه توجيهيا أكثر مما هو حاسم.

الفقرة الثانية ذهبت في الإتجاه نفسه وقد تناولت مصير قرار التجميد في حال السير بالدعوى العامة. وقد جاء فيها أنه في هذه الحالة، لا تحرّر الأموال إلا بقرار مبرم بمنع محاكمة أو بإبطال التعقبات أو البراءة. وبمعنى آخر، ليس لأي من قضاة التحقيق أو الحكم الرجوع عن قرارات الهيئة الاحترازية قبل الانتهاء من التحقيق أو المحاكمة قبل الانتهاء من التحقيقات واتخاذ القرار النهائي بمنع أو ابطال الملاحقة، وذلك بخلاف ما هي الحال في أصول المحاكمات الجزائية العادية.

ونظراً للوقت الطويل الذي يمكن أن يأخذه مسار التحقيقات الأولية أو الابتدائية (خصوصاً في الجرائم الدولية) والدعوى العامة قبل حسم المسألة في اتجاه أو آخر، تتجلى سلطة تقدير الهيئة بضرورة رفع السرية أو تجميد الحسابات أو الأموال، بمثابة قرينة حاسمة على توفر عناصر المسؤولية، فلا يمكن نقضها إلا في حال إثبات البراءة. فكأنما أمام حالة، ينقض فيها المشرع قرينة “المتهم بريء حتى اثبات الذنب” ويحولها إلى قرينة أن “المتهم مذنب حتى اثبات العكس”، قرينة تقررها هيئة يرأسها حاكم مصرف لبنان ولا تتوفر فيها شروط الاستقلالية، فضلا عن أن القانون تدخّل لتحصين جميع أعضائها بوجه أي دعوى جزائية أو مدنية من جراء أعمالهم.

هذا ما نستقرؤه من القانون. ويبقى أن ننظر إلى كيفية تعاطي القضاة معه. فهل سيكتفون بهذه القراءة معلنين عدم اختصاصهم لمراجعة قرارات الهيئة، أم سيُغلّب حق التقاضي على الاعتبارات الأخرى، مما يفسح المجال لإعادة العمل بمبادئ المحاكمة العادلة في هذا الشأن؟

ونلحظ أن اجتهاد المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان يخضع التدابير الاحترازية والمؤقتة  لمبادئ المحاكمة العادلة إذا كان من شأنها أن تؤثّر جذرياً على الحق، أو أن تبتّ بشكل كبير المسألة في الأساس، أو أن تحمل نتائج طويلة الأمد على حقوق الأفرقاء. ففي هذه الحالة، يقتضي احترام  ضمانات المحاكمة العادلة[13] من حقوق دفاع[14] ومبدأ الوجاهيةالمتضمّن الحق بالاطلاع على الملف وتقديم الانتقادات له[15] كما الملاحظات التي تُعتبر أساسية بالنسبة للقضية[16]، وحق الطعن في المسائل الجزائية. وتصح هذه الوضعية على أعمال الهيئة والتي لها أثر حاسم على حقوق الأفراد المدنية.

2.    توسيع دائرة الملزمين بالتعاون مع الهيئة وخصوصية وضع المحامي

ومن جهة أخرى، وسع التعديل القانوني دائرة الأشخاص الملزمين بالتقيّد بأحكامه: نوادي القمار، والمحاسبين المجازين، وكتاب العدل، والمحامين، عند قيامهم بخدمات معيّنة لصالح عملائهم.

وعلى هؤلاء الالتزام بموجبات القانون أي مسك سجلات بالعمليات التي تفوق قيمة معيّنة، والتقيد بموجبات الحيطة (المنصوص عنها في المادة 4)، وبالنصوص التنظيمية التي تضعها الهيئة وبتوصياتها(المادة 5)، كما الاتزام بموجب الابلاغ عن عمليات مشبوهة (المادة 7).
ويعدّ هذا التوسع انصياعاً من قبل لبنان لمضمون توصية مجموعة GAFIرقم 22 المتعلقة بالمؤسسات والمهن غير المالية.
ولا بدّ نظراً لخصوصية مهنة المحامي، التوقّف عند مسألة إلزامه بموجب الابلاغ، إذ أنه يتعارض مع مبدأ سرية المهنة، واستقلالية المحامي، وضرورة الحفاظ على علاقة الثقة بينه وبين الموكّل.

وينص تعديل القانون على أنه بالنسبة للمحامي “تُحدد أصول تطبيق هذه الموجبات (الاحتراز والابلاغ) بموجب آلية تضعها نقابتا المحامين في بيروت وطرابلس تأخذ بعين الاعتبار خصوصية مهنة المحاماة وأنظمتها”[17]. وهذا الأمر يحمّل تاليّا النقابتين مسؤولية وضع الضوابط لمنع تحوّل قانون مكافحة تبييض الأموال، إلى قانون يستبيح مهنة المحامي واستقلاليته.

ولا بدّ هنا من تقديم بعض الملاحظات الهامة، بالاستفادة من التجربة الفرنسية، حيث تمّ ادخال عام 2004[18] موجب الابلاغ على عاتق بعض أصحاب المهن الحرّة، ومنها المحامين في المادةL. 561-3من قانون النقد والمعاملات المادية. كما أدخلت الجمعية العمومية للمجلس الوطني لنقابات المحامين الفرنسية عام 2011 موجب الاحتراز على عاتق المحامي في قانون تنظيم مهنة المحاماة[19].ويقتصر في فرنسا نطاق موجب الاحتراز هذا على الحالة التي يمارس فيها المحامي مهمة استشارية، ولا تخضع له الحالة التي يقوم فيها بمهمة ترتبط باجراءات قضائية، أي بحق الدفاع. أما موجب الابلاغ ، فوُضعت ضوابط واضحة له. فمن جهة أولى، تعفي المادة L. 561-3-IIآنفة الذكر من نطاقه المحامي خلال قيامه بمهمة ترتبط باجراء قضائي وأيضاً عند تقديمه استشارة قانونية، الاّ اذا كان الهدف من هذه الأخيرة القيام بعملية تبييض أموال أو تمويل ارهابي[20]. فاذاً يقتصر موجب المحامي على الابلاغ عن عملية مشبوهة في الحالة التي ينظّم فيها صكوكها. ويظل موجب التزام المحامي بسرّ المهنة مطلقاً في ما خص حقوق الدفاع في الاجراءات القضائية، وخلال تقديم الاستشارة القانونية. وقد اعتبرت مجموعة GAFIأن هذا النص يفرغ هذا الموجب من مضمونه ولا يُعتبر مطابقاً لتوصياتها[21].  وعلى الرغم من تحديد هذا الموجب بشكل ضيق، تلقّفه المحامون الفرنسيون بشكل سلبي جداً[22].

وتجدر الاشارة أخيراً الى قيام أحدهم بالتوجه الى المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان، بناءً على اعتبار موجب الابلاغ الملقى على عاتق المحامين خرقاًللمبدأ 8 من الشرعة الأوروبية لحقوق الانسان، وهو مبدأ احترام الخصوصية، ومن ضمنها خصوصية المراسلات، والذي ينطبق بشكل خاص على المحامين بسبب أهمية سرّ المهنة، وحقوق الدفاع. وتدخّل في القضية كل من مجلس نقابات المحامين الأوروبية[23]، ومعهد المحامين الأوروبيين لحقوق الانسان[24] تأييداً لطلبه.

وكان المدّعي قد أشار الى تعارض موجب الابلاغ مع الحق بمحاكمة عادلة (المادة 6 من الشرعة) إذ أنه يفضي بالمحامي الى افشاء تفاصيل تتعلق بالمتهّم مما قد يؤدي الى افراغ حق هذا الأخير بعدم تجريم نفسه[25].وأبدى الخشية من أن يتحوّل المحامي الى مساعد لسلطات التحقيق، مما يقضي على علاقة الثقة بين المحامي والموكل[26].

وبعد تأكيدها على أن موجب الابلاغ الملقى على عاتق المحامي يشكل تدخلاً في الحق بخصوصية المراسلات، اعتبرت المحكمة[27] استناداً الى الفقرة 2 من المادة 8 أنه شرعي لوجود نص قانوني يلزم به، ولوجود أسباب مشروعة له-حماية النظام ومكافحة الجريمة-، ولتماشيه مع مبدأ الضرورة – أي تناسب الخرق مع الهدف المشروع من ورائه. وكان مجلس شورى الدولة الفرنسي[28] قد اعتبر أن موجب الابلاغ، وفي ظل اعفاء المحامي منه خلال قيامه بمهمة مرتبطة بحق الدفاع أو خلال اعطاء استشارة قانونية، يشكّل بالنسبة لمبدأ الخصوصية خرقاً متناسباً مع هدف مكافحة الجريمة.

وبمعنى آخر، استندت المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان لاعتبار موجب الابلاغ متماشياً مع الشرعة الأوروبية، على الضوابط الموضوعة له[29] وهي:

– نطاق الموجب المحدد الذي لا يمس جوهر مهمة المحامي،
– وعدم مخابرة المحامي السلطات مباشرةً بل وجوب المرور بنقيب المحامين، باعتباره خاضعأً لنفس الموجبات المهنية ومنتخباً من قبل المحامين للسهر على احترامها.

ومن شأن هذه الضوابط أن تشكّل بعض الاتجاهات التي يتعين على نقابتي المحامين تطويرها لوضع آلية تمنع نسف القانون الحالي لجوهر مهنة المحاماة.

نشر هذا المقال في العدد | 33 |تشرين الثاني/نوفمبر/  2016 ، من مجلة المفكرة القانونية | لبنان |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه:

تشريع الأمر الواقع



[1]الوارد بالمرسوم رقم 8200 تاريخ 24 أيار 2012.
[2]R. Pecchioli, The Financial Action Task Force, présenté dans la Conférence sur le Blanchiment de Capitaux du Conseil de l’Europe, Strasbourg, France, 28-30 sept. 1992.
[3]بيان جمعية مصارف لبنان الذي يمكن الاطلاع عليه على الرابط التالي http://www.abl.org.lb/ar/NewsDetails.aspx?pageid=7315
[4]المادة 1
[5]فمن جهة، تم توسيع نطاق جرم التزوير، كما نطاق جرائم السرقة أو اختلاس الأموال العامة أو الخاصة أو الاستيلاء عليها بوسائل إحتيالية والمعاقب عليها في القانون اللبناني بعقوبة جنائية، بإلغاء شرط معاقبتها بعقوبة جنائية. ومن جهة ثانية، تمّت اضافة العديد من الجرائم الأصلية ومنها جرم تمويل الإرهاب (بحسب أحكام المادة 316 مكرر من قانون العقوبات)، وجرائم الفساد (الرشوة وصرف النفوذ والاختلاس واستثمار الوظيفة واساءة استعمال السلطة والاثراء غير المشروع)، والقتل، والاتجار بالأشخاص وتهريب المهاجرين، والجرائم البيئية، والحض على الفجور والتهرب الضريبي، وغيرها.
[6]مادة 523 عقوبات
[7]Convention des Nations Unies contre la criminalité transnationale organisée.
[8]المادة 6
[9]في المادة 6
[10]المنصوص عنه في المادة 7
[11]المادة 6.
[12]حق تقرير : – التجميد النهائي للحسابات و/أو العمليات المعنية و/أو رفع السرية المصرفية لصالح المراجع القضائية ولصالح الهيئة المصرفية العليا(…)”؛ – ابقاء الحسابات المشتبه بها قيد المتابعة  Traceable.
[13]Dalloz action Droit et pratique de la procédure civile, V. Garanties d’une bonne justice, no 21.14: « lorsque la mesure provisoire s’avère radicale, qu’elle règle dans une large mesure l’action au principal et qu’elle a des conséquences sur les droits des parties pendant un délai assez long ». V. CEDH 30 juill. 1998, req. no 25357/94, Aerts c/ Belgique, Rec. 1998-V ; D. 1999. 270, obs. Fricero. CEDH 15 nov. 2002, req. no 50615/99, Boca c/ Belgique, Rec. 1998-VI.
[14]V. par ex. CJUE 21 mai 1980, Denilauler c/ Couchet Frères, aff. C-125/79.
[15]V. CEDH 29 mai 1986, req. no 8562/79, Feldbrugge c/ Pays-Bas, Série A, no 99 – Berger, 12e éd., 2011, no 83, p. 260.
[16]V. CEDH 21 mars 2000, req. no 34553/97, Dulaurans c/ France, Procédures 2000, obs. Fricero ; JCP 2000. Actu. 948.
[17]مادة 5 ومادة 7
[18]قانون 11 شباط 2004، ومرسوم 26 حزيران 2006
[19]L’assemblée générale du Conseil national des barreaux adopte le 18 juin 2011 une décision qui a modifié l’article 1er du règlement national de la profession d’avocat (RIN) en ajoutant un paragraphe 5 relatif au devoir de prudence de l’avocat : « En toutes circonstances, la prudence impose à l’avocat de ne pas conseiller à son client une solution s’il n’est pas en mesure d’apprécier la situation décrite, de déterminer à qui ce conseil ou cette action est destiné, d’identifier précisément son client. A cette fin, l’avocat est tenu de mettre en place, au sein de son cabinet, une procédure lui permettant d’apprécier, pendant toute la durée de sa relation avec le client, la nature et l’étendue de l’opération juridique pour laquelle son concours est sollicité. Lorsqu’il a des raisons de suspecter qu’une opération juridique aurait pour objet ou pour résultat la commission d’une infraction, l’avocat doit immédiatement s’efforcer d’en dissuader son client. A défaut d’y parvenir, il doit se retirer du dossier ».
[20]« II.- Les avocats au Conseil d’Etat et à la Cour de cassation et les avocats, dans l’exercice d’une activité relative aux transactions mentionnées au I, ne sont pas soumis aux dispositions du présent chapitre lorsque l’activité se rattache à une procédure juridictionnelle, que les informations dont ils disposent soient reçues ou obtenues avant, pendant ou après cette procédure, y compris dans le cadre de conseils relatifs à la manière d’engager ou d’éviter une telle procédure, non plus que lorsqu’ils donnent des consultations juridiques, à moins qu’elles n’aient été fournies à des fins de blanchiment de capitaux ou de financement du terrorisme ou en sachant que le client les demande aux fins de blanchiment de capitaux ou de financement du terrorisme ».
[21]GAFI, Rapport d’évaluation mutuelle de la France, 25 février 2011.
[22]Cette obligation apparait « en rupture totale avec les droits du citoyen dans sa liberté d’accès au droit, dans son droit de se confier à un avocat sans crainte d’être dénoncé, l’exigence du secret professionnel, l’indépendance et le devoir de conscience de l’avocat » (Conseil National des Barreaux, rapport présenté par M. Beaussier, Gaz. Pal. 2004, doctr. p. 2974).
[23]Le Conseil des barreaux européens )CCBE).
[24]L’institut des droits de l’homme des avocats européens (IDHAE(.
[25]فقرة 64 من الحكم
[26]في هذا الاتجاه أيضاً، مطالعة معهد المحامين الأوروبيين لحقوق الانسان، فقرة 86 من الحكم.
[27]CEDH, 6 décembre 2012, n° 12323/11, Michaud c/ France.
[28]CE, 10 avril 2008, n° 296845.
[29]الفقرات 127 و128 من الحكم
انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، محاكمة عادلة وتعذيب ، مجلة لبنان ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني