تصريح بيفاني للفاينانشل تايم يستوجب التحقيق: الحاكم أجرى الهندسات المالية بمعزل عن المجلس المركزي والحكومة


2020-07-17    |   

تصريح بيفاني للفاينانشل تايم يستوجب التحقيق: الحاكم أجرى الهندسات المالية بمعزل عن المجلس المركزي والحكومة
رسم رواند عيسى

حتى 13/7/2020، كانت الإشكاليات المتعلقة بالهندسات المالية تقتصر على مدى صوابيتها وصحّة إقرارها من قبل المصرف المركزي وليس الحكومة. ولم يحصل بالمقابل أي نقاش في ما يخصّ اتّخاذ المجلس المركزي لمصرف لبنان قرارات إجراء الهندسات الماليّة بموجب التعاميم الصادرة عن المصرف المركزي[1]. إلّا أن المدير العام لوزارة المالية المستقيل ألان بيفاني بمقابلته مع الفاينانشل تايمز في 13/7/2020 فجّر قنبلة حول صحّة هذه المعلومات عبر تصريحه أن الهندسات المالية لم تطرح على المجلس المركزي وأنّ الحكومة لم تكن على علم بها[2]. وفي حين أن الإعلام انشغل بتصريحه الذي أدلى به للصحيفة عن الخمسة مليارات دولار المهرّبة إلى الخارج والتي كانت لجنة الرقابة على المصارف ورئيس مجلس النواب نبيه بري قد أعلمانا بقسم منها في شباط 2020[3]، فإن كلام بيفاني المتعلّق بالهندسات المالية الذي يشكّل مادة جديدة شديدة الأهميّة لم ينل أي اهتمام. وفي حال تمّ إثبات هذه المعلومات فهي تضيف إلى سجلّ الحاكم مخالفة هي الأشد خطورة من بين مخالفاته نظرا لنتائجها وتداعياتها. وهي تشكل سندا ضاغطا جديدا لعزله ومحاكمته.

فمنذ عام 2016 روّج مصرف لبنان وحاكمه  للهندسات المالية على أنّها تطوير وتطبيق خلاق للتكنولوجيا المالية المبتكرة وعلى أنّها تشكّل رافعة مالية ونقدية واقتصاديّة[4]. إلّا أن ثمة إجماعا اليوم بين الخبراء والمنظّمات الدوليّة أن نتيجة هذه الممارسات كانت كارثية إلى حدّ وصفها بعملية احتيال هرميّة (Ponzi scheme) من قبل بعض الخبراء. فقد أدّت إلى الحجز على أموال المودعين في المصارف، كما أدّت إلى نقل الأعباء الناتجة عنها إلى المكلّفين الذين يتألّفون بمعظمهم من المودعين في حين استفاد من عمليات الهندسة الماليّة 35 مصرفاً حققت خلال عام 2016 فقط ربحاً بقيمة 5.6 مليار دولار استحوذ مصرفان من بينها على 47% من قيمة الربح المحقّق.

الهندسات الماليّة بمعزل عن المجلس المركزي؟

لدى سؤال المدير العام لوزارة المالية آلان بيفاني عن كيفيّة تصويته على مسألة الهندسات المالية، أجاب بأنها لم تطرح أمام المجلس المركزي لمصرف لبنان[5]. وهذا المجلس الذي يتألف من سبعة أعضاء هم الحاكم ونوابه الأربعة ومدير عام وزارة الإقتصاد ومدير عام وزارة المالية[6] لا يمكن أن يلتئم بغياب مدير عام وزارة المالية [7].

وفي حال ثبوت ما قاله بيفاني فإن هذه القرارات تعتبر صادرة عن مرجع غير صالح وبحكم غير الموجودة، مع ما يرتبه ذلك من نتائج ومسؤوليات جزائية ومدنية وإدارية.

الهندسة المالية من دون علم الحكومة

وفيما ثمة إجماع أنه ليس لحاكم مصرف لبنان أي صلاحية فردية لاتخاذ قرارات مماثلة، فإن الجدل يبقى مستمرا حول صاحب الصلاحية لاتخاذ قرارات مماثلة. فمن جهته، يعتبر الحاكم في معرض الدفاع عن نفسه أن الهندسات المالية تدخل ضمن السياسات النقديّة[8] المشار إليها في المادة 70 من قانون النقد والتسليف والتي يدخل إقرارها ضمن صلاحيّات المجلس المركزي لمصرف لبنان بحسب المادة 33 من قانون النقد والتسليف. إلّا أنّه بالنظر إلى طبيعتها وحجمها وتأثيرها على الإقتصاد، سواء لناحية اعتمادها على أموال المودعين التي سمحت للمصارف بتأمين أرباح خيالية أو لناحية الأعباء الكبيرة التي تكلّفها المصرف المركزي والتي انتقلت للمكلّفين الذين هم بمعظمهم من المودعين، أو لناحية دعمها القطاع المصرفي على حساب باقي القطاعات عبر تحقيق فوائد هائلة للمصارف، أو لناحية مساهمتها في ما آلت إليه اليوم الأمور من حجز على أموال المودعين لا يمكن النظر إليها على أنّها محض سياسات نقديّة بل يجب النظر إليها على أنّها سياسات إقتصادية تدخل في صلب صلاحيات الحكومة[9].

التحقيق واجب وكشف الفساد أيضا

ختاما، ينبغي التحقيق جديا في هويّة من اتّخذ قرار إجراء الهندسات الماليّة. فاتّخاذها من قبل المصرف المركزي بدل الحكومة هي مخالفة خطيرة، أمّا أن يتم اتخاذها من قبل المجلس المركزي وانفراد الحاكم بها فهو خروج تامّ عن القانون يرتّب مسؤولية ويعيد النظر بآليات صنع القرار والرقابة. ولا شكّ أن انعدام الشفافية في القطاع العام وبخاصة في مصرف لبنان وصمت الموظفين عن المخالفات بحجة موجب التحفّظ قد لعب دورا أساسيا في بلوغ هذه المرحلة من الإنهيار.

وإذا كان عدم البحث في من أقر الهندسات المالية خلال السنوات الماضية يعود إلى عدم السعي إلى تحميل أي مسؤولية بسبب عدم ظهور نتائجها السلبية وقتها واستفادة البعض منها، فإن الإنهيار الإقتصادي يحتّم اليوم البحث في هوية متخذ القرار وإذا ما كان قد تمّ إقرارها بحسب الأصول لتحديد المسؤوليات وكيفيّة تحمّل الخسائر.


[1] من بينها التعاميم الصادرة عام 2016 رقم 428 بتاريخ 25/6/2016، 439 بتاريخ 8/11/2016، 440 بتاريخ 8/11/2016 و446 بتاريخ 30/12/2016.

[2]   Asked whether he voted in favour of the scheme, Mr Bifani said” it was never brought to the central board” and continued without the government’s knowledge.  Chloe Cornish ,13/7/2020,  The financial times,

[3] “خمسة مصارف تأكدنا أن أصحابها حوّلت أموالها الشخصية إلى الخارج وتقدر بمليارين و300 مليون دولار”. المدن، 5/2/2020

[4] هندسة مصرف لبنان المالية: رافعة مالية ونقديّة واقتصادية، رائد شرف الدين- النائب الأوّل لحاكم مصرف لبنان، 4نيسان 2017

[5] Asked whether he voted in favour of the scheme, Mr Bifani said” it was never brought to the central board” and continued without the government’s knowledge.  The financial times, 13/7/2020

[6] المادة 28 من قانون النقد والتسليف

[7] المادة 30 من قانون النقد والتسليف: لا يمكن المجلس المركزي ان يجتمع لا في غياب الحاكم او من ينوب عنه ولا في غياب

مدير المالية العام او مدير الاقتصاد الوطني العام .

[8] مؤتمر حاكم مصرف لبنان الصحفي في 11/11/2019 ومؤتمر 29/4/2020

[9] المادة 65 من الدستور اللبناني: تناط السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء ومن الصلاحيات التي يمارسها  وضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات ووضع مشاريع القوانين والمراسيم التنظيمية واتخاذ القرارات اللازمة لتطبيقها.

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، اقتصاد وصناعة وزراعة



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني