“تدابير سعيّد الإستثنائيّة”: قراءة في المواقف الخارجيّة


2021-08-19    |   

“تدابير سعيّد الإستثنائيّة”: قراءة في المواقف الخارجيّة

“تدابير سعيِّد الاستثنائية”: قراءة في المواقف الخارجية

خير الدين باشا

كما كان متوقّعاً، لم يمرّ تأثير التدابير الاستثنائية التي اتّخذها رئيس الجمهوريّة التونسي قيس سعيِّد يوم 25 جويلية الماضي، استناداً إلى قراءته الخاصّة للفصل 80 من الدستور بدون ردود أفعال خارجية متباينة. وقد انبنتْ ردود الأفعال هذه بالطبع على محدّدات السياسات الخارجية لكلّ دولة وجملة المبادئ التي تقود رؤيتها الدبلوماسية. إلّا أنّه يجمع بين مختلف هذه المواقف نوع من التلميح والغموض، لعلّه يوافق كذلك غموض الإجراءات نفسها والسياق الذي اتُّخذت فيه. يقول البعض هنا، بناء على جملة من المؤشّرات والوقائع، أنّ سعيِّد لم يكن ليتّخذ خطوته تلك من دون ضوء أخضر خارجي. وممّا يؤيّد ذلك، التحذيرات التي وجّهتها سفارة الولايات المتحدة الأميركية إلى مواطنيها من السفر إلى تونس منذ يوم 12 جويلية، حيث استنتج البعض أنّها ارتكزت على معلومات استخباراتية توقّعت حدوث “شيء ما” في الأفق القريب. وربّما قد تُقرأ تصريحات قيس سعيِّد يوم 23 جويلية عند استقباله الوفد الفرنسي، الذي قدّم مساعدات طبّية إلى تونس، وتلميح سعيِّد أمام رئيس الوفد حول اتّخاذه بعض الإجراءات موافَقة ضمنية لطرف إقليمي فاعل عُرف بتأثيره القويّ والمستمرّ على دوائر النفوذ السياسي والاقتصادي في تونس. لكنّ الأخطر من كلّ ذلك أنّ هذه الخطوة قد قُرئت لدى جمهور المحلّلين بأنها حدّدت لتونس موقعاً داخل اصطفاف إقليمي واضح جعلها، بلغة الاستراتيجيا، في موقع “الدولة المحورية” (le pays pivot) داخل الإقليم، أي بعبارة أخرى، ساحة مُفترَضة لتجاذب إقليمي ودولي، لطالما حاولت السياسة الخارجية التونسية أن تتفاداه بأقلّ ما يمكن من الأضرار.

ردود الأفعال الدولية: بين اللغة الديبلوماسية والمصالح الاستراتيجية

كان ردّ الفعل الأميركي الأكثر انتظاراً وترقّباً من قِبل الداخل والخارج على حدّ سواء. ويعود ذلك إلى أسباب عدّة، ليس أقلّها أنّه امتحان رئيسي أوّل لسياسة الرئيس الأميركي الجديد “بايدن” في منطقة شمال أفريقيا بعد المفاوضات الليبية. فالاستراتيجيّة التي قد سبق لبايدن تقديمها في مجال السياسة الخارجية قد نصّت على إيلاء دعم الأنظمة الديمقراطية وحقوق الإنسان درجة هامّة من الأولويّة. هذا الاهتمام لا ينبع أساساً من الأطروحة المثالية في العلاقات الدولية بقدر ما يُبني على أسس واقعية تهدف إلى احتواء نهج فاعلين دوليين منافسين على غرار الصين وروسيا الداعمتَيْن للأنظمة الاستبدادية. ويعكس هذا التوجّه كذلك تراجعاً عن الرؤية السياسية للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب المقلّلة من شأن العامل الديمقراطي في السياسة الخارجية الأميركية.

كان الحدث التونسي هنا اختباراً عميقاً لهذا التوجّه، حيث وجدت الإدارة الأميركية الحالية نفسها في وضعيّة تحمل عديد التناقضات. إذ لا تستسيغ هذه الإدارة التوجّهات الشعبوية عموماً (وسعيِّد يمثّل إحداها في نظر الكثيرين) ولكنّها تسعى كذلك إلى الحفاظ على الحدّ الأدنى من الاستقرار السياسي ضماناً لتحويل تونس إلى محطّة اقتصادية تنطلق منها الاستثمارات الأميركية والأوروبية مستقبلاً في ليبيا بعد استكمال الحلّ السياسي هناك. ولعلّهم يرَون أنّ خطوة سعيِّد قد تحقّق بعض هذا الاستقرار المنشود. هذه المحدّدات (بالإضافة إلى جوانب أخرى) قد تفسّر جانباً من الموقف الأميركي الذي بدأت معالمه في الظهور يوم 26 جويلية عن طريق اتّصال وزير الخارجيّة الأميركي “أنتوني بلينكن” المطوّل بقيس سعيِّد، حيث أكّد وزير الخارجيّة الأميركي على “حثّ الرئيس التونسي على الالتزام بمبادئ الديمقراطيّة وحقوق الإنسان” بالإضافة إلى التحاور مع الفاعلين التونسيين والشعب التونسي. كما أشار البيان الأميركي إلى أنّ الفريق القانوني في وزارة الخارجيّة الأميركية يعكف على دراسة السند القانوني للتدابير الاستثنائية التي أتاها سعيِّد. وإثر ذلك، ظهر شيء من التوتّر في الموقف الأميركي عقب اتّصال مستشار الأمن القومي الأميركي “جاك سوليفان” بالرئيس التونسي، حيث أشار البيان الأميركي إلى الحاجة إلى الإسراع بتكوين حكومة جديدة وتسريع عودة البرلمان، بالإضافة إلى إرساء المحكمة الدستورية. وقد تواصل هذا التوجّه عبر الزيارة التي أدّاها كلّ من مساعد وزير الخارجيّة الأميركي و نائب مستشار الأمن القومي الأميركي إلى تونس يوم 13 أوت الماضي ولقائهما رئيس الجمهوريّة، حيث أعاد البيان الأميركي التأكيد على “العودة السريعة إلى الديمقراطيّة البرلمانية في تونس” والحاجة إلى “تعيين حكومة لمواجهة التحدّيات الاقتصادية والصحّية التي تمرّ بها تونس، بالإضافة إلى حوار شامل حول الإصلاحات الدستورية والانتخابيّة المقترحة”.

بدتْ اللغة الأميركية أكثر حزماً في هذا البيان الأخير وكأنّها أقرب إلى لإملاءات منها إلى التوصيات، مع الغموض المتواصل في الإجراءات التي قد يقوم بها سعيِّد، وهو الأمر الذي أدّى إلى ردود أفعال متحفّظة ضدّ لهجة التدخّل تلك في تونس. فمن الواضح أنّ ثمّة خشية أميركية حقيقية من تغيير النظام السياسي بشكل أو بآخر لتحقيق طموح سعيِّد في نظام الديمقراطيّة المباشِرة، يؤكّده عدم تشاور قيس سعيِّد مع مختلف الأطراف الحزبية حتّى هذه اللحظة. فهذه الخطوة – إن تحقّقت – قد تُسهِم في وأد تجربة الديمقراطيّة الليبرالية التونسية التي حرصتْ الولايات المتّحدة ودول أخرى على تسويقها في المنطقة. كما نلاحظ أنّ الموقف الأميركي هذا يتماهى مع مواقف عديد المنظّمات الدولية، على غرار الأمم المتّحدة التي أعربتْ عن متابعتها الدقيقة للوضع في تونس وتأكيدها ضرورة الحوار بين مختلف الفرقاء في تونس مع تأكيد ضمان حرّيّة الصحافة بعد قرار السلطات التونسية إغلاق مكتب قناة الجزيرة[1] في تونس.

اتّخذت المواقف الدولية المُشتركة إثر ذلك شكلاً من التصعيد، ظهر بوضوح في يوم 5 سبتمبر المنقضي من خلال بيان مجموعة السبع، الذي حثّ الرئيس “سعيِّد” على العودة بسرعة إلى نظام دستوري يؤدّي فيه البرلمان المنتخب دوراً بارزاً وعلى تعيين رئيس حكومة جديد، بالإضافة إلى الالتزام باحترام الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية لجميع التونسيين وباحترام سيادة القانون.

أما أوروبياً، فقد شدّد الاتّحاد الأوروبي في بيان أصدره يوم 27 جويلية على الرجوع السريع إلى الاستقرار المؤسّساتي واستئناف عمل البرلمان وضمان الحرّيّات مع التعريج على الضوابط الديمقراطية واحترام سيادة القانون والدستور والأطر التشريعية. وقد حرص هذا البيان بكلّ وضوح على تقديم ما هو مشترك بين دول الاتّحاد الأوروبي حيال ما حدث في تونس بدون إثارة ما هو خلافي في مواقف كلّ دولة. فألمانيا التي تُعتبر من أكثر الأطراف الدولية مراهَنةً على الانتقال الديمقراطي في تونس، عبر تمويلها لقسم هامّ من منظّمات المجتمع المدني التونسي وعديد الأنشطة المساهمة في ترسيخ المؤسّسات الديمقراطية في البلاد، عبّرت عن قلقها من إجراءات قيس سعيِّد الأخيرة ونادتْ بالعودة إلى الوضع الدستوري في أقرب الآجال. فقد أشار المتحدّث باسم وزارة الخارجيّة الألمانية إلى أنّ تعليق عمل البرلمان هو نتيجة “لتفسير فضفاض إلى حدّ ما للدستور” مضيفاً أنّه “لا يريد أن يسمّيه انقلاباً”. وقد أكّدت ذلك مجدّداً في سبتمبر عِقب المباحثات التي جرت بين الطرفين التونسي والألماني في السفارة الألمانية في تونس حول بعض المشاريع الاقتصادية، حيث ربطت استمرار تمويل بعض المشاريع بالحفاظ على المكاسب الديمقراطية. كما يقترب الموقف الإيطالي من هذه الرؤية، إذ عبّر وزير الخارجيّة “لويجي دي مايو” عن قلقه من هذه التطوّرات مع ثقته في تجاوز الأزمة الراهنة بالسبل الديمقراطية.

يشترك الموقف الفرنسي في بعض النقاط مع الموقفَيْن الألماني والإيطالي، حيث أكّد وزير الخارجيّة الفرنسي “جان إيف لودريان” في اتّصال له بوزير الخارجيّة التونسي عثمان الجرندي يوم 28 جويلية على ضرورة تعيين رئيس حكومة جديد في تونس بشكل سريع وتشكيل حكومة “تستجيب لتطلّعات التونسيين في كافّة المجالات وعلى رأسها الصحّة” مع تأكيده متابعته الدقيقة للأوضاع في تونس و”ضرورة عودة المؤسّسات الديمقراطية إلى عملها الطبيعي بشكل سريع”. كما عمد خلال اتّصاله بوزير الخارجيّة الإيطالي “لويجي دي مايو” إلى تأكيد توافق الموقفَيْن الفرنسي والإيطالي حول العودة إلى الأطر الدستورية. إلاّ أنّ بيان الرئاسة الفرنسية ليوم 7 أوت حول اتّصال أجراه الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” بالرئيس التونسي قيس سعيِّد، عزّز القراءة التي اعتبرت فرنسا من ضمن المستفيدين الدوليين البارزين من التحوّلات الجديدة في تونس. إذ أكّد ماكرون، حسب بيان الرئاسة، أنّ “فرنسا تقف مع تونس وشعبها في هذه اللحظة الحاسمة من أجل سيادتها وحرّيّتها… وأنّه يمكن لتونس أن تعتمد على دعم فرنسا لها إزاء التحدّيات الاقتصادية والاجتماعية والصحّية” مع تأكيد البيان حرصَ الرئيس التونسي على تعيين رئيس للحكومة في أقرب الآجال. من الملاحَظ هنا أنّ الموقف الفرنسي يتّخذ نوعاً من المسافة عن الأطراف الأوروبية البارزة الأخرى، ويرى في الأحداث التي شهدتها تونس نوعاً من “الفرصة الاستراتيجية” التي ينبغي اقتناصها لإعادة التموقع في شمال القارّة الأفريقية، مع عدم اهتمام فرنسا الواضح للعيان بدعم التمشّي الديمقراطي في تونس منذ أيّامه الأولى. يأتي هذا المتغيّر في ظلّ تراجع ملحوظ للدور الفرنسي في ليبيا إثر محادثات السلام الأخيرة التي رعتْها الأمم المتّحدة وتمدُّد النفوذ الروسي في منطقة الساحل الأفريقي الذي يُعدّ ضمن الدائرة التقليدية للفرنسيين مع بروز المعارضة التشادية لاعباً رئيسياً ومهدِّداً لنظام “ديبي”، بالإضافة إلى الانقلاب العسكري في مالي الذي أطاح بالفصيل الموالي للفرنسيين في البلاد.

لم يُخفِ هذا التباين في المواقف الأوروبية نوعاً من التنسيق مؤخّراً مع طول فترة “الغموض” التي شهدها قصر قرطاج. فقد عبّرت زيارة “وزير خارجيّة الاتّحاد الأوروبي” جوزيف بوريل” في 10 سبتمبر عن مخاوف الاتّحاد إزاء الوضع السياسي في تونس، مع تأكيده أنّ الممارسة الحرّة للسلطة التشريعية واستئناف النشاط البرلماني جزء من هذه المكتسبات التي ينبغي احترامها”. وقد حرص المفوّض الأوروبي خلال زيارته على استجلاء عديد الآراء ضمن الدوائر السياسية والحقوقية لرصد صورة واسعة عن تقبُّل الفاعلين السياسيين الداخليين للتدابير الاستثنائية. لم تنظُر رئاسة الجمهوريّة على الأغلب بعين الرضا إلى هذه الزيارة، بإصدارها بياناً تؤكّد فيه عدم خضوعها للـ “إملاءات” كتلميح لفحوى تلك الزيارة.

الدائرة الإقليمية: هل تُعدّ إجراءات سعيِّد نصراً لمحور على آخر؟

 

عقب تدابير سعيِّد الأخيرة، ظهر حراك لافت لممثّلي دول الجوار والإقليم نحو قصر قرطاج. فمنذ اليوم التالي لهذه الإجراءات، دار اتّصال هاتفي بين الرئيس الجزائري “عبد المجيد تبون” ونظيره التونسي، لم يُكشَف عنه الكثير، سوى الإشارة إلى دعم العلاقات الثنائية وآفاقها، ليَعقبه استقبال رئيس الجمهوريّة التونسي لوزير الخارجيّة الجزائري في مناسبتَيْن خلال أقلّ من أسبوع. لم تبدُ عديد البوادر الواضحة حول الموقف الجزائري، عدا ما أدلى به الرئيس الجزائري خلال لقاء تليفزيوني، من قدرة تونس على حلّ مشاكلها بنفسها من دون ضغوط خارجية، مع نقد ضمني لتوليفة النظام السياسي التونسي باعتباره، حسب رأيه، غير متناسب مع العالم الثالث وإشارته بدون تصريح إلى بعض الأمور التي أخبره بها الرئيس التونسي.

يُشار هنا إلى أنّه طالما لعب صانع القرار الجزائري على التناقضات بين الفاعلين الإقليميين والدوليين ليكسب بشكل براغماتي مساحة نفوذ ناعمة تحمي عمقه الاستراتيجي. ويبدو أنّ السلطة الجزائرية اليوم تجد في أحداث تونس تهديداً غير مباشِر للجزائر في حال مهّدت هذه التغييرات لتوسيع نفوذ المحور الإماراتي-المصري-السعودي، الذي تحترز الجزائر من تمدّده في ليبيا منذ سنوات. وربّما نجد ضمن هذا السياق تفسيراً للاتّصال بين الرئيسين الجزائري والتركي في 29 جويلية، الذي تناول في جزء منه الوضع في تونس، وكذلك زيارة وزير الخارجيّة التركي إلى الجزائر مطلع هذا الأسبوع، التي ستتناول عديد المواضيع الاقتصادية بالإضافة إلى التطوّرات في ليبيا وتونس. لا يعني هذا التقارب في المواقف بين الجزائر وتركيا تطبيقاً لاستراتيجيّة مشتركة بينهما في تونس. فالاختلافات بين رؤيتَيْ البلدَيْن حيال بعض الأمور يمكن ملاحظتها عياناً. لكن لا يُستبعَد أن يتمّ بعض التنسيق في المواقف خلال الفترة القادمة، إذا ما ظهرت بعض التهديدات المشتركة.

أمّا بالنسبة إلى الجوار الليبي، فقد اختلفت مواقف الأطراف هناك باختلاف ميولها السياسية، إذ عبّر رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا “خالد المشري” عن رفضه الإجراءات التي قام بها سعيِّد واصفاً إيّاها بالانقلاب، في حين رحّب القائد العسكري “خليفة حفتر” بما أتاه الرئيس التونسي. غير أنّ سمة الحذر غلبت على موقف المجلس الرئاسي الذي زار نائب رئيسه “عبد الله اللافي” قصر قرطاج في 29 جويلية المنقضي، مخيّراً استعمال الأسلوب الدبلوماسي، تجنّباً لإثارة حفيظة أيّ من الأطراف في تونس، مع الحرص على عدم إظهار أيّ مباركة جليّة للتدابير الاستثنائية.

على مستوى المحاور الإقليمية، اتّخذت تركيا في البداية موقفاً معارضاً للإجراءات عبّرت عنه بعض الأوساط الرسمية، على غرار رئيس مجلس النوّاب التركي المنتمي إلى حزب العدالة والتنمية الحاكم، والمتحدّث باسم الرئاسة التركية “إبراهيم قالن” عبر ما أسماه رفض تعليق العمليّة الديمقراطية. إلّا أنّ موقف الخارجيّة التركية أخذ منحى أكثر توافقيّةً وشدّد على الأهمّيّة التي توليها تركيا لاستقرار تونس ودعمها للشعب التونسي بدون الخوض في موقف واضح من الأحداث في تونس. يأتي هذا الموقف عموماً في إطار التعاطي الواقعي مع الأزمة التونسية وحِرص الطرف التركي على عدم استفزاز الجانب التونسي للحفاظ على الحدّ المعقول من المصالح الاستراتيجية والاقتصادية، وربّما بحثاً عن دور وساطة بين الأطراف التونسية في صورة حصول حوار مستقبلي، مع ما تملكه تركيا من نفوذ على حركة النهضة التونسية. ولئن أشار الرئيس التركي “أردوغان” في خطابه خلال اجتماع الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة في سبتمبر إلى أنّ ما حصل في تونس هو “نوع من الاستيلاء على السلطة بالقوّة” إلّا أنّ هذا لا ينفي حالة الترقّب التي يُوليها اللاعب التركي لمختلف التغييرات على الساحة الإقليمية، وإمكانيّة تغيير خطّه السياسي بين الآونة والأخرى.

في جانب آخر، اتّخذت مصر موقفاً مسانداً لإجراءات قيس سعيِّد. وربّما يُعدّ الموقف المصري من التحوّلات في تونس الأكثر وضوحاً حتّى الآن، حيث أكّد وزير الخارجيّة المصري “سامح شكري” أثناء زيارته للرئيس التونسي عن “دعم الرئيس المصري المطلق (لما وصفه بالإجراءات التاريخية) التي اتّخذها الرئيس التونسي لتحقيق إرادة الشعب وضمان استقرار تونس ورعاية مصالحها”، وقد تأكّد هذا الموقف في أوائل شهر سبتمبر عبر بيان للخارجيّة المصرية حضّت فيه مختلف الأطراف على دعم تونس. يُعدّ هذا الموقف متوقّعاً نظراً إلى ما أبداه قيس سعيِّد من توجّه متقارب مع الرؤى المصرية حيال بعض المسائل الإقليمية وعلى رأسها قضيّة سدّ النهضة. كما يعتقد بعض الأوساط أنّ الطرف المصري كان مسانداً وداعماً لموقف سعيِّد طيلة الأزمة السياسية التي سبقت 25 جويلية، نظراً إلى عداء النظام المصري لحركة النهضة التي كانت المُستهدَف الرئيسي بإجراءات الرئيس.

الموقف المصري يتطابق مع مواقف بعض الدول الخليجية التي تنتمي إلى المحور الإقليمي نفسه، كالمملكة العربية السعودية التي صرّح وزير خارجيّتها أثناء زيارته قصر قرطاج بتوفير الدعم الاقتصاديّ لتونس، والإمارات التي عبّرت على لسان المستشار الدبلوماسي “أنور قرقاش” عن “ثقتها بقدرة رئيس الجمهوريّة على عبور هذه المرحلة وحماية الدولة التونسية من كلّ ما يهدّدها”. هذا السيل من الزيارات الدبلوماسية التي أجراها ممثّلو محور إقليمي معيَّن (مصر، السعودية، البحرين، الإمارات) إلى الرئيس التونسي يعكس تخوّفاً مشروعاً لدى عدد من المتابعين من انخراط تونس بشكل فجّ في اللعبة الإقليمية مقابل دعم اقتصادي له شروطه السياسية وتبعاته السيادية. وكأنّ الرسالة هنا هي التخلّي عن النظام الديمقراطي أو الإبقاء على شيء من الديمقراطيّة الشكلية مقابل الاستثمار المالي وكفّ اليد عن افتعال الأزمات داخل الدولة. هنا ستكون بقيّة الإجراءات التي سيتّخذها سعيِّد، بالإضافة إلى مآل المفاوضات مع المؤسّسات المالية الدولية، محدّدات هامّة في فهم حجم التأثيرات الخارجية الممارَسة على تونس، ومدى قدرة الطبقة السياسية الوطنية على احتوائها واجتراح حلّ ضمن أطر السياق الوطني الداخلي.

 

[1]  اقتحمت قوات الأمن مكتب الجزيرة في تونس وطردت جميع العاملين فيه بتاريخ 26 جويلية 2021

انشر المقال

متوفر من خلال:

حريات ، منظمات دولية ، تونس ، دستور وانتخابات ، مجلة تونس



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني