تحقيقات المرفأ تقترب من محطّة الوصول وتتوقّف: أو رحلة العدالة المتقطّعة..


2023-02-09    |   

تحقيقات المرفأ تقترب من محطّة الوصول وتتوقّف: أو رحلة العدالة المتقطّعة..
المحقق العدلي في قضية مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار

بعد توقيف التحقيق في قضية تفجير المرفأ لأكثر من سنة، أصدر المحقق العدلي طارق بيطار قرارا استعاد بموجبه زمام المبادرة والتحقيق. وقد أتى القرار بمثابة قنبلة أحدثت فجوة في جدار الإفلات من العقاب الذي كانت القوى السياسية المتضررة من التحقيق حصّنت نفسها خلفه. لم تتأخّر ردود الأفعال على هذا الانفجار في أوساط هذه القوى وفي أماكن ومناسبات مختلفة، وقد بلغتْ أوجّها بقرار النائب العام التمييزي غسان عويدات بالتراجع عن تنحّيه والسّطو على صلاحيات المحقق العدلي وصولا إلى الادّعاء عليه باغتصاب السلطة وإصدار مذكرة منع سفر بحقه. وهذا ما وصفه ائتلاف استقلال القضاء بالانقلاب على الشرعية والعدالة.

وبفعل هذا التجاذب، وجد الرأي العام اللبناني نفسه مجددا في محضر مواجهة جديدة حول التحقيق، مع فارق واحد وهو تظهيرها هذه المرة على أنها مواجهة بين المحقق العدلي والنيابة العامة التمييزية أي بين قضاة بشأن اختصاصهم وصلاحياتهم، في حين كانت القوى السياسية تحتلّ الواجهة في مواجهة بيطار في 2021 والتي انتهت بتوقيف التحقيق آنذاك.

فكيف نقرأ عودة بيطار إلى التحقيق وردود الأفعال عليها؟ وما هي آفاق هذه المواجهة والاحتمالات التي قد تسفر عنها؟ وما زاد هذه الأسئلة إلحاحًا هو قرار بيطار اللاحق بإرجاء جلسات التحقيق تبعا للقرارات الصادرة عن النيابة العامة التمييزية وعمليا بانتظار إزالة العوائق التي أحدثها الانقلاب أو حدوث ظروف أخرى أكثر مؤاتاة لاستكمال التحقيق.  

هذا ما سنحاول الإحاطة به في هذا المقال. 

اجتهاد الضرورة

ما أن أصدر المحقق العدلي بيطار قراره باستعادة زمام التحقيق، حتى انطلقت نقاشات حول أسناده ومدى صوابيّتها انطلاقا من قواعد التفسير التقني للنصوص القانونية. ومن دون التّقليل من أهمية هذا النقاش، فإنّه من البيّن أنه يبقى منقوصا في حال حصوله بمعزل عن ظروف التحقيق وما آل إليه من وضع عبثي تماما، قوامه تجميد التحقيق في إحدى أخطر الجرائم الحاصلة في لبنان بإرادة المدعى عليهم مقرونة بقرار سياسي. وعليه، وقبل تقييم هذا الاجتهاد، لا بدّ بداية من التذكير بأهم محطات التحقيق والتي تشكل من دون ريب أسبابًا موجبة له. 

هكذا تجمد التحقيق

تولّى القاضي بيطار التحقيق في قضية المرفأ بعد تنحية سلفه القاضي فادي صوان، على خلفيّة أنّ الأخير أعلن أنه لن يتقيّد بالإجراءات القانونية المتصلة بالحصانات والأذون المسبقة للملاحقة. وعليه، وبعد أسابيع من دراسة الملف، وإذ استعاد بيطار نفس لائحة كبار المدّعى عليهم التي نظّمها سلفُه مع إضافات عدّة، فإنه تمايز عنه بالتقيّد بالقراءة الأكثر تحفظا بشأن الأصول القانونية الواجب اعتمادها، وذلك بهدف تحصين التحقيق وتجنيبه اعتراضات غير ضرورية، من دون أن يعني ذلك تراجعا في حماسة الادّعاء أو الملاحقة. وعليه، وإذ وجّه بيطار طلبات أذن بالملاحقة إلى مراجع عدّة، فإنّه سارع إلى الطعن بقرار وزير الداخلية برفض ملاحقة اللواء عبّاس إبراهيم أمام النيابة العامة التمييزية خلال أقلّ من ساعة. وقد بدا من خلال ذلك وكأنّه اعتمد استراتيجيّة مواجهة للحدّ من المخاطر في ضرب التحقيق في موازاة تحميل المراجع مسؤوليّاتها تجاه الضحايا وذويهم والرأي العامّ، وتالياً خوْض معركة إسقاط الحصانات من دون القفز فوقها.

وإذ نجح هذا التوجّه في إرغام الجهات المعنيّة على صياغة مواقفها وتبريرها بلغة القانون في أول المطاف، فإنّ التذرّع بالنصوص القانونية من قبلها سرعان ما اقترن بتشويه واضح لها حتى لم يبقَ من القانون فيها إلا اسمه. وقد تجلّى ذلك بشكل خاصّ في رفض الهيئة المشتركة لمجلس النواب النظر في طلبات إعطاء الإذن بملاحقة النواب ما لم يزوّدها القاضي بيطار بكامل الملف والأدلة، على نحو يشكّل تشويها للنظام الداخلي للمجلس النيابي الذي نصّ فقط على وجوب تزويدها بخلاصة عن الأدلّة (المادة 91 منه). كما تجلّى ذلك في رفض رئيس مجلس الوزراء آنذاك حسان دياب النظر في طلب ملاحقة اللواء أنطوان صليبا لسبب شكلي آخر، وهو أن المرجع الصالح هو المجلس الأعلى للدفاع وأنه يجدر توجيه الطلب إلى المجلس، علما أن رئاسة الوزراء تؤدي وفق قانون الدفاع الوطني أمانة سرّ هذا المجلس. ومن اللافت أنه باستثناء نقابتيْ المحامين في بيروت وطرابلس، فإنّ مجمل المراجع المعنية (وزارة الداخلية، المجلس الأعلى للدفاع، النيابة العامة التمييزية، مجلس النواب) ردّت طلبات الإذن بالملاحقة لأسباب شكلية أو بعد اعتبار أن الملاحقة غير جدّية وفق تقييمها.

وفي موازاة ذلك، انطلقت ما أسميناه ورشة فبركة الارتياب المشروع بحقّ بيطار في وسائل إعلامية عدة، وبخاصة لجهة اتّهامه بالتسييس والتآمر وكل ذلك من دون أي دليل. وقد انتهتْ هذه المساعي التي بلغت مستويات قياسية بطلبات لتنحية القاضي بلغت هي الأخرى أرقاما قياسيّة بحيث وصلتْ في نهاية المطاف إلى ما يزيد عن 40 طلبا ودعوى، غالبها تؤدّي بمجرد تقديمها إلى تعطيل التحقيق بغضّ النّظر عن مدى جدّيتها.

وإذ عمدتْ بعض المحاكم الناظرة فيها إلى ردّها ضمن مهل قصيرة، سرعان ما ابتدع المحامون أساليب تقاضٍ من شأنها تعقيد هذه الدعاوى بهدف إطالة أمد مفعولها المعلّق. ومن وسائل التعقيد مثلا، تقديم دعوى ردّ ليس فقط ضد المحقق العدلي بل أيضا ضدّ رئيس المحكمة الناظرة في طلب الرد أو/ وأعضائها. ففي حالات كهذه، لا يكون للهيئة النظر في طلب الردّ إلا بعد انتهاء النظر في طلبات الردّ الموجهة إلى رئيسها وأو أعضائها، الأمر الذي أدّى عمليا إلى تعليق التحقيق لأسابيع إضافية. وقد بلغ الإبداع في تعليق التحقيق حدّه الأقصى مع اكتشاف وسيلة تضمن تعليقه إلى أجل غير مسمّى تتحكم القوى السياسية المناوئة للتحقيق بتاريخ حلوله. وهذا ما أدّى إلى تجميد التحقيق لأمد تجاوز السنة والشهر بصورة متواصلة. وقد تمّ ذلك تبعا لتقاعد غالبية رؤساء غرف محكمة التمييز من دون تعيين بدائل عنهم. وقد تمّ ذلك بداية بقرار من وزير الماليّة يوسف الخليل برفض التوقيع على مرسوم التشكيلات القضائية الذي أعده مجلس القضاء الأعلى بتعيين رؤساء جدد للمحكمة العليا. وهذا ما علّقنا عليه في مقال منفصل تحت عنوان: “فيتو وزير المالية يعطّل محكمة التمييز: ضمانة جديدة لنظام الإفلات من العقاب“. وقد أوضحنا في هذا المقال أن امتناع وزير المالية التوقيع على مرسوم التشكيلات القضائية غير قانوني طالما أن صلاحيته مقيدة لا تحتمل أي سلطة تقديرية عملا بقانون تنظيم القضاء العدلي الذي اعتبر مشاريع التشكيلات التي يضعها مجلس القضاء الأعلى ملزمة ونهائية. وفيما ازداد استحقاق التعيينات تعقيدا بعدما ربطه وزير المالية بزيادة غرفة في محكمة التمييز ومبدأ المناصفة الطائفية خلافا للأعراف المعتمدة في هذا الخصوص خلال العقدين المنصرمين، باتتْ بدعة المخاصمة أمام هذه الهيئة فاقدة النصاب بدعة مغرية لأي مدعى عليه لتعليق الملاحقة ضده. وهذا مثلا ما لجأ إليه المحامون في قضية ملاحقة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وشقيقه رجا ضد جان طنوس ومن بعده ضدّ النائب العام الاستئنافي في بيروت زياد أبو حيدر أو أيضا في قضية شركة ميشال مكتّف أو أيضا في قضية النافعة. بمعنى أنّ هذه البدعة باتت مفتاحا يمكّن أيّ مدّعى عليه من تعطيل الدعوى ضدّه. وعليه، وفيما انْوجدت طلبات الردّ أو المخاصمة كضمانات لحقّ الدفاع أمام القضاء، فإنّ الممارسة المعتمدة في قضية المرفأ والقضايا المالية حوّلتها إلى امتياز يُمكّن المدّعى عليه من تقويض المحاسبة القضائية أو تعليقها إلى أمد غير معلوم. وبالتالي، أصبحنا أمام حصانة جديدة لا تتعلّق فقط بالنواب والرؤساء والوزراء والقضاة، بل تمتدّ إلى أيّ مدّعى عليه قادر على توكيل محامٍ. وهو ما أمكن تسميته بشرعنة نظام الإفلات من العقاب. 

وبنتيجة ذلك، تجمّد التحقيق لسنة وشهر في هذه القضية كما في العديد من قضايا الفساد المالي وتبييض الأموال، مع ما يستتبع ذلك من خطر ضياع الأدلّة وحقوق الضحايا بالعدالة والمجتمع بالحقيقة. كما وجد الموقوفون أنفسُهم طوال هذه الفترة في وضعية عبثية قوامها عدم وجود أي مرجع قضائي صالح لسماع طلبات إخلاء سبيلهم. وقد أدى هذا الواقع إلى مجافاة حقوق أساسية باللجوء إلى محكمة مستقلة ومحايدة، وهي حقوق مضمونة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والتي تتمتع بقوة دستورية بموجب مقدمة الدستور. وهو مشهد بدت القوى السياسية والجهات المعنية بالسهر على حسن سير التحقيق والعدالة وكأنها تكيّفت معه في هذه القضية كما في سواها من القضايا.

تقاعس السلطات العامة من بذل الجهد لإزالة العوائق أمام استمرار التحقيق 

ولتجاوز هذا الواقع العبثيّ، كان من المفترض بالسّلطات الرسميّة أن تبادر إلى إيجاد حلول لتجاوز العوائق التي تحول دون استكمال التحقيق وإعادته إلى السكّة عملا بمبدأ الفصل بين السّلطات والتّعاون والتّوازن فيما بينها. إلا أنّه خلافا لهذا الموجب المفترض، بدتْ هذه السّلطات وكأنّها تكيّفت مع تعطيل التحقيق واكتفتْ بمعالجة بعض نتائجه، من دون أيّ جهد لإزالة العوائق التي تعترضُه.    

وهذا ما نستشفّه من مراقبة المساريْن اللذيْن كان بإمكانِهما أن يؤديا إلى إزالة هذه العوائق: 

  • المسار الأول تمثّل في وجوب إيجاد حلّ تشريعيّ للتّعسّف في ممارسة حقّ الدفاع من خلال تعديل أصول المحاكمات المدنيّة أو الجزائيّة، وتحديدا في اتجاه تجريد طلبات الرد والمخاصمة من مفعولها المعطل بصورة آلية. بمعنى أن لا يُعطّل التحقيق بمجرّد تقديمها إنما فقط إذا تثبّتت المحكمة المختصة من جدّيتها. وفيما قدم عدد من النواب اقتراحات مختلفة في هذا المجال، ومنها اقتراح موحّد اجتمعت عليه أكثر من كتلة، فإنه لم يجد حتى اليوم طريقه إلى الهيئة العامة لمجلس النواب وقد لا يتم ذلك قريبا بفعل تعارض هذا الاقتراح مع نية تعطيل التحقيق والتي عبّر عنها بوضوح الفريق السياسي الذي ينتمي إليه رئيس مجلس النواب نبيه بري. وما يزيد من صعوبة مناقشة هذا الاقتراح في الهيئة العامّة، هو التزام عدد كبير من أكثر النواب الداعمين لهذا الاقتراح بالامتناع عن التشريع إلى حين انتخاب رئيس للجمهورية، وهو أجل آخر تتحكم به المساومات بين القوى السياسية الوازنة،    
  • أما المسار الثاني وهو المسار المتّصل بوجوب تسريع إصدار مرسوم التشكيلات القضائية بتعيين رؤساء غرف في محكمة التمييز. إلا أن هذا المسار بدوره وصل إلى طريق مسدود بعدما تمّ ربطه عنوة بشروط التوازن الطائفي. وبنتيجة ذلك، تمّ تحويل المسألة من مسألة مسّ باستقلالية القضاء (وتحديدا استقلالية مجلس القضاء الأعلى في وضع مشاريع التشكيلات القضائية) إلى مسألة مساومات طائفية تتحكّم فيها هنا أيضا القوى السياسية الوازنة. بمعنى أن عودة مسار التحقيق في المرفأ باتت مثلها مثل التشريع وانتخاب رئيس الجمهورية محكومة بالتوافقات السياسية. وقد تأكّد ذلك في إعلان النائب الياس بو صعب توسّطه لإنجاز مشروع تشكيلات قضائية أكثر توازنا. وفيما لم يخفِ بو صعب أن وساطته تتجاوز قضية المرفأ لتشمل سلة من الأمور المختلف عليها، فإنه ذهب إلى تحميل رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبّود مسؤولية تعطيل التوافق السياسي على التشكيلات القضائية. وقد بدا واضحا سعيه إلى نقل مسؤولية تعطيل مرسوم التشكيلات القضائية وتاليا تعطيل التحقيق من وزير المالية (على خلفية أنه يمسّ باستقلالية القضاء) إلى عبّود (على خلفية أنه لا يرضخ للتوافقات السياسية). فكأنما الخيار ينحصر في أمر من أمرين: إما الالتزام بالتوافقات السياسيّة في تنظيم القضاء برمته وإما التكيف مع تعطيل التحقيق إلى حين إنجاز هذه التوافقات. وبنتيجة ذلك، تعطّلت التّشكيلات وسط تمييع للمسؤوليّات ووصل هذا المسار هو الآخر إلى طريق مسدود. 

بدعة القاضي الرديف

وعليه، وفيما تكيّفت القوى السياسيّة بنتيجة ذلك مع بدعة تعطيل التحقيق، برزتْ بدعة جديدة من لدنها وهي بدعة “القاضي الرديف”. إذ أنّ هذه البدعة تنطلق من مسلّمة قوامها أنّ المحقّق العدلي معطّل عن عمله، الأمر الذي يفرض تعيين قاضٍ يقوم مقامه، إلى حين عودته إلى العمل. وفيما تمّ ربط هذا التعيين بداية بالنظر في طلبات إخلاء سبيل الأشخاص الموقوفين، فإنّه سرعان ما بات مؤكّدا أنّ مهمّة القاضي الرديف المُراد تعيينه تتجاوز هذا الأمر لتشمُل النظر في الدفوع الشكلية كما النظر في أي أمر طارئ أو مستعجل. وبذلك، بدا بوضوح أن ما يسمّى القاضي الرديف هو مجرّد مدخل لتعيين قاضٍ بديل تتوافق عليه القوى السياسية محلّ بيطار (غير المرضي سياسيا عليه)، وعمليا لعزل هذا الأخير بصورة مستترة. وعلى الرغم من التقاء المواقف القضائيّة والحقوقيّة على عدم قانونيّة هذا التعيين وتراجع رئيس مجلس القضاء الأعلى عن موافقته المبدئية عليه، فإنّ وزير العدل ذهب إلى حدّ دعوة مجلس القضاء الأعلى في سابقة غير معهودة للنظر في اسم القاضية المقترح منه. وإذ بدا واضحا أن غالبيّة المجلس تتماهى مع اقتراح الوزير، فإن هذا التعيين كان ليحصل لولا تعطيل نصاب انعقاد المجلس بفعل ممانعة عبّود له، وهي ممانعة كبّدت عبود ضغوطا متصاعدة، صدرت ليس فقط عن ثنائي أمل وحزب الله، بل أيضا عن أوساط الإدارة الأميركية. وهذا ما كشفت عنه المحامية الأميركية اللبنانية سيلين عطالله والتي اعتبرتْ في حديث للنهار أنّ عبّود يتسبّب في تأبيد توقيف أحد موكليها (بدري ضاهر) بما يعرّضه لعقوبات أميركية.

خيارات بيطار 

بخلاصة ما تقدّم، وتبعا لانسداد الأفق تماما، وجد المحقّق العدلي طارق بيطار نفسه أمام ثلاثة خيارات صعبة: 

  • إما أن يتنحّى، فاتحا بذلك باب تعيين محقق عدلي “توافقي” بمعنى أنه يرتضي العمل تحت سقف القوى السياسية والتسليم بفرضيات التفجير التي تناسبها،   
  • إما أن يقبل حال تجميد التحقيق إلى أمد غير معلوم مع خطر تعيين قاضٍ رديف “توافقي” سيتمكن تدريجيا من الحلول محله بصورة كاملة، 
  • وإما أن يجتهد منفردا ومن دون التعويل على أيّ من السلطات في تفسير النصوص لإيجاد مخرج من العبث الذي أدّى إليه استغلال نصوص أصول المحاكمات المدنية في ظل تواطؤ القوى السياسية الوازنة بحكم تعطيل التشريع والتشكيلات القضائية، وعمليا لاستعادة زمام التحقيق. والذهاب في هذا المنحى إنما يعني بحدّ ذاته اختيار “المواجهة” والتحدّي مع ما قد يستتبع ذلك من مخاطر وردود أفعال أكثر من متوقّعة. وهذا ما فعله في قراره الصادر في 23 كانون الثاني 2023 الذي اعتبر فيه أن الأصول التي تحكم قضاء التحقيق العادي لا تنطبق على المحقق العدلي (الذي هو جزء من محاكمة استثنائية تشمل الجرائم الخطيرة التي قد تمس بالأمن الداخلي أو الخارجي) وتاليا أنّ طلبات الردّ والمُخاصمة لا تؤدّي إلى تعليق التحقيق. 

وقد بدا بيطار من خلال ذلك وكأنّه يعمد إلى تفسير النّصوص وتطبيقها بصورة مغايرة، بعدما فرضتْ القوى المناوئة للتحقيق واقعا جديدا بات من العبثيّ في ظلّه الاستمرار في تفسيرها وتطبيقها على المنوال السابق. بمعنى أنّ بيطار وجد من الضروري التضحية بشيء من حقوق الدفاع (إمكانية تقديم طلبات ردّ أو مخاصمة ضده) بهدف المحافظة على ملكة القضاء وسلطته في التحقيق في إحدى أخطر الجرائم التي حصلت في لبنان. وهذا ما أسميناه اجتهاد الضرورة أي الاجتهاد الذي فرضه ظرف انسداد الأفق حول مصير التحقيق وأصبح ضروريّا تبعا لتغيّر الواقع للحؤول دون استتباب نظام الإفلات من العقاب. وعليه، فإنّ تقييم هذا القرار لا يمكن أن يحصل على أساس التحليل التقنيّ أو المنطق القانونيّ من دون أن نأخذ بعين الاعتبار طبيعة الأشياء المحيطة والتي لا بدّ أنها شكّلت العنصر الحاسم في قرار بيطار. بمعنى أن الحجج القانونية التي استخدمها بيطار لاتخاذ قراره تجد أساسها في ضرورة وضع حدّ للوضعية العبثية التي وصل إليها التحقيق من دون أن تشكّل بالضرورة قواعد يصلح الاعتداد بها في كلّ الظروف.

والتعسّف الذي أعلن بيطار نيّته في مواجهته لا يتمثل فقط في تعطيل التحقيق، إنما أيضا في تعاضد القوى السياسية على ردّ جميع الطلبات التي تقدّم بها ضد كبار الموظفين، فضلا عن تلكؤ النيابة العامة التمييزية عن النظر في مسؤولية القاضييْن اللذين كان أحالهما إليها منذ تموز 2022. إذ هنا أيضا اصطدم بيطار بواقع فرضتْه جريمة نظام تكاد تشترك فيها مجمل القوى السياسيّة الحاكمة. وهذا ما دفعه إلى اعتماد اجتهاد آخر قفز بموجبه فوق الحصانات القانونيّة على نحو يسمح له بتحديد المسؤوليات من دون انتقاص أو اجتزاء. وعليه، أمكنه الادّعاء على أشخاص يشغلون وظائف شديدة الحساسيّة ومنهم النائب العام التمييزي عويدات والمديرين العامين للأمن العام عباس إبراهيم وأمن الدولة أنطوان صليبا، فضلا عن قائد جيش سابق ( جان قهوجي) و3 قضاة. وبذلك، يكون القرار قد بلغ منسوبًا أعلى من المواجهة والتحدّي. ولا يمكن فهم الادعاء على هذه الشخصيات النافذة إلا على أنّها خطوة ضرورية تمهيدا لإصدار القرار الظني، إذ لا يمكن الادعاء عليهم من دون استدعائهم مسبقا للتحقيق. وهذا ما فعله بيطار.

الانقلاب

لم تتأخّر ردّة فعل النائب العام التمييزي غسّان عويدات على القنبلة التي فجّرها بيطار، وإن بلغت ردّات فعله مستويات من خرق الأصول والقواعد كان يصعُب توقّع الوصول إليها. وفيما وصّف ائتلاف استقلال القضاء يوم 25 كانون الثاني 2023 ما فعله عويدات بالانقلاب، ذهب نادي قضاة لبنان في الاتجاه نفسه بحيث اعتبر قرارات عويدات “خارجة عن الضوابط والأصول بشكل صارخ يهدد أساسات العدالة والقانون“. 

وبالعودة إلى تفاصيل ردود أفعال عويدات خلال الأيام التي أعقبت قرار بيطار، يسجّل أنها أخذت منحى انقلابيا في جوانب ثلاثة منها.  

استيلاء المدّعى عليه على تمثيل الحقّ العام  

الوجه الأول لانقلاب عويدات تمثّل في رجوعه على قراره السابق بالتنحّي عن أيّ دور كمدّعٍ عامّ في هذه القضية، وهو القرار الذي صادقتْ عليه محكمة التمييز أصولا وفق ما ذكر به بيان نقابة المحامين في بيروت في 26 كانون الثاني. وهو بذلك رفس بقدميْه تنحّيه السابق على خلفيّة أن نسيبه (شقيق زوجته غازي زعيتر) تم الادّعاء عليه فيها، وهو فعل ذلك في لحظة إبلاغه سببا إضافيا يستوجب تنحيه وبصورة قاطعة وهو أنّه بات مدّعى عليه في هذه القضية. وعليه، وبفعل هذا الانقلاب، وصلنا إلى نتيجة غير مسبوقة وهي اجتماع صفتيْ المدّعى عليه والمدّعي العامّ في هذه القضية في شخص واحد. 

المحقق العدلي في قفص الاتهام

الوجه الثاني للانقلاب ارتسمتْ ملامحه الأولى في الكتاب الذي وجّهه عويدات إلى المحقّق العدلي والذي تضمّن آيات منقولة من القرآن والإنجيل، تكاد تكون مقدّمة لما تبعه من إجراءات. الآية القرآنية هي “إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا. لا تنفذون إلا بسلطان”. ويُفهم من استخدامها في هذا الظرف أن عويدات أراد منها إبلاغ بيطار أنه مهما فعل، فإنّه لن يكون قادرا على النفاذ من سلطان النظام الحاكم الذي يحاصره. أما الآية الثانية والمستمدّة من الإنجيل فقد جاء فيها: “بالكيل الذي تكيلون به يكال لكم ويزاد لكم أيها السامعون”، ويفهم من استخدامها في هذا الظرف أن عويدات يتوعّد بيطار بأنه سيكيل له مثل ما كاله له وبنفس الكيل وزيادة. وقد وجدتْ هاتان الآيتان ترجمتهما بسرعة، بحيث لم يكتفِ عويدات بالادّعاء على بيطار بعدما استعاد صلاحيّته كمدعٍّ عامّ، إنما أصدر بحقه قرار منع سفر وكأنه يفهمه أنّه سيبقى تحت رحمة من يسيطر على الواقع اللبناني من دون إمكانية التحرّر منه. 

وبذلك، بدا عويدات وكأنه يقلب الأدوار، ليتحوّل من مدعّى عليه إلى مدّعٍ ضدّ المحقّق العدلي الذي ادّعى عليه، من دون أن ينسى تقديم شكوى ضد بيطار أمام هيئة التفتيش القضائي أيضا. 

مشهدية القوة ضد القضاء    

لم يكتف عويدات بهذه الإجراءات إنما عمد إلى تنظيم مشهديّة بالتّنسيق مع الأجهزة الأمنية بهدف إثبات مدى إمساكه بالواقع في وجه قاضٍ يتمّ تصويره على أنه فاقد لأيّ قدرة على مواصلة قضيته، أيا تكن نواياه أو إرادته.

أول المؤشرات على ذلك تمثل في استيلاء عويدات على صلاحيات بيطار، من خلال الإفراج عن مجمل الموقوفين في القضية. وفيما حذّر بيطار الضابطة العدلية من مغبّة تنفيذ قرارات عويدات غير القانونية حكما، فإنّ تنفيذها رغم هذه التحذيرات أظهر بصورة قاطعة أن عويدات هو الآمر الناهي في مسار هذه القضية وأنه قادر على فرض إرادته مهما كانت منافية للنظام القانوني القضائي برمته. وقد أتى مشهد زياد العوف (أحد المدعى عليهم المفرج عنهم بقرار عويدات) وهو يستقلّ طيارة بعد ساعات من الإفراج عنه بمثابة دليل آخر على قدرة عويدات على تطويع القانون كما يشاء.

ثاني المؤشرات على مشهدية القوة تمثّلت في تسريب المراسلة التي وجهها عويدات إلى عباس إبراهيم بوجوب وضع إشارة منع من السفر على بيطار. ويُشار هنا إلى أن هذه المراسلة لم تتمّ من خلال القنوات المعهودة لضمان وضع إشارات كهذه، إنما من خلال مراسلة مباشرة بين هذين المسؤولين الكبيرين تظهيرا للتنسيق الحاصل بينهما لتقييد حرية تنقّل القاضي الذي ادّعى عليهما ومنعه من مغادرة الأرض التي يتحكّمان بها. وقد تأكّد ذلك من خلال التصريح الإعلامي المقتضب الذي أدلى به إبراهيم في محضر وسائل الإعلام حيث أكد أنه وضع قرار منع سفر بيطار موضع التنفيذ. وكان من اللافت تحذير إبراهيم أنّ “بيروت أم الشرائع فلا تجعلوها أم الشوارع”، وهو تحذير لا يفهم منه إلا أنه تهديد باللجوء إلى الشوارع في حال استمرار الملاحقات ضدّ كبار المسؤولين. وبالطبع، وبخلاف ما ورد في هذه المقولة، الخيار ليس بين الشرائع والشوارع، بل بين الرضوخ لنظام الإفلات من العقاب السائد والفوضى الكاملة.

مشهد آخر يعكس انقلاب الأمن على القضاء تمثّل في الصورة المسرّبة لعويدات وهو يصعد على الدرج العريض للعدليّة مُحاطا بقرابة 20 عنصرا كتب على ظهورهم “أمن دولة”. إذ أن المشهد الذي تمّ تركيبه وترسيبه عمدا من دون ريب إنما يشكل دلالة أخرى على التفاف أمن الدولة (برئاسة مدعى عليه آخر هو طوني صليبا) على غرار الأمن العام حول عويدات الذي يستمدّ سلطانه ضد المحقق العدلي منها. وهذا أيضا ما أكّده الخبر المسرّب في 4 شباط نقلًا عن مصدر في أمن الدولة أنه في حال سطّر عويدات مذكرة إحضار بحقّ بيطار، فإن هذا الجهاز سوف يتقيّد بالإجراء وينفّذ المذكرة.   

أيّ أفق للتحقيق؟

منذ إعلان عويدات الانقلاب، طُرحت أسئلة جدّية حول أفق التحقيق. فكيف يمكن لبيطار إنجاز التبليغات أو أي مذكرة في حال كانت النيابة العامة لا تعترف بسلطته؟ وكيف يمكن له أن ينتهي إلى إصدار قراره الاتهامي من دون مطالعة النيابة العامة؟ لا بل سرتْ أنباء عن احتمال تدخّل وزير العدل لحرمانه من كتّابه، مما يجرّده من أيّ قدرة لوجستية في العدلية. وقد ترافق كل ذلك مع استمرار الحديث عن إمكانية تعيين قاضٍ بديل من وزير العدل ومجلس القضاء الأعلى أو عن تدخّل المجلس لضبط بيطار بما له من سلطة تأديبية وإن خلافا لإرادة رئيسه سهيل عبّود، وهو الأمر الذي تترجم في الدعوة التي وجهها وزير العدل لهذا الأخير بالانعقاد ل “البحث في تداعيات ملف تفجير مرفأ بيروت وما يستدعي ذلك من معالجات للحدّ من تفاقم الوضع الراهن الخطير”.  

ومجرد طرح هذه الأسئلة أظهر عبثية الوضعية التي وصلنا إليها، بعدما تمكن أحد المدعى عليهم في هذه القضية من الاستيلاء على النيابة العامة، متجاوزا قرار محكمة التمييز بتنحيته. فهل يعقل مثلا أن يتوجّب على المحقق العدليّ أن يرسل ملف القضية بأكمله إلى عويدات لاستطلاع رأيه فيها، بحجة أنه يمثل النيابة العامة ومن دون أن يترتب أي نتيجة على واقعة أنه مدعى عليه في القضية نفسها؟ وأليس من العبثي تماما أن يطلب من بيطار استطلاع رأي مدعى عليه كشرط مسبق لإصدار القرار الظني؟ أو هل يطلب من النيابة العامة التمييزية تسطير مذكرة إحضار أو توقيف بحقّ الرجل الذي يتحكّم بها ولا يؤخذ قرار فيها إلا بعلمه؟ وقد ظهّرت هذه الأسئلة أمرا عبثيا آخر نتج عن تقاعس الحكومة عن تعيين نائب عام تمييزي آخر في هذه القضية وفق المادة 354 من قانون اصول المحاكمات الجزائية والتي تنص على أنه في حال الادعاء على النائب العام التمييزي في قضية ما، يتم تعيين نائب عام تمييزي خاص في هذه القضية بموجب مرسوم يتخذ في الحكومة، علما أن هذا الإجراء يدخل حكما ضمن ما تجيزه قرارات تصريف الأعمال. وانطلاقا من ذلك، بدا بيطار وكأنه مدعوٌ للاجتهاد مرة أخرى بعدما بات تطبيق النصوص يؤدي إلى نتائج عبثية تماما في ظل الواقع المستجد للأشياء المحيطة.

ولكن السؤال الأخطر سرعان ما تمثّل في قدرة بيطار على التحرّك، وعمليا الانتقال إلى العدليّة في ظلّ تسريبات متواصلة عن تهيؤ عويدات لإصدار مذكرة إحضار بحقه؟ وقد تواترت هذه المعلومات بشكل خاص في الأسبوع السابق لبدء جلسات التحقيق: كأن يقال أن قائد الجيش العماد جوزف عون طلب منه عدم مغادرة منزله خشية تعرضه للاعتقال من قبل جهاز أمن الدولة بدعوى إحضاره إلى التحقيق أمام النائب العام التمييزي (الأخبار 30 كانون الثاني) أو أيضا أن ينقل الإعلام (الجديد 4 شباط) عن مصدر في أمن الدولة أنه في حال تسطير مذكرة إحضار بحق بيطار، فإن أمن الدولة سيعمد إلى تنفيذها. وقد بدا واضحا أنّ القوى المؤيّدة لعويدات والانقلاب الذي باشره ضد المحقق العدلي تجهد لمضاعفة العراقيل في وجه هذا الأخير لمنعه من تنفيذ مهمته أو إصدار القرار الظنيّ، وصولا إلى تهديد سلامته وحريته الشخصية. 

وفي حين اقتصرت حماية هذا الأخير بالمقابل على 4 عناصر من الجيش وذلك عملا بقرار حكومي، تزايد التركيز الإعلامي على عدم الادعاء على قائد الجيش في قضية المرفأ (رغم أنه ادعى في 23 كانون الثاني على قائد الجيش السابق جان قهوجي والذي ثبت علمه بوجود المادة المتفجرة)، على نحو يحوّل حماية سلامة المحقق العدلي بالحد الأدنى إلى عامل تشكيك وارتياب فيه أو أيضا إلى عامل ضغط لدفع هذا الأخير إلى التخلي عن هذه الحماية، بما يكشفه أكثر قأكثر أمام ترسانات القوى المناوئة لأدائه. 

ويبدو أنّ هذا العامل الأخير بالذات (أي تهديد حريّته الشخصيّة مع ما قد يستتبعها من تأثير على التحقيق) دفع بيطار إلى اتّخاذ قرار بإرجاء جلسات التّحقيق على ضوء “القرارات الأخيرة التي اتخذتها النيابة العامة التمييزية” إلى أجل لم يحدّده من دون التراجع عن قراره باستعادة زمام التحقيق أو عن أيّ من الادّعاءات التي سطّرها بحق النائب العام التمييزي أو المسؤولين الأمنيين أو القضاة. ويفهم من ذلك أن بيطار رأى صعوبة في استكمال عمله ما لم يتحقق أمران إثنان: أولا، أن يذعن عويدات لقرار محكمة التمييز بقبول تنحيه عن القضية منكفئًا عن الإمساك بعنان النيابة العامة، وثانيا، أن يتم إسقاط الشكوى المقدمة ضد بيطار بالاستيلاء على السلطة إما بقرار من النيابة العامة وإما بقرار من المحقق المفترض تعيينه في حال الإصرار عليها.    

وبذلك، يكون بيطار قد تقدّم تبعا لاجتهاد الضرورة خطواتٍ إلى الأمام في حماية التحقيق وإعادة الأمل في إنجازه، من أهمها استعادة زمام التحقيق بما يشكل حجة قوية يؤمل أن تقطع الطريق أمام تعيين محقق عدلي رديف أو بديل ومنها أيضا توسيع دائرة الادعاء لتشمل أشخاصا عدة وفي مقدمتهم النائب العام التمييزي والمديرين العامين للأمن العام وأمن الدولة فضلا عن قائد الجيش السابق. بمعنى أن اضطراره على تخفيف وتيرة التحقيق تحت وطأة القوى المواجِهة له، تمّ من دون أي تراجع للوراء والأهم مع إخراج التحقيق من حالة الجمود بانتظار لحظة أكثر ملاءمة للمضي قُدما فيه. 

فكأنما المعركة التي باشرها بيطار لخرق جدار الإفلات من العقاب كأيّ معركة شديدة الصعوبة لا يتوقّع أن تتمّ بشكل منتظم كما قد يحصل في دول أخرى ترسّخت فيها استقلالية القضاء ومبادئ المحاسبة، بل هي تتواصل على مراحل ومحطات يتخللها الكثير من العقبات والعوائق التي تشل التحقيقات أو تجمدها حينا أو تبطئها أحيانا أخرى، من دون أن تنهيها، طالما أن ثمة محققا عدليا ما يزال عازما وقادرا على إتمام مهمته بما تفترضُه من مواجهة لا تخلو من المخاطر. ومشاعر القلق والمخاوف التي تسكننا وقد توقّف التحقيق مجددا، لا يجب أن يحجب عنا واقعة أننا عدنا وتوقّفنا في محطة أكثر قربا من نقطة الوصول. فلنحدّق في هذه النقطة.

لقراءة المقال باللغة الانكليزية اضغط هنا

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، قرارات قضائية ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، مجزرة المرفأ ، محاكمة عادلة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني