بيروت المنكوبة بعد المجزرة: ناسها يداوون جراحها


2020-08-11    |   

بيروت المنكوبة بعد المجزرة: ناسها يداوون جراحها
الصورة لإيهاب فيّاض

في اللحظة الأولى لانفجار المرفأ قبل وصول سيارات الإسعاف، كان سائقو الدراجات النارية أوّل المستجيبين حيث بدأوا نقل الجرحى إلى المستشفيات. وقبل أن ينقشع الغبار عن بيروت وقبل أن يستيقظ اللبنانيون من صدمتهم، وقبل أن نعرف حجم الدمار وعدد الضحايا والمصابين، ازدحمت شبكات الإعلام الإجتماعي بمبادرات فردية وجماعية للمساعدة على كافة الصعد من نقل مصابين إلى البحث عن مفقودين إلى رفع الردم إلى تقديم خدمات تصليح إلى فتح المنازل للمشرّدين.

وهذا الأمر ليس غريباً في بلد أعلنت الدولة فيه إفلاسها واستسلامها عن القيام بأدنى واجباتها سواء في حماية مواطنيها من الأساس أو في مساعدتهم بعد الكارثة تماماً كما حصل ولا يزال يحصل في ظلّ الأزمة المالية حيث انتشرت حملات التكافل الإجتماعي كمحاولة لتعويض غياب الدولة.

واليوم تعجّ شوارع الكرنتينا والمدوّر والبدوي ومار مخايل والجمّيزة والأشرفية بمئات الشباب والشابات من جميع الأعمار يحملون المكانس والرفوش ويساعدون في رفع الدمار وتنظيف البيوت والمحلّات. وتنتشر الخيم التي توزّع الطعام والماء والملابس والأدوية فيما يعرض كل ذي مهنة تفيد ما بعد الكارثة خدماته حيث انتشرت على واتساب أرقام عمّال صيانة للمنازل ومهندسين وبلّاطين وأخصائيي زجاج وممرضين ومعالجين نفسيين وغيرهم.

متطوّعون ومتطوّعات منذ اللحظة الأولى  

منذ الساعات الأولى من صباح اليوم التالي للانفجار، هبّ العشرات من الأشخاص بيدين عاريتين لإزالة الركام والزجاج من قلب المدينة المفجوعة، إلى أن أصبح المواطنون يتهافتون بطريقة عفوية من كافة المناطق وفي أيديهم المكانس والرفوش وأكياس الخيش من أجل تجميع الزجاج والركام، فكانوا يقسّمون أنفسهم إلى مجموعات وكل مجموعة تتولّى مسؤولية تنظيف حيّ أو مبنى.

تقول آية أبي حيدر وهي خريجة من الجامعة اللبنانية الأميركية قسم التسويق لـ”المفكرة القانونية”: “لقد هرعت إلى شوارع بيروت بعد مشاهدة المدينة مدمّرة، لم أتّصل بأي جمعية أو جهة، اتفقت مع أصدقائي في الجامعة وذهبنا لتوزيع قناني المياه والأطعمة، ثم التقينا بأشخاص أتوا خصيصاً من عكار من أجل المساعدة في التنظيف، فوزعوا علينا بعض الأغراض وبدأنا بكنس شوارع الأشرفية، وعندما رأيت حجم الدمار بأم العين قلت في نفسي بأنّ هذا المكنسة لن تزيل ما خلفه الدمار الكبير، لكن رؤية الشباب من جميع أنحاء لبنان يتكاتفون من أجل هدف واحد، دفعني للمساعدة أكثر. بيروت كسرت ضهرنا بس روح الشباب رح تخلينا صامدين!”

هادي فرحات طالب في الجامعة اللبنانية وصاحب مبادرة “الناس الطيبة” التي بدأت قبل خمس سنوات لمساعدة المحتاجين، يقول لـ”المفكرة”: “منذ الدقائق الأولى للإنفجار، لم يكن لدينا أي معلومة حول ما حصل، مثلنا مثل كل اللبنانيين الذين سمعوا الصوت المدوي بقينا تحت الصدمة إلى أن أخذت الأمور تتضح، فقمت مباشرة بالتطوّع لنقل الأشخاص الذين يريدون التبرّع بالدم إلى مختلف المستشفيات على متن درّاجتي النارية التي لا أمتلك غيرها!”

ويضيف هادي: “قمت بجولات مع رفاقي من وإلى مراكز التبرّع بالدم والمستشفيات، فكنت في كل مرة أتحاشى النظر مباشرة إلى أهالي الضحايا الذين كانوا في حالة يرثى لها، والمبكي أكثر عندما كنت أقدّم الماء والطعام للأمهات، كن يرفضن الطعام رفضاً قاطعاً قبل العثور على فلذات أكبادهنّ، وشهدت عدة حالات إغماء بسبب الإرهاق وقلة الأكل”.

علا الحركة وهي ناشطة في جمعيات المجتمع المدني تقول لـ”المفكرة”: “كنّا أوّل من نزل إلى ساحة الشهداء، قبل البلديات وقبل الجهات المعنيّة. في بادئ الأمر قمنا بنشر دعوة على فيسبوك طلباً لمتطوعين من أجل إنشاء فريق إغاثة مركزي في ساحة الشهداء كي يصبح العمل أكثر تنظيماً، وطلبنا من المتطوّعين إحضار كل ما لديهم من معدّات يمكننا الاستفادة منها، فشهدنا تجاوباً فورياً”.

وتضيف الحركة:” نتلقّى المساعدات من مواطنين لبنانيين بعضهم في أوضاع غير ميسورة إلّا أنّهم لم يبخلوا أبداً على أبناء وطنهم، فمنهم من يقدّم الطعام المعدّ منزلياً، ومنهم من يقدّم المياه، ومنهم من يتبرّع بالأدوية إلخ..”.

ومن المؤسف بحسب الحركة “أننا لم نشهد أي أثر للهيئة العليا للإغاثة. أين هم ممّا نحن فيه؟”.

فرح زاهر أخصائية أدوية ومن أصحاب الإختصاص الذين توجّهوا نحو الخيم التي تم إنشاؤها في ساحة الشهداء من أجل تقديم الدعم الطبي لأهالي المنطقة المنكوبة وبحسب فرح: “كانت الأولوية لدينا تشكيل فرق من كافة الإختصاصات من أجل تقديم المساعدة للجرحى جرّاء الإنفجار، لأننا كما نعلم لم تتمكّن المستشفيات من استيعاب جرحى المجزرة الدموية. وقد استهدفنا الجرحى من أصحاب الإصابات الطفيفة نوعاً ما الذين يحتاجون إلى الرعاية الطبية مثل تنظيف جرح وغيره”.

وتضيف فرح: “كانت أكثر المستلزمات الطبية تصل إلينا عبر تبرّعات مباشرة من الصيدليات، أو حتى تبرّعات من مواطنين كانوا يهبّون لشراء مواد التعقيم، والشاش والقطن وغيره، والمحزن أيضاً هو أننا نعلم الحالة المادية التي يمرّ بها كافة المواطنين إلّا أنهم كانوا مصرّين على تقديم كل ما لديهم. المشهد بيكبّر القلب”.

أما حسن بسام وهو طالب تمريض فيقول لـ”المفكرة”: “بدون أي تفكير مسبق في الموضوع خطرت لدينا الفكرة ذاتها أنا ومجموعة من أصدقائي الذين يدرسون معي فقمنا بتوزيع أرقام هواتفنا من أجل مساعدة الجرحى الذين هم بحاجة إلى عناية في المنزل وطبعاً بدون مقابل”.

ويكمل حسن “هناك جرحى إصاباتهم بليغة، فكنّا نحاول تأمين مواد التعقيم وغيرها من مصروفنا الشخصي، لأن ما نقوم به هو واجب إنساني!”.

وكان لتوزيع الطعام حصّة كبيرة في المبادرات حيث انتشرت الخيم التي تقدّم الغذاء وحتى الطعام المطهي للمنكوبين والمتطوّعين. ومن المبادرات في هذا المجال، واحدة أطلقها الشاب مهدي نصور وهو خرّيج فندقية عاطل عن العمل، لإعداد الوجبات المعدّة منزلياً بمساعدة والدته. ويقول لـ”المفكرة”: “عندما سمعنا بخبر الانفجار أعلنت عن هذه المبادرة من أجل إطعام الأشخاص الذين تشرّدوا بالإضافة للأفراد المتطوّعين على الأرض. طلبت المساعدة المادية من بعض الرفاق المقربين من أجل إعداد وجبات على قدر قدرتنا المالية”. ويضيف “أنتهي من إعداد الوجبات عند الساعة الواحدة ظهراً، وأنطلق على درّاجتي النارية نحو المناطق المنكوبة لأوصل كل ما في جعبتي”.

Locate Victims Beirut

من المبادرات التي كان لها صدى إيجابياً كبيراً وباشرت العمل منذ اللحظات الأولى للانفجار هي صفحة Locate Victims Beirut  على إنستاغرام وهدفها العثور على المفقودين في الانفجار. أطلقت الصفحة إيمّا سليمان، وهي طالبة في المرحلة الثانوية وتبلغ من العمر 15 عاماً وتقول لـ”المفكرة”: “عندما باشرت الوسائل الإعلامية بالنقل المباشر من أمام المستشفيات، كان العديد من الأهالي يتهافتون من أجل البحث عن مفقود لهم. في بادئ الأمر لم يكن لدى المستشفيات لوائح بأسماء الجرحى والضحايا لديها، وكان عدد المفقودين يتزايد، فمنهم من فقد الذاكرة، ومنهم لم يعثروا معه على أوراق تثبت هويته، ومنهم وللأسف كان مشوّهاً، فقلت في نفسي يجب أن يبدأ العمل الجدّي في هذا الموضوع وللأسف لا يمكننا أن نعتمد على أجهزة الدولة، فكنا بحاجة لمبادرات فردية”.

وتكمل إيمّا: “قمت في البداية بإنشاء صفحة تحمل اسم Missing In Beirut وقمت بالتواصل مع فريق تقني متخصص من أجل إنشاء موقع إلكتروني يمكن الأشخاص من خلاله تزويد الصفحة بمعلومات حول الأشخاص المفقودين. وكنّا في الدقيقة الواحدة تصلنا عشرات الصور لمفقودين من مختلف الأعمار والجنسيات، وهنا قمنا بتغيير إسم الصفحة إلى locate victims  Beirutلكي تصبح أكثر انتشاراً وتفاعلاً”.

وتشير إيمّا إلى أنّ “عدد المفقودين حتى الآن يبلغ تحديداً 60، وهذا رقم دقيق حصلنا عليه من وزارة الصحة”. وتضيف: “كان هناك أشخاص من داخل الفريق الطبي في المستشفيات يرسل لنا صوراً للأشخاص المتواجدين لديهم، من أجل طمأنة أهلهم بأنهم على قيد الحياة، وهناك لوائح للأسف كنا نحصل عليها بالتواصل المباشر مع المستشفيات تطلعنا على أسماء الضحايا”.

ودفع الانتشار الكبير للصفحة إيمّا على توسيع نشاطها ليشمل “المساعدة في إيواء العوائل المشرّدة من خلال تطبيق بسيط يمكنهم أن يسجّلوا بعض المعلومات الخاصة بهم داخله ونحن نقوم بإيجاد المأوى المناسب لهم”.

مبادرات لترميم البيوت

تتّسم المنطقة المنكوبة في انفجار المرفأ بالطابع القديم حيث لا تزال تنتصب في أحيائها البيوت التراثية والقديمة التي سقط بعضها في الانفجار ولا يزال البعض الآخر ينازع. ولهذه المنازل تحديداً برزت مبادرات من مهندسين وجمعيات تُعنى بالتنظيم المدني والهندسة قدموا لمعاينتها وتحديد حاجاتها وجمع التبرّعات لتدعيمها.

كذلك برزت مبادرات لإعادة بناء منازل دمّرت في الانفجار بينها Rebuild Lebanon التي تتضافر فيها جهود أكثر من 10 منظمات غير حكومية وعشرات المتطوّعين لتنظيف الركام وتقييم الأضرار والبدء بإعادة إعمار المنازل المدمّرة. والمبادرة الآن تختم مرحلة التنظيف وتنتقل الأسبوع المقبل إلى مرحلة جمع البيانات لتحديد الأضرار والحاجات لبدء إعادة البناء. وخصصت مجموعة من المهندسين المدنيين والمعماريين والمورّدين دليلاً للأشخاص المتضررين لإضافة بياناتهم تحضيراً لمساعدتهم في إعادة بيناء بيوتهم.

تقول بتول اسكندر وهي منسقة ومتطوّعة في جمعية Who is Hussain إن الجمعية في صدد إطلاق حملة للمساعدة في إعادة بناء بيوت دمّرت في الانفجار، وبدأت جمع بيانات لإطلاق 30 مشروع إعادة بناء منازل ومحلّات مدمّرة وستطلق حملة تبرّعات لهذا الغرض.

وأطلق شخص رفض ذكر اسمه أو اسم شركته مبادرة شبه مجانية لترميم المنازل والمحال المتضررة جراء الانفجار. ويوضح لـ”المفكرة” أنّه يملك معمل بلاط ورخام وغرانيت، ويوظّف عمّالاً متخصّصين في هذا المجال، وقرر أن يقدّم البضاعة بسعر الكلفة وأن يدفع هو للعمال للقيام بالصيانة. ويوضح: “نحن اليوم نقوم بترميم أسقف بعض المنازل التي تضررت في منطقة مار مخايل، ولا أود أن أنشر اسم شركتي لأن الله سخرنا لمساعدت بعضنا البعض، وسأضع رقم هاتفي في خدمة كل من يحتاج للمساعدة، 03/979 289“.

الوضع النفسي للمنكوبين له حصّة أيضاً

كذلك نشر العديد من المعالجين النفسيين أرقام هواتفهم عبر تطبيق واتساب وسخّروا صفحاتهم على الشبكات الإجتماعية لتقديم الاستشارة مجاناً للمتأثرين بالانفجار. من بين هؤلاء المعالجة فاطمة فرحات اختصاصية علم النفس العيادي للأطفال والمراهقين، التي تنشر أيضاً النصائح عبر صفحتها على فيسبوك مرفقة بفيديوهات مصوّرة موجّهة للأهل تتضمّن خطوات يمكنهم اتّباعها مع أبنائهم لمساعدتهم على تخطي الصدمة. وتقول فرحات لـ”المفكرة”: “حوادث خطيرة كهذه مثل وقوع جريمة مروعة أو هجوم إرهابي أو حتى كوارث طبيعية مثل الزلزال أو الإعصار هي أمور مرهقة جداً للأطفال، ويمكنها أن تسبب القلق والضغط والألم النفسي مما يؤثر على الشعور بالأمان لدى الطفل ويشعره بالعجز والضعف”.

وتضيف: “حتى الأطفال الذين لم يتأثروا بشكل مباشر بالكارثة، يمكن أن يصابوا بالصدمة عندما يتعرّضون مراراً وتكراراً لصور مروّعة للحدث على نشرات الأخبار أو وسائل التواصل الإجتماعي”.

ومن النصائح التي تقدّمها فرحات للأهل: “شجّعوا أطفالكم على التعبير عن مشاعرهم بالكلام وإن أظهروها بالبكاء والصراخ وغيرها، والتحدث عمّا اختبروه. عززوا لديهم الشعور بالطمائنية عبر التأكيد لهم مثلاً بأنّ الأطباء والممرضين ورجال الإطفاء مستعدّون لمساعدة الجرحى. لا تشاهدوا نشرات الأخبار أمامهم ولا تتحدثوا عن الجرحى والضحايا حتى لا يزيد شعورهم بالتوتر. احرصوا على أن يشعروا بالأمان من خلال العناق الإضافي أو القبل، والأهم حافظوا على الروتين قدر الإمكان وسط الفوضى والتغيير فهذا يطمئن الطفل إلى أنّ الحياة ستكون بخير”.

وتنصح فرحات الأهل بمساعدة الأطفال على الاستمتاع بالأنشطة واللعب مع الآخرين، لأن الإلهاء جيّد بالنسبة لهم، باللإضافة إلى تمارين التنفّس، فيمكنك أن تحمل ريشة أو قطعة من القطن أمام فم طفلك واطلب منه أن ينفخ فيها، ويخرج الزفير ببطء. ضع وسادة محشوة على بطن طفلك أثناء استلقائه واطلب منه أن يتنفّس ويخرج الهواء ببطء ويرى الوسادة ترتفع وتنخفض”.

 ختاماً سنذكر بعض من الجهات والجمعيات الموجودة على الأرض:

 Embrace, Impact Lebanon, Lebanese Food Bank, whatworkforheba, Rebuild Lebanon, Donner Sang Compter, ICRC, Red Cross, UNICEF, Caritas, Ghandour, LAU, AUB, USG, LIU, LU, AFAD Turk, WHO IS HUSSAIN, URDA, Medicins sans Frontier…

بيت البركة، بيتنا بيتك، لحقّي، مركز إغاثة وطى المصيطبة، مواطن لبناني، منتشرين، الحركة الشبابية للتغيير، إيدنا بإيدكم، مستشفى الرحمة الكويتي، الهلال الأحمر الفلسطيني، الهلال الأحمر الإيران

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، لبنان ، حراكات اجتماعية ، بيئة وتنظيم مدني وسكن ، مجزرة المرفأ



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني