بيان ثان للمفكرة القانونية بشأن التشكيلات القضائية 2020: نرفض تغليب الاعتبارات السياسية على حقوق المواطنين بقضاء عادل


2020-04-17    |   

بيان ثان للمفكرة القانونية بشأن التشكيلات القضائية 2020: نرفض تغليب الاعتبارات السياسية على حقوق المواطنين بقضاء عادل

تبعا للإعلان عن توقيع وزيرة العدل ماري كلود نجم على مشروع التشكيلات، ضمن مرسومين مقترحين، أحدهما يتناول التعيينات في المحاكم العادية والآخر في المحكمة العسكرية، وبغضّ النظر عن المسار الذي سيتخذه هذان المرسومان، يهم “المفكرة القانونية” إبداء الملاحظات الآتية:

أولا، مشروع التشكيلات غير دستوري وغير إصلاحي: نسجل بقلق بالغ إخفاق الدولة بمؤسساتها كافة، بما فيها مجلس القضاء الأعلى، عن وضع مشروع تشكيلات قضائية شفاف وإصلاحي يكون على مستوى انتظارات الناس ورهاناتهم على القضاء، بعد عقود من الفساد والمحاباة واللامحاسبة. للأسف، وبمعزل عن المواقف الصادرة هنا وهنالك، فإننا نسجل 3 شوائب ملازمة لمشروع التشكيلات المقترح:

(1) أنه يخلّ بالمادة 95 من الدستور لجهة عدم جواز تخصيص مراكز قضائية لأي طائفة، مما يجعل مشروع التشكيلات غير دستوري ويشكل مدخلا للمحاصصة الطائفية والسياسية وهي محاصصة تتأكد في العديد من التسميات غير المبررة في هذا المشروع بالذات،

(2) أن التعيينات الجديدة في غالبية النيابات العامة تبقى قاصرة عن تحريرها إزاء القوى السياسية وتفعيل دورها في التصدي لفساد هذه القوى وتعسفها وبشكل أعم حماية الحق العام. ولا يسعنا هنا إلا التعبير مجددا عن خشيتنا من الهرمية الفائقة التي قد تمارسها النيابة العامة التمييزية على هؤلاء لإجهاض أي مسعى في مكافحة الفساد،

(3) أنه المشروع لم يراعِ مبدأ الشفافية من خلال فتح باب الترشيح العلني أمام القضاة للمراكز القضائية الهامة والأساسية مما أدى إلى إجراء التعيينات في الكواليس على نحو يخل بمبدأ المساواة بين القضاة،

ثانيا، تغليب الاعتبارات السياسية على الاعتبارات الإصلاحية عن الخطاب العام: نأسف لهيمنة الاعتبارات السياسية على الاعتبارات الإصلاحية الحقوقية المتمثلة بحقوق المواطنين بقضاء عادل وفاعل، في مجمل الخطاب العامّ حول مشروع التشكيلات. وقد برز هذا التوجّه لدى قسم كبير من مؤيدي مشروع التشكيلات والرافضين له على حدّ سواء، وتمثل في التجاذب الحاصل بينهم حول كيفية توزيع الصلاحيات بين مجلس القضاء الأعلى ووزارة العدل، بمعزل عن مضمون مشروع التشكيلات ومدى انسجامها مع انتظارات الناس. وهذا الجدل عبثي لأن مجلس القضاء الأعلى معين في غالبيته من الحكومة التي أسقطتها الثورة ولا يتمتع بضمانات الاستقلالية. وكان من الأجدى بدل التحزب لمجلس القضاء الأعلى أو لوزيرة العدل، طرح السؤال الآتي: هل تحققت مطالب الثورة بقضاء مستقل وعادل وقادر على مكافحة الفساد؟ وبشكل خاص، هل يحرر مشروع التشكيلات القضاء وبخاصة النيابة العامة من لعبة المحاصصة وإملاءات القوى السياسية؟ وإذا أتى الجواب نفيا، فإنه يصبح واجبا على القوى الثورية والإصلاحية حجب الثقة بهذه التشكيلات تماما كما حجبت الثقة عن الحكومة من قبل. أما أن نصفق لتشكيلات تناقض هذه المطالب، فهذا تخلّ عن قيم الثورة ومطالب الناس.

ثالثا، فصل التشكيلات العسكرية عن التشكيلات العادية: كما سبق بيانه، عمدت وزيرة العدل نجم إلى تجزئة مشروع التشكيلات الوارد من مجلس القضاء الأعلى إلى مرسومين: أحدهما عدلي والآخر عسكري مستندة بذلك إلى مادة قديمة وردت في قانون القضاء العسكري الصادر في الستينيات (المادة 13)، بما يعطي وزيرتي الدفاع والعدل سلطة الإقتراح بدلا عن مجلس القضاء الأعلى ويسمح تاليا بتقويض قسم من مشروع التشكيلات. مع التأكيد على تحفظاتنا بشأن هذا المشروع، فإننا نرفض تفسير القوانين على نحو يؤدي إلى إعادة إحياء نصوص قانونية مستمدة من قوانين إنشاء محاكم استثنائية، ونرفض تاليا اتجاه وزيرة العدل إلى فصل التشكيلات العسكرية عن التشكيلات العدلية، مع تأييد الرأي الصادر أمس عن الهيئة الاستشارية العليا بهذا الخصوص. فعدا عن أن هذه التجزئة تفتح الباب لمزيد من المساومات السياسية، فإنها تذهب في اتجاه معاكس تماما لما يفترض حصوله كونها تعزز المحاكم الاستثنائية في وقت تتطلب فيه مبادئ العدالة والمحاكمة العادلة حصر اختصاص هذه المحاكم بالقضايا العسكرية فقط ومنع محاكمة أي مدني أمامها،

استناداً لذلك، نطالب بالآتي:

1- نطلب من وزارة العدل ومجلس القضاء الأعلى المسارعة إلى نشر الأسباب الموجبة لمشروع التشكيلات وملاحظاتهم المتبادلة عليه، ضمانا للشفافية وتمكينا للرأي العام من تكوين قناعاته بشأن أدائهما،

2- ندعو القوى الثورية والإصلاحية للإستفادة من هذا النقاش المحموم لتصويب البوصلة في اتجاه الإسراع في إقرار اقتراح قانون استقلال القضاء وشفافيته، طالما أن من شأن إقراره في صيغته المقترحة أن يمهد لإنشاء مجلس قضاء أعلى متوافق مع مبادئ استقلال القضاء ووضع آليات شفافة وعادلة لإجراء التشكيلات القضائية بمنأى عن تدخل القوى السياسية المهيمنة. فلا ننسى أن معركة استقلال القضاء هي في الأساس معركة تشريعية وأن معركة التشكيلات ليست سوى سبب موجب إضافي له،

3- نذكّر أخيرا أن زهاء 40 قاضيا يتخرجون من معهد الدروس القضائية في شهر حزيران القادم، مما يتطلب تشكيلهم. وعليه ندعو ومنذ الآن، إلى أوسع التفاف اجتماعي للاستفادة من هذه الفرصة الجديدة لفرض معايير جديدة لوضع التشكيلات القادمة، وهي المعايير التي كنا طالبنا بتطبيقها في التشكيلات الحاضرة منذ ما قبل الإعلان عنها. ومن أبرزها:

  1. التزام المجلس بعدم تخصيص أي مركز لأي طائفة التزاما منه بالدستور،
  2. فتح باب الترشيح العلني للمراكز الهامة وعددها 20 (وهي رئاسات محاكم الاستئناف والنيابات العامة الاستئنافية والعسكرية وقضاء التحقيق الأول العدليين والعسكري) أمام جميع القضاة بمعزل عن طوائفهم، وإجراء مناظرات علنية معهم لتبيان مدى أهليتهم لإشغال هذه المناصب،
  3. إعطاء الوقت الكافي بين إجراء هذه المناظرات والتعيينات لتمكين الرأي العام من تكوين قناعاته ومناقشتها،
  4. استبعاد أي من القضاة الموصومين بانتماءاتهم السياسية عن أي من هذه المناصب الأساسية.

4- ننبه أخيرا جميع القوى والشخصيات الثورية والإصلاحية أيا كانت مواقعها إزاء خطورة الإنزلاق في صراعات غير مجدية، داعين إياها للتوحد بهدف تحقيق مكاسب بنيوية تشكل رافعة لاستقلال القضاء في القانون والممارسة تمهيدا لبناء الدولة المدنية والعادلة والقادرة.

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، المرصد القضائي ، استقلال القضاء ، لبنان



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني