بيان بشأن التعميم رقم 148: مكسب لأصحاب الودائع الصغيرة أم للمصارف؟


2020-04-14    |   

بيان بشأن التعميم رقم 148: مكسب لأصحاب الودائع الصغيرة أم للمصارف؟

صدر في 3/4/2020 التعميم 148 عن مصرف لبنان. وقد تمّ الإعلان عنه كإنجاز لحماية حقوق أصحاب الودائع الصغيرة (التي تقل عن 5 ملايين ليرة أو 3000 د.أ)، يخولهم سحب أموالهم من المصارف من دون قيود وبشروط عادلة. وإذ قد يتهيأ لنا أن المصارف تؤدّي من خلال ذلك دوراً مختلفا تماماً عن الدور الذي أدّته منذ 17 تشرين الأول، فإن التدقيق في تفاصيل التعميم يكشف لنا أنه يتيح للمصارف تحقيق مكاسب جديدة على حساب جميع المودعين، بما فيهم أصحاب الودائع الصغيرة، كل ذلك تحت غطاء مساعدة هؤلاء في ظل زمن الكورونا. فكأنما هنا أيضا لا تجد المصارف حرجا في استغلال حاجات الناس لتحقيق مكاسب سترتد لاحقا وبالا إضافيا عليهم. والأسوأ أن هذا الأمر ما كان ليتحقق لولا اشتراك حاكم مصرف لبنان وغطاء من السلطة السياسية الحاكمة.

وعليه ننبّه إلى مخاطر عدة ناجمة عن التعميم 148، أبرزها الآتيّة:

1- أن التعميم يشكل السند الرسمي الأول الصادر عن حاكم مصرف لبنان بتشريع ممارسات المصارف في تقييد حقوق المودعين. فتحت غطاء مساعدة أصحاب الودائع الصغيرة منهم من خلال تحرير ودائعهم، يقرّ التعميم تقييد حقوق سائر المودعين. وهذا ما يتجلى صراحة من خلال التأكيد على أن سعر الصرف للدولار يبقى بما يتصل بالتعامل مع سائر المودعين هو السعر المعتمد من مصرف لبنان (أي ما بات يوازي 50% من سعر صرف الدولار الحقيقي). وهذا ما تأكد في القرار رقم 13217 الصادر في 9 نيسان 2020 والذي نص على تحرير الودائع الجديدة، بما يعني ضمنا تقييد الودائع القديمة. وبذلك، بإمكان المصارف وفق التعميم إرغام سائر المودعين لديها (الذين ليست ودائعهم صغيرة جدا) على التخلي عن جزء هامّ من ودائعهم، تحت طائلة حرمانهم من سحب أي مبلغ منها، وعمليا بإمكان المصارف تحقيق إثراء غير مشروع على حساب المودعين. ومن هذه الزاوية، يكون التعميم غير قانوني وغير مبرر ومخالفا لمبدأ العدالة الاجتماعية المذكور في مقدمة الدستور والمادة 15 منه لجهة حماية الملكية الخاصة.  

2- إن تقييد حقوق مئات آلاف المودعين بالدولار بالشروط المذكورة أعلاه، يشكّل عمليا إقرارا بتعثر المصارف وتوقفها عن الدفع. وفيما يكون التوقف عن الدفع أمرا محتملا في أي شركة تجارية (ومنها المصارف)، فإنه أمر هجين أن يكتفي التعميم بتقييد حقوق المودعين من دون أن يرتّب أي قيود على مدرائها الذين يحتفظون بكامل صلاحياتهم، بل من دون وضع أي قيود أو رقابة قضائية عليهم. وهو واقع يتعارض تماما مع القواعد المطبقة على المصارف المتعثرة حيث تعيّن إدارة أخرى للمصارف ويتم التحفظ على أموال أعضاء مجالس إدارة المصارف كافة. بل على العكس، هنا أيضا، زاد التعميم من صلاحيات المصارف من خلال تمكينها من تحديد سعر السوق للعملات فضلا عن تمكينها من تحقيق مزيد من الإثراء غير المشروع،

3- تمّ التمييز بين المودعين خلافاً للمادة 3 من قانون حماية المستهلك التي كرّست “الحقّ بالإستفادة من معاملة عادلة ودون تمييز” وبشكل أعم لمبدأ المساواة المكرس في المادة 7 من الدستور. وقد بلغ هذا التمييز درجة كبيرة بنتيجة اختزال الودائع الصغيرة بالودائع الصغيرة جدا وأيضا بنتيجة التمييز بين أصحاب الودائع الصغيرة جدا نفسها. فقد اشترط التعميم للاستفادة منه أن يسحب المودع مجموع وديعته مما يؤدي عمليا إلى إقصاء كل الذين يحتاجون إلى إبقاء حساباتهم مفتوحة لتلقيهم حوالات رواتبهم الشهرية فيها. ويفترض أن يشكل هؤلاء الغالبية الكبرى للمودعين بالليرة اللبنانية، طالما أنه يفترض أن سائر المودعين بالليرة سحبوا ودائعهم من قبل تخوفا من انهيار قيمتها. ومن هنا، يصبح الحديث عن تعويض أصحاب الودائع بالليرة عن تراجع قيمتها منذ 17 تشرين محصورا بعدد ضئيل من الحسابات وبمثابة مفاخرة بعطاءات وهمية للناس،

4- أن التمييز الحاصل لصالح بعض أصحاب الودائع الصغيرة جدا يتم على حسب سائر المودعين من دون مبرر معقول. فما يأخذه هؤلاء لا يأخذونه كمساهمة من المال العام، بل من الأموال التي ما تزال في أرصدة المصارف، والتي هي في حكم المتوقفة عن الدفع فعليا. وأنه لو تم الإعلان رسميا عن التوقف عن الدفع، لأمكن هؤلاء أن يقبضوا من مؤسسة ضمان الودائع كامل ودائعهم،

5- أن التعميم أعطى المصارف حق تحديد سعر الصرف بالتنسيق مع مصرف لبنان بعدما فرض عليها أن تسدد قيمة الودائع الصغيرة جدا بالدولار، بالليرة. وبمعزل عن الجدل حول عدم قانونية لبننة الودائع بالدولار، فإن من شأنها أن تتيح للمصارف هنا أيضا تحقيق مكاسب كبيرة، طالما أنه يُخشى أن يكون السعر المعتمد منها أقلّ من سعر السوق الحقيقي. وهذا ما حصل فعلا بعدما حددت المصارف السعر ب 2600 ليرة للدولار الواحد فيما يتم التداول أنه تجاوز 3000 ليرة أي سعر السوق الحقيقية، بمعنى أن سعر السوق وفق التعميم يقل بأقل تقدير بنسبة 12% عن قيمة سعر السوق الحقيقية. ومؤدى هذا الأمر هو تمكين المصارف من اقتطاع 12% على الأقل من قيمة الودائع الصغيرة بالدولار، وتاليا تحقيق إثراء غير مشروع على حساب هؤلاء، بما يعرّي كل إعلانات النوايا بمساعدتهم،

6- يخشى أن يؤدي أخيرا ضخّ كمية كبيرة من الليرة في السوق دفعة واحدة إلى تراجع قيمتها أكثر فأكثر. فالهدف الأساسي من أي عملية إنقاذ أو تصحيح لوضعية المصارف يجدر أن يكون الحفاظ على حق تصرّف المودعين بأموالهم وليس إخراج أصحاب الودائع الصغيرة من النظام المصرفي.

لهذه الاعتبارات كافة، نرفض قطعا التعميم 148 الذي يشكل أسلوبا آخر ملتويا لإعفاء المصارف من التبعات القانونية لوضعية التوقف عن الدفع، وذلك على حساب سيادة القانون وحقوق المودعين. كما يشكل هذا التعميم مؤشرا على عدم جدية السلطات السياسية في معالجة الأزمة المالية بحيث نراها تتبع نفس النهج القديم الذي أودى بنا الى هذه الأزمة التاريخية والقائم على تقييد سلطة القانون والمؤسسات لخدمة مصالح قلّة قليلة من أهل المال والسياسة.

ونؤكد على ضرورة العمل على ترسيخ سيادة القانون وحيادية الدولة ومبدأ العدالة الإجتماعية الذي يفترض أن يكون له الأولوية دائما، وبخاصة في ظل الأزمة الحاضرة.

كما ندعو أخيرا جميع المواطنين على التنبه والتأهب بحيث نواجه معا كل ما قد يحاك أو يمرّر من سياسات تمييزية مجحفة، تحت غطاء أزمة الوباء.

جمعية المستهلك – لبنان،

لجنة المحامين للدفاع عن المودعين،

كلنا إرادة،

تجمع مهنيات ومهنيين،

المفكرة القانونية

انشر المقال

متوفر من خلال:

مصارف ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني