بعد 11 سنة من إنشائها، محكمة المستهلك باشرت عملها


2017-04-11    |   

بعد 11 سنة من إنشائها، محكمة المستهلك باشرت عملها

سالم هو سائق سيارة أجرة إشتراها بعدما حصل على قرض مصرفي لهذه الغاية. بعد ثلاثة أيام على إستلام سيارته عام 2013 وقيادتها تعطلت للمرة الأولى، فأصلحتها الشركة لتعود وتتعطل مرات عديدة بعد ذلك. على الرغم من ذلك، رفضت الشركة إستعادة السيارة، ما أجبر سالم على تحمل هذا الأمر على مدى ثلاث سنوات، بقيت خلالها سيارته ومورد رزقه معطلة بمعدل سنة تقريباً. أخيراً لجأ سالم إلى “محكمة حماية المستهلك” بعدما كانت قد فُعّلت أخيراً في حزيران 2016. و”محكمة حماية المستهلك” هي نفسها “لجنة حل النزاعات” المنشأة بموجب قانون “حماية المستهلك” الصادر عام 2005. تتألف هذه اللجنة من قاضٍ يترأسها، وممثل عن جمعيات حماية المستهلك عضو، وآخر عن غرفة التجارة والصناعة والزراعة. وهي تنظر بكل النزاعات التي تنشأ عن تطبيق أحكام قانون حماية المستهلك وتفسيرها. وعلى الرغم من تشكيل اللجنة منذ بعد إقرار القانون بفترة وجيزة ، الا أنها لم تفعل جدياً إلا في حزيران 2016.

الأحكام الأولى للجنة

سالم تقدم بشكواه أمام اللجنة بمساعدة محام مكلف من قبل نقابة المحامين في بيروت (معونة قضائية)[1]. وقد انتهت المحكمة برئاسة القاضي الياس شيخاني إلى إلزام الشركة باستعادة السيارة ودفع نصف ثمنها لسالم.  هكذا لم يؤثر تأخر سالم إلا على قيمة التعويض الذي حصل عليه، على إعتبار أنه إستهلك السيارة خلال السنوات الثلاث فلم يستطع استرجاع كامل ثمنها. بالمقابل رفضت المحكمة رد شكواه بحجة ورودها خارج المهلة معتبرةً أن “عدم تقدم المستهلك بشكواه ضمن المهلة المحددة يعود لإعتماد المحترف لوسائل المماطة”. حيث أن الشركة إستمرت بإجراء التصليحات ضمن مهلة الكفالة رافضةً إسترداد السيارة رغم ما فيها من عيوب. بالتالي إعتبرت أن دعوى سالم مقدمة ضمن المهلة القانونية على الرغم من مرور 3 سنوات على شرائه السيارة، فمنحته التعويض.

“أدال” قررت أيضاً أن تلجأ إلى محكمة حماية المستهلك. هي ربة منزل، تهتم بشؤون عائلتها المنزلية، بما فيها إعداد الطعام. بعد إتصالات عديدة، تمكنت الشركة المدعى عليها من إقناعها بتجربة “أدوات طهي صحية” تسوّق لها. على الرغم من إشتراط أدال عدم إلزامها بالشراء للقبول باستقبال المندوب وإجراء التجربة. إلا أن الأخير ثابر على إقناعها. هكذا، وقّعت على 41 سند دين، يتم بموجبها تقسيط الأدوات. في اليوم التالي على الشراء، قررت السيدة بعد التشاور مع زوجها إعادة الأدوات للشركة وإنهاء عقد البيع، فرفضت الشركة. إنتهت اللجنة إلى إلزام الأخيرة بإستعادة الأدوات ورد السندات الموقعة لـ “أدال” بالإضافة الى السندات الـ 40 الموقعة من قبلها. وقد إستندت في ذلك إلى قانون حماية المستهلك الذي “يمنح المستهلك الذي يتعاقد في محل إقامته العدول عن قراره بالشراء خلال مهلة 10 أيام من تاريخ تسليم السلعة…وذلك على الرغم من وجود نص في عقد البيع يمنعه من إعادة المواد”. فهكذا بند يعد “باطلاً”.

هاتان دعويان من 12 وردت الى المحكمة منذ تفعيلها، وهو رقم منخفض جداً. ومردّ هذا الإنخفاض هو عدم معرفة المستهلك بوجود هذه اللجنة ومدى سهولة اللجوء إليها.

كل الحقوق “محرزة”

 يشير القاضي شيخاني في حديث لـ “المفكرة” أنه لا يعلم “إن كان هناك دعاوى تذهب أمام القضاء في هذا المجال، لكن المنطق يقول بوجود هكذا دعاوى، ما يدفع للإفتراض أن الزملاء القضاة والمحامين أنفسهم ليسوا على دراية بوجود اللجنة ودورها”. بالمقابل وبفعل “إختصاص اللجنة حصري”، يفترض بالقضاة عند ورود دعوى مرتبطة بقانون حماية المستهلك إليهم أن “يمتنعوا تلقائياً عن البت بها معلنين عدم إختصاصهم، فتحال إلى لجنة حماية المستهلك”.

في محاولة للتأكد من هذه الفرضية، تم إجراء إستطلاع  عن مدى توجه المستهلكين إلى جهة قضائية عند نشوب نزاع بينهم وبين التاجر أو الحرفي. وقد تبيّن أن أحداً من المتفاعلين مع السؤال المطروح على فايسبوك لم يتوجه إلى أي جهة قضائية لحل مثل هكذا نزاع. بالمقابل يختلف سبب هذا الإمتناع من بين شخص وآخر. يبرر أحدهم الأمر بتدني قيمة النزاع: “كلها 300 دولار”. فهو يفضل خسارة هذه القيمة على أن يضطر لتحمل مشقة اللجوء الى القضاء “فلا وقت لذلك”. يسأل آخر بإستغراب “لجنة حماية المستهلك، من أين هذا الإختراع؟”. متفاعلة أخرى، وهي صحفية تقول أنه “في كل المرات التي واجهت فيها نزاع من هذا النوع، كانت تهدد التاجر أو الحرفي باللجوء إلى حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد، فيخافون”. بالنتيجة، القضاء لم يشكل وجهةً بالنسبة لهؤلاء المستهلكين، مع الإشارة الى أنهم جميعاً تكلموا عن نزاعات ذات قيمة مقبولة بالنسبة لهم.

يشرح شيخاني “الإمتيازات” التي يتمتع بها المستهلك أمام هذه اللجنة. أولها هو “تشكيل اللجنة من قاض وممثل عن حماية المستهلك وآخر عن غرفة التجارة التي تخولها حل هذه النزاعات بوقت أسرع، و تأمين العدالة والإنصاف للأطراف”. كما تمتاز المراجعة أمام اللجنة بالإجراءات “السريعة، والسهلة في ظل عدم اشتراط توكيل محام، بالإضافة إلى الرسوم المنخفضة وهي حوالي 12500 ليرة “. وليس آخراً، “سرعة البت بالدعاوى، فتنتهي في حوالي الستة أسابيع كمعدل تقريبي للدعوى”. يضيف شيخاني أن “قرارات اللجنة ملزمة ويؤدي عدم تطبيقها إلى تحميل المخالف غرامة تفرض بشكل آلي توازي 3% عن كل شهر امتناع عن التطبيق”.

إذن، “تكمن أهمية هذه اللجنة في تسهيل أمر التقاضي على المستهلك، ومحاولة حمايته بوجه التاجر والصناعي بصفته الفريق الأضعف، لا سيما أن التاجر أو الصناعي عادةً ما يحاولان فرض صيغة تناسبهم في حل نزاعاتهم مع المستهلك، لا سيما في النزاعات التي لا تتجاوز قيمتها المليون ليرة”. يقول شيخاني أن  أهمية هذه المحكمة تبرز تحديداً بالنسبة للمستهلكين غير الميسورين، حيث تكون نزاعاتهم منخفضة القيمة. ذلك أن الميسورين ما كانوا ليترددوا في اللجوء إلى القضاء في مطلق الأحوال من دون التفكير بالتكاليف التي سيتحملونها ما دامت قيمة نزاعهم أكبر من ذلك بكثير.

أبعد من النزاعات:  غبطال البنود التعسفية

يعرف قانون حماية المستهلك الـ”بنود التعسفية”، فيدخلها بذلك في إطار صلاحيات لجنة حل النزاعات. والبنود التعسفية هي “تلك التي ترمي أو قد تؤدي إلى الإخلال بالتوازن فيما بين حقوق وموجبات المحترف والمستهلك لغير مصلحة هذا الأخير”. ومن بين الأمثلة التي يطرحها القانون عن مثل هذه البنود، تلك “النافية للمسؤولية”(كالتي تنفي مسؤولية البائع عن الاضرار الناجمة عن السلعة التي يسوق لها)، البنود التي “تلزم المستهلك بدفع تعويضات لا تتناسب مع الضرر في حال عدم تنفيذه لموجبات العقد”. لا يحصر القانون هذه البنود في تعداد معين بل يوردها على سبيل  المثال. بالتالي فهو يترك للجنة أن تقرر ما إذا كان البند الوارد في أي عقد بين مستهلك وتاجر أو حرفي تعسفياً أم لا، وذلك إنطلاقاً من تعريف القانون لهذه البنود.

يتسع هذا المجال الإجتهادي في ظل ما ينص عليه القانون نفسه في بند “حقوق المستهلك”. فمن بين هذه الحقوق، “حق التقاضي بواسطة جمعيات المستهلك جماعياً”. ما يعني إمكانية فتح المجال لتقديم دعاوى أمام لجنة حماية المستهلك من قبل جمعيات مدنية بغض النظر عن وجود نزاع قائم بين مستهلك وحرفي أو تاجر. ما يعني أنه بات بإستطاعة أي جمعية أن تقدم دعوى تطلب فيها إبطال أي بند ينطبق عليه وصف البند فيسري الأمر على كل العقود المشابهة ولا يعود هذا البند محل جدال في النزاعات اللاحقة على إبطاله. فهل تتجه الجمعيات والنقابات إلى اللجنة للتخلص من كم هائل من البنود التي لطالما هدرت حقوق المستهلكين بسببها؟

نشر هذا المقال في العدد 48 من مجلة المفكرة القانونية


[1] – يمكن مراجعة : الهام برجس، “في ظل التنكر للحق بالمساعدة القانونية: النقابة تبحث عن الملفات في في أدراج القضاة وقوى الأمن”، 2 آذار 2017.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مجلة لبنان ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، اقتصاد وصناعة وزراعة



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني