بعد ثلاثة أشهر من تنصيب البرلمان في تونس: الجلسات العامة التشريعية في شبه عطالة


2020-02-18    |   

بعد ثلاثة أشهر من تنصيب البرلمان في تونس: الجلسات العامة التشريعية في شبه عطالة

انقضت ثلاثة أشهر منذ الجلسة الافتتاحية للمدة البرلمانية الثانية بحصيلة تشريعية باهتة جدا، اقتصرت على قانون المالية لسنة 2020 وقانون المالية التكميلي لسنة 2019 بالإضافة إلى عدد من الاتفاقيات الدولية والقروض. وفي حين ألقى تأخر تشكيل الحكومة بظلاله على عمل البرلمان، شهدت الأشهر الأولى من المدة النيابية اشكالات إجرائية عديدة في إحالة مشاريع القوانين وطريقة إدارة الجلسات، والتي ساهمت بدورها في جعل الجلسات العامة التشريعية في حالة شبه عطالة.

 

كان مبرمجا أن يصادق مجلس نواب الشعب في الأسبوع الماضي على أربعة مشاريع قوانين تتعلق بالموافقة على اتفاقيات ضمان وتمويل، والاكتتاب في رؤوس أموال بنوك دولية، بالإضافة إلى أربعة مشاريع قوانين تتعلق بالموافقة على اتفاقيات أخرى تعطلت المصادقة عليها خلال الأسبوع الذي سبقه. تأجل التصويت على الدفعة الأخيرة مرة أخرى إلى أجل غير مسمى، في حين تطلبت المصادقة على المجموعة الأولى جلستين بعد جدل كبير خلال الجلسة الأولى حول قانونية آجال إحالتها على الجلسة العامة. فقد أثار النائب نبيل الحجي (الكتلة الديمقراطية) مسألة عدم نشر تقارير لجنة المالية المتعلقة بمشاريع القوانين المعروضة لنقاش الجلسة العامة قبل اثني عشر يوما على الأقل من موعد هذه الأخيرة، وفق الفصل 85 من النظام الداخلي، وتعهد بالطعن في شرعية أعمال هذه الجلسة العامة أمام القضاء الإداري إذا تواصلت أشغالها. إجابة على ذلك، اكتفى رئيس المجلس راشد الغنوشي بالتأكيد على أن التقارير وزعت على الكتل في الآجال، وأن الموضوع حسم في مكتب المجلس الذي يضم ممثلين عن كل الكتل. أعقب ذلك احتجاجات و«فوضى»، على حد تعبير النواب أنفسهم، تعطلت بسببها الجلسة لساعة ونصف.

 

مشروع قانون موافقة على اتفاقية مع قطر يعطّل الجلسة العامة

لم يتوقف التهديد بالطعن في شرعية الجلسات عند هذا الحدّ، إذ أعلنت النائبة عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر، عن تقدم كتلتها بطعن لدى المحكمة الإدارية في أعمال الجلسة المسائية ليوم 4 فيفري الجاري. تضمن جدول أعمال تلك الجلسة النظر في أربعة مشاريع قوانين أساسية للموافقة على اتفاقيات دولية في مجال النقل، لكن واحدة منها أثارت جدلا، وهي الاتفاقية بين تونس وقطر بشأن الخدمات الجوية بين إقليمهما وما وراءهما. فقد اعتبرها عدد من النواب تخدم مصلحة قطر، وتجعل تونس «منصة لخدمة أجنداتها». وبعد استيفاء النقاش العام حولها، وقبل المرور للتصويت، طلب رئيس كتلة حركة النهضة نور الدين البحيري 15 دقيقة للتشاور، لكن معظم نواب كتلته وكتلة ائتلاف الكرامة لم يعودوا بعد ذلك. وباستئناف الجلسة، أظهر تسجيل الحضور عدم توفر النصاب للمصادقة على مشاريع القوانين الأساسية، مما دفع النائب الثاني لرئيس المجلس لرفع الجلسة.

رفعُ الجلسة لم يمر دون احتجاج عدد من النواب الحاضرين، الذين اعتبروا أن كتلة النهضة تحايلت على النظام الداخلي بطلب الخروج للتشاور، وذلك خوفا من سقوط الاتفاقية مع دولة قطر في التصويت. وقد اعتبرت النائبة عبير موسي أن ما حصل هو تغيير لجدول الأعمال دون الرجوع إلى تصويت النواب الحاضرين، وأن تسجيل الحضور لا يقع سوى في بداية الجلسة، معلنة تقديم كتلتها طعنا قضائيا في تجاوز السلطة. النتيجة هي تعطّل المصادقة على الاتفاقيات الأربع، بحيث اكتفى المجلس بجلسة عامة صباحية يوم الأربعاء 12 فيفري الجاري دون المرور إلى التصويت عليها. أما في الأسبوع الحالي، فلم تبرمج أي جلسة عامة تشريعية.

 

انتقادات متكررة لرئاسة المجلس

تكاد لا تخلو جلسة عامة من انتقادات لاذعة لرئيس المجلس راشد الغنوشي. فرغم نجاح رئيس حركة النهضة في نيل تصويت الأغلبية المطلقة من النواب في الجلسة الافتتاحية لصالحه، إلا أنه يلقى معارضة شديدة من كتل عديدة. وبالإضافة إلى الإشكالات والأخطاء الإجرائية التي مثلت مادة قارة للجدال السياسي في البرلمان، أثارت زيارته إلى تركيا ولقاؤه بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان انتقادات عديدة واتهامات بخلطه بين موقعه كرئيس للبرلمان وصفته كرئيس حركة النهضة. وقد اضطر لقبول تخصيص نقطة في جدول أعمال الجلسة العامة لمساءلته حولها. نفس الخلط ظهر في استقباله لرئيس الحكومة المكلف في مكتبه في البرلمان، ومحادثاته مع رئيس حزب قلب تونس نبيل القروي. كذلك، لم تمر التعيينات التي قام بها الغنوشي لعدد من المستشارين-الذين كان جلهم من الوجوه المعروفة في حركة النهضة-دون جدل تحت قبة البرلمان.

ولعل وجود زعيم حركة النهضة على رأس البرلمان يمثل فرصة بالنسبة لعدد من مناهضيه لتسجيل نقاط سياسية. في هذا السياق أعلنت رئيسة كتلة الحزب الدستوري الحر تقدمها بعريضة لسحب الثقة منه، طالبة من بقية النواب إمضاءها، ومتهمة من تخلفوا عن التوقيع بالتواطؤ مع حركة النهضة.

ورغم تأكيد بعض نوابها أن الأمر لا يستهدف بالضرورة شخص الغنوشي، تقدمت الكتلة الديمقراطية بمقترح تعديل للنظام الداخلي لتقليص عهدة رئاسة المجلس لسنة واحدة، أي أن يُجدد انتخاب رئيس المجلس ونائبيه في بداية كل دورة برلمانية، مثلما هو الشأن بالنسبة لتكوين اللجان. وقد حظي هذا المقترح بموافقة لجنة النظام الداخلي، في انتظار عرض التنقيحات على الجلسة العامة.

 

حصيلة تشريعية باهتة، ومشاريع قوانين جاهزة للتصويت منذ المدة البرلمانية الفارطة

باستثناء قانون المالية لسنة 2020، وقانون المالية التكميلي لسنة 2019، اقتصر العمل التشريعي في الجلسة العامة على مشاريع قوانين متعلقة بالموافقة على اتفاقيات دولية أو على تعهدات مالية للدولة. على الرغم من أن الحكومة الحالية لازالت تتقدم بطلبات استعجال نظر في بعض المشاريع المتعلقة بقروض، ويحضر وزراؤها للدفاع عنها، إلا أن تأخر تشكيل الحكومة الجديدة ساهم في تعطل العمل التشريعي. كما أن الكتل النيابية بدأت بتقديم مقترحات قوانين بعضها أحيل على اللجان وبدأت مناقشته. لكن اقتصار الجلسات العامة على النظر في الاتفاقيات الدولية والتعهدات المالية غير مفهوم. إذ توجد على رفوف المجلس مشاريع قوانين أنهت اللجان القارة نظرها فيها منذ المدة البرلمانية الفارطة التي انتهت دون التصويت عليها في الجلسة العامة، ومنها مشروع القانون المنظم لحالة الطوارئ، ومقترحين لتنقيح القانون المنظم للمهن الصيدلية. ولئن قررت الجلسة العامة إرجاع مشروع قانون حقوق المرضى والمسؤولية الطبية إلى لجنة الصحة، فإن بقية المشاريع، ومنها مشروع القانون المنظم لحالة الطوارئ، ظلّت على حالها دون أن يتخذ مكتب المجلس في شأنها أي قرار، كما أن لا بوادر في الأفق تدل على نية المجلس تمريرها للتصويت رغم أهمية واستعجالية المسألة.

 

انقضت الأشهر الثلاثة الأولى من المدة النيابية إذن على حصيلة ضعيفة جدا، وعلى مشاهد المناكفات والخصومات في الجلسة العامة، التي ساهم وجود راشد الغنوشي على رأس البرلمان وسوء إدارة الجلسات في تغذيتها، خاصة مع بروز أطراف سياسية جعلت من خصومتها مع حركة النهضة وسيلة يومية لكسب التأييد. وإن كانت شيطنة البرلمان في تونس مبالغا فيها في أحيان كثيرة، فإن البرلمان المنتخب حديثا لم يستغل بداية عهدته لإعطاء صورة مغايرة عن العمل البرلماني ولاسترجاع ثقة المواطنين والمواطنات في أهم المؤسسات الديمقراطية ومركز الحياة السياسية.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس ، دستور وانتخابات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني