بشار عبد السعود قضى في أقبية تعذيب مفتوحة من دون محاسبة وزوجته ترفض استلام جثته


2022-09-08    |   

بشار عبد السعود قضى في أقبية تعذيب مفتوحة من دون محاسبة وزوجته ترفض استلام جثته
رسم غابرييلا لطيف

تنوّعت الشبهات حول الضحية بشار عبد السعود والأسباب التي أدت إلى توقيفه بين تزوير عملات والانتماء إلى تنظيم “إرهابي”، إلّا أنّ حقيقة تعرّضه للتعذيب على أيدي عناصر من جهاز أمن الدولة، أصبحت حقيقة دامغة أثبتتها الصور المسرّبة والفيديوهات وتقرير الطبيب الشرعي، بانتظار نتيجة التحقيقات القضائية. وكانت اللجنة الأمنية في مخيم شاتيلا قد اقتادت عبد السعود وهو سوري الجنسية من منزله ليل الثلاثاء في تاريخ 30-8-2022، وسلّمته إلى القوّة الضاربة في جهاز أمن الدولة بناء لطلبها. وأوردت جريدة “الأخبار” التي نشرت خبر وفاته أن عناصر أمن الدولة نقلوه من المخيم إلى بنت جبيل للتحقيق معه بشبهة التداول بعملة مزورة والانتماء إلى تنظيم “داعش”، إلّا أنّه وبعد ساعات معدودات من اعتقاله أضحى بشار جثة هامدة، مشوّهة، تغزوها آثار التعذيب بالسّوط والأسلاك الحديدية التي استعملت في تعذيبه. 

وقد نشرت جريدة “الأخبار” خبراً مفاده أنّ “المتورطين” يحاولون لفلفة الجريمة تارة بالزعم أنّه توفّي جرّاء إصابته بذبحة قلبية بعد تناوله حبّة “كبتاغون”، وطوراً بسبب تعاطيه جرعة زائدة من المخدرات. إلّا أنّ تقرير الطبيب الشرعي، غالب صالح، أكّد وجود آثار تعذيب مبرح على الجثة. وبدت هذه الآثار واضحة في صور جثمان عبد السعود الذي قضى نهار الأربعاء 31-8-2022، تاركاً وراءه زوجة وثلاثة أطفال أصغرهم لم يتجاوز الشهر من العمر، وديناً تجاوز عشرين مليون ليرة، بحسب ما تقول زوجته، حمده سمير. وهي ترفض استلام جثته قبل تعيين لجنة من الأطباء الشرعيين لعدم ثقتها في تقرير الطبيب الشرعي الذي تعتبر أنه “يُمارَس عليه ضغط” والذي لم تستلمه العائلة أصلاً حتى الآن. 

وقد أثارت قضية وفاة عبد السعود وصور تعذيبه حملةً واسعة من الاستنكار والتعاطف، لا سيما من قبل المسرحي زياد عيتاني الذي كان قد تعرّض للتعذيب من قبل عناصر في أمن الدولة في العام 2017 من دون أن يحاسب أي منهم لغاية الآن مثلما لم يحاسب أي من مرتكبي التعذيب منذ إقرار قانون مناهضته قبل خمس سنوات.

وعلى إثر ذلك أصدر مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بالإنابة، القاضي فادي عقيقي، قراراً نهار الجمعة في تاريخ 2 -9-2022، بتوقيف عدد من الضباط والعناصر المعنيين بالقضية في جهاز أمن الدولة وإحالتهم أمام قاضية التحقيق العسكري.

وأصدرت المديرية العامة لأمن الدولة بعد يومين من وفاة عبد السعود بياناً أول في تاريخ 2-9-2022 ردّاً على مقالة “الأخبار” لم تتطرّق فيه إلى حادثة الوفاة أو أسبابها أو ظروفها، بل اكتفت بتوضيح أسباب توقيف عبد السعود ومضمون اعترافاته، علماً أن نشر الاعترافات يشكّل مسّاً بقرينة البراءة وجريمة خرق سرية التحقيق. وهذه مخالفات كانت المديرية قد ارتكبتها سابقاً في قضية المسرحي زياد عيتاني من دون أن تستخلص الدروس منها. وأوضحت المديرية في البيان الأوّل أنّه “بنتيجة التحقيقات التي أجرتها مع أفراد الخليّة (تابعة لتنظيم داعش)، اعترفوا بمعلوماتٍ أدّت إلى توقيف شريك لهم. وأثناء التحقيق معه، اعترف بأنّه ينتمي إلى تنظيم داعش الإرهابيّ، وأنّه كان من عِداد مقاتليه، ويدين بالولاء لهم، ووضعت المديريّة العامّة لأمن الدولة الحادثة بيد القضاء المختصّ”. وبعد ثلاثة أيام من البيان الأول، تطرّقت المديرية في بيان ثانٍ في تاريخ 5-9-2022 إلى وفاة عبد السعود وأكّدت فيه إحالة قضية وفاته إلى القضاء العسكري للتحقيق، “منتظرةً انتهاء التحقيقات لديه لاتّخاذ الإجراءات المناسبة”، مؤكدة “اتّخاذ أقصى العقوبات بحقّ كلّ من تثبت مخالفته لتعليمات المديريّة الواضحة، بما يختصّ بحقوق الإنسان ومناهضة العنف والتعذيب”.

وكيل عائلة عبد السعود ومدير مركز حقوق السجين في نقابة المحامين في طرابلس، المحامي محمد صبلوح، بصدد تقديم شكوى إلى النيابة العامة التمييزية، للادعاء على ضابط وعناصر من جهاز أمن الدولة الذين حققوا مع الضحية بشار عبد السعود، واللجنة الأمنية في مخيم شاتيلا، مؤكّداً رفض صلاحية القضاء العسكري النظر في القضية وضرورة تحويلها إلى القضاء العدلي. وقد زارت “المفكرة” عائلة عبد السعود في منزله في مخيم شاتيلا للوقوف عند وضع العائلة والمعطيات المتوفرة حول القضية. 

صورة بشار عبد السعود نشرتها منظمة العفو الدولية في تقرير لها حول قضيته

عبد السعود عتّال في شاتيلا يدرّس الدين في الجامع 

عند مدخل زقاق منزل عبد السعود في مخيم شاتيلا، يتجمهر حشد من الناس، منهم من لم يسمع بخبر وفاة جارهم عبد السعود، ومنهم من يبدي أسفه كونه “رجل كثير طيب”. عند مدخل الزقاق يقف صبي لا يتجاوز السادسة من العمر، هو ابن بشار البكر، يحمل بيده كيساً كبيراً فارغاً يستعدّ للذهاب إلى العمل في جمع الخردوات لبيعها، كما اعتاد أن يفعل يومياً مع والده.

يسحبنا أحد أقارب عبد السعود من بين الجموع، نصعد السلالم وصولاً إلى غرفةٍ صغيرةٍ معتمة، خالية سوى من فرشتين ومروحة  متهالكة، مع ممر صغير وضعوا فيه “غاز” قديم وبضع عبوات من المياه. وسط الغرفة تجلس حمده بيدها طفل رضيع، متماسكة غاضبة. 

جاء عبد السعود إلى لبنان، قبل ثمانية أعوام، عسكري هارب من الخدمة في الجيش السوري، تقول زوجته إنه طيلة هذه الأعوام لم تطأ قدمه أرض سوريا، وحدها من كانت تذهب لزيارة عائلتها في دير الزور ثم تعود إلى لبنان. سكنت العائلة في مخيم شاتيلا وراح عبد السعود يعمل “عتال” لتأمين رزق عائلته، “بروح من الصبح بيوقف تحت جسر السلطان إبراهيم ايجا شغل مناكل، ما ايجا ما ناكل”، في أوقات فراغه كان يعمل في تجميع الخردة والمخلّفات وبيعها يرافقه ابنه البكر، ويدرّس الدين لأطفال الحي في جامع شاتيلا القريب من منزله، “ايه أنا زوجي متمسّك بدينه، عنده صلاته وصيامه، بيعطي دين بالجامع، وين الغلط إذا حدا تمسّك بدينه؟”. 

ليل الثلاثاء وبينما العائلة مجتمعة لتناول طعام العشاء، طرق عناصر من لجنة الانضباط في المخيم الباب، وقاموا بتكبيل يديه واقتياده خارج المنزل، تروي زوجته لـ”المفكرة القانونية” أنّ زوجها لم يقاوم ولم يفكر بالهرب، بل قال لهم إنه مستعد للذهاب كونه غير مذنب، “في ناس قالوا له أهرب ونحن منساعدك بس هو ما قبل قالهم أنا ما عليّي شي”. تتابع زوجته أنّه خرج من المنزل بثياب النوم ولم يكن في حوزته لا مال ولا هاتف ولا حتى هوية، وقامت العناصر الفلسطينية بتفتيشه. مستنكرة التهم التي روّجت بحقه ومنها أنه مزور للعملة، “هيدا بيت واحد مزوّر أموال أو تاجر مخدرات، زوجي عليه دين أكثر من 20 مليون ليرة بس حق أكل وشرب وحفاضات وحليب”، وعن تناوله مواد مخدرة، تضيف الزوجة “عبد السعود لا يسمح بالسيجارة، مستحيل يكون آخذ مخدّر”.

تعتبر العائلة أنّ جهاز أمن الدولة أجهز على بشار سريعاً “هم ما حطوه بالسجن، همّي أخذوه ليصفوّه، أخذوه الساعة الثامنة، في اليوم الثاني عرفنا بوسائل التواصل خبر وفاته” تقول زوجته “هني أخذوه من البيت عايش كيف يرجعونه ميّت؟ ما بقبل. بدّي حق زلمتي وحق أطفالي”.

تعذيب وحشي وانتهاكات بالجملة 

نشرت جريدة الأخبار نهار الجمعة بتاريخ 5 أيلول العام 2022، خبراً مفاده مقتل موقوف تحت التعذيب، وبحسب الأخبار بدأت القصة في تاريخ 18 آب الفائت، عندما أوقفت دورية من مكتب أمن الدولة في بنت جبيل عدداً من المشتبه فيهم بتصريف أموال مزوّرة من فئة 50 دولاراً، وخلال التحقيقات معهم ورد اسم عبد السعود، الذي هو بحسب رواية أمن الدولة، واحد من أفراد خلية تابعة لتنظيم “داعش”. 

ويفيد تقرير الطبيب الشرعي الصادر في تاريخ 2-9-2022، والذي اطّلعت عليه “المفكرة”، عن وجود “ازرقاق واحمرار في الرأس من جهة الأذن اليسرى، جرح نازف في الشفة السفلى من الجهة اليمنى، بقايا دم في فتحتي الأنف، علامات حروق عدة في أنحاء الجسد، علامات كثيرة تدل على استعمال سوط أو سلك كهربائي في الأطراف العليا، الظهر والصدر والبطن والأطراف السفلى من جميع نواحيها حتى القدمين وتورّم في الخصيتين،” ويفيد التقرير أنّه تم سحب عيّنة من البول والدم وتم تسليمها باليد إلى عناصر الأدلة الجنائية، على أن يستكمل التقرير بعد صدور نتيجة الصورة الطبقية لكامل الجسد ويضع الطبيب تقريره النهائي. 

يقول المحامي صبلوح إنّه سوف يستند في ادعائه على وجود مخالفة لنص المادة 47 من أصول المحاكمات الجزائية لقانون تجريم التعذيب رقم 65/2017، ويشير في اتصالٍ مع “المفكرة” إلى أنّ هناك انتهاكات عدة تم ارتكابها بحق الضحية، “فقد قام عناصر أمن الدولة بربطه من يديه وقدميه وإلزامه على ملاصقة رأسه لقدمه على باب مخيم شاتيلا، وأساء العناصر الأمنية في المخيم معاملته. ويضيف أنه لم يسمح له بالاستفادة من نص المادة 47، لا من ناحية تلاوة حقوقه ولا من ناحية السماح له الاتصال بأهله، ولا من ناحية تعيين طبيب لمعاينته ولا من ناحية السماح له الاتصال بمحام ليحضر التحقيق الأولي معه. وتابع أن  مصير الضحية بقي مجهولاً ولا معلومات عنه حتى تاريخ السبت 3-9-2022، أي بعد حوالي أربعة أيام من توقيفه حيث تم الاتصال بعائلة الضحية وطلبوا منهم استلام الجثة بدون أي تفسير.

وسيطلب صبلوح في الشكوى تعيين لجنة أطباء شرعيين متخصّصة للكشف على جثة المغدور وعلى الموقوفين الآخرين في القضية نفسها بعد توفّر معلومات عن تعرّضهم للضرب والتعذيب وانتزاع الاعترافات منهم بالقوّة. وسيطلب أيضاً التحقيق مع الضابط والعناصر في أمن الدولة حول المخالفات التي ارتكبوها أثناء توقيفه ونقله وأيضاً حول التعذيب الذي تعرّض له، كما سيطلب التحقيق مع عناصر اللجنة الأمنية في مخيم شاتيلا حول خطف المغدور وحجز حريته من دون الاستحصال على إذن قضائي.

ويطرح صبلوح عدداً من الأسئلة في هذا الإطار، منها: هل يحق لجهاز أمن الدولة في الجنوب القدوم إلى مخيم شاتيلا والطلب من اللجنة الأمنية تسليمها المغدور بدون إذن قضائي؟ كيف تعاونت اللجنة الأمنية في المخيم وسلّمته خطفاً لجهاز أمن الدولة، وهي التي تركت مئات المطلوبين في المخيم بدون اعتقال بحجة عدم قدرتها؟ هل يحق لجهاز أمن الدولة مخالفة تطبيق نص المادة 47 وقتل المغدور عمداً لانتزاع الاعترافات منه بالقوة؟ لماذا لم يتم التحقيق وفق الأطر القانونية والإدارية معه لدى جهاز أمن الدولة المركزي في بيروت؟

رسم رائد شرف

دعوات إلى نقل الملف من القضاء العسكري إلى العدلي

يقول صبلوح إنّ مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي، الذي أمر بتوقيف الضابط والعناصر في جهاز أمن الدولة الذين تولوا التحقيق، قد أحال الملف إلى قاضية التحقيق العسكري نجاة أبو شقرا، وهذا مخالف لقانون 65/2017 (قانون تجريم التعذيب)، الذي يفرض إحالة الملف إلى القضاء العدلي وليس العسكري. 

وقد دعت منظمة العفو الدولية في بيان في تاريخ 7-9-2022 إلى نقل التحقيق في وفاة أبو سعود من القضاء العسكري إلى القضاء العدلي، وأشارت أنه “يجب أن يقتصر اختصاص المحاكم العسكرية على الجرائم العسكرية التي يقترفها العسكريون. ولضمان الشفافية والنزاهة، ينبغي إحالة قضية عبد السعود على نحو عاجل إلى القضاء العدلي. فأسرته تستحق الإنصاف والتعويض على خسارتها المأساوية”.

كذلك طالبت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان في بيانٍ مدعي عام التمييز، القاضي غسان عويدات، إحالة هذه الجريمة إلى قاضي التحقيق العدلي وليس العسكري والالتزام بالتطبيق الصارم للقانون رقم 65/2017 الذي ينصّ على تجريم التعذيب ومعاقبة مرتكبيه، خصوصاً لجهة تولّي قاضي التحقيق الناظر في الدعوى بنفسه القيام بجميع إجراءات التحقيق في شأن الأفعال المنصوص عليها في المادة 401 من قانون العقوبات، من دون استنابة الضابطة العدلية أو أي جهاز أمني آخر للقيام بأي إجراء باستثناء المهمات الفنية.

وكانت شكوى المسرحي زياد عيتاني بحق العناصر الذين شاركوا بتعذيبه قد أحيلت أيضاً من قبل النيابة العامة التمييزية إلى القضاء العسكري في العام 2018، إلا أن اعتراضه ورفضه الإدلاء بإفادته أمام القضاء العسكري أدّت إلى إحالتها إلى القضاء العدلي حيث لا تزال قيد النظر لغاية اليوم.

حملة استنكار ودعوات إلى وقف إفلات مرتكبي التعذيب من العقاب

واستنكرت الهيئة وفاة عبد السعود تحت التعذيب، واعتبرت أنّ أجهزة إنفاذ القانون في لبنان لا تزال تطبق ممارسات محظورة يفترض أنها أقلعت عنها بموجب الاتفاقيات الدولية والقوانين الوطنية. وطالبت مدعي عام التمييز، القاضي غسان عويدات، إطلاعها على مضمون وسير الادعاء أو الدفوع المقدّمة للجهات القضائية أو التأديبية أو الإدارية في هذه الجريمة. ولفتت الهيئة إلى أنّ صور التعذيب الوحشية تعيد التذكير بخطورة ثقافة الإفلات من العقاب التي يتحمّل القضاء اللبناني دوراً أساسياً في تكريسها، بسبب عدم تطبيقه القانون رقم 65/2017. 

وقدمت الهيئة في بيانها عدداً من التوصيات منها: تجميد جميع أعمال التحقيق في جميع المكاتب الإقليمية التابعة لجهاز أمن الدولة وحصرها بمركز الاحتجاز المركزيّ في المديرية العامة في الجناح باشراف القضاء المختص، مع مراعاة الالتزام الصارم بتطبيق القانون رقم 191/2020 الذي يرمي إلى تعزيز الضمانات الأساسية وتفعيل حقوق الدفاع في قانون أصول المحاكمات الجزائية، لا سيما المادة 47 منه.

وطالبت الهيئة، كذلك رئيس حكومة تصريف الأعمال والمكلف نجيب ميقاتي ووزيري المالية يوسف خليل والعدل القاضي هنري خوري وقف الممارسات التعسفية بحق الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب من خلال الامتناع عن توقيع مراسيمها التنظيمية ومرسوم نقل اعتماد لحسابها من الموازنة العامة ومحاولة تكريس سلطة وصاية على عملها. ودعت الهيئة حكومة تصريف الأعمال إلى استكمال دورها، من دون مماطلة أو إبطاء، في تفعيل الهيئة، وإقرار جميع مراسيمها التنظيمية. 

بدوره رئيس لجنة حقوق الانسان، النائب ميشال موسى، ندد بالحادثة، معتبراً أن “مثل هذا العمل جريمة نكراء في حق الإنسان أياً تكن جنسيته وانتماؤه”.  ولفت إلى أن “لبنان الذي صادق على اتفاقية مناهضة التعذيب التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولاحقاً البروتوكول الاختياري، وأقر القانون 65 العام 2017 المتعلق بمعاقبة التعذيب واستحدث الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة مناهضة التعذيب، ولا تزال سلطاته تتقاعس عن البدء فعليا بعملها وترجمة هذا القانون الواضح جداً”، مطالباً بالإسراع في تفعيل الهيئة الوطنية، داعياً القضاء والأجهزة الأمنية إلى “التزام تنفيذ القانون الذي يحدد آلية الاستجواب في حالات التوقيف، ويمنع تكرار مثل هذه الجرائم”. 

أما نواب تكتل التغيير فقد عبر معظمهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن رفضهم الحادثة، فطالب النائب ملحم خلف بُمحسابة كلّ من تسبّب بموت الموقوف لدى أمن الدولة، واعتبر أنه من العار امتناع بعض الأجهزة الأمنية عن تطبيق المادة ٤٧ من أصول المحاكمات الجزائية التي تفرض إلزامية حضور محامٍ خلال التحقيق الأولي، ما من شأنه منع حصول أيّ تعذيب خلال التحقيقات. وتابع قائلاً “كم هو عار أنْ يُحوّل لبنان مِن دولة مشاركة في صوغ شرعة حقوق الإنسان إلى دولة بوليسية أمنية منتهِكة لكلّ أنواع حقوق الإنسان ومُمتهِنة لكلّ أنواع الترهيب والتخويف والتعذيب”. 

النائبة حليمة قعقور غرّدت أنّ “الجريمة هي وصمة عار بحق أجهزة إنفاذ القانون اللبنانية كافة، لا سيما جهاز أمن الدولة، والدولة اللبنانية، وتضاف إلى سجل ارتكابات أجهزة الأمن اللبنانية، ومخالفاتها للقوانين المرعية ومواثيق حقوق الإنسان. كما تعزز سطوة وصورة الدولة البوليسية عوضاً عن دولة القانون”. وأضافت أنّ “لبنان الرسمي لا زال ينتهك المعايير الدولية لحقوق الإنسان على الرغم من تبنيه اتفاقية مناهضة التعذيب”، ودعت القضاء المختص للتحرك سريعاً والتحقيق والكشف عن ملابسات الجريمة، مطالبةً  وزير الداخلية وسائر الجهات المعنية بتحمل مسؤولياتهم كاملة في هذا الملف”. 

بين عبد السعود وعيتاني: أقبية تعذيب لا يغلقها أحد 

وأعادت قضية تعذيب عناصر أمن الدولة لبشار عبد السعود إلى الأذهان فضيحة المسرحي زياد عيتاني الذي تعرّض للتعذيب على يد عناصر أمن الدولة لانتزاع اعترافات منه. فغرّد المحامي نزار صاغية معلّقاً: “بعد فضيحة زياد عيتاني كان يفترض التحقيق مع الضباط الذين حققوا معه. بعد اعتراف عناصر امن الدولة أمام المحكمة العسكرية بوجود غرفة سوداء كان يفترض أن تضع النيابة العامة يدها على هذا الموضوع طالما يعني وجود تعذيب منهجي بقرار من قيادة الجهاز. كل ما حصل ترقية صليبا وعويدات ورفاقهما”.

كذلك علّق المحامي محمد صبلوح: “لو عاقب القضاء الضابط في أمن الدولة الذي فبرك وعذب زياد عيتاني ولم يكرمه رئيس الجمهورية بالترقية إلى رتبة أعلى .. لما تجرأ الضابط والعناصر في أمن الدولة على قتل بشار عبد السعود”.

عيتاني نفسه وجّه رسالة عبر وسائل التواصل الاجتماعي عبّر فيها عن تضامنه مع عبد السعود قائلاً: “إلى أخي السوري، متضامن معك ومع الضحية التالية ومع الضحايا اللاحقين في أقبية التعذيب، اعرف ما هي تلك الأسلاك على ظهرك.. اعرف وجوههم وتحاملهم على لحمك الذي لم تحمله إلا أم صابرة ومحتسبة”. 

وفي رسالة ثانية وصف عيتاني من خلال تجربته آليات التعذيب التي استخدمت معه ومع غيره من الموقوفين وكتب، “بالنسبة للآثار على الجسد، أغلب الجَلْد بتّم إما بشرطان كهربا أو حتى بخراطيم مياه رفيعة، انت وحظك وتجاوبك معهم. الحروق بتّم عبر قداحات أو سجاير وأول تهديد بالحرق بيقصدوا فيه اماكن معينة بجسمك. الركل والضرب بصير انت ومكلبش طبعاً وأصعب شي لما يكون المحقق مهستر بدو يخلص تحقيق ويروح ع بيته بصير بيضرب على العمياني بدون ما يميز، هون إنت بصير همك تحمي راسك بس طبعاً ايديك مغلولين. أحيانا كتير بصير كل هالشي وانت معلق ب ٢ كلبشة كل وحدة موصولة بإيدك بتتعلق ببوابة حديد، هي بوابة النظارة. اذا كان معك موقوفين احيانا بيطلبوا منهم يضربوك وبس يضربوك بياكلوا خبيط، وبقولوا بعدين انو ضربناهم لانو تخانقوا. إذا قريوا محادثات ع تلفونك مع أكتر شخص بيلقطوا انو بيعنيلك، هالشخص رح يصير بكل مسبّة، وبكل تهديد الك اذا ما تجاوبت، واذا امراة ما فيني خبركم الكلمات يلي يبلشوا يطلقوها عنها قدامك، هاي شوي من اشيا عشتها واشيا سمعتها من موقوفين بالنظارة”.

انشر المقال

متوفر من خلال:

لجوء وهجرة واتجار بالبشر ، قضاء ، لبنان ، المرصد القضائي ، سوريا ، تحقيقات ، احتجاز وتعذيب ، أجهزة أمنية ، محاكمة عادلة ، محاكم عسكرية ، قرارات قضائية ، اختفاء قسري ، الحق في الحياة ، فئات مهمشة ، محاكمة عادلة وتعذيب



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني