انعدام الجنسية والتمييز العرقي في موريتانيا


2015-12-30    |   

انعدام الجنسية والتمييز العرقي في موريتانيا

الخلفية العامة:
بحسب التعداد العام للسكان والمساكن  الذي أجري ما بين 25 مارس و8 أبريل 2013، فإن عدد سكان موريتانيا يبلغ 3.537.368 نسمة. وتبلغ نسبة الشباب 50.7% ونسبة النساء 51%، ونسبة البدو الرحل 1.09%. ويقطن 27% منهم العاصمة نواكشوط، فيما تبلغ نسبة النمو السكاني 2.77% حسب المكتب الوطني للإحصاء. ويقدر البعض عدد البيض بحوالي 30% من السكان، كما أنّ هناك 40% من السكان من الحراطين (العبيد  والأرقاء السابقين)، وتوحّد اللهجة الدَّارجة “الحسانية” بين تلك المجموعتين. أما الفئة الثالثة من السكان فهي فئة الأفارقة السود من قبائل السننكي والفولان والوُولف (الزنوج، أو لِكْوَرْ) وتبلغ نسبتها 30%.كلّ مواطني موريتانيا هم من أتباع الديانة الإسلامية، وهو عامل أدى إلى الوحدة التدريجية والاندماج وساهم في تعريب الثقافة العالمة. وقد عرفت موريتانيا قديما بتسميات عديدة حيث عرفت ببلاد الملثمين أو بلاد صنهاجة أو بلاد التكرور أو السودان الغربي أو المنكب البرزخي وفي وقت حديث أطلق عليها موريتانيا وهي تسمية حديثة تم إطلاقها سنة 1843 من قبل  الضابط الفرنسي “كايْ”. إن هذه الخلفية العرقية والتاريخية المتباينة التي تعكسها التسميات الآنفة أدت في الماضي إلى التناغم الديني.  وقد تولدت عنها حديثاً نتيجة التراكمات التي لعب الاستعمار الفرنسي دوراً بارزاً فيها جملة من الاحتكاكات ذات الخلفية العرقية بالأساس تعمقت مع قيام الدولة الحديثة بعد الاستقلال الحاصل في 28 نوفمبر 1960.
 فخلال فترة الاستعمار، اعتمد الفرنسيون بشكل أساسي على مجموعة البيضان العرقية لإدارة العملية السياسية. لكن بعد الاستقلال، انتقلت مجموعات أكبر من دولة السنغال المستقلة حديثاً وما جاورها من الدول الإفريقية إلى جنوب موريتانيا التي كانوا طُردوا منها قبل قرون على يد الغارات التي تمارسها المجموعات الحربية المنتمية لمجموعة البيضان. ولعل أولى بوادر الاحتكاك بدأت سنة 1966 بظهور الأزمة العرقية في موريتانيا المستقلة حديثا على الساحة الطلابية والعمالية. وقد تمظهرت آنذاك على أنها صراع  ثقافي ولغوي، إلا أنها كانت بالأساس نتيجة التذمر من الغبن والتهميش الذي بدأ بالتغلغل في الإدارة الموريتانية.
 لقد غذَّتْ حالة الاستقطاب المتبادل والمتأثرة بطغيان المد القومي العُروبي أولى المحاولات الانقلابية العرقية التي قام بها السود سنة 1987. وقد سوق النظام هذه المحاولة على أنها محاولة عرقية للاستيلاء على الحكم، ونجح بإنهائها بإعدام قادتها، وسجن بعض المدنيين المحسوبين على حركة المشعل الإفريقي “إفْلامْ” الذين رأت الدولة آنذاك أنهم مرتبطون بمحاولي الانقلاب في سجن ولاتة على بعد 1212 كلم  من العاصمة .
إن التكوين الإثْني والعرقي لموريتانيا وحالة الاستقطاب الآنفة كانا سبباً لا جدال فيه لاشتعال الصراع الداخلي في موريتانيا الذي سيأخذ هذه المرة صورة التهجير القَسْري لمواطنين موريتانيين. ففي نيسان/ إبريل 1989، عمدت الحكومة الموريتانية إلى سحب الجنسية من خمسين إلى خمس وسبعين ألف “موريتانياً أسود” وطردتهم خارج البلاد. أصبح من هجِّر من دون وطن وجنسية.
لقد تم تجاهل هذه الكارثة خلال الأعوام التي تلتها. كما تم التغاضي عن التصفيات التي تمت في صفوف الجيش والمدنيين والتي استهدف بها السود أساسا سنوات 1992،1991. كما مثَّل العفو التاريخي بموجب  القانون رقم 2393 بتاريخ 14 يونيو 1993 المتعلق بالعفو عن الأعمال المرتكبة من  أفراد القوات المسلحة وقوات الأمن في الفترة مابين 01 يناير 1989 و18 ابريل 1992، نهاية آمال  ذوي الضحايا في محاسبة الضالعين قانونا.
لقد أدى الحراك القوي للقوى السياسية والحقوقية في موريتانيا فيما بعد والمدعوم دوليا إلى حَلْحَلَة موضوع الإرث الإنساني وتصفية ملف المبعدين. ويهمُّنا هنا هذا الملف الأخير لاتصاله بالموضوع محل الدراسة.
فلقد اتخذت السلطات الموريتانية خطوات واضحة من أجل تصحيح الوضع المتعلق بالمبعدين. ففي يناير 2008، قامت  بإنشاء لجنة وزارية مكلفة بعودة اللاجئين. وفي يونيو من نفس السنة، عينت اللجان المكلفة بالإشراف على عودة اللاجئين في السنغال ومالي وكذا دمجهم بصفة دائمة ونهائية في المجموعة الوطنية وتنسيق مجموع العمليات المرتبطة بعودة ودمج اللاجئين. ويتعلق الأمر أساسا باللجنة الوطنية للتوجيه والتشاور واللجنة الوطنية للتعريف. ولهذه الغاية، أنشأت الحكومة وكالة خاصة لدعم ودمج اللاجئين  عهد إليها بتسوية هذا الملف مع الشركاء الدوليين.
العودة من المنفى
في هذا المجال، سجّل بداية نشاط متميز للمجتمع المدني واللجان الحقوقية الدولية ومنها “اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب” التي توصلت في تقاريرها إلى أنّ التعاطي مع الموريتانيين السود خلال الفترة ما بين 1982 و1992 شكّل انتهاكاً لعدد من الحقوق المكفولة في إطار الحقوق الأفريقية الإقليمية. وقد  ذهبت هذه اللجنة في أيَّار/ مايو 2000 إلى اتخاذ قرار بوجود “انتهاكات خطيرة وكبيرة لحقوق الإنسان كما هي في الميثاق الأفريقي”. ويضاف إلى كل ذلك الحراك الوطني القوي للتنديد بما وقع خلال الثمانينيات من القرن المنصرم.
وقد أدت كل هذه العوامل مجتمعة إلى:
1/ إجبار الحكومة على الإعتراف بدورها في الإرث الإنساني ووضع إجراءات تعويضية للضحايا وعائلاتهم، والسعي إلى طي هذا الملف وبصورة نهائية.
2/ تنظيم عودة المبعدين الموريتانيين السود إلى موريتانيا مع ضرورة الإشارة إلى أن بعضهم عادوا من  تلقاء أنفسهم خلال النصف الثاني من التسعينات ما بين 1994 و1997 حيث عاد حوالي 30,000 لاجئا، وإن وجدوا صعوبة في العثور على عمل، واستعادة الحرية في الوصول على الأرض والأوراق الثبوتية. ونتيجة هذه الصعوبات، اضطر عدد منهم إلى ترك البلاد من جديد.
3/ و على إثر انقلاب 2005 على الرئيس معاوية ولد سيد أحمد الطايع، تعرضت موريتانيا للمزيد من الضغط السياسي لمعالجة الانتهاكات السابقة لحقوق الإنسان. فتم طرح الملف من جديد على طاولة النقاش خلال الأيام التشاورية التي نظمتها السلطات الانتقالية (مجلس العدالة والديمقراطية). وبهذا أصبحت هناك فرصة لتناول مسألتي سحب الجنسية والطرد التي حصلت في فترة 1989 – 1990 وحلحلة هذا الموضوع.
4 في 12 نوفمبر 2007، تم الاتفاق بين حكومات السنغال وموريتانيا والمفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة, ويضع الاتفاق المبادئ للطبيعة الطوعية للعودة، والحفاظ على الوحدة العائلية، والعودة في ظروف الأمن والكرامة وفي إطار يؤدي إلى عودة مستدامة. وتعهدت موريتانيا بتأمين عودة آمنة ومشرفة، ومساعدة العائدين في الاندماج الكامل في الحياة في موريتانيا، وتأمين حماية أملاكهم.
ومنذ ذلك التاريخ، بدأ برنامج العودة. وقد توقفت الإجراءات بسبب الانقلاب في أغسطس 2008 لتعاود في 2009 لتتوقف مجدداً من ديسمبر 2010 لغاية نوفمبر 2011. واستمر حتى مارس 2012، إلى حين اعتبرت المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أنّ البرنامج “اكتمل” بعودة 24.000 شخصا إلى موريتانيا تطبيقاً لذلك الاتفاق الرسمي. ولقد تضمن الاتفاق حصول المبعدين على وثائق عودة من المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة تخولهم بالمبدأ الحصول على بطاقات هوية وطنية واستعادة وثائق الولادة الخاصة بهم.
عوائق الحصول على الجنسية الموريتانية
 ورغم هذا الاتفاق والإجراءات التي اتخذت، فإن مشكلة انعدام الجنسية والقدرة على الحصول على وثائق الهوية ما زال مطروحا حتى اليوم وشكل محورا أساسيا من محاور التقارير الأممية عن حقوق الإنسان في البلاد”.
فرغم أن الدولة  تعترف واعترفت للعائدين بصفة المواطنة، لكن الأمر ليس سهلا  للحصول على الوثائق المدنية المثبتة، نظرا للإجراءات التي تتبع للحصول على وثيقة الجنسية لعدم توفر بطاقات الهوية. وأكثر من ذلك، فإنّ بطاقة الهوية، حتى لمن استطاع الحصول عليها، لا تؤمن الوصول إلى كل الحقوق المرتبطة بالجنسية الموريتانية في الطريقة عينها التي تسمح بها وثيقة الجنسية. فالأمر يتطلب مثلا لإجراء امتحانات الوظيفة العمومية الإدلاء بوثيقة الجنسية طبقا للمادة 6 من قانون النظام الأساسي للوظيفة العمومية  التي تنص على انه: ” لا يمكن لأي شخص أن يحصل على صفة موظف إلا إذا كان موريتاني الجنسية”. ومن أجل الحصول على وثيقة جنسية، يتطلب الأمر إبراز وثيقة ولادة أو وفاة ذوي المعني، وبطاقة هويتهم، ومعظمهم لا يملكون تلك الوثائق إما لضياعها خلال عمليات الترحيل، أو لكثرة الأخطاء التي اشتملت عليها تلك الوثائق إن وجدت.
التطورات الأخيرة
لقد وضعت الحكومة في ابريل 2011 إطارا قانونيا لعملية تقييد جديدة للسكان في السجل الوطني للسكان والوثائق المؤمنة. فبموجب المرسوم رقم 1102011 بتاريخ 1242011، يتم التقييد من خلال تحويل كافة الوثائق المدنية إلى وثائق بيومترية آمنة. ولهذا الغرض،  تمّ إنشاء الوكالة الوطنية لسجل السكان والوثائق المؤمنة بموجب المرسوم رقم 1502010 بتاريخ 06 يوليو 2010. وعلى الرغم من أهمية هذا الأمر، فقد اصطدم بمعوقات تشريعية وإجراءات فنية صارمة، يخشى منها فقدان عدد من الموريتانيين لجنسيتهم.
ومن أهم هذه المعوقات، القانون رقم 0032011 الصادر في 12 يناير 2011. فقد خلا هذا القانون من أي آلية انتقالية تمكن من تجاوز الأخطاء الإملائية والأغلاط في الأسماء وتواريخ الميلاد التي زخرت بها وثائق الحالة المدنية القديمة ومنها وثائق العودة وغيرها من الوثائق الإحصائية التي اعتمدت على إحصاء السكان سنة 1998. وهو ما منع الكثير من المواطنين من الحصول على بطاقات الهوية الجاهزة لإلزامية الإدلاء بالرقم الوطني للتعريف المبهم الذي لا يوجد إلا عند من شملته عملية التقييد الجارية. وبالتالي، في الحصول على الهوية في هذه الحالة لا بد أن يسبقه حصول أصول المعني (الأب الأم) على هذا الرقم الوطني للتعريف.
 إن هذه الحالات فرضت اللجوء إلى القضاء لتصحيح تلك الأخطاء أو إصدار عقود مثبتة للحالة المدنية (ميلاد، زواج، طلاق، وفاة). وقد تطلب الأمر كثيرا من الإجراءات القضائية، علماً أن الكثير من الوثائق تضمنت أخطاء في تواريخ الميلاد والأسماء مما تطلب تدخل القضاء مرة أخرى لتصحيحها. ورغم هذا، فان القانون الآنف يحرم تصحيح سنة الميلاد بتاتا وهي ثغرة أخرى لم تضع في الحسبان ما مضى من أخطاء جلية.
لقد سببت هذه العملية مخاوف من استخدامها لحرمان أعداد كبيرة من الموريتانيين من وثائق الهوية  وبالتالي من الجنسية. وهو ما تم بالفعل إذ بقي كثير من السكان دون هويات ميلاد وبالتالي دون جنسية. لقد تعززت هذه الإحباطات بسبب منهجية عملية التسجيل، و لعدم وضع آلية موحدة لعملية التقييد (تختلف من مركز تقييد إلى آخر من جهة إلى أخرى) بالإضافة إلى صعوبة الحصول على القرارات القضائية المثبتة، و التمييز على أساس البشرة واللغة والعرق والتكاليف المادية الباهظة أحيانا (وجود مراكز التقييد في المناطق المأهولة وانعدامها في المناطق الأكثر هشاشة).
وهو ما أدى إلى حراك الأفارقة السود بمظاهرات تحت شعار “لا تلمس جنسيتي”  الهدف منها هو إبراز التخوف من استخدام التقييد في السجل السكاني للإقصاء من الهوية.
بالمقابل، يلحظ أن قانون الجنسية الموريتاني يسوِّي بين الرجل والمرأة في حالة منح الجنسية الأصلية للطفل المولود من أب أو أم موريتانية على أرض موريتانيا (المادة:8) ويمنح حق اختيارها في السنة التي تسبق بلوغ الأهلية للطفل الذي ولد في الخارج من أم موريتانية وأب أجنبي (المادة13).
كما قامت الدولة بمراجعة قانون الجنسية بموجب القانون رقم 0232010 بتاريخ1122010 وهي المراجعة التي مكَّنت من إدخال بعض المقتضيات المهمة منها السماح بازدواجية الجنسية بناء على ترخيص بالاحتفاظ (المادة31) صادر عن رئيس الدولة. ويلحظ أن ازدواجية الجنسية كانت ممنوعة في القانون المعدَّل والذي كان يعرض الكثير من المغتربين السود إلى فقد الجنسية الموريتانية بمجرد حصولهم على أخرى. وعلى الرغم من ذلك فإن قانون الجنسية لا يزال يحظر تجنيس غير سليمي الجسد والعقل (المادة:19)، وهو ما يجعل هذه الشريحة من الناس في حالة انعدام الجنسية أو هشاشتها، كما أن شرط الاستقامة والأخلاق الحميدة يبقى شرطا فضفاضا لا يمكن ضبطه.
ومن دون التقليل من أهمية الإصلاحات التي أحدثها المشرع في 2010، إلا أن عائق عدم وجود وثائق تثبت الهوية سيظل عائقا كبيرا دون الحصول على الجنسية، و التي بدونها سيمنع المحرومون من تلك الوثائق دون حق من المواطنة، وهو ما يستدعي مراجعة حقيقة وعاجلة للوضع.

مؤخراً، في نوفمبر 2015، تقدم أحدهم من اجل  التقييد للحصول على هوية. ورغم أن أبويه مسجلان في السجل إلا انه تم رفضه بالنظر إلى أنه لا يحمل أية وثيقة تثبت هويته. وعندما تقدم إلى القضاء، رفض القاضي إصدار قرار قضائي مثبت لنسبه بحجة أنه لا بد من الإتيان بتصريح من مركز التقييد أولا. وعندما رجع إلى المركز رفض رئيس المركز أن يسلمه الإفادة المبدئية ونصحه بأن يتوجه إلى محل ميلاد أبيه ليتسجل. وعندما ذهب إلى هذا المكان البعيد عن العاصمة تم الرفض مرة أخرى بحجة انه لم يقم بموريتانيا منذ تسع سنوات…  إن هذا الشخص ينحدر من أسرة هامشية ..لذا سيظل بدون هوية وبالتالي بدون جنسية. إنها صورة تلخص لنا موضوع النقاش.للإطلاع على النص مترجما الى اللغة الإنكليزية يمكنك الضغط هنا

نشر في الملحق الخاص بقضية عديمو الجنسية:

عديمو الجنسية في المنطقة العربية، أي قضية؟

انشر المقال

متوفر من خلال:

الجنسية ، لجوء وهجرة واتجار بالبشر ، مجلة لبنان ، مقالات ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، بلدان عربية أخرى



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني