امرأة تعتصم أمام بكركي احتجاجا على حكم يفصلها عن أولادها: أي مسؤولية للبطريرك في أعمال المحكمة الروحية؟


2019-02-15    |   

امرأة تعتصم أمام بكركي احتجاجا على حكم يفصلها عن أولادها: أي مسؤولية للبطريرك في أعمال المحكمة الروحية؟

في الوقت الذي ينشر فيه هذا المقال، تعتصم امرأة أمام أبواب بكركي احتجاجا على صدور حكم يمنعها من حضانة أو حتى مشاهدة أطفالها. تطالب المرأة بمقابلة البطريرك الذي ما يزال يتمنع عن ذلك على أساس أن لا علاقة له بعمل المحكمة الروحية.  ليس لل “المفكرة” أي اطلاع على ملف السيدة المعتصمة ولا أي معلومات خاصة بشأنه. توقفنا عند هذه السيدة المعتصمة إنما يتأتى فقط من باب الإضاءة على أمرين: أولا الشكل الجديد لاحتجاج سيدة ضد حكم صدر عن محكمة، لا تتوفر فيها معايير المحاكمة العادلة؛ وثانيا، مسؤولية بكركي عن أعمال المحكمة الروحية المنبثقة عنها. ويهم المفكرة متابعة القضية من هاتين الزاويتين (المحرر).

منذ ثلاثة أيام تنفذ المواطنة اللبنانية المهندسة دوللي خباز اعتصاماً مفتوحاً مع إضراب تام عن الطعام أمام الصرح البطريركي في بكركي، إحتجاجاً على حكم ابتدائي صادر عن المحكمة الروحية قضى بحرمانها من أولادها بحجة أنها غير مؤهلة نفسياً للإهتمام بهم.

القرار صدر عن القضاة الخوارنة جوزيف مخلوف والياس الخوري واسطفان الخوري بتاريخ 15/1/2019 وتسلمته خباز منذ ثلاثة أيام . ومع تسلمها للحكم، قادت دوللي سيارتها نحو “بكركي”  حيث تعتبر أن لديها فيها “أب هو البطريرك مار بشارة بطرس الراعي”، وهي مؤمنة أنه “لن يتخلى عنها وسيقابلها ويستمع لها”، ولكن مضت ثلاثة أيام من دون أن تتمكن من مقابلته، وإنما تلقت وعداً بإمكانية استقباله لها  نهار السبت في 16 شباط 2019 والذي يصادف غدا.

تحت الأمطار، وفي البرد القارس،  تعتصم دوللي في سيارتها، وقد  تضامنت معها عدد من النساء اللواتي حرمن من حضانة أولادهن بطريقة مجحفة وظالمة، كما أحضر لها البعض أغطية للتدفئة وسندويتشات لتأكل. لكنها  لا تزال مصرة على عدم تناول حتى كسرة خبز قبل أن تستعيد حقها بحضانة أولادها التي نذرت حياتها من أجلهم.

أمام بكركي  التقينا المرأة التي قيل أنها “غير مؤهلة نفسياً لحضانة أطفالها”. بلقائنا، عرفنا أن دوللي سيدة مهندسة. لا يبدو عليها أي من مظاهر “الاضطراب النفسي”. كل ما يظهر على وجهها هو الحزن العميق لخسارة عائلتها، هي التي لم تفكر يوماً أن أمراً مماثلاً قد يحصل معها.

بداية، تتحدث دوللي عن زواجها الذي جاء بعد قصة حب بدأت منذ أيام الدراسة الجامعية،  حيث كانت وزوجها في الصف عينه. درسا الهندسة سوياً، أغرما وعاشا قصة عشق امتدت لأكثر من ثماني سنوات  تزوجا بعدها ورزقا بشاب يبلغ من العمر 15 عاماً اليوم، وفتاة في السابعة من عمرها. فجأة، استيقظ الزوج ذات نهار، بعد نحو 25 عاماً على علاقتهما، ليخبرها أنه لم يعد بإمكانه الاستمرار في الارتباط الزوجي.

وعن قضيتها مع والد أبنائها ن. أ. قالت:”قضية الطلاق بدأت منذ نحو خمس سنوات. لم نتفق على الطلاق بل هو قرر الانفصال عني، ثم طلب إلى القاضي القيام بما يسمى بطلاق توافقي كي لا يحصل مشاكل بيننا. قرر الإنفصال لأنه يريد أن يعيش حياته، وغير قادر على الاستمرار بالعلاقة ضمن الإطار الزوجي”.

تضيف، في البداية، رفضت الأمر كليا، وطلبت مساعدة الأقرباء والأصدقاء عسى أن يبدل رأيه لأن هناك أطفال بيننا، لكنه أصر على طلبه. ثم بعد سنتين من محاولة إدخال الوساطة بيننا، سألني القاضي ان كنت أريد أن أرفع دعوى، فرفضت لأنني أريد استمرار زواجي. ولكن بعد فترة أخبرني القاضي بأنني بت مجبرة على رفع دعوى مُقابل دعوى زوجي، وتعيين محام، والسير بدعوى الطلاق، فتم ذلك. تؤكد دوللي أن”علاقتها بزوجها كانت مثل أي ثنائي متزوج لا تخلو من المشاكل الاعتيادية ولكنها كانت علاقة طبيعية جداً”. وتقول: “لم افكر بحياتي أن أصل إلى  طلاق”.

أما عن الإجراءات أمام المحكمة الروحية، فتقول:”هي مستمرة منذ ثلاث سنوات، وهذه الإجراءات تتضمن في ما تتضمنه الخضوع لجلسات مع معالج نفسي وطبيب أعصاب. وقد تم عرضي عدة مرات على معالج نفسي وطبيب أعصاب. وبنتيجة الجلسات أصدر الدكتور تقريراً لصالحي 100% حيث أظهر أنه لا مشكلة لدي. بعد ذلك، صارت الأمور تأخذ وقتاً، ولم أكن أفهم لماذا يحصل معي ذلك، وإذ أكتشف منذ ثلاثة أيام أنه صدر قرار منذ نحو الشهر، وهو يرتكز برمته على معالجة نفسية تقول بأنني مجنونة (مضطربة نفسيا)، وبناء على ذلك اتخذ القاضي قراره بأنه لا يحق لي الحصول على حضانة أولادي أو حتى رؤيتهم. المفارقة أن هذه الطبيبة (نتحفظ عن ذكر اسمها لعدم تمكننا من التواصل معها) لا أعرفها ولم أقابلها قط”.

تتابع:”في بداية إجراءات الطلاق، غادر زوجي المنزل ثم عاد لأسباب تتعلق بالدعوى. ولكن بات كل منا ينام في غرفة. وسألت القاضي كيف لإثنين يستعدان للطلاق أن يعيشا في المنزل نفسه، فأجابني أنه لا يوجد شيء في المحكمة المارونية يجبر الزوج أو الزوجة على ترك المنزل، وبإمكاننا الإستمرار في السكن في نفس المنزل طوال الحياة”.

ترى خباز أن “غرض طليقها من سحب حضانة أطفالها هو محاولة التنصل من كل المسؤوليات المترتبة عليه  بعد حصول الطلاق”. وأكدت أنها “لطالما كانت مسؤولة عن كل تفاصيل حياة أطفالها بشهادة المسؤولين في مدرسة أولادها، حيث قدمت المسؤولة ورقة إلى المحكمة تنص على أنني أم جيدة، وأهتم بأولادي، وكذلك فعل العديد من أهالي أصدقاء أولادي في المدرسة والجيران، ولكن كل هذه الشهادات لم يهتمّ بهاِ القاضي”.

وبسؤالها إن كانت تشك بتمتع طليقها  بوساطة ما، أجابت:”هناك علامات استفهام عدة لدي حيث أنه على الرغم من أن كل الشهادات هي لصالحي، فإن الحكم جاء لصالحه”.

حاولت دوللي التواصل مع بكركي في محاولة لرؤية البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، ولكن إلى الآن لم تفلح في ذلك: “في اليوم الأول  قالوا لي أن لا أحد قادر على رؤيتي، وأن عليّ الإنتظار الى يوم آخر فقلت لهم أنني لست مستعجلة، وسأبقى في الخارج أنتظر. في اليوم الثاني، قابلت رئيس المحكمة المارونية المطران حنا علوان، وكان متعجباً مما حصل معي ووعد بمساندتي. ثم طلبت مقابلة البطريرك فقالوا لي أنه من الممكن حصول ذلك نهار السبت في 16 شباط 2019، فأجبتهم “أنني أعتبره أبي، ولن أسلم قضيتي لسواه وبالتالي سأنتظره”.

تتواصل خباز يوميا مع أولادها عبر الهاتف، وتقول أنهم يدعمونها، وهي لا تفكر أن تبرح مكانها قبل أن تستعيد حضانتهم.

وختمت قائلة:”في هذا البلد يظنون أنه بإمكانهم ظلم المرأة، ودفعها إلى السقوط والانهيار. أنا لن أسمح بهذا الأمر وأنا لا أزال أقف على قدميي وهناك العديد من المحبين يدعمونني في موقفي”.

وتقول دوللي أن أحد الأطباء رأى أن طليقها “لا يتمتع بالنضج النفسي والعاطفي”، ومع ذلك فقد منحته المحكمة  حضانة أبنائه .

موقف البطريركية المارونية

وفي اتصال للمفكرة القانونية مع “بكركي” أوضح شخص رد على الهاتف ولم يقبل التعريف بنفسه وقال أنه يتحدث باسم البطريركية المارونية، أن “موضوع المرأة المعتصمة في الخارج هو في المحكمة، وأن لا علاقة للبطريرك به. وأن المطران علوان هو المشرف على المحكمة في حال كان لدى أحدهم شكوى أو مشكلة في قرار الحكم، وأنه سبق أن تحدث المطران علوان مع المرأة عدة مرات. كما فتحت بكركي الباب لها لتجلس في الداخل ولكنها تود الاعتصام  في الخارج لأن قرار القاضي لم يعجبها”. وأضاف  أن”القرار الذي حصلت عليه لا يزال في المحكمة الابتدائية ولا يزال  بإمكانها أن تستأنف. المطران المسؤول تحدث إليها، ولكن ربما هي تلجأ إلى هذه الطريقة لتضغط على القاضي، ولكن لا علاقة للبطريكية بالموضوع”.

وبسؤال إن كان هناك إمكانية لمقابلة البطريرك الراعي، كان الجواب أن”المرأة قابلت النائب العام له، وهذا يعني كأنها قابلته، وهو مسؤول عن المحكمة، فالمطران لديه سلطة على المحكمة، ولكن البطريرك لا سلطة له على المحكمة”.

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني