الهيئات الاقتصادية والمصارف “وجهان لعملة واحدة”


2019-12-01    |   

الهيئات الاقتصادية والمصارف “وجهان لعملة واحدة”

يضع أيمن قناع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة كلّما شارك في تحرّك أمام المصرف. يقف وسط المتظاهرين ويحاول تقليده مردداً “الليرة بخير” فتنهال عليه الهتافات المنتقدة لسياسة المصرف وحاكمه.

أيمن ليس الوحيد المؤمن بأهميّة النضال ضدّ سلطة مصرف لبنان والمصارف، وليس الوحيد المدرك أنّ هذا النضال يوازي بأهميته النضال ضد الطبقة السياسية. فكثرٌ من المشاركين في الإنتفاضة الشعبية التي يشهدها لبنان منذ أكثر من أربعين يوماً يشاركونه الموقف. فالكل متّفق أنّ أحد إنجازات انتفاضة 17 تشرين الأول هو الوعي الذي ينتشر ليس بين المنخرطين فيها فحسب بل بين شريحة كبيرة من اللبنانيين الذين يتلقّون يومياً كميات هائلة من المعلومات عن ملفات عديدة لم يسبق أن غاصوا فيها لاسيّما الملفات الاقتصادية. فأصبحت مصطلحات مثل “إعادة جدولة الدين” و”الهندسات المالية” و”قص الشعر” جزءاً من الأحاديث اليومية للكثير من بينهم.

وانطلاقاً من أهمية المعركة ضد السياسات المالية للدولة اللبنانية، يتداعى العديد من الأفراد والمجموعات المنخرطة في الإنتفاضة إلى تحرّكات أمام مصرف لبنان، ومؤخراً أصبحت التحرّكات تطال المصارف والهيئات الاقتصادية على غرار مسيرة تحت عنوان “وجهان لعملة واحدة” جرت الخميس في 28 تشرين الثاني من أمام جمعية المصارف نحو غرفة التجارة في الصنايع وصولاً إلى مصرف لبنان. والمقصود بـ”الوجهيّن” هما الهيئات الاقتصادية والمصارف اللتين يتهمهما المنظمون بـ”تعطيل مصالح عامة الشعب تحت عنوان الإضراب المزعوم وتهرّب الطرفين من تحمّل مسؤولية نتائج عقود من النهب والفساد والإستمرار بتمرير مصالح كبار المودعين حتى في ظل الأزمة”.

يقول منظمو مسيرة الخميس إنهم بضعة مجموعات صغيرة من أفراد اجتمعوا على أهداف معيّنة ويرفضون إطلاق تسميات على أنفسهم، فما يهم هو الهدف الذي يصبون إليه. في البداية كان التجمّع أمام جمعية المصارف صغيراً ولكن ما إن بدأوا المسير والهتاف، لم يعد مهمّاً عديدهم. فأصواتهم كانت عالية وواثقة، ومسيرهم على الأوتوستراد بثبات بالقرب من السيارات المسرعة بمواكبة الدرك، بدد الإحباط الذي شعر به بعضهم في البداية.

ولدى الدخول في النفق هتفوا تلقائياً “يسقط حكم المصرف” وكأنّهم ادخروه حتى تلك اللحظة لعلمهم أنّ النفق هو مكبّر طبيعي للصوت وأنّ الصدى الذي يردّه عمق النفق سيجعلهم يبدون أكثر عدداً. ومع الإقتراب من مصرف لبنان بدأت الأخبار تنتشر بين المتظاهرين عن أنّ زملاءهم في مجموعات أخرى عند المصرف استطاعت أن تسقط السياج الخارجي وتدخل إلى الرصيف الداخلي وهم الآن يتظاهرون في باحة المصرف.

ولكنّ المشهد أمام المصرف كان أكثر مما توقّعت نور، إحدى المنظّمات للمسيرة فانفرجت أساريرها بعد أن كانت متجهمة طيلة المسيرة رغم محاولات أصدقائها إقناعها بأن الناس غالباً لا يتحمّسون لموضوع المصارف ولم يدركوا بعد أهميّة هذه المعركة، وأنّ الأمر يحتاج إلى صبر ومراكمة جهود.

يقول الناشط خضر سلامة الذي يشارك في جميع تحرّكات المصرف إنّ “خط الإحتجاجات بين رياض الصلح ومصرف لبنان يجب أن يستمر، لأن مصيري السلطة السياسية والسلطة المالية مترابطان. وإن سقطت واحدة تسقط الثانية حتماً”.

كان ملفتاً لحظة وصول المسيرة إلى مصرف لبنان واندماجها بالتظاهرة عند المصرف التي كان زخمها عالياً بعد أن أسقط المتظاهرون السياج. فليس سهلاً لمن يهتفون منذ أيام “ارفع سور المصرف علّي، بكرا الثورة تشيل ما تخلّي” أن يتحقق لهم ما أرادوا. وبدت الباحة أمام مصرف لبنان كساحات الانتفاضة الأخرى، فقد كان الحشد كبيراً والهتاف عالياً. وما زاد من تأثير اللحظة هو الشعلات الضوئية الحمراء التي أضاءت المكان.

زبيب: حذار من التسليم مجدداً للسلطة نفسها

ورغم قوّة تلك اللحظة، لم يتوان عدد كبير من المتظاهرين عن التوجّه نحو باحة مصرف “فرنسبنك” للإستماع إلى آخر ما في جعبة الصحافي الاقتصادي محمد زبيب حول السياسات المالية والقرارات الأخيرة والحلول التي يجب أن تدفع الإنتفاضة نحو تحقيقها.

تحلّق العشرات حول زبيب منصتين إليه بكل تركيز، وكأنهم في صف دراسي. تحدث طويلاً من دون أن يقاطعه أحد، وكان البعض يدوّن الملاحظات على هاتفه أو على ورقة. استهلّ حديثه بالقول “الإقتصاد هو أنتم بينما هم فئة صغيرة جداً بل ضئيلة من الاقتصاد”.

وتطرّق بشكل خاص إلى كلام رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس قبل أيام وقال فيه إن الهيئات الاقتصادية ترغب في حكومة ترضي المجتمع المدني، مجتمع الأعمال والمجتمع الدولي. وأوضح زبيب أن “المجتمع المدني الذي تقصده هذه الهيئات ليس الذي أنتم جزءاً منه، بل المنظمات غير الحكومية يساهم رجال أعمال في تأسيسها ويتسللون إلى ساحات الإنتفاضة من أجل الترويج للخصخصة”.

أما مجتمع الأعمال فهو “المسؤول عن النهب والسرقة والمتواطئ مع السلطة لمراكمة الثروات في أيدي الأقلية على حساب المجتمع ككل وهو المجتمع الأوليغارشي الذي يورّث من دون أخذ متطلباتنا في الإعتبار. أما المجتمع الدولي فهو من يحاصرنا ويفرض علينا شروطه المذلّة والذي لم يقف مرّة مع حاجاتنا”.

واستنتج بأنّ “الحكومة التي تريدها الهيئات الاقتصادية تختلف عن الحكومة التي نريدها نحن. فنحن نريد حكومة انتقالية لا تتمثل فيها السلطة وتضع خطة لإنقاذ وحماية المجتمع من اإانهيار وتعكف على إقرار المنظومة التشريعية لاستقلالية القضاء والمباشرة بملاحقة الفاسدين واسترداد المال الذي نهبوه أو وهب لهم بالقانون أو رغماً عن القانون”.

وانتقد لاءات شماس: لا لقص الشعر، ولا لإعادة هيكلة ​الدين العام،​ ولا للضريبة التصاعدية على الأرباح والريوع، ولا لتخفيض الفائدة على ديون الدولة للمصارف، مؤكّداً أنّه إذا تحققت لاءاته فإن الدمار الذي بدأنا نشعر بها سيزيد أكثر أما إذا تحقق نقيضها فسنكون على سكّة الحل.

وأشار زبيب إلى أنّ تعزيز القطاعات الإنتاجية وإنشاء شبكة نقل عام وتفعيل قطاع الدواء وحل أزمة التلوّث جميعها ستقلل فاتورة الإستيراد الباهظة التي ندفعها. كما أن تخفيض الفائدة على دين الدولة للمصارف سيخّفض خدمة الدين العالية التي تدفعها الدولة لهذه المؤسسات.

وحذّر من أنّه لا يمكن حل الأزمة من خلال تبويس اللحى وعودة السلطة الأوليغارشية ذاتها. وأكّد أن من يجب أن يدفع ثمن الأزمة ليس صغار المودعين بل الفئة التي راكمت الأرباح الطائلة، وذلك عن طريق فرض ضريبة استثنائية على أصحاب الودائع العالية.

ما إن أنهى زبيب كلامه حتى انهالت عليه الأسئلة وكان يجيب بسخاء ومن دون تململ وحتى بعد أن تفرّق الحشد بقي يجيب على أسئلة من بقي في الباحة. وأثناء مغادرته الشارع استمرّ الناس في ملاحقته وطرح الأسئلة عليه حتى وصل سيارته وغادر المكان.

ناشطون داخل المصارف : أنتم نهبتم الشعب

قبل يوم من المسيرة، أي يوم الأربعاء 27 تشرين الثاني توجّهت مجموعة ناشطات وناشطين من قطاع الشباب والطلّاب في الحزب الشيوعيّ ومن مجموعة “لحقّي” إلى فروع مصارف “فرنسبنك” و”البحر الأبيض المتوسط” و”لبنان والمهجر” وعودة” لتوزيع أو تلاوة بيانات توضّح أنّ المصارف “هي التي نهبت الشعب اللبناني وخزينة الدولة منذ العام 1992 ولغاية الآن عبر إثقال الدولة بالديون والإستفادة من فوائد عالية، ولأنّها استفادت من هندسات ماليّة لحاكميّة مصرف لبنان، كما أنّها تخالف قانون النقد والتسليف وتضع ضوابط لرأس المال على هواها”.

وفي اليوم ذاته، توجّه عدد من المتظاهرين تلبية لدعوة قطاع الشباب والطلّاب في الجزب الشيوعيّ إلى جمعيّة المصارف في الجميّزة للتأكيد أيضاً “على بوصلة معركتنا بوجه الثلاثيّ التدميريّ لهذا البلد: المصارف، مصرف لبنان، والسلطة السياسية. ولنؤكّد أنّه لن نسمح للأحزاب الطائفيّة بحرف انتفاضة الشعب اللبناني عن مسارها الثوريّ لبناء دولة قادرة واقتصاد منتج يوظّف الناس والشباب والخرّيجين”، وعلّق المتظاهرون صور المدراء التنفيذيين للمصارف اللبنانيّة على جدران جمعيّة المصارف مشيرين إلى أنّهم وحاكميّة مصرف لبنان هم من يستحقّون أن يكونوا وراء القضبان وليس الشباب الذي يعتقلون تعسفيّاً.

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، اقتصاد وصناعة وزراعة



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني