النساء قاضيات.. حوار مع أمنية جاد الله


2021-05-07    |   

النساء قاضيات.. حوار مع أمنية جاد الله

في 8 مارس الماضي، وجّه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي دعوة إلى وزارة العدل حثّها فيها على الاستعانة بالنساء في مجلس الدولة والنيابة العامّة. أصدر مجلس الدولة بياناً صحافياً أقرّ فيه بتعيين قاضيات لديه، إلّا أنّ قرار المجلس لم يحقق المساواة وينهي عقود التمييز ضد النساء. فقد حصر القرار تعيين القاضيات بنساء يشغلن مناصب في هيئات قضائية أخرى، ونقلهنّ منها، من دون إتاحة فرص التعيين أمام خرّيجات كليات الحقوق في وظيفة مندوبة مساعدة كما هي الحال مع الخرّيجين الذكور، أو إتاحة التعيين للنساء من خارج السلك القضائي، من محاميات وعضوات هيئات تدريس. ومن المنتسبات إلى هذه الفئة، المعيدة في كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر أمنية جاد الله التي تناضل منذ ثماني سنوات لتحصيل حقّها في التعيين بمجلس الدولة.

بداية نضال أمنية، كانت في عام 2014، بعد إقرار الدستور المصري، حين تقدّمت بطلب للعمل كمندوبة مساعدة في مجلس الدولة، عقب إصدار الأخير إعلان التعيين لخرّيجي الدفعة ذاتها. رفض مجلس الدولة طلب أمنية كغيرها من خرّيجات كليات الحقوق اللواتي ترفض طلباتهنّ منذ أربعينيّات القرن الماضي تحت شعار “للرجال فقط”. في العام نفسه رفعت أمنية أوّل دعوى لها أمام القضاء الإداري تطالب فيها بوقف التمييز ضدّ النساء ورفض تعيينهنّ بمجلس الدولة. عام 2016، رفعت دعوى ثانية تطعن فيها بدستورية بعض نصوص قانون مجلس الدولة ولائحته لتعارضهما مع الالتزام الدستوري بتعيين النساء في كافّة الهيئات القضائية، المنصوص عليه بالمادة (11) من دستور 2014. رفض القضاء الإداري الدعويين اللتين تختصم فيهما أمنية المجلس، وتطالبه بالفصل بينها وبين نفسه، وهو ما يضعها في “حلقة مُفرغة” على حد وصفها، معتبرة أنّ اختصام المجلس في حالتها “غير دستوري”. نحاول في هذا الحوار، توفير مساحة لفهم أبعاد قضية أمنية كتجربة شخصية لقضية عامّة تخصّ نساء أخريات.

أسّست أمنية عام 2018 مبادرة حقوقية توعوية، تحمل اسم “المنصة حقها” تختص بمكافحة التمييز ضدّ المرأة المصرية وحرمانها من تولّي مناصب في القضاء. وتهدف أيضاً إلى دعم النساء الساعيات إلى اعتلاء مناصب مختلفة بكافة المؤسّسات القضائية، من دون تقييد، بما يعزز سيادة القانون، ويحقق الالتزام بالاستحقاقات الدستورية.

المفكرة القانونية: لماذا تعتبرين اختصام مجلس الدولة بدعوى قضائية غير دستوري في حالتك؟

أمنية: لأنّ الدعوى تطالب مجلس الدولة بالحكم ضدّ نفسه فعلياً، والاعتراف بأنّ قراره بعدم تعيين النساء خطأ، ما يجعله خصماً وحكماً. هناك فراغ تشريعي بخصوص جهة مقاضاة مجلس الدولة. لذلك كان المفترض أن ألجأ إلى مفوضية مكافحة التمييز التي ينصّ الدستور في مادته (53) على إنشائها، لمقاضاة مجلس الدولة لأنّه يميّز في قبول الذكور للانضمام له دون الإناث.[1]

لكني أحتكم الآن إلى قانون مجلس الدولة وقانون السلطة القضائية، والذي ينصّ على أن تقوم كلّ جهة قضائية على شؤونها وشؤون أعضائها. في حال وجود شكوى لدى عضو في مجلس الدولة مثلاً تتعلّق بالتعيينات أو خلافه يبتّ مجلس الدولة في شكواه. بالنسبة لي، محاولة الانضمام إلى مجلس الدولة “حشرتني بالغلط” ضمن فئة المتقاضين لدى مجلس الدولة، بالرغم أنّي لست عضوة، وقانون السلطة القضائية، لم يحدّد الجهة التي يجب على أمثالي من الساعين/ات للانضمام إلى جهة ما، التوجّه إليها للبت في أمرهم/ن.

المفكرة القانونية: من خلال خبرتك في التعامل مع قضاة بالمجلس وغيره من الهيئات القضائية، على مدار السنوات الماضية، كيف تفسّرين موقفهم الرافض لتعيين النساء؟

أمنية (ابتسامة يتبعها صمت لدقائق): لا يستطيع قضاة المجلس أنفسهم تقبّل إصدار امرأة للأحكام لا سيّما إن كانوا يخضعون لسلطتها في حال ترأّست المحكمة. في إحدى المرّات قال لي قاض بالمجلس “إنتي عايزانا نبقى قاعدين قاضي على اليمين وعلى الشمال واللي تحكم ست؟”. في إحدى المؤتمرات علّق آخر قائلاً “أثق إزّاي في حكم صادر من امرأة في أيام الدورة الشهرية، ولا من واحدة تبقى قاعدة على المنصّة وبطنها قدّامها”.

لا تبتعد القناعات التي تحكم قرارات هؤلاء القضاة كثيراً عن قناعات وأفكار الناس العاديين في عموم المجتمع، التي تتصوّر أنّ النساء لا يتمتّعن بالنزاهة والقيم الكافية لإصدار أحكام، فالطبيعة البيولوجية للمرأة بالنسبة لهم تجعلها منها كائناً خاضعاً لتأثيرات هرمونية وتحيّزات شخصية تحول بينها وبين الإنصاف. يسود لدى القضاة أيضاً فكرة أنّ مهمّة النساء هي التربية والعناية ببيتهنّ وأسرهنّ، وهذا ما يراه بعضهم متعارضاً مع طبيعة العمل القضائي. يُرجع بعض القضاة في تصريحاتهم الإعلامية سبب الرفض إلى أنّ الاستراحات والحمّامات غير مجهّزة للنساء بحسب تصريح رئيس مجلس الدولة أحمد أبو العزم في 2018. ويقول بعضهم إنّ دخول النساء القضاء يُمكن أن يضرب أسس العمل، حال ارتدين النقاب مثلاً، ومنهم نائب رئيس مجلس الدولة في برنامج تلفزيوني، في حين أنّه يوجد كود للملابس وهذا ينطبق على الرجل والمرأة.

البعض الآخر يعتبر أنّ طبيعة النساء لن تمكنهنّ من العمل في قضايا جنائية وبالتالي يتحمّل القضاة الرجال مسؤولية القضايا الأصعب. ثمة سبب آخر للرفض هو افتراضهم أنّ التعامل مع القاضيات لن يكون سهلاً نتيجة حواجز اجتماعية تعيق قيامهنّ بمعاينات ليلية مثلاً. يتجاهل القضاة حقيقة عمل النساء بالفعل في وظائف ذات طبيعة مشابهة وصعوبات كثيرة.

المفكرة القانونية: في تقديرك، ما مدلول هذه التوجّهات وما هي الأسباب غير المُعلنة لرفض مشاركة النساء في السلك القضائي؟

أمنية: ما يحدث يدلّ على وصاية أبوية على النساء والحكم عليهن ونزع حقّهن في اختيار ما يناسبهنّ. النساء كائنات كاملات الأهلية وبالتالي لا يحق لهذا أو ذاك أن يُملي عليهنّ شيئاً. لماذا لا تمنح النساء فرصة للعمل ومن ثم تٌقيّم تجاربهنّ بشكل عادل كأي قاضٍ من الرجال. يشير ذلك من ناحية أخرى إلى إعلاء القضاة في هذه الحالة لآرائهم الشخصية على التزامهم القانوني والدستوري بتطبيق موادهما، التي أقسموا على احترامها في بداية عملهم، ما يمثل خطورة على مفهوم حيادية واستقلال القضاء نفسه، إذ ما كانت التحيّزات والقناعات الذاتية للقاضي هي مرجع أحكامه بدلاً عن الدستور والقانون. سبق واعترف أحد القضاة بهذا التحيّز في مقالة سابقة له.

يعدّ استخدام الطبيعة البيولوجية للنساء لتفسير رفض تعيينهنّ، شكلاً آخر للتحيّز. ففي الوقت الذي يقولون فيه إنّ الإجازات المستحقّة للنساء سوف تتسبّب في إحداث عجز بتغطية القضايا نتيجة نقص في عدد القضاة المسؤولين عن البتّ في القضايا التي اعتذرت قاضياتها عنها لأنها في إجازة وضع مثلاً، لا يعترضون على منح قانون السلطة القضائية الحق للقضاة في السفر للعمل في الخارج تحت اسم الإعارة القضائية لمدّة تصل لست سنوات متواصلة. ويمكن لهم العودة للسفر مرة ثانية لست سنوات أخرى. إذاً لماذا لا يعترض القضاة على الانقطاع بهذه الحالة، “ولّا عشان الامتيازات المادية للإعارة دي الشهر الواحد فيها بيعادل سنة كاملة في مصر تقريباً”.

المفكرة القانونية: مراقبة ورصد وجود النساء في المشهد القضائي، يضعانا أمام رفض انتقائي لوجودهنّ في بعض الجهات وأدائهنّ بعض الأدوار دون أخرى، فالنساء يتواجدن في هيئة النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة في حين لا يسمح لهنّ بتولّي مناصب في النيابة العامّة ومجلس الدولة، ما الذي يحكم هذه الانتقائية في رفض وجودهنّ في بعض الجهات مقابل السماح لهنّ بالتواجد في جهات أخرى؟

أمنية: يحق لخرّيجي كلية الحقوق التقدّم للالتحاق بخمس جهات قضائية هي: النيابة العامّة ومجلس الدولة والنيابة العسكرية، وهيئة قضايا الدولة وهيئة النيابة الإدارية. أما النساء فلا يحق لهنّ سوى التقدّم للتعيين بالجهتين الأخيرتين فقط. صحيح أنّ الدستور يعتبرهما ضمن الجهات القضائية لكنّ طبيعة عملهما تختلف عن جوهر العمل القضائي والذي يختصّ في الأساس بالفصل في النزاعات. بالنظر إلى هاتين الهيئتين نجد أنّ إحداهما تتولّى مسؤولية الدفاع عن الدولة في النزاعات التي تكون طرفاً فيها والأخرى تتولّي التحقيق في مخالفات وشكاوى إدارية.[2]

لا يمثّل ذلك جوهر العمل القضائي لكنّه يكفل إطاراً شكلياً يعطي انطباعاً بوجود نساء في القضاء. حتى الـ0.5% التي تشغلها النساء في القضاء تكوّنت على النحو ذاته، أي أنّه لم يُسمح لهنّ بدخول النيابة العامّة، ثم الالتحاق بمحاكم القضاء العادي والذي يشمل محاكم الأحوال الشخصية والمدنية والتجارية والجنائية. لذلك يتحوّل مسار القاضيات من الجهتين المسموح لهنّ بدخولهما إلى القضاء العادي، ممّا يؤدّي إلى تقييم تجربتهنّ في التفتيش السنوي بالسلب، ويُوصف أداء بعضهنّ في قضايا هذه المحاكم بأنّ مستواه متردّي مقابل أداء زملائهنّ الذكور. كيف تحاسب النساء على قصور في تجارب لم يسمح لهنّ بالحصول عليها، رغماً عن إرادتهن؟

المفكرة القانونية: ما أهمية تأسيس مبادرة “المنصة حقها” بالنسبة لك وبالنسبة للقضية ذاتها؟

أمنية: تمثل المبادرة أحد أشكال تطوّر العمل على قضية تعيين النساء في كافة هيئات القضاء، والتي أسعى لعدم حصر ارتباطها باسمي فقط. أعمل على توفير مواد ذات صلة بوجود النساء في السلك القضائي، من خلال ترجمة تقارير عالمية ومتابعة محلية ودولية لوضع المرأة في مجال القضاء بصفة خاصّة ومجال القانون بصفة عامّة، من دون اختزال لأخبار الدعوى الخاصة بي وحدها.

بالرغم من استحواذ المبادرة على وقت وجهد كبيرين ممّا يعيق تقدّمي في مساري الأكاديمي كمعيدة في كلية الشريعة والقانون، لكني أصرّ على تركيز الضوء على القضية بعمل جاد ومستمر، رغم تقلّص الدعم من المؤسّسات المدنية المقدّم لي منذ تدشين المبادرة، نتيجة شعور البعض بأنّ أي نجاح سينسب إلى “المنصة حقها” ولن يحسب لتلك المؤسسات. أعلم أنّ دعم وقدرات المنظمات المدنية أكبر من إمكانياتي الفردية، لكنّي أعتقد أنّ الدعم سيكون مرتبطاً بشخص مؤقّت، بينما توفّر المبادرة دعماً لقضية تعيين النساء بالقضاء ككل، كما توفّر لي قدراً من الاستقلالية في العمل على ذلك، بدون الخضوع لأجندة هذه المؤسّسة أو تلك.


المفكرة القانونية: هل تقصدين أنّ تدشين المبادرة هو محاولة منك لبدء مسار عمل غائب فيما يخصّ قضية وجود النساء في القضاء؟

أمنية: في البداية، لم أعترض على التعاون المشترك بيني وبين جهة أو شخص آخر للعمل على قضية وجود المرأة في القضاء، لكن الاختلاف في طريقة العمل على القضية بيني وبين بعض المنظمات والأشخاص العاملين بالمجال العام والذين سعوا إلى تركيز الضوء على القضية بالتوجه إلى الإعلام قدر المستطاع، هو ما دفعني إلى اختيار تدشين المبادرة والعمل على رؤية مختلفة.

المبادرة تسعى إلى سد فجوة غياب محتوى عربي يركز على تفكيك الصورة النمطية عن عجز النساء عن تولّي مناصب قضائية، والتعريف بدور النساء في القضاء بدول مختلفة في القضاء المحلّى والإقليمي والدولي، وإزالة الحجاب عن وضع النساء في هذا المجال، لتوعية المجتمع بإسهامات النساء فيه. بدأت المبادرة بقضيتي، لكنني مؤخراً، أتوسّع في تناول وضعية المرأة بالمجالات القانونية التي تعاني ضعفاً في الاهتمام بإظهار وجودها وتأثيرها فيه وغياب المراجع والإحصائيات. على سبيل المثال لم أكن أعلم بوجود امرأة ترأس مجلس الدولة في العراق تدعى سمية كاظم، المصدر الوحيد عنها كان مقالة باللغة الإنجليزية على موقع الأمم المتحدة. في حال سعى أحد المواطنين المصريين لمعرفة وضع المرأة في القضاء بعدما سمع عن قضيتي لن يجد مصدراً للحصول على المعلومات، وهو ما تحاول المبادرة إتاحته.

المفكرة القانونية: ما هي الإنجازات التي قمت بتحقيقها وتدفعك للاستمرار؟

أمنية: الحفاظ على القضية حيّة لمدة سبع سنوات، أولى الإنجازات. بالرغم من أنني أعتزل الظهور بمساحات كبيرة في الإعلام، لأن كثرة الظهور قد تعطي نتائج عكسية، وأنا أعمل في الجامعة ولديّ مسار أكاديمي وبحثي أهتم بمواصلته، ولا أريد استخدام القضية كذريعة ضدي. في كل مرة أسافر أحصل على موافقة من الجامعة، سبق ومنعت من السفر كمتحدثة لحضور مؤتمر عالمي. الاستمرار رغم هذه العقبات في حد ذاته نجاح.

أعتبر اهتمام بعض الفتيات بمعرفة إجراءات التظلّم والتقاضي، إنجازاً آخر. حتى وإن لم يأخذ اهتمامهنّ حيزاً على أرض الواقع، إلّا أنّي أقدّر ذلك، وألاحظ التغيير في وعي الطالبات اللاتي أدرّسهنّ. أعلم أنّ الواقع سيصدمهنّ، لكنّ الاهتمام واستمراره هو جزء من رحلة كفاح النساء باتجاه القضاء. كما ألحظ وبشكل فارق اختلاف دعم القضية من النوعين في السابق عن الآن، فهناك تطوّر لا تغفله العيون.

المفكرة القانونية: ما هي أدواتك الأخرى لإبقاء القضية حيّة على حد وصفك، وكيف توظفيها؟

أمنية: بناء علاقات في المحيط العالمي والإقليمي من خلال المؤتمرات والمناسبات وحتى الأسئلة التي تصلني للمعرفة عن الموضوع، هي أدوات أخرى تتيح لي التواصل الدائم مع كل شخص أو جهة قابلتها. أرسل لهم تحديثات عن القضية باستخدام كافة وسائل التواصل من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، حتى ولو لم أحظ بردود. أشارك أيضاً في نماذج محاكاة وأنشطة طالبية عديدة للتوعية بالقضية داخل جامعات مختلفة، وفيما بعد توثق هذه المشاركات كجزء من مواد بحثية وأرشيفية في مكتبات كليات القانون. أحيانا أساهم في معارض توظيف في المجال القانوني، وهكذا.

المفكرة القانونية: على الجانب الآخر، ما الأدوات التي تعزفين عن استخدامها نتيجة الوضع السياسي والأمني الصعب حالياً؟

أمنية: هناك بعض الأدوات التي أتجنّبها، خشية اتهامات تطول بها القائمة، على سبيل المثال رفضت التقدّم بشكوى لمفوضية السيداو التي تتمتع مصر بعضويتها، مع أن ذلك قانوني وطبيعي. لن استفيد شيئاً إن تحدّثت وأعلنت شيئاً وخسرت بذلك كل شيء. أحاول أن أكون متوازنة في اختيار أدواتي وطريقة استخدام كل منها. أحياناً ألجأ لتأخير الإعلان عن مقابلة أو مشاركة ما في حال كان الوضع العام بالبلاد لا يسمح مثلاً. لا أحرم نفسي والقضية من فرص للانفتاح على الآخرين لكن ليس بالضرورة أن أنشر ذلك في حينه، حتى لو كان النشر هو الطريقة للوصول إلى الناس. أتواصل مع أشخاص في مواقع مختلفة. أطلب آرائهم وأفهم منهم طبيعة كل مرحلة والظروف السياسية والأمنية بالبلاد. أقيّم حساسية ما أقوله وما لا أقوله وأختار مساحات المشاركة في كلّ فترة، تبعاً لما يسمح به الظرف.

المفكرة القانونية: ما الفرق بين طريقتك “المتوازنة” في إدارة قضيتك بالمجال العام وبين الأحاديث الجانبية والنقاشات المجتمعية التي توفّر لك مساحة أكبر من الحرية في عرض وجهة نظرك؟ 

أمنية: الفرق كبير جداً. أبسط تهمة يمكن توجيهها إليّ في حال ارتفع سقف خطابي بالمجال العام هو خدش رونق القضاء والتعليق على أحكامه والتدخّل في شؤون سلطة قضائية مستقلّه إلخ. يخشى أعضاء البرلمان أنفسهم من تهم كهذه. فمن بين أكثر من 70 نائباً بالبرلمان تواصلت معهم لعرض القضية عليهم والحصول على دعم لمشروع قانون المرأة والقضاء المقدّم من النائبة نادية هنري، لم يجد صدى سوى لدى سبع نواب فقط. حتى المعروفين بمواقفهم المستقلّة والمعارضة وأصواتهم العالية، لم يتجاوبوا معي. لا ألوم أحداً، لكنّي أوضح أنّه حتى هؤلاء خشوا دعم المشروع والقضية خوفاً من طبيعة القضية والتهم التي يمكن أن تلاحقهم لأنّ الأمر يتعلّق بالقضاء.

في النطاق المجتمعي، أعبّر عن رأيي بحرية أكبر. في كليات القانون نحن ندرس ونحلل القضايا والأحكام، بدون الخوف من تهمة التعليق على أحكام القضاء. أبدي رأيي في مخالفة الواقع وما يتم تطبيقه/المعمول به للقانون والدستور بلغة واضحة. في المجال الأكاديمي يعدّ التحليل والنقد ميزة لا نحظى بها خارجه.

المفكرة القانونية: كيف تُقيّمين فاعلية أدواتك وطريقتك بالتعامل مع القضية؟

أمنية: يعتمد ذلك على الهدف مما أقوم به، لو نظرت إلى الفاعلية بنظارة المكسب والخسارة لمنصب، فهذا يختلف عن النظر لرحلتي بصفتها جزءاً من قضية وصراع نسائي من عمر تأسيس السلطة القضائية. الرفض الذي أعانيه وتعانيه النساء الآن هو نفسه الذي عانته نساء أخريات أمثال عائشة راتب ورتيبة حفني. وحتى خارج مصر سبق وواجهت نساء في دول أخرى رفضاً مماثلاً، بينما تصل نسب تولّيهنّ لمناصب قضائية الآن 50 و60%، لذا الهدف من الجهود هو عامل التقييم. إذا كانت الفاعلية ترتبط بهدف الوصول لمجلس الدولة والمحكمة الدستورية فلم نصل بعد. لكن الأمر ليس جائزة نسعى للحصول عليها والفوز بها وانتهى الأمر.

المفكرة القانونية: بالعودة لمسار التقاضي في دعوتك ضد مجلس الدولة، ما الخطوة المقبلة؟

أمنية: بموجب القانون، لديّ حوالي ثلاث أو أربع فرص لدعوى أخرى، وهي: “دعوى منازعة تنفيذ موضوعية” أمام المحكمة الدستورية العليا، يمكنني التقدّم بدعويين أخريين تحت مسمى “دعوى البطلان الأصلية” لحكمي القضيتين الصادرين ضدي. تستغرق كلّ دعوى من السابق ذكرها ثلاث إلى خمس سنوات تقريباً. لست متأكدة إذا كنت سأخوضها جميعاً باستثناء “دعوى المنازعة التنفيذية”. بخلاف ذلك، سوف أكمل ما بدأته من توعية مجتمعية عن طريق مبادرة “المنصة حقها”.

  1. تقدمت ثلاث نائبات برلمانيات بمشاريع قوانين لإنشاء المفوضية، لكنها لم تناقش بسبب اعتراض الجهات القضائية، نظرا لعدم قدرتهم على تصور طبيعة عمل المفوضية، والتداخل بينها وبين القضاء.
  2. في ديسمبر 2020، عُيّنت الدكتورة فاطمة الرزاز في المحكمة الدستورية العليا بعد اقتصار عضويتها على الرجال، باستثناء تهاني الجبالي، التي عيّنت بعد تقرير الأمم المتحدة عام 2001 والذي رصد غياباً تاماً لتواجد النساء في القضاء. استمرّت عضوية الجبالي بالدستورية من 2003 إلى 2012.

 

انشر المقال

متوفر من خلال:

محاكمة عادلة وتعذيب ، قضاء ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، تحقيقات ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، محاكم إدارية ، مصر ، محاكم مدنية ، محاكم جزائية ، محاكم دستورية ، البرلمان ، قرارات قضائية ، قرارات إدارية ، استقلال القضاء



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني