الناس والدولة بين حملة 1998، حراك 2015، وإنتخابات 2016 البلديّة


2016-06-06    |   

الناس والدولة بين حملة 1998، حراك 2015، وإنتخابات 2016 البلديّة

في صيف العام 2015، إندلع الحراك المدنيّ كإنتفاضةٍ شعبيّة في ظلّ أزمة النفايات. وعلى الرغم من أن الحراك لم يتمكّن من إرغام السلطة على إيجاد حلٍّ للأزمة، إلا أنه ساهم بشكلٍ أو بآخر في خلق حالةٍ إعتراضيّة في المجتمع اللبنانيّ على إختلاف مقوّماته وأطيافه. ولعل من تبعاته قرار الدولة إجراء الإنتخابات البلديّة في ظل الفراغ الرئاسيّ والتمديد البرلمانيّ، لإستباق غضبٍ شعبيّ محتمل. فبدأت الجولات الإنتخابيّة من محافظتي بيروت والبقاع في الثامن من أيار 2016.

لكنها ليست المرة الأولى التي تجريي فيها الإنتخابات البلديّة في ظلّ حالةٍ إعتراضيّة شعبية، إذ ظلّت الدورة الإنتخابيّة للبلديّات معطلة نحو 34 عاماً خلال الحرب الأهلية وما بعدها، وسط ممانعةٍ شديدة من السلطة. ولم يتم تنظيمها إلا بعد تشكيل “اللقاء الوطني من أجل الإنتخابات البلديّة والإختياريّة”، وإطلاق حملة “بلدي، بلدتي، بلديّتي” في آب من العام 1998.
للوقوف عند التجربتين في محاولةٍ لإلتماس نقاط التلاقي ونقاط الإختلاف في حالتين إعتراضيتين صبّتا في صالح الإنتخابات البلديّة بفارق 19 عاماً، إلتقت “المفكرة القانونية” منسّق حملة “بلدي بلدتي بلديّتي” في 1997-1998 والناشط في العاصمة والمناطق ضمن مجموعات حراك العام 2015، بول أشقر. معه، سنقف عند الماضي والحاضر، ونقرأ في ترشّح لوائح مدنيّة ضد لوائح أحزاب السلطة، من حملة “بيروت مدينتي” و”حركة مواطنون ومواطنات في دولة” التي يقودها الوزير السابق شربل نحّاس، إلى الخروقات التي شهدتها المناطق بأسماء مستقلّة أو تنتمي إلى أحزابٍ خارج السلطة.

  • كيف تقرأ تجربة “بلدي، بلدتي، بلديتي” بعينيّ اليوم؟ وهل المقارنة ممكنة بين الحالتين الإعتراضيّتين؟

لا مجال للمقارنة بين الحالة الإعتراضية التي سادت في ذلك الوقت وما يحصل اليوم. فالظروف مختلفة تماماً. لم تكن هناك إنتخابات بلديّة سنة 1997. ومنذ ذلك الوقت، عادت الإستحقاقات على المستوى البلديّ سنة 1998، 2004 و2010، والآن 2016. اليوم، الحملات تجري ضمن الإنتخابات. نحن لم يكن لدينا لوائح ولا مرشحون آنذاك، كانت حملتنا هي لحصول الإنتخابات البلدية فحسب (راجع /ي ص. 4-5).
ولكن، تكفي اليوم مقارنة حال اللاعبين الذين ما زالوا موجودين بين التجربتين، من الإعلام إلى النواب العشرة الذين تقدّموا بالطعن والمجلس الدستوري، ليظهر الفرق الشاسع بين الإثنين. المجلس الدستوريّ اليوم ما عاد يأخذ موقفاً مستقلاً عن الطبقة السياسية، وهو بأحسن الأحوال يضع “طلاء أظافر” vernisقانونيّا على ما تريده الطبقة السياسيّة. إذ رأيناه يقدّم كلّ شرحه حول موجبات عدم تأجيل الإنتخابات، قبل أن يدلي بسطرين في الختام تفيد بضرورة تأجيل الإنتخابات لأن الظروف لا تسمح.

  •  هل من ترابط بين الحراك الشعبيّ في 2015 والحالة الإعتراضيّة التي رافقت الإنتخابات البلديّة، إن تُرجمت بخروقٍ في المناطق أو عبر الأرقام الإعتراضية التي سجّلت في العاصمة؟

الرابط واقع على مستويين: الأول على صعيد البلد، والثاني على صعيد الأشخاص الذين شاركوا في صناعة التغيير”. تابع موضحاً: “على مستوى البلد، أظهرت أزمة النفايات حجم الغضب لدى الناس من جهة وحجم المشاكل التي لا تحلّ من جهة أخرى. الحراك المدني كان بمثابة revelateur، أيّ أداة كشفٍ ظهّرت الغضب الذي لم يبدأ مع الحراك المدنيّ وإنما كان موجوداً قبله. الإنتخابات البلديّة أعادت تظهير ذلك، بصورة الإستحقاق نفسه ولكن أيضاً عبر الإضاءة على حاجات الناس ومشاكلهم إن في البلدات أو في المدن. بكلامٍ أخر، إن عدم تلبية حاجات الناس، وتحلّل الدولة، وتراكم المشاكل التي نعرفها، هي عوامل أدّت إلى تفلّت الناس تدريجياً من الخيمة أو الحبس الذي وضعوا فيه. وربما بالإمكان القول إن الإنتخابات البلديّة هي مناسبة مفيدة أكثر من الحراك. ففي النهاية، الحراك فرض فرضاً على الناس، لأن النفايات صارت بالشوارع ولم يعد بالمقدور تحمّلها، فحصل ما حصل. لكن مع الإنتخابات البلديّة، اختلف الأمر، إذ باتت لدى الناس مقاربة أوضح لماهيّة مشاكلهم ونوعيّة الحلول.
الحراك أعاد للناس المهتمين بالشأن العام نوعاً من العزيمة والثقة بالنفس، واستعادوا قابليةً للتحرّك. بعضهم وظّف هذه الطاقة بالمشروع البلديّ وترشحوا في الإنتخابات. أعتقد أن قسماً من الأشخاص الذين تدخلوا في الإنتخابات البلديّة، كانوا قد شاركوا بالحراك. وقسمٌ أخر كان قريباً وإن لم يشارك. إن حصول الحراك سهّل على سيارة البلدية الدوران من أول فقسة. ولو لم يحصل هذا الحراك، لكانت السيارة قد إحتاجت وقتاً أكبر لتدور، ولكانت معوّمة ومصدّاية، كأنها لم تتحرّك من أرضها مدة سنتين. ولكن، بوجود الحراك، دارت سريعاً. وبالإمكان تلخيص الرابط ما بين الحراك والبلديّات بمقولة: اللوائح المستقلة التي تظهر اليوم هي بنات حملة “بلدي بلدتي بلديتي” بعد 19 سنة من حدوثها، وأخوات الحراك بعد تسعة أشهر من حدوثه”.

  • لم تنحصر “الحالة الإعتراضية” منذ الحراك المدنيّ في العاصمة بيروت، بل كان لها إمتداد على مساحة لبنان. وقد تجلّى ذلك في الإنتخابات البلديّة عبر لوائح إنتخابيّة مستقلّة في بيروت وبعلبك والهرمل والجنوب، أحدثت هزّاتٍ وخروقات لاستقرار السلطة. كيف تقيّم ذلك؟

هناك فارقين كبيرين بين بيروت ومناطق. أولاً، في كلٍّ من المناطق توجد قوة واحدة أو قوّتان هما اللتان تختصران المشهد. أما في بيروت فكلّ القوى السياسيّة موجودة. الفارق الثاني يظهر على صعيد الناس الذين تدخّلوا بالإنتخابات البلديّة، وسأوضحها عبر مقارنة بين بيروت والهرمل. ففي الإنتخابات البلديّة في لبنان، تعلن لوائح السلطة أو اللوائح المعارضة للسلطة قبل أسبوعٍ من الإستحقاق، وأحياناً أقل. إن ميزة لائحة “بيروت مدينتي” هي أنها بقيت لستّة أشهرٍ تستعد، وحتماً لم تكن وحدها التي فعلت ذلك، ولكن ليس بالطريقة ذاتها. وكانت هناك لائحة حكي كثيراً عنها تدعى “معاً من أجل الهرمل”، وقد حقّقت نتائج جيدة، وقدمت خيارات جديدة، علماً أنها لم تكن تملك إمكانيّات “بيروت مدينتي”. في المقابل، فإن حملة “بيروت مدنتي” إستفادت من فترة الحملة لتضع مخطّطاتها، ثم عانت عندما أجبرت على التحوّل من حملة إلى لائحة إنتخابيّة تدخل في لعبة الصناديق التي لا تجيدها أصلاً.

في بيروت، هناك مشاكل لنحو مليون ونصف نسمة في مدينة تضمّ كلّ القوى السياسيّة، والبرهان أن لائحة السلطة كانت تضمّ نحو 20 من القوى السياسيّة، بينما في منطقة الهرمل توجد قوة واحدة، وبالتالي كان الفرق كبيراً جداً.
كلما ابتعدت عن العاصمة، كلما بات الإعتراض أصعب. والإعتراض في مدينة مفتوحة مثل بيروت يعدّ ترفاً مقابل “الغيتو” المفروض في المناطق، سواءً من الأحزاب أم غيرها. في الجنوب مثلاً، نجد أن هذه الحالة الإعتراضية هي أجرأ بكثير وأوسع بكثير ولها نتائج إيجابية على الجميع، حتى على أحزاب السلطة التي باتت ملزمة بالإستجابة لمطالب الناس، ووضع برنامج تمكن المحاسبة على أساسه.

  •  ختاماً، كيف تقيّم أهميّة البلديّات اليوم؟ هل تمكّننا من إنتزاع مساحةٍ من السلطة أو أنها تعيد تكريس المجلس النيابيّ في المجالس البلديّة؟

مرّت علينا فترة لم يكن لدينا فيها بلديات، وكان النائب في المنطقة يقوم بمهام البلديّة. في النظام الديمقراطيّ، لكلّ شخص مهامه، فليست من مهام النائب تزفيت الطرقات. نحن في التقسيم الديمقراطيّ، لدينا ثلاثة مستويات: في الأساس تحضر البلديات، في الوسط كان هناك مجلس الأقضية حسبما جاء في الطائف ولكن تم إلغاؤه، وفي المستوى السياسيّ يحضر المجلس النيابيّ. إذاً، هذه الحجرة (البلديات) مهمة جداً لأنها إن لم تكن الأولى سليمة فكلّ المستويات الأخرى للتمثيل ستتشوه. إن مشكلة البلديات يمكن إختصارها بإثنتين: الأولى، مشكلة المحاسبة نتيجة النظام المعتمد، إذ كثيراً ما ينتخب المواطن في مكان لا يسكنه.. والثانية هي مشكلة الموارد التي تجعل الوضع أصعب من خلال التعدّي على أموال البلديات أو مقايضة الأموال بشروطٍ سياسيّة. إذا لم تكن للبلديات موازنة حقيقية وقانون إنتخاب، فإن دورها بالضرورة سيتشوه. ويأتي توسّع الحالة الإعتراضية الإستقلالية كنتيجة لملاحظة الناس أن معظم البلديات لم تقم بشيء، واكتفت بأن تضمن ولاء الناس سياسيّاً.

أثق بأن البلديات قادرة على التغيير ضمن السلطة. فمثلاً، الحزب الشيوعي الذي ليس موجوداً في السلطة، فاز بعدّة بلديات صغيرة أو متوسطة. وأضمن أنه لن يكون جزءاً من السلطة المركزيّة، وسيمتلك حيزاً من السلطة المحليّة التي ستتعاطى لاحقاً مع السلطة المركزية. فالبلديات لاحقاً تصبح تحت وصاية وزارة الداخلية والبلديات. لكن، لا يعني ذلك أن الخروقات التي حصلت في المناطق قادرة على أن تغيّر شيئاً في الوضع القائم، ولكنها ستخلق بيئة تجعل التغيير أسهل في الفترة المقبلة.

نشر هذا المقال في العدد | 39 | أيار/مايو 2016، من مجلة المفكرة القانونية | لبنان |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه:

حالة إعتراضيّة ضد اعيان النظام.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مجلة لبنان ، لبنان ، مقالات ، حراكات اجتماعية



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني