“المفكّرة” ترصد العنف العنصريّ ضد اللاجئين السوريين


2016-07-11    |   

“المفكّرة” ترصد العنف العنصريّ ضد اللاجئين السوريين

خلال الـ 48 ساعة التالية لسلسلة التفجيرات التي أصابت بلدة القاع – البقاع الشمالي في 27 حزيران 2016 والتي ذهب ضحيتها 5 شهداء وأكثر من 30 جريحاً، تصاعدت التصريحات المعادية للاجئين السوريين. ولعلّ أبرز هذه المواقف جاء على لسان صاحب منصبٍ رسميّ ذو دورٍ دبلوماسيّ هو وزير الخارجية اللبنانيّ جبران باسيل. إذ دعا خلال المؤتمر التأسيسي لمجلس العمل البلدي في “التيار الوطني الحر”، في 26 حزيران 2016، إلى “منع أيّ تجمعات أو مخيمات للنازحين السوريين”. وأكدّ أنه سيطلب من البلديات التابعة للتيار “منع أيّ نازحٍ سوريّ من أن يفتح محلّاً تجارياً ويأخذ لقمة عيش اللبناني”.

لكنّ هذه المواقف لم تنفجر مع الإنتحاريين فجأةً، وإنما هي إبنة سياق. ففي السياق ذاته على المستوى البلديّ، برزت صورةٌ للافتةٍ علّقتها بلدية ترتج في قضاء جبيل قبل أسبوع من اعتداءات القاع، أعلنت فيها إلزام جميع العمّال الأجانب على المشاركة في حملة تنظيف البلدة، نهار الأحد الفائت في 19 حزيران 2016. وقد نقلت جريدة “الأخبار” في عددها الصادر في 28 حزيران 2016 عن أحد سكّان البلدة قوله بأنه قد تمّ تهديد “العمال السوريين والهنود بإحضار القوى الأمنية لاعتقالهم بسبب أوضاعهم غير القانونية وطردهم من البلدة في حال عدم الإمتثال”.
بعد القاع وقبلها، رفعت الحملة ضد اللاجئين السوريين مطلبين بشكلٍ خاص: الحدّ من حرية تنقلهم، ومنعهم من العمل. أيّ، حفظ الأمن بمنعهم من الحركة، وحفظ الأمان المعيشيّ بمنعهم من المنافسة الوظيفيّة. فالعنصرية هي حالةٌ تقاطعيّة لا تتغذّى من مشاعرها فحسب، وإنما أساساً من مظلوميةٍ تمدّها بالقوّة والشرعيّة. وبدلاً من أن تلتفت الدولة ولو قليلاً إلى مسؤولياتها تجاه المواطنين، وتطمئنهم قدر المستطاع إلى أمنهم الحياتيّ وأمانهم الوظيفيّ، تراها تختار أن تركب موجة الغضب، وتشرّعن الخطاب العنصريّ، وتقنن (ولو صورياً) العنف المشتهى، بحيث لا تفعل شيئاً بينما تبدو وكأنها تفعل الكثير. المرجعيات المحلية والإقليمية والدولية لن تدافع عن اللاجئين، ولا اللاجئين قادرين على الدفاع عن أنفسهم. لا عائق إذاً امام “رجال الدولة” في مدّ حفلة العنف العنصريّ بالوقود. ففي نهاية المطاف، “رجال الدولة” الآتين بمعظمهم إما من متاريس الحرب الأهلية أو من متاريس إقتصاد السوق، لن يترددوا أمام تحميل اللاجئين المستباحين مسؤولية الفشلين الأمنيّ والإقتصاديّ.
والفشلان واقعيان في لبنان. الناس يخافون على الحياة، من النار ومن الكلفة. ومن بين اللاجئين، يستيقظ الإنتحاريون فعلاً. وأرباب العمل يفضّلون فعلاً الموظف أو العامل السوريّ، المضطر على تلقّي الظلم في ظروف عمله. لكننا، أيضاً، لم نكن يوماً بمنأى عن الخطر الأمنيّ، وكنا نعرف أن الأحياء التي يخرج منها المعتدون ليست بيئتهم الحاضنة وإنما الأكثر إهمالاً وهشاشةً فيتخفّون فيها. ونحن في خطر إقتصاديّ دائم، تراكم مع تراكم الدين العام، واغتيال قطاعات كاملة من الإنتاج، وحصرها بالخدمات في بلدٍ يحيا أمنياً على كفّ عفريت، ناهيك عن تفشي الفساد الذي صرنا نلمس أرقامه وعجزنا أمامه. لا مصيبة ولدت مع اللجوء السوريّ، لكن المصيبة تفاقمت معه في ظل تصاعد الفشل والتراخي والفساد في إدارة الدولة.

وإذ تقف “المفكرة القانونية” بصلابةٍ وحسمٍ ضد أيّ اعتداء عنفيّ، لفظيّ أو فعليّ، بحق اللاجئين السوريين، فهي تضع الدولة أمام مسؤولياتها القانونيّة والتنفيذيّة في إدارة الحياة هنا، بدلاً من مدّها بوقودٍ حارق لن يحرق سوانا، نحن واللاجئين. “رجال الدولة” يتلطون خلف خيم الفقراء ليحمّلوها تبعات فساد إدراتهم، بينما يديرون أعمالهم وتحالفاتهم مع أصحاب النفوذ الإقتصاديّ والعسكريّ، من أيّ جنسيةٍ كانوا، بلا تفرقةٍ أو عنصريّة.
المشاعر العنصرية موجودة طبعاً بين الناس، لكن “إدارة” الدولة لها هي التي تجيز إنتقالها من حنقٍ إلى فعلٍ. والتوصيف الوظيفي للدولة اللبنانية يجعلها هي المسؤولة عن معالجة أسباب غضبنا، وعن حمايتنا، وعن حماية اللاجئين إلينا أيضاً، في ظلّ الدستور القائم وطالما لم تعلن وقف العمل به بعد.
في الـ 48 ساعة التالية لهجوم على القاع، عرف لبنان حالةً عنيفة، مدّتها المنابر السياسيّة بشرعيةٍ شبه مطلقة. نستعرض هنا بعضاً من أبرز تجليات الحملة العنيفة على اللاجئين السوريين، وذلك أولاً للإعتراف بالجريمة التي تتعرّض لها فئة شديدة الهشاشة في لبنان، ثم للفت الإنتباه إلى أن الأمن لا يُستجلب بالعنف، وأخيراً للوقوف على شذوذ الحلول التي تقترحها علينا دولتنا في لحظاتنا الصعبة.

  • اتخذ محافظ بعلبك – الهرمل بشير خضر قراراً “بمنع تجوّل النازحين في القاع ورأس بعلبك لمدة زمنية مفتوحة”. وأشار إلى أنه اتخذ “قراراً بمنع سير الدراجات النارية في كل محافظة بعلبك – الهرمل، باستثناء المؤسسات بعد الحصول على ترخيص من المحافظة”. وأعلن أن “قرار منع التجوّل ينتهي بعد انتهاء مراسم دفن الشهداء، فيما أوضح أنه سيتمّ منع تجوّل النازحين السوريين في بلدتي القاع ورأس بعلبك بين الساعة الثامنة مساء والسادسة صباحاً”.
  • صرّح رئيس بلدية القاع بشير مطر لجريدة “الجمهورية” بأن “القاع تعيش حظر تجوّل والقاعيون حملوا سلاحهم وسيطلقون النار على أيّ غريب”.
  • قال وزير الخارجية جبران باسيل أنه لا يمكن الربط “بين النزوح والإرهاب ولكن دوماً هناك مسببات للإرهاب”. وشدّد مرة أخرى على صلاحية البلديات التي لديها “شرطة محلية وسلطة في نطاقها المحلي وتستطيع محاربة الإرهاب ولا أحد يستطيع منع الشعب من الدفاع عن نفسه”.
  • شدّد عضو “كتلة الوفاء للمقاومة” النائب الوليد سكرية على “ضرورة ضبط حركة النازحين وتحركاتهم من خلال تصاريح تعطيها الأجهزة الأمنية لهم بعد أن تقوم بجمعهم في مخيم واحد”.
  • دعا وزير الدولة لشؤون مجلس النواب محمد فنيشإلى قيام حوار مباشر بين الحكومتين اللبنانية والسورية للبحث في إمكان إعادة قسم من النازحين السوريين إلى داخل سوريا، وتحديداً إلى المناطق الآمنة فيها.
  • اعتبر وزير العمل سجعان قزي أنّ “الوقت ليس للبحث بتنظيم إقامة النازحين السوريين في المخيمات بل بإعادتهم إلى أرضهم وضبط إنتشارهم العشوائيّ”. وفي حديث لقناة “أل. بي. سي.”، رأى أن “حلّ الموضوع القضائي والموضوع الأمني من ناحية التوقيفات والأحكام بحق السوريين، بيدأ بوضع مشروع تنفيذي لإعادة اللاجئين السوريين الى سوريا”.
  • نفذت وحدات من الجيش عمليات دهم لعدد كبير من المخيمات أوقفت خلالها “103 سوريين لوجودهم داخل الأراضي اللبنانية بصورة غير شرعية، وضبطت بحوزتهم 9 دراجات نارية وسيارتين من دون أوراق قانونية” في 28 حزيران 2016.
  • ثم عادت ونفذت في 30 حزيران 2016 سلسلة عمليات دهم شملت أماكن ومخيمات يقطنها نازحون سوريون في مناطق: الجنوب، البقاع، الشمال، كسروان والضاحية الجنوبية، أوقفت خلالها 412 شخصا من التابعية السورية، لدخول بعضهم خلسة إلى الأراضي اللبنانية، ولتجوّل بعضهم الآخر بصورة غير شرعية، وضبطت بحوزة عدد منهم 61 دراجة نارية و6 سيارات من دون أوراق قانونية.
  • نشرت بلدية حراجل – كسروان على صفحتها على “فايسبوك” خبراً مفاده أن لجنة الشؤون الاجتماعية والنازحين في بلدية حراجل وضعت “قانوناً للنازحين السوريين في البلدة” نص على التالي:

“وبعد إحصاء أعداد وأماكن تواجد النازحين، وتفتيش الغرف من قبل شرطة البلدية، سيتمّ:

  • الإبقاء على من يعمل في البلدة وترحيل كل من لا يعمل في حراجل.
  • حجز وسائل النقل غير القانونية ومنعها من السير في البلدة ان كانت سيارات أو دراجات نارية.
  • من يحمل اوراقا غير شرعية يتم تسليمه للجهات المختصة وترحيله.
  • ممنوع التجول بعد الساعة 8 مساء.
  • تحديد العدد في كل غرفة ومنع التواجد بكثافة وبطريقة عشوائية.

يرجى من المواطنين إبلاغ البلدية عن كلّ المخالفات ليتمّ قمعها، وكلّ ما ورد أعلاه يأتي برسم السلطات المحلية والمختصة”.

  • جراء هذه التدابير، تمّ الاعتداء مساء الثلاثاء 28 حزيران على لاجئين سوريين يقطنون مع عائلاتهم في بلدة حراجل. أصيب 6 اشخاص بجروح، منها بالغة ولم يتمّ توقيف أيّ من المعتدين.
  • طلبت بلدية الغازية – الجنوب من “جميع السوريين عدم التجوّل اعتباراً من الساعة 8 مساء حتى الساعة 7 صباحاً ابتداءً من اليوم”.
  • أعلمت بلدية برج حمود السوريين المقيمين ضمن نطاقها بأنه يمنع تجوّلهم بين الساعة الثامنة مساءً لغاية السادسة صباحاً.
  • انتشر أيضاً بيان تهديد في مناطق البقاع والأماكن القريبة من تجمعات اللاجئين السوريين موقّعٌ باسم “حركة أحرار البقاع الشمالي”، جاء فيه:

يجب عليكم مغادرة منطقة البقاع الشمالي خلال مهلة 48 ساعة تبدأ من ساعة تبلغكم هذا القرار وإلاّ سنتعامل معكم كأعداء ولن تكونوا بأمان، سنحرق بيوتكم، سنغتصب بناتكم ونسائكم، وسنقتل أطفالكم وقد أعذر من أنذر”.

نشر هذا المقال في العدد | 40 |  تموز/ يوليو 2016، من مجلة المفكرة القانونية | لبنان |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه:

حبوب القمح..للخروج من الغابة

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، لجوء وهجرة واتجار بالبشر ، مجلة لبنان ، لبنان ، لا مساواة وتمييز وتهميش



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني