المرأة في مسودة الدستور المصري: هل يحقق دستور 2013 طموحات المرأة المصرية؟


2013-11-29    |   

المرأة في مسودة الدستور المصري: هل يحقق دستور 2013 طموحات المرأة المصرية؟

نشرت المسودة الأولى للدستور المصري في جريدة المصري اليوم يوم 22 نوفمبر 2013. وفي محاولة منا لتبيان أهم التعديلات التي قامت بها لجنة الخمسين على دستور 2012، وأهم الانجازات التي حققتها وأهم الاخفاقات التي وقعت بها، نبدأ بالقاء الضوء على وضع المرأة في مشروع دستور 2013 مقارنة بدستور 2012. ومن المهم الايضاح أننا نستند هنا الى المسودة المنشورة والتي من الممكن أن تكون لقيت تعديلا منذ ذلك الحين.
 
تهميش المرأة في دستور 2012
أهم الانتقادات التي وجهت لدستور 2012 كانت تخص المواد التي تعالج وضع المرأة فيه، اذ أن دستور 2012 لم يحقق أى انجاز لحقوق المرأة، ولم يتعامل معها كشريك في المجتمع وفي الثورة، بل على العكس، حاول أعضاء اللجنة التأسيسية للدستور تقييد حقوق المرأة وعدم الاعتراف بالحقوق التي أقرتها المعاهدات والمواثيق الدولية الموقعة عليها مصر.

وقد تطور النقاش في هذا المضمار مع اصرار الأحزاب الاسلامية على اضافة عبارة "بما لا يخل بالشريعة الاسلامية" في المواد المتعلقة بالمرأة[1]، والاعتراض على المادة التي تقر المساواة بين الرجل والمرأة حتى أدت الى الغائها[2]. وفي النهاية، صدر الدستور آنذاك بمادة واحدة تخص المرأة هى المادة 10 التي نصت على: "الأسرة اساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق الوطنية. وتحرص الدولة والمجتمع على الالتزام بالطابع الاصيل للأسرة المصرية، وعلى تماسكها واستقرارها وترسيخ قيمها الأخلاقية وحمايتها، وذلك على النحو الذي ينظمه القانون. وتكفل الدولة خدمات الأمومة والطفولة بالمجان، والتوفيق بين واجبات المرأة نحو اسرتها وعملها العام. وتولي الدولة عناية وحماية خاصة للمرأة المعيلة والمطلقة والأرملة".

نلاحظ أن المادة لم تعامل المرأة بصفتها شريك في المجتمع له نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات، بل تعاملت معها فقط من زاوية "الأم" والأسرة، وهو ما يعد انكارا منها لدور المرأة المصرية خارج المنزل، بل وتكريس لفكرة "أن وظيفة المرأة هى الحفاظ على أسرتها، والأمومة"، وعليها أن تتخلى عما دون ذلك من أدوار.
وهو الأمر الذي قابلته القوى المدنية والجمعيات الخاصة بحقوق المرأة بتحركات متعددة للاعتراض على مسودة الدستور والمطالبة بتعديله، ثم الاعتراض على "تزوير" المرحلة الأولى منه، والاعتراض على اقراره[3].
 
مسودة دستور 2013: خطوات نحو اقرار حقوق المرأة طبقا للقانون الدولي
على عكس دستور 2012، نصت المسودة الأولى لدستور 2013 صراحة على المواطنة، المساواة وعدم التمييز بالاضافة الى المواد الخاصة بالمرأة.
فقد نصت المسودة الأولى للدستور[4] على مواد تقر المواطنة والمساواة بين المواطنين المصريين وتجريم التمييز وهو ما تستفيد منه المرأة المصرية بطريقة مباشرة فيشكل سلاحا قانونيا للحفاظ على مكتسباتها ويفتح الأبواب لنيل مكتسبات جديدة.  فنجد المادة الأولى تنص صراحة أن نظام الدولة يقوم على "اساس المواطنة"، وتلزم المسودة الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص. كما تم لأول مرة، ادخال "مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز" في التعليم كما جاء في المادة 18، والنص على أن تعمل "الجامعات على تدريس حقوق الانسان" في المادة 20، مما من شأنه أن ينشئ جيلا يحترم حقوق المرأة ويقوم على المساواة والمواطنة الحقيقية.  

بالاضافة الى ذلك، وفي حين لم يمنع دستور 2012 بوضوح التمييز على أساس الجنس واكتفى فقط بنص عام فضفاض جاء فيه: "المواطنون لدى القانون سواء وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك"، حرصت لجنة الخمسين على تفصيل أسباب التمييز وتجريمه فجاء في نص المادة 38: "المواطنون لدى القانون سواء وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون أو اللغة أو الاعاقة أو الموقع الجغرافي أو المستوى الاجتماعي أو الانتماء السياسي أو لأى سبب أخر. التمييز والحض على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون. تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وينظم القانون انشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض"، ويعد النص بصورة صريحة بانه لا يجوز التمييز على أساس الجنس، وإلزام الدولة بالقضاء على هذا التمييز بالاضافة الى تجريمه يعد خطوة الى الأمام ووسيلة في أيدي الحقوقيين والقانونيين للتصدي قانونيا ضد كل القرارات الايجابية والسلبية من الدولة والتي يكون بها شبهة تمييز على أساس الجنس. فهل تكون هذه المادة هى المفتاح لاعتلاء المرأة المصرية منصة القضاء، على سبيل المثال؟

وفي اطار رفع مستوى الحقوق والحريات، نجد في مسودة الدستور نصا يشير صراحة الى التزام الدولة بالقانون الدولي؛ حيث جاء في المادة 5 مكرر منها: "تلتزم الدولة بالحقوق والحريات الواردة في الاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الانسان والتي تصدق عليها مصر"، وهو ما يعني التزام مصر باتفاقية "القضاء على كافة أنواع التمييز ضد المرأة" (السيداو) وغيرها من الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمرأة التي صدقت عليها مصر دون المواد التي تحفظت عليها، كما تفتح الباب بنص دستوري باثارة هذه المواد أمام المحاكم المصرية المختلفة من قضاء عدلي وقضاء اداري وقضاء دستوري.

والجدير بالذكر أن أحد اسباب اعتراض المجلس القومي لحقوق المرأة على دستور 2012 كان عدم اشارته لاحترام مصر للاتفاقيات والمعاهدات الدولية[5]، وبادراج هذه المادة في مسودة دستور 2013 تكون لجنة الخمسين قد أزالت أسباب هذا الاعتراض.
 
المساواة: مرفوضة في دستور 2012 مكرسة في مسودة دستور 2013
وفي خطوة ايجابية على طريق المساواة بين الرجل والمرأة في الدستور، نصت المادة 6 من مسودة دستور 2013 على:"الجنسية حق لمن يولد لأب مصري أو أم مصرية، والاعتراف به ومنحه أوراق رسمية تثبت بياناته الشخصية حق يكفله القانون وينظمه". تعد هذه المادة انجازا للمرأة المصرية، فهى تقوم لأول مرة "بدسترة" حق الأم المصرية باعطاء الجنسية لأولادها، وتقر بما لا يدع مجالا للشك أو الجدل أن جنسية هؤلاء الأطفال هي جنسية أصيلة تستند على حق الدم وليست مكتسبة، ويتم اقرارها عند الميلاد كما في حالة المواليد لأب مصري وبقوة الدستور، كما تقفل الباب بشكل نهائي حول أى محاولات مستقبلية لالغاء التعديل الذي أدخل على قانون الجنسية عام 2004[6] والذي أقر بحق الأم المصرية بمنح جنسيتها لأطفالها.

ومن جهة أخرى، وفيما جمعت المادة 11 من دستور 2012 بين النص الخاص بالأسرة والنص الخاص بالمرأة كما أوضحنا أعلاه، فصلت مسودة دستور 2013 بين الموضوعيين فخصصت المادة 10 للأسرة، بينما نصت المادة 11 الخاصة بالمرأة على التالي:"تلتزم الدولة بتحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وتعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلا مناسبا ومتوازنا في المجالي النيابية والمحلية على النحو الذي ينظمه القانون. وتلتزم الدولة بحماية المرأة ضد كل اشكال العنف، وتكفل الدولة تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل. كما تلتزم بتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة والمسنة والنساء الأشد فقرا واحتياجا".

نلاحظ هنا أن المادة نصت صراحة على المساواة بين المرأة والرجل في المجالات المختلفة، على عكس دستور 2012، وألزمت الدولة بتحقيق هذه المساواة وهو ما يعني أن التزام الدولة هو التزام بنتيجة وهو الأمر الذي يعني أن الدولة مقيدة بتحقيق النتيجة وليس فقط بالسعي الى تحقيقها، وهو ما يجعل كسب أى نزاع خاص بالمساواة مضمونا الى حد كبير.

كما يعد إلزام الدولة بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف خطوة في الاتجاه الصحيح، خصوصا بعد ارتفاع معدلات التحرش الجنسي والاغتصاب في مصر بعد الثورة، وهي تلزم الدولة باتخاذ خطوات جدية ووضع قوانين صارمة للقضاء على هذه الظواهر وغيرها وتعد خطوة مهمة لالزام مجلس النواب باصدار قانون لمواجهة العنف ضد النساء[7].
 
الكوتا: الصراع المستمر للمرأة المصرية
رغم مطالبة العديد من المنظمات النسائية باقرار كوتا للمرأة في البرلمان –وقد بلغت هذه المطالبة أوجها مع المظاهرة امام مجلس الشورى يوم 13/11/2013[8]، رفضت اللجنة النص على "كوتا" لأي فئة مجتمعية أو طائفة دينية، فقد أبقت اللجنة على الغاء نسبة ال50% للعمال والفلاحين في المجالس النيابية، التي كان قد أبقاها دستور 2012 لدورتين فقط ضمن أحكامه الانتقالية. بالاضافة الى ذلك، نصت المادة أعلاه على: "تعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة…."، مما يعني أنه يقع على الدولة هنا "التزام ببذل عناية" وليس "التزام بنتيجة" أى انها ملتزمة بتقديم الوسائل اللازمة لتحقيق الهدف، وتتم مساءلتها على الخطوات التي اتخذتها في سبيل تحقيق ذلك دون محاسبتها على النتيجة التي وصلت اليها، أى انه لا تتم مساءلتها على الوصول فعليا للتمثيل المنصوص عليه وهو ما يدعو للتساؤل حول جدية اللجنة في تحقيق هذا التمثيل.

وكان يجدر باللجنة الزام الدولة ب"التزام نتيجة"، فرفض اقرار الكوتا كان يجب أن يقابله الزام للدولة بضمان تمثيل المرأة بصورة متوازنة مع الرجل في مجلس النواب، وهو ما يترتب عليه الزام المشرع بضمان هذا التمثيل في قانون الانتخابات القادم سواء بالنص على الزام الأحزاب بوضع المرأة في الثلث الأول من القوائم اذا أخذ بنظام القوائم، أو اقرار نسبة "كوتة" للمرأة كنوع من التمييز الايجابي حتى وان كان محددا بمدة زمنية حتى يتسنى لها اخذ دورها في الأحزاب والحياة السياسية وتقبل المجتمع تمثيلها في البرلمان، أما بهذه الصياغة فالمشرع يمكن أن يلزم الأحزاب بوجود المرأة على قوائمهم دون أن تكون في الثلث الأول، كما فعل في الانتخابات النيابية الأخيرة، مما يجعل الأمر شكليا الى حد كبير ولا يضمن لها تمثيلا حقيقيا في البرلمان.

في المقابل، أقرت لجنة الخمسين نسبة للمرأة والشباب في المجالس المحلية، وهو الأمر المستحدث اذ أن دستور 2012 لم ينص على تخصيص نسب للمرأة أو للشباب في المجالس المحلية. فنصت المادة 153 من مسودة دستور 2013 على:"تنتخب كل وحدة محلية مجلسا بالاقتراع السري المباشر لمدة أربع سنوات، ويشترط في المترشح ألا يقل سنه عن إحدى عشر سنة، وينظم القانون شروط الترشح الأخرى، واجراءات الانتخاب على أن يخصص ربع عدد المقاعد للشباب دون الخمس وثلاثين سنة وربع العدد للمرأة (وتتضمن تلك النسبة تمثيل مناسبا للمسيحين وذوي الاعاقة)".

يعد اقرار هذه النسبة خطوة الى الأمام في سبيل ادخال المرأة الى الحياة السياسية وتقبل المجتمع أكثر لتمثيل المرأة في مراكز قيادية، وتمثيل المرأة له في المجالس التي تهتم بشئون المواطن والدولة، وهو ما يترتب عليه تدريجيا في المستقبل، أن تبني المرأة عن طريق هذه المجالس تاريخ سياسي معروف في "الدائرة الانتخابية" التي تنتمي اليها، مما يسهل في المستقبل ترشحها عن هذه الدائرة في مجلس النواب وانتخاب أعضاء الدائرة لها (تجدر الاشارة أن من أسباب عدم تمثيل المرأة في المجالس النيابية هو رفض قطاع من المجتمع المصري أن تمثله امرأة بالاضافة الى قلة عدد النساء المعروفات لاعضاء دوائرهن الانتخابية).
 
خاتمة:
اتخذت لجنة الخمسين خطوات ايجابية في سبيل اقرار حقوق المرأة وتحسين وضعها مقارنة بدستور 2012، ولكن تبقى الخطوات المتخذة في سبيل ممارسة المرأة لحقوقها السياسية غير كافية بالنسبة لقطاع كبير من النساء ومنظمات المجتمع المدني.
 



[1] نشر في جريدة المصري اليوم، بتاريخ 29 يوليو/تموز 2012، تحت عنوان: "مقررة بحريات التأسيسية: مواد حرية العقيدة ووضع المرأة مازالت محل خلاف".
[2] نشر في جريدة الشروق، بتاريخ 7 نوفمبر، تحت عنوان: "مصادر بالتأسيسية: الاتفاق على الغاء مادة المساواة بين المرأة والرجل".
[3] راجع نقرير "عام الخروج الكبير للمرأة 2012" الصادر عن المركز المصري لحقوق المرأة في يناير/كانون ثاني 2013.
[4] راجع المسودة الأولى للدستور المصري التي نشرت بجريدة المصري اليوم بتاريخ 22 نوفمبر/تشرين ثاني 2013.
[5] راجع "مثقفون وقانونيون يرفضون المواد الخاصة بالمرأة في الدستور الجديد"، نشر في جريدة الشروق بتاريخ 30 أكتوبر/تشرين أول 2012.
[6] في يوليو/تموز 2012 تم تنظيم مسيرة نسائية من روكسي الى الاتحادية لتقديم مطالب نساء مصر الى رئيس الجمهورية السابق محمد مرسي، وكان من بينها عدم الغاء قانون منح الأم المصرية لأبنائها من زوج غير مصري، وذلك على أثر الأخبار التي تم تداولها حول نية البعض تقديم اقتراح بالغاء هذا القانون- حسب ما جاء في تقرير "2012: عام الخروج الكبير للمرأة" الصادر عن المركز المصري لحقوق المرأة في يناير/كانون ثاني 2013.
[7] طالبت منظمات المجتمع المدني باقرار قانون لمواجهة العنف ضد المرأة خلال حكم الرئيس السابق محمد مرسي، وكان المجلس القومي للمرأة أعد مشروع قانون وأرسله للرئيس السابق قبل عزله باسابيع قليلة. راجع:"القومي للمرأة يسلم مرسي المسودة النهائية لقانون مواجهة العنف ضد النساء"، نشر بجريدة المصري اليوم بتاريخ 12 يونيو/حزيران 2013.
[8] نشر الخبر في جريدة الوطن بتاريخ 13/11/2013 تحت عنوان: “وقفة نسائية أمام الشورى للاعتراض على وضع المرأة في الدستور والمطالبة باقرار الكوتا."
انشر المقال

متوفر من خلال:

مجلة لبنان ، مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، مصر



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني