المحكمة الدستورية المصرية: أبناء الأمهات المصريات بالتجنس مصريون أيضًا


2019-04-15    |   

المحكمة الدستورية المصرية: أبناء الأمهات المصريات بالتجنس مصريون أيضًا

بتاريخ السبت 6/4/2019، قضت المحكمة الدستورية العليا في مصر بعدم دستورية نص المادة السادسة من قانون الجنسية المصرية، فيما انطوى عليه من حرمان الأم الأجنبية التى اكتسبت الجنسية المصرية بالتجنس من نقل جنسيتها بالتبعية لأبنائها، وقصر نقل الجنسية المصرية بالتبعية على أبناء الأجنبي الذي اكتسبها بالتجنس. جاء هذا الحكم في الدعوى رقم 131 لسنة 39 قضائية “دستورية”، المحالة من محكمة القضاء الإداري بالقاهرة، عدم دستورية نص المادة السادسة من قانون الجنسية المصرية، في تمييزه بين الأجنبى والأجنبية في خصوص منح الجنسية لأبنائهما القصر بالتبعية لاكتسابهما الجنسية المصرية بطريق التجنس. ويكمل هذا الحكم الهام الأحكام القانونية والدستورية المقررة للمساواة في حق منح الجنسية للأبناء المولودين من الزواج، كما أنه يقضى على وجه من أوجه التمييز بين الرجل والمرأة في مجال الجنسية بعد الاعتراف الدستوري بالمساواة بين الجنسين في هذا الخصوص.

وقائع القضية

وتتلخص الوقائع التي صدر بمناسبتها هذا الحكم في أن سيدة أجنبية اكتسبت الجنسية المصرية بطريق التجنس، تقدمت إلى إدارة الهجرة والجوازات والجنسية بوزارة الداخلية، طالبة الاعتراف بالجنسية المصرية لأولادها القصر بالتبعية لها بعد أن حصلت على الجنسية المصرية. لكن إدارة الهجرة والجوازات والجنسية رفضت منح أطفالها الجنسية المصرية، تذرعاً بأن المادة السادسة (فقرة 2) من قانون الجنسية المصرية تقصر الاستفادة من الجنسية المصرية على الأولاد القصر للأجنبي الذي اكتسب الجنسية المصرية بالتبعية لأبيهم بعد أن صار مصرياً، فهؤلاء الأبناء للأب الأجنبى الذي صار مصرياً يكتسبون الجنسية المصرية. أما أبناء الأم الأجنبية التي اكتسبت الجنسية المصرية، فصارت مصرية بالتجنس، فإن أطفالها القصر يظلون على جنسيتهم الأجنبية، ولو كانت إقامتهم العادية في مصر.

وقد استشعرت محكمة القضاء الإداري عدم دستورية هذا النص الذي يميز بين المصرية والمصري في حق دستوري، مخالفاً بذلك نصوصاً صريحة في الدستور المصري. فأحالت[1] النص إلى المحكمة الدستورية العليا.

وقد أسست المحكمة حكمها موضوع هذا المقال بناءً على عدة أسباب. فقد ذهبت المحكمة إلى أن المادة 4 من الدستور نصت على مبدأ تكافؤ الفرص وجعلت تحقيقه على عاتق الدولة حسب المادة 9 منه. كما اعتبرت المحكمة أن الدستور أكد في الكثير من مواده على مبادئ المساواة والعدل وتكافؤ الفرص بين المواطنين وألزم الدولة بالقضاء على كافة أشكال التمييز معتبرًا التمييز جريمة يعاقب عليها القانون[2].

وبناءً على ذلك، اعتبرت المحكمة أن سلطة المشرع في تحديد شروط اكتساب الجنسية المصرية المنصوص عليها في المادة 6 من الدستور تتقيد بالقيد الوارد في المادة 92 وهو ضرورة ألا يمس تنظيم الحقوق والحريات أصلها وجوهرها والالتزام بمبادئ العدل والمساواة.

كما اعتبرت المحكمة أن النص الدستوري الذي يلزم الدولة بالحفاظ على تماسك الأسرة واستقرارها يتصادم مع حرمان الأولاد القصر للأم الأجنبية من اكتساب الجنسية المصرية بقوة القانون، تبعاً لاكتسابها هذه الجنسية.

واستندت المحكمة على نص الفقرة الثانية من المادة 9 من اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة[3] والمادة 93 من الدستور[4] لتذهب إلى أن على الدولة المصرية أن تعدل قوانينها لتحقق المساواة بين المرأة والرجل في ما يخص منح الجنسية لأبنائهما. واعتبرت أن تراخي المشرع في تعديل النص المطعون فيه يُعد إخلالاً منه   بالتزامه الدستوري بالنسبة للاتفاقيات الدولية التي صدقت عليها مصر، بما يوقعه في حومة المخالفة لأحكام الدستور.

ملاحظات حول الحكم

يعد حكم المحكمة الدستورية العليا حلقة من حلقات الانتصار القضائي للمرأة المصرية في نضالها للحصول على حقوقها الدستورية والقانونية، لاسيما في مجال جنسيتها وجنسية أولادها، بصرف النظر عن وجود الأب أو عدم وجوده ومن دون النظر لجنسيته، وسواء كانت متزوجة أو غير متزوجة لأن الجنسية تعد حقًا من حقوق الطفل.

ويترتب على هذا الحكم وجوب تدخل المشرع لتعديل النص المطعون فيه على نحو يتلافى أوجه عدم الدستورية. فأحكام المحكمة الدستورية العليا نهائية وغير قابلة للطعن عليها، وهي ملزمة لجميع سلطات الدولة وللكافة، مما مقتضاه التزام مجلس النواب بتعديل نص المادة السادسة من قانون الجنسية، إعمالاً لهذا الحكم.

ونشير إلى أنه بالرغم من أن قانون الجنسية المصرىة تغلب على أغلب نصوصه روح المساواة وعدم التمييز بين الرجل والمرأة. لكنه لازال يتضمن نصاً يميز بين الرجل والمرأة في مجال الجنسية، ويخل بذات النصوص الدستورية التي استندت إليها المحكمة الدستورية في تقريرها عدم دستورية المادة السادسة من هذا القانون. هذا النص هو نص المادة السابعة من قانون الجنسية، الذي يسمح للأجنبية التي تتزوج من مصري باكتساب الجنسية المصرية بالزواج بشروط محددة، بينما لا يجيز للزوج الأجنبي للمصرية اكتساب جنسية زوجته المصرية بالزواج وفقا لذات الشروط. فالزوج الأجنبي للمرأة المصرية لا يكتسب الجنسية بزواجه من مصرية مهما امتد الزواج في الزمن، ما لم يتمكن من الحصول على الجنسية المصرية لأسباب أخرى غير الزواج. وتلك تفرقة بين المصري والمصرية تتصادم مع أحكام الدستور المصري المقررة للمساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات دون تمييز بسبب الجنس.

ونأمل أن تتاح الفرصة للمحكمة الدستورية العليا للنظر في المادة السابعة من قانون الجنسية المصرية. فمما لا شك فيه أن الإقرار بحق الزوجة الأجنبية للمصري في اكتساب الجنسية المصرية، إذا توافرت شروطها، يقتضى تمكين الزوج الأجنبي للمصرية من اكتساب جنسية زوجته وفقاً لذات الشروط المتطلبة بالنسبة للزوجة الأجنبية للمواطن المصري، ما لم توجد أسباب تتعلق بالمصلحة الوطنية العليا تحول دون ذلك بالنسبة للزوجة أو الزوج على حد سواء.

تذكير بالتطور الحاصل بشأن حق أبناء الأم المصرية بالجنسية

يذكر أن القانون رقم 26 لسنة 1975 الناظم للجنسية قد شهد تعديلا أساسيا في 2004. فقد باتت المادة الثانية منه تنص على أنه يعتبر مصريا “من ولد لأب مصري، أو أم مصرية” بعدما كانت تمنع سابقا المولود من أم مصرية هذا الحق إلا في حالات استثنائية وهي أن يكون أبوه مجهول الجنسية أو لا جنسية له أو أن لا تثبت نسبة الواد إلى أبيه قانونا. وبمقتضى هذا التعديل لقانون الجنسية، سوى القانون المصري بين الأبوين في إمكان منح الجنسية لأبنائهما المولودين من زواج، تحقيقاً لمبدأ المساواة، وللقضاء على التمييز بين الرجل والمرأة، بعد أن صار كلاهما يمنح لأبنائه جنسية أصلية تثبت للمولود بمجرد ميلاده بناءً على “حق الدم”.

وجاء الدستور المصري الجديد الصادر سنة 2014، فزاد الأمر تأكيداً وتحديدًا، عندما جعل حق الأم المصرية المتزوجة من غير مصري في منح جنسيتها لأبنائها المولودين من الزواج حقاً دستورياً يستعصي على الإلغاء التشريعي. لذلك قررت المادة السادسة من الدستور تكريس المساواة بين المصري والمصرية في حق منح الجنسية المصرية لأطفالهما، فنصت على أن “الجنسية حق لمن يولد لأب مصري أو لأم مصرية، والاعتراف القانوني به ومنحه أوراقاً رسمية تثبت بياناته الشخصية، حق يكفله القانون وينظمه. ويحدد القانون شروط اكتساب الجنسية”. وأكد القضاء الإداري المصري أن الجنسية حق دستوري لأبناء المصرية المتزوجة من غير مصري([5])، ولو كان الزواج عرفياً ، كما أكد أن حق المشرع في تنظيم الجنسية يقتصر على الجنسية المكتسبة، ولا يشمل الجنسية الأصلية، التي تعتبر حقاً دستورياً يثبت من طريق الأم المصرية، كما يثبت من طريق الأب المصري على حد سواء. ولا يجوز للمشرع العادي عند الاعتراف القانوني بهذا الحق ومنح صاحبه الأوراق الثبوتية له أن يقيده بقيود تمس أصل الحق أو تفرغه من مضمونه بما يمس جوهره طبقاً لنص المادة 92 من الدستور المصري.

 


[1]  وذلك بناءً على المادة 29 (أ) من قانون المحكمة الدستورية العليا رقم 48 لسنة 1979: “إذا تراءى لإحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي أثناء نظر إحدى الدعاوى عدم دستورية نص في قانون أو لائحة لازم للفصل في النزاع، أوقفت الدعوى وأحالت الأوراق بغير رسوم إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في المسألة الدستورية”

[2] راجع المواد 4 و6 و11 و53 من الدستور.

[3] ” …. 2- تمنح الدول الأطراف المرأة حقاً مساوياً لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالهما”

[4]“تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تصدق عليها مصر، وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقاً للأوضاع المقررة”

[5] راجع فتوح الشاذلي، “الجنسية حق دستوري لأبناء المصرية المتزوجة من غير مصري ولو كان الزواج عرفيا”، المفكرة القانونية بتاريخ 28/9ا/2017.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، مصر



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني