الكوستا برافا يبتلع البحر


2018-06-23    |   

الكوستا برافا يبتلع البحر

في آذار من العام 2016، تقرر اعتماد مطمر الكوستا برافا كأحد حلول أزمة النفايات. يقول الدكتور ناجي قديح أن”هذه المنطقة لم تخضع لدراسة مخطط توجيهي فهي كانت عبارة عن مشاعات. في البداية بدأت الفكرة بتحويل المطمر إلى موقف أو parking للنفايات حيث يتم تجميعها هناك وتغطيتها بطريقة بدائية على أمل إنشاء مطمر لطمرها”.

ومن أبرز أنواع النفايات التي يستقبلها هذا المكب النفايات العضوية التي تعد وليمة جاذبة للطيور، فيما يقع على بُعد كيلومتر واحد من المطار، وبالتالي يشكل خطراً على سلامة الطيران. تبعا لذلك، وجهت نقابة الطيارين اللبنانيين بتاريخ 26 آب 2016  بياناً تحذيرياً حول الموضوع، مذكرة بما “اتفق عليه لبنان مع المنظمة الدولية للطيران المدني ICAO بتأمين مناخ آمن للملاحة، ووضع حد للمخاطر الناجمة عن تواجد الحيوانات البرية”.

إلا أن التحذيرات ذهبت هباءً، وفُتح المطمر أمام نفايات المدن، وتزايدت الطيور بشكل متوقع، وبعد حوادث عدة  انفجرت أزمة جديدة في وجه الحكومة. ولأن الدولة اعتادت على الحلول السريعة، وإن كانت غير ناجزة، ارتأت اعتماد تركيب أجهزة صوتية لطرد الطيور موكلة شركة جهاد العرب بها أيضاً. فيما تم بتاريخ 14/1/2016، وباقتراح من مجلس الانماء والاعمار، تنفيذ مجزرة بحق الطيور راح ضحيتها نحو 11 ألف طائر من أنواع مختلفة.

كان هذا الخيار الوحيد بنظر الدولة حتى لا تخسر الموقع. ولأن مطمر الكوستا برافا كان مهيئاً لاستقبال كمية معينة من النفايات، فإن الإدارة غير المدروسة والمنظمة جعلته يمتلئ سريعاً فكان التوجه إلى فكرة توسعته عن طريق ردم البحر واستحداث مساحات من الواجهة البحرية. وبتاريخ 11 كانون الثاني  2018، أقرت الحكومة مشروع الكوستا برافا 2 للتوسعة. وفور ذلك بدأت الأعمال ويقول عضو مجلس بلدية الشويفات والمراقب على أعمال الطمر هشام ريشاني: “أن مساحة المطمر الجديد تبلغ نحو 180 ألف متر مربع إضافي، يقع بالقرب من المطمر القديم، وقد تم استحداثه من خلال إقامة سنسول وإغلاق البحر من ثم يتم شفط المياه وبعد تجهيز الأرضية، يتم وضع طبقة من النفايات وفوقها التراب وهكذا دواليك”.

أمر واقع

في غضون ذلك، تحولت منطقة الكوستا برافا إلى منطقة منكوبة بيئيا تؤثر على صحة الناس، ويتحدث رئيس جمعية الإرشاد القانوني محمد الزيات عن معاناة الناس هناك: “في تلك المنطقة يهب الهواء غربياً، ونحن كسكان محيط “كوستا برافا”، ابتداءً من الشويفات حتى الضاحية وصولا إلى الناعمة، تأتينا الروائح الكريهة الناجمة عن الانبعاثات. ويكفينا غاز الميثان الذي بدأ يتكون، ويلحق بالناس العديد من الأمراض، عدا عن العصارة التي تنساب إلى البحر، ثم تعود إلى المياه الجوفية من خلال المد والجزر وتؤثر على حياتنا اليومية”.

إبان إقرار المطمر، تشكلت خلية أزمة في منطقة الشويفات سرعان ما انطفأت بفعل انقسامات في صفوفها. ولكن وقبل انفراط عقدها، قامت بتحركات عدة منها زيارة رئيس الحكومة آنذاك تمام سلام، وعرضت صوراً تبرز كيف أن العمل يتم بطريقة خاطئة، وكيف كان يتم وضع النفايات من دون عازل وفرز، وقدمت  صوراً تبرز الآثارات الموجودة في المنطقة. وبناء على ذلك، قام مجلس الإنماء والإعمار بإجبار المتعهد على وضع سور فاصل، ولكن انتهى التحرك إلى التسليم بأن الكوستا برافا هو أمر واقع يجب أن يقبلوا به.

وبخلاف أي حديث عن أن العصارة تسير إلى البحر، أكد ريشاني، أن “المطمر مجهز بقنوات لامتصاص العصارة، تقوم بسحبها إلى  storage room  ومنها يتم سحبها إلى محطة التكرير الموجودة في منطقة الكوستا برافا وهناك تنفيسة للغازات وبين كل طبقة وطبقة يتم وضع تراب”. ولفت إلى أن “الآلات وضعت قبل تجهيز المطمر أصلا”.،وأن هناك محطة تكرير للعصارة. وأن أي حديث مخالف  كله كلام فلاسفة المجتمع المدني الذين لم يزوروا المكان ولا مرة”، وفق ما قال ريشاني. ولكن مع ذلك لا ينفي ريشاني مسألتي الخطر الذي يشكله المطمر على المطار وحركة الطيران، وتلويثه الهواء وتسببه بزيادة الأمراض الصدرية وارتفاع الإصابات بالسرطان.

وبحسب ريشاني، فإنه يجري حالياً العمل على مشروع تركيب محرقة للغاز لمنع انتشاره في الهواء. كما يلفت إلى أنه وبعكس كوستا برافا 1 فإنه تم وضع مخطط توجيهي للمطمر الجديد.

ولكن ماذا يعني اللجوء إلى المحارق؟

يشرح الدكتور ناجي قديح  أشكال التلوث الذي تتسبب به المحارق “ومن بينها انبعاثات عالية السمية في الهواء الجوي، إلى رماد متطاير سام، ورماد القاع، الذي يتطلب عناية خاصة للتعامل معه”، معتبراً أن  دور المحارق هو تحويل “النفايات غير الخطرة إلى نفايات خطرة”. ويضيف “تحتوي النفايات على: معادن ثقيلة،  ومواد كيميائية مخلقة نتيجة عمليات التكسير والتفاعل Cracking كما تتشكل أثناء الإحتراق كميات هامة من مركبات أكثر سمية”.

أما الآثار الصحية  الناجمة عنها فهي: خلل في جهاز المناعة، تخريب لجهاز الغدد الصماء EDC، تأثيرات على الجينات (الطفرات). تأثيرات مسرطنة، تأثيرات سامة على الجهاز العصبي وعلى القدرة الإنجابي، وأخرى مسخية.

الدعوى: الحراك يطالب بإغلاق المكب

أما فيما خص الدعوى التي رفعها مجموعة من الناشطين لإغلاق الكوستا برافا، فقد أصدر قاضي الأمور المستعجلة في بعبدا حسن حمدان بتاريخ  31/1/2017 قرارا بالوقف الكلي لنقل النفايات إليه “على أن يبقى العمل خلال فترة الأربعة أشهر هذه تحت رقابة من ينتدبه كل من معالي وزيري البيئة والأشغال العامة والنقل وما يستنسبانه من تدابير تقتضيها سلامة البيئة المحيطة وأمن الملاحة الجوية”.

قبل أن يصبح هذا الحكم نافذا، عادت محكمة الاستئناف في جبل لبنان برئاسة القاضية الهام عبدالله وقررت بتاريخ 18 أيلول 2017، وقف تنفيذ قرار إقفال مطمر كوستابرافا إلى حين البت بالدعوى العالقة أمامها. وبحسب المحامي حسن بزي فقد تقدمت جهة الادعاء بطلب نقض قرار وقف التنفيذ  الصادر عن الرئيسة عبدالله والملف لا يزال لدى محكمة التمييز.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مجلة لبنان ، لبنان ، مقالات ، بيئة وتنظيم مدني وسكن



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني