القضاء بصيغة المؤنث حوار مع رئيسة الجمعية المغربية للنساء القاضيات


2016-03-09    |   

القضاء بصيغة المؤنث حوار مع رئيسة الجمعية المغربية للنساء القاضيات

مع نسمات الربيع العربي التي حملت الى المغرب بوادر روح التغيير بالمصادقة على دستور جديد سنة 2011، كرّس مبدأ السعي نحو المناصفة في جميع المجالات، كما كرس حق القضاة في التعبير وحرية تأسيسهم لجمعيات مهنية ومدنية. وبعد أشهر قليلة من تأسيس نادي قضاة المغرب، بادرت مجموعة من القاضيات إلى تأسيس جمعية جديدة في المغرب اخترن لها إسم الجمعية المغربية للنساء القاضيات، في سابقة تعد الأولى من نوعها على الصعيد العربي. جمعية قامت أساسا على مناهضة كافة أشكال التمييز ضد المرأة، وكشفت النقاب عن العراقيل التي تواجه المرأة القاضية على وجه الخصوص في أداء عملها، خاصة منها تلك التي تحول بينها وبين الوصول إلى مراكز صنع القرار القضائي. وقد وقع الاختيار على القاضية عائشة الناصري كأحد الوجوه القضائية المعروفة وطنيا ودوليا في مجال الدفاع عن حقوق المرأة لتكون رئيسة لهذه الجمعية.
 
 
وتعتبر القاضية الناصري أول امرأة تشغل منصب وكلية الملك لدى المحكمة الابتدائية المدنية بالدار البيضاء، وهي في الوقت نفسه رئيسة الجمعية المغربية للنساء القاضيات، وعضوة في المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ومؤسسة ومنسقة شبكة النساء القاضيات في المنطقة العربية وأفريقيا. بدأت العمل الجمعوي مند سنة 1998 في مجال حقوق النساء ومناهضة العنف وكل أشكال التمييز ضد المرأة. وقد أصدرت عدة أحكام وصفت بالمبدئية قبل صدور مدونة الأسرة سواء بخصوص الطلاق للضرر أو حماية المرأة الحاضنة من الإفراغ.

وهذه هي خلاصة الحوار الذي أجرته المفكرة القانونية معها.
 
1- لماذا جمعية للنساء القاضيات؟

 بكل بساطة وبشكل مباشر لأن النساء القاضيات في المغرب يعانين من التمييز في المهنة. فالقاضية المغربية ولجت مهنة القضاء مند سنة 1961. ولكننا حتى اليوم، لا تمثل النساء إلا ربع قضاة المغرب. ثم هنالك تمييز كبير في تمكين النساء القاضيات من مراكز القرار، أي تمكينهن من تدبير شؤون المحاكم. فحاليا هناك 200 مسؤولا قضائيا رجلا مقابل 10 مسؤولات قضائيات نساء فقط. وحتى بخصوص طبيعة المسؤولية القضائية المسندة لهؤلاء النساء، فهي ذات طبيعة بسيطة حيث نجد سبعة منهن كوكيلات للملك أي حسب التعبير المشرقي "وكيلات نيابة" في محاكم تجارية وهي مسؤولية غير مهمة. وهناك رئيسة أولى لمحكمة استئناف واحدة. كما أن هناك مناصب لا زالت حكرا على الرجال كمنصب وكيل الملك بالمحاكم الزجرية، ومنصب الوكيل العام، ومنصب المفتش العام، والمديريات التابعة لوزارة العدل..، ولابد من الإشارة إلى أنه لا يوجد أي نص قانوني يفرض هذا التمييز وإنما المسألة مرتبطة بالعقليات السائدة.
 
2- ما هي الأنشطة التي قامت بها الجمعية المغربية للنساء القاضيات؟

مند تأسيسها سنة 2012 أي بعد المصادقة على دستور 2011 قامت الجمعية المغربية للنساء القاضيات بعدة أنشطة في إطار الدفاع عن أهدافها. فبالإضافة إلى هدفها الأساسي وهو مناهضة التمييز ضد النساء القاضيات في المهنة، نهتم أيضا بحقوق النساء بصفة عامة. وفي هذا الإطار قمنا بدعم قدرات القاضيات في الدائرة الاستئنافية بمدن الدار البيضاء والجديدة، وتكوينهن في تقنيات الوساطة وخصوصا الأسرية. وتكلفنا في إطار شراكة مع بعض المجالس العلمية في مناطق الجنوب والدار البيضاء حيث كونا أكثر من 200 مرشدة دينية في قواعد الوساطة الأسرية بخلفية حقوقية. ويجدر التذكير أن هذه المرشدات يستقبلن في إطار خلايا مناهضة العنف ضد النساء التابعة لهذه المجالس النساء المعنفات أو اللواتي هنّ في خلاف مع أزواجهن. ونظمنا عدّة ندوات تهمّ بعض مشاريع القوانين منها مشروع قانون مناهضة العنف ومشروع القانون الجنائي أو تهمّ تطبيق قوانين معينة كمدونة الأسرة.

في نفس السياق انصب اهتمام جمعيتنا على وضعية النساء السجينات لأنهن يعانين من التمييز أيضا داخل السجن. وهذا المجال نشتغل فيه بشراكة مع اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان، حيث نظمنا عدة زيارات لبعض السجون التابعة لمدن الدار البيضاء وسطات. وفي هذا الصدد قمنا بتخليد اليوم العالمي للمرأة بسجن عكاشة بالدار البيضاء بيوم 8 مارس 2015 مع السجينات، وشاركنا في جميع ندوات الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة.

3-ما هو موقف الجمعية المغربية للنساء القاضيات من مشاريع قوانين السلطة القضائية التي تمت المصادقة عليها مؤخرا من طرف البرلمان؟

نحن لا نتنكر للمجهود المبذول من طرف وزارة العدل والحريات في إعداد مشروعي قانوني النظام الأساسي للسلطة القضائية وقانون المجلس الأعلى للسلطة القضائية. كما أننا نثمن كثيرا من المكتسبات المضمنة بهما. لكننا نتحفظ على بعض المقتضيات الواردة في المشروعين والتي تتعلق بمحورين أساسيين: أولهما يتعلق بالضبابية التي تمس مبدأ استقلال السلطة القضائية وفك الارتباط مع وزارة العدل. ومرد هذه الضبابية اضافة مقتضى قانوني جديد في المشروع يسمح بإمكانية حضور وزير العدل لاجتماعات المجلس الأعلى للسلطة القضائية، في حين أن الدستور حدد تشكيلة هذا المجلس على سبيل الحصر وليس من بينهم وزير العدل. كما تبقى الإشكالية المتعلقة بطبيعة العلاقة التى تربط بين وزير العدل والمسؤولين القضائيين والتي تكتسي طابع الوصاية، وعدم تدقيق طبيعة اللجنة التنسيقية التى تربط وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية.

غايتنا من تحقيق الاستقلال الفعلي للسلطة القضائية هو أننا نؤمن بأن ذلك يشكل دعامة أساسية لبناء دولة الحق والمؤسسات التي اختارها المغرب وحسم اختياره بشأنها في دستور 2011. فلا يمكن تصور دولة الحق بدون احترام مبدأ فصل السلط. كما أن استقلال السلطة القضائية هو الضمانة الأساسية لسواسية الأفراد والجماعات أمام القانون.

أما بخصوص المحور الثاني الذي يثير قلقنا في مشاريع قوانين السلطة القضائية المصادق عليها من طرف البرلمان يتمثل في الاشكاليات التي تثيرها طريقة صياغة الفصل 97 من مشروع النظام الأساسي للقضاة المتعلق بالخطأ الجسيم. فنحن كجمعية مهنية للقضاة نؤمن بمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة ونؤكد على أن القضاة مؤتمنون على حقوق الناس وحرياتهم. وبالتالي كل تلاعب في هدا الشأن أو خرق لضمانات المحاكمة العادلة، ينبغي أن يكون مرتكبه محل محاسبة. ولكن صياغة الفصل المذكور وعدم التدقيق، وغياب الضمانات المخولة للقضاة.. يبعث على القلق.. وعلى كل حال لنا ثقة تامة في المجلس الدستوري الذي ستعرض عليه القوانين، ويرجع الأمور لنصابها، اذا وجد صياغات غير دستورية.

4-بما أنكم جمعية مهنية قضائية للنساء القاضيات، كيف تقيّمون مدى استجابة مشاريع قوانين السلطة القضائية لمقاربة النوع الاجتماعي؟

في الحقيقة حصلنا على مكسب كبير يتمثل في ما تضمنته المادة 65 من قانون المجلس الأعلى للسلطة القضائية من إلزام المجلس بالسعي الى المناصفة. وهذه القاعدة لم تكن في المسودة الأولى من المشروع، لكن جاءت نتيجة مطالبنا في عدة ندوات. وأهمية هذا المكسب تتمثل في أن مبدأ المناصفة أضحى قاعدة قانونية ملزمة للمجلس الأعلى يتعين عليه أخذها بعين الاعتبار، أثناء قيامه بمهامه في تعيين المسؤولين القضائيين من جهة، ومن جهة أخرى أضحى هذا المبدأ سندا للقاضيات للمطالبة بتنزيلهعلى أرض الواقع.

5-      في نظركم ما هي أهم العراقيل التي تواجه المرأة القاضية في عملها؟

أهم العراقيل التي تواجه المرأة القاضية هي سيادة الفكر الذكوري، وليس بالضرورة لدى الرجال، بل عند بعض النساء أيضا. وتحضرني في هذا المقام واقعة تقدم بعض القاضيات لخوض انتخابات المجلس الأعلى للقضاء في السنوات السابقة وعدم تصويت القاضيات عليهن. وهذا ما استلزم تدخل الدستور لتمكين النساء القاضيات من تمثيلية داخل المجلس الأعلى للسلطة القضائية توازي حضورهن في السلك القضائي.

إن القاضيات في أمس الحاجة إلى دعم قدراتهن في مجال حقوق الإنسان بصفة عامة وحقوق النساء بصفة خاصة المتعارف عليها دوليا. فهذه هي الوسيلة الوحيدة لرفع الوعي بالحقوق وبالأدوار والرسائل الملقاة على عاتقنا، وهو المجال الذي نوليه في جمعيتنا أهمية قصوى.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، استقلال القضاء ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، المغرب



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني