القضاء الأردني ينصف فتاة عشرينية من إساءة والديها


2015-05-07    |   

القضاء الأردني ينصف فتاة عشرينية من إساءة والديها

قضت محكمة صلح حقوق جنوب عمان تعويض مقدارة 3500 دينار أردني (ما يقارب 5000 دولار أمريكي) لفتاة عشرينية تعرضت للإيذاء من قبل والديها. وكانت الفتاة تعرضت للضرب بقسوة ووحشية لسنوات باستخدام مواد كاوية، تكسير الأصابع، حلق شعر رأسها وأشكال أخرى من العنف و القسوة  الأمر الذي نتج عنه أضرار بدنية ونفسية جسيمة إضافة إلى إصابتها بعاهة مستديمة. تم إيواء المدعية لدى دار الوفاق الأسري بعد أن تلقت العلاج في أحد المستشفيات بسبب أشكال العنف الذي تعرضت له. 

وكيل المدعية أسس دعواه على التزام السلطات العامة في الأردن وفقا للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية واتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة بتمكين المدعية من الوصول إلى سبل انتصاف فعالة لتعويضها عن الاضرار التي لحقت بها، المادة 17 من قانون الحماية من العنف الأسري لسنة 2008التي جاء فيها "تنظر المحكمة بطلب التعويض بناءً على طلب المتضرر أو أي جهة ذات علاقة به، على أن تؤخذ بعين الاعتبار بالإضافة للقواعد العامة ما يلي : أ. الوضع المالي لطرفي النزاع ومدى تأثير إلزام المدعى عليه بدفع كامل التعويضات على وضع الأسرة ب. المصاريف التي ترتبت نتيجة إجراءات الحماية" والقواعد العامة الخاصة بالتعويض في القانون المدني الأردني.

الحكم يُشّكل سابقة فريدة من نوعها في الأردن للأسباب التالية:

أولاً: المدعية استطاعت أن تقيم دعواها بمساعدة إحدى منظمات المجتمع المدني و هي ميزان للقانون، علما بأن هناك ترددا من قبل المنظمات الحقوقية بإقامة مثل هذه الدعاوى نظرا لما قد تثيره من حساسيات مجتمعية. وقد صرّحت المديرة التنفيذية ، المحامية ايفا أبو حلاة، بأن ميزان يتابع حاليا قضايا مشابهة أمام القضاء.

ثانياً: القضية تعتبر أول تطبيق لنص المادة 17 من قانون الحماية من العنف الأسري، خاصة وان تقرير المقررة الخاصة المعنية بالعنف ضد المرأة وأسبابه وعواقبه الذي تقدمت به إلى مجلس حقوق الإنسان بعد زيارتها للأردنفي العام 2012، قد انتقد هذا القانون على اعتبار أنه يُغلب الوفاق الأسري على الحقوق الفردية للنساء ضحايا العنف الأسري ، إضافة الى عدم فاعلية وسائل الانتصاف و المسائلة.

ثالثاً: وكيل المدعية أشار بشكل واضح و صريح إلى التزامات الأردن بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب و العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية.

 رابعاً: التذكير بأن التعذيب قد يتم من قبل أشخاص عاديين وليس بالضرورة أن يكون مرتبطا بممثلي السلطات العامة أو أن يقع بأماكن الاحتجاز. وهنا تجدر الإشارة بأن الدستور قد حظر التعذيب عندما يتم حرمان الشخص من حريته من قبل السلطات العامة فقط، كما عاقب قانون العقوبات على هذه الجريمة تحت عنوان انتزاع الاعترافات والاقرارات الخاصة بالجرائم.

خامساً: القرار سلط الضوء على نص المادة 62 من قانون العقوبات التي تجيز  "أنواع التأديب التي يوقعها الوالدان بأولادهم على نحو لا يسبب إيذاءً أو ضرراً لهم ووفق ما يبيحه العرف العام "خوفا من إساءة استخدامها أو التوسع بتفسيرها.

سادساً: بالرغم من تمثيل المدعية بمحام، إلا أن منظمة ميزان حاولت ان تضع نفسها مدعيا ثانيا سندا لأحكام المادة 17 من قانون الحماية من العنف الأسري التي نصت على أن "تنظر المحكمة بطلب التعويض بناءً على طلب المتضرر أو أي جهة ذات علاقة به". إلا أن المحكمة لم تعترف بوجود مصلحة مباشرة لميزان في أن تكون مدعية؛ على اعتبار أن المصلحة يجب أن تكون مستندة إلى حق أو وضع قانوني أو تهدف إلى الاعتراف بهذا الحق أو الوضع وحمايته. وهنا نلاحظ أن المحكمة طبقت القواعد العامة الخاصة بالمصلحة الواردة في قانون أصول المحاكمات المدنية، إلا ان الهدف من المادة 17 اتاحة المجال امام جهات مختلفة للمطالبة بالتعويض خاصة انه بسبب طبيعية مثل الدعاوى قد يتعذر على الضحية اللجوء إلى القضاء. 
   
القرار اثار ردود فعل متباينة على مواقع التواصل الاجتماعي، فمنهم من رّحب بالقرار و منه من انتقده على اعتبار ان منظمات المجتمع المدني تدخلت فيما لا يعنيها إضافة على عملها لتفكيك العلاقات الأسرية متناسين الإساءة و العاهة المستديمة التي لحقت بالفتاة.

مما لا شك فيه ان الجهد الذي قدمته ميزان يدخل تحت إطار التقاضي الاستراتيجي الذي سيشجع العديد من المحامين على الاستناد إلى الاتفاقيات الدولية للمطالبة بتعويض عن الانتهاكات المختلفة لحقوق الإنسان سواء تمت من قبل الأشخاص العاديين أو السلطات العامة، و يُشّكل نقلة نوعية في مجال تطبيق قانون الحماية من العنف الأسري و تفعيل نصوصه.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، الأردن



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني