“الضريبة” تشعلُ “إضرابا عاماً” ضد الحكومة: لكن، لماذا يحتج الأردنيون؟


2018-06-04    |   

“الضريبة” تشعلُ “إضرابا عاماً” ضد الحكومة: لكن، لماذا يحتج الأردنيون؟

تفاجأت الحكومة الأردنية من ردود الأفعال الغاضبة رغم سلميتها، غير المخطط لها، والتي نفذها مواطنون أردنيون في إضراب عام شمل قطاعات عريضة لم تشارك قبلاً في مثل هذه النوع من الاحتجاجات. وقد حصلت ردود الأفعال هذه بعدما أرسلت الحكومة مشروع قانون ضريبة الدخل إلى مجلس الأمة، معلنة عن سلسلة جلسات مع الكتل النيابية لغاية إقراره.   

34 نقابة مهنية دعت إلى الاضراب عن العمل، وتبعتها نقابات عمالية ومن ثم تفاعل شركات وأصحاب محال كبيرة ومتوسطة داخل وخارج العاصمة عمان.

مشروع القانون المعدل لضريبة الدخل، سوف يرفع ضريبة الدخل على البنوك والشركات المالية وشركات التأمين وشركات إعادة التأمين والأشخاص الاعتباريين الذين يمارسون أنشطة التأجير التمويلي إلى 40% بدلا من 30% في القانون الساري حاليا. ينسحب الرفع على شركات تعدين المواد الأساسية من 24% إلى30%، مُبقيا ذات النسبة 24% لشركات الاتصالات الأساسية وشركات توزيع وتوليد الكهرباء وشركات الوساطة المالية.

ستحصل العائلة والتي دخلها شهري بحدود 1333 دينارا ستكون معفاة من ضريبة الدخل، وكذلك الفرد البالغ دخله الشهري 666 دينارا، فيما كان القانون الحالي يعفي العائلة لغاية 4 آلاف دينار، لكنه ألغي في مشروع القانون الجديد.

القانون الجديد سوف يلغي الإعفاءات الإضافية الممنوحة للأسر، المقدرة بمبلغ 56 دولارا الممنوحة حاليا بدل فواتير استشفاء وتعليم.

 

قانون يوفر 300 مليون دينار

دائرة ضريبة الدخل والمبيعات، تعلن على موقعها وعلى لسان مديرها العام، حسام أبو علي، بأن مجموع الزيادة في الايرادات الضريبية، في حال أقر مشروع المعدل لقانون ضريبة الدخل تصل إلى حوالي 300 مليون دينار، فيما أن مجموع الايرادات الضريبية حاليا نصل إلى 938 مليون دينار بحسب القانون الحالي.

"التعديل جاء لمعالجة التهرب الضريبي وتعزيز الالتزام الطوعي للمكلفين بتقديم الاقرارات الضريبية وتعزيز الثقة بين المكلفين والدائرة وتحقيق العدالة الاجتماعية التي نص الدستور على ضرورة مراعاتها في النظام الضريبي ولمعالجة التشوهات والاختلالات التي تمكن بعض المكلفين من استخدامها لتجنب دفع الضريبة"، وفق أبو علي.

 

دخول الخاضعين للضريبة، وفق القانون الجديد سوف تقسّم إلى خمس شرائح؛ كل شريحة مقدارها 5 آلاف دينار ما يساوي 7 آلاف دولار، بنسبة ضريبة تتراوح بين 5% و25% من الدخل المتحقق، فيما أن القانون الحالي يخضع الفرد إلى ثلاث شرائح تتراوح نسب الضريبة عليها بين 7% و20% تبدأ من 7% على أول 10 آلاف دينار، و14% على ثاني 10 آلاف دينار.

وفق الشرائح: ستخضع الشريحة الأولى وقيمتها 5 آلاف دينار بعد الدخل المعفى تخضع لنسبة 5 %، وتخضع ثاني 5 آلاف لنسبة 10 %" وثالث 5 آلاف لنسبة 15 %، فيما تخضع رابع خمسة آلاف لنسبة 22 %، وصولا إلى 25 %، تطبيقا لمبدأ التصاعدية في الدستور الأردني.

إلى ذلك، تضمن مشروع القانون استحداث دائرة 'للتحقيقات المالية' بهدف التحقق من البيانات والمعلومات لدعم محاربة التهرب الضريبي والربط الإلكتروني بين الدوائر الرسمية من دائرة الترخيص والمركبات والضمان الاجتماعي ودائرة الأراضي والمساحة.

 

حكومة الإملاءات 

النقابات المهنية الأردنية التي قادت الاضرابات، (أطباء، مهندسين، ممرضين، محامين، بياطرة) تقول في بياناتها أن الحكومة الأردنية خاضعة لاملاءات صندوق النقد الدولي على حساب المواطنين، وتحديدا الطبقة الوسطى الأكثر تأثرا، وهي لا تعير اهتماما لواقع اقتصادي صعب يعانيه المواطن الأردني.

مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، أحمد عوض، يرى أن ثمة غضبا شديدا لدى غالبية الأردنيين تجاه طريقة إدارة الحكومة لشؤونهم، وعدم التفاتها لحقوقهم ومصالحهم، واستهتارها بمطالبهم ومشاعرهم، واحتوائها لإرادة المؤسسات الدستورية وعلى رأسها مجلس الأمة بغرفتيه النواب والأعيان.

في مقالة (الموضوع أكبر من قانون ضريبة الدخل المقترح) نشرها أحمد عوض بموقع عمان نت، وكان قد شاركنا بها، يقول أن الحكومة أخطأت مرة أخرى في تقدير الموقف، فأصرت على موقفها الرافض لسحب مقترح القانون، لابل أقدمت على خطوة تفتقر للحد الأدنى من الذكاء السياسي. فهي رفعت أسعار المشتقات النفطية بنسب عالية تقارب 5 بالمائة، دون أن تلتفت إلى حالة الغليان والغضب التي تعيشها الغالبية الكبرى من المواطنين.

 

خفض الأسعار ليس هدفاً

خلال زيارة خارجية، أوعز ملك الأردن، عبدالله الثاني الحكومة بتخفيض أسعار المحروقات، أو بالأحرى التراجع عن اتجاه رفعها. لكن قرار التراجع ما هو إلا اجراء لتخفيف الاحتقان وما أضربنا من أجله هو تغيير نهج ويتمثل في سحب مشروع قانون الضريبة، تقول المحامية نور الإمام.

النائب في البرلمان الأردني، طارق خوري، يعلق في تغريدة له، بأن رئيس الوزراء هاني الملقي "يعتقد واهماً بأنه بقرار رفع أسعار الوقود يستطيع تحويل أنظار الناس ونقلهم من مربع لآخر، لكن مربع الشعب ينحصر برحيلك ورحيل قراراتك ومشاريع قوانينك ولن يقبل بغير ذلك وإذا كان لك من حسنة فهي إزالة الغشاوة عن عين الشعب التي لا ترى إلا الوطن".

لم يشهد الأردن حراكاً اجتماعيا كالحراك الحالي، طوال السنوات الأخيرة، لجهة قيادته من منظمات مهنية ومدنية، كانت غالبا غير مؤثرة على المشهد السياسي الأردني.

 

عن النظام الضريبي

يعمل النظام الضريبي في الأردن على مبدأ التوسع في الضرائب غير المباشرة وغياب التمايزية فيها. ويتمثل هذا الاتجاه في الضريبة العامة على المبيعات والضرائب الخاصة والرسوم الجمركية، حيث الغالبية الكبيرة من السلع والخدمات تخضع لاقتطاعات ضريبية متقاربة من بعضها البعض.

وفق ورقة موقف عنوانها (أولويات تعديل السياسات الضريبية في الأردن) أصدرها مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، ونشرها بموقعه الإلكتروني "فإن الإصلاح الضريبي يتطلب إعادة هندسة ضريبة الدخل والضريبة العامة على المبيعات، مع بعضهما البعض. فإذا أردنا أن تتحقق العدالة الضريبية والاجتماعية، وأن يتم توزيع العبء الضريبي بعدالة على مختلف مكونات المجتمع، يجب تخفيض معدلات الضريبة العامة على المبيعات في ذات الوقت الذي نزيد في الاقتطاعات الضريبية على الدخل".

كانت هيئة مؤسسات المجتمع المدني "همم" طالبت الدولة بإعادة النظر في السياسات الضريبية بمجملها وتخفيف الأعباء الضريبية على الفئات الاجتماعية المتوسطة والفقيرة، والتي أنهكت قدرتهم على الحياة الكريمة.

وفق بيانها، لا يمكن أن يتم غلإصلاح الضريبي دون تخفيض معدلات الضريبة العامة على المبيعات والضرائب الخاصة الى مستويات لا تتجاوز 10 بالمائة، الى جانب اعفاء السلع والخدمات الاستهلاكية الأساسية من مختلف أنواع الضرائب غير المباشرة".

حاولت بعض الأصوات الحكومية إيصال رسالة تهديد للمحتجين وبخاصة الموظفين في القطاع العام المنخرطين في الاضرابات. وكان تصريح رئيس ديوان التشريع والرأي، نوفان العجارمة مباشراً بأن كل موظف خرج للمشاركة في الاضراب سوف يخالف القانون، سندا إلى الديوان الخاص بتفسير القوانين، بقرار رقم 6 لسنة 2014.

تتفق العديد من التيارات المدنية والحركات الاجتماعية على مطلبها بسحب مشروع القانون المعدّل لقانون ضريبة الدخل وإعادة النظر فيه بشكل جذري، والإبقاء على الإعفاءات لقطاع الصحة والتعليم، وقف الهدر في الإنفاق الحكومي ومحاربة التهرب الضريبي ووضع خطة لخفض النفقات التشغيلية الحكومية ووقف الاقتراض نهائياً لتسديد الفوائد أو القروض أو لصرف الرواتب أو التشغيل العشوائي، وإنما فقط  للمشاريع الانتاجية المدرة للأرباح والتي تكفل التشغيل.

عازمة الحكومة على المضي في إرسال القانون لمجلس النواب، ويقول رئيس الوزراء هاني الملقي بأن إرساله للنواب لا يعني الموافقة عليه، في تلميحه بأن الكرة ستكون بملعب مجلس النواب والذي ثبت بعد تجارب سابقة بأنه لن يشذ عن القاعدة وسينتهي القانون إلى ضمان مطالب الحكومة التي تعتقد بأن إقراره سيكون الخطوة الأخيرة في برنامج الاصلاح الاقتصادي.    

رئيس الوزراء هاني الملقي، طلب لقاء النقابات المهنية والنواب لأجل رأب الاحتجاجات، وسط قرار اتخذه مجلس النقباء بتنفيذ وقفة احتجاجية ثانية الأسبوع المقبل للمطالبة بإسقاط الحكومة في حال عدم استجابتها لمطلب سحب القانون وتعديل نظام الخدمة المدنية. وتجدر الإشارة إلى أن النظام المقترح يجيز إنهاء خدمة العاملين في الجهاز الحكومي في حال حصولهم على تقدير ضعيف، مما يضع هؤلاء في وضع هشاشة.  

 

تحديثات

* قدم 78 نائبا مذكرة نيابية تطالب الحكومة بسحب مشروع قانون ضريبة الدخل من مجلس النواب وعدم إدراجها في الدورة الاستثنائية المتوقع عقدها بعد عيد الفطر.   

*اجتماع وُصف بالطارئ، عقده مجلس النقباء مع رئيس الوزراء هاني الملقي ورئيس مجلس النواب عاطف الطراونة، تم إبلاغ النقباء بأن الحكومة مصّرة على عدم سحب مشروع قانون فيما وافقت على إجراء تعديلات على نظام الخدمة المدنية.

* مجلس النقباء أعلن عن تنفيذ اعتصام يوم الاربعاء المقبل احتجاجا على رفض الحكومة سحب مشروع قانون ضريبة الدخل من مجلس النواب.

*حركات مدنية مستقلة باتت تنفذ سلسلة اعتصامات مسائية دونما مظلة حزبية أو نقابية وسط تساؤلات نشطاء عن خشية صدامات بينهم وبين الأجهزة الأمنية المتأهبة.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، حريات عامة والوصول الى المعلومات ، الحق في الصحة والتعليم ، الأردن



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني