لبّى النوّاب المستقلّون الجدد دعوة أهالي ضحايا تفجير مرفأ بيروت وبعض مجموعات الانتفاضة، لدخول المجلس النيابي بمسيرةٍ شعبيةٍ تنطلق من تمثال المغترب ومرفأ بيروت مروراً بساحة الشهداء، في خطوةٍ رمزيةٍ تعكس روحية انتفاضة 17 تشرين، وتحاكي نبض الشارع الذي أوصلهم نواباً إلى سدّة البرلمان.

في مشهدٍ أشبه بالعرس الشعبي، احتشد عدد من أهالي الضحايا والمشاركين عند الساعة التاسعة صباحاً قرب المرفأ. كان تمثال المهاجر كالعائد إلى حضن وطنه، مشاركون يرفعون الأعلام اللبنانية يهتفون للثورة، أهالي الضحايا يرفعون صور موتاهم التي لا تفارقهم، والنواب والنائبات يتوافدون واحداً وواحدة تلو الأخرى يأخذون أماكنهم مع الناس وبين الناس.

ربما هي المرة الأولى التي يجد فيها أهالي ضحايا تفجير مرفأ بيروت من يساند قضيّتهم من أصحاب القرار ويسير معهم في الشارع. طيلة سنة ونصف كانوا يتظاهرون وحدهم، ينتزعون مشاريع قوانينهم وحقوقهم بدموعهم وصور ضحاياهم. للمرة الأولى يشعرون أنّ هناك من يكترث بحق لوجعهم، كانوا سعداء بهم.

الأهالي يعوّلون على النواب لكسر تجميد التحقيق

ولأنّ لا صوت يعلو على صوت “أولياء الدم”، ألقت ريما الزاهد شقيقة الضحية فراس الزاهد كلمةً شكرت فيها النوّاب الجدد لبدء مشوارهم البرلماني من أمام مرفأ بيروت، طالبةً مساعدتهم بنقاطٍ ستة هي:

أولاً العمل على إصدار مرسوم تعيين رؤساء غرف التمييز الذي يعطّله وزير المالية يوسف خليل “بطلب من الرئيس نبيه برّي”. ثانياً “التصويت على تعديل القانون الذي ينص أنّ الغرامة القضائية (الناتجة عن طلبات الردّ غير المحقة) لا تتجاوز 800 ألف ليرة وتعديلها لتصبح من دون سقف”. ثالثاً “الوقوف في وجه لعبة المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء إذ ليس من العدل أن يحاكم المجرم نفسه”. رابعاً “إخراج قضية تفجير المرفأ من التجاذبات والتدخلات السياسية وفك قيود المحقق العدلي، ليتمكّن من العودة إلى التحقيق”. خامساً “الضغط لتنفيذ مذكرات التوقيف بالمتهمين وسوقهم إلى السجون”، بالإضافة إلى “رفع الحصانات عن جميع المتهمين بتفجير المرفأ كي يتمكن القاضي من التحقيق معهم”.

واعتبر محي الدين اللاذقاني ابن الضحية محمد اللاذقاني، أنّ دخول النوّاب الجدد من بوابة المرفأ هو رسالة إلى كلّ معطّل لسير التحقيق، ودلالة على أنّ ملف المرفأ يجب أن يكون أول الملفات التي تطرح للمعالجة، معتبراً أنّه “آن الأوان لخروج المجلس من الاحتكار، ولإنهاء سياسة التعطيل والمحاصصات”.

أحد الأهالي اختصر المشهد: “اليوم صوت الضحايا صار داخل المجلس، اليوم ما بقى رح نصرّخ لحالنا بالشارع، في مين رح يساندنا من جوا”.

نواب الشعب بين الشعب

بين الجماهير لا يمكنك تمييز النواب من غيرهم من المتظاهرين، لا أولوية لهم في المسير ولا في إلقاء الكلمات، هم متظاهرون مثل أي متظاهرين في مسيرة، كانوا يهرولون في محاولة للحاق بالبقية وتحت شعارات الثورة انطلقوا.

النائبة حليمة قعقور اعتبرت في حديث لـ”المفكرة القانونية”، أنّ للتحرك رمزيّتان الأولى أنّهم كنواب جدد سينطلقون من الشارع باتجاه التشريع، وأنّ حراك الشارع لن ينطفئ، “الشارع ما رح ينطفي ما تفكروا إنّو إذا ناس فاتت على البرلمان يعني الشارع راح لأ، الشارع برّا ونحن جوّا”، والرمزية الثانية هي الانطلاق من أمام مرفأ بيروت للمطالبة بالعدالة لضحايا الرابع من آب، التي ستكون من القضايا الأساسية التي سيحملها النواب على عاتقهم، “ما رح ننسى كل شي صار بـ4 آب، بدنا العدالة لأنّ كلّنا ضحايا بلبنان”.

من جهته النائب الياس جرادة اعتبر أنّه من “الضروري في أول جلسة نيابية أن نكون مع الشعب لأن الشعب وصّلنا ونكون صوت الناس في الداخل”، متمنّياً أن يتمكّن وبقية النوّاب من إرساء عمل نيابي جديد قائم على الشفافية وإطلاع الرأي العام على ما يجري في الداخل، مع السعي إلى إصدار قوانين بمهل دستورية للعمل النيابي والتشريعي، وشدّد على أنّ لا قيامة للبنان من دون إرساء العدالة.

النائب رامي فنج وجه حديثه لأهالي الضحايا قائلاً: “من اليوم ورايح ما رح تكونوا لحالكم، وجعكم وجعنا نحن معكم داخل وخارج البرلمان”، وأنّه كنائب سيسعى جاهداً وبكلّ الإجراءات القانونية أن تسلك العدالة مسارها الطبيعي، وتكون بداية الطريق لبناء وطن الحق والسيادة والعدالة، و”إنقاذ  الشعب اللبناني من حكم الميليشيات والطبقات الفاسدة”.

النائب ياسين ياسين اعتبر أنّ “من حق بيروت تعرف من قتل أولادها وبناتها، تعرف مين حرقها وفجرها وخانها، بدنا نعرف، كل من شارك وقصر وساهم بارتكاب الجريمة ولازم يتحاسب”.

“مسيرة التغيير” محطات بدلالات

سار مع الأهالي عشرات المتظاهرين والمتظاهرات الآتين من مناطق شهدت معارك انتخابية وأوصلت نوابّاً جدد، وعلى وقع الهتافات التي تشي بأهمية المعركة التي خيضت، ردد المشاركون “الفاسد عم يحور ويدور خايف حليمة قعقور…. يلّا ثوري يا بيروت”، ” يلّا ثوري مرجعيون، خير الدين صوت عالفاضي طلع زعلان وحردان، خزقناهم بجرادة وكمّل عليهم حمدان… يلّا ثوري مرجعيون”.

الناشط والمرّشح السابق جهاد فرح اعتبر أنّ “مسيرة التغيير” تعكس توجهات وقناعات النوّاب، فمن مرفأ بيروت وأهمية الدفاع عن قضية التفجير والضغط بشكل مستمر لإحقاق الحق، من ثم المرور بساحة الشهداء حيث تجمّع مئات لا بل ألوف المتظاهرين في 17 تشرين ولاحقاً في 8 آب الذي شهد قمعاً وحشياً من قبل الأجهزة الأمنية، كذلك العبور بساحة سمير قصير وما يمثل اغتياله من ضرورة انتهاء حقبة  “الإرهاب السياسي”، من ثم إلى مجلس النواب حيث فقد العشرات أعينهم وأصيبوا بالرصاص المطاطي من قبل حرس المجلس، “هناك سيعبر من وصل منّا إلى المجلس ليكون صوتنا في الداخل ومن بقي في الخارج  سيكون الحاضنة والداعم للوصول إلى التغيير الكامل”.

في ساحة الشهداء وضع النواب إكليلاً من الورود تحية لأرواح ضحايا ثورة 17 تشرين. وعند حديقة سمير قصير وتحت فيء سنديانته، وقف النواب لأخذ صورة تذكارية. من هناك وعلى وقع هتاف “فتحوا البواب… وصلوا النواب”، و”يا حرس البرلمان تأهّب لفراس حمدان”، ركض الجميع باتجاه البوابة حيث  كان حرس المجلس متأهباً هذه المرة لاستقبال النوّاب الجدد، هناك عبر فراس حمدان وفي قلبه خردقة من بواريدهم. عاند بعض المشاركين، حاولوا الدخول عنوةً إلاّ أنّهم لم يتمكنوا من تحقيق حلمهم.  

وفي إحدى الزوايا المواجهة للمجلس النيابي وقفت فتاة عائدة لتوّها من الاغتراب، كانت تمسح دموعها المنهمرة تأثراً بدخول النواب إلى المجلس: “حاسّة إني لبنانية وإنّه بلدي عم يرجعلي، حاسّة إنّه تعبنا ما رح عالفاضي”.

متظاهر آخر اعتبر أنّ من خلال هذه المسيرة وتلبية دعوة أهالي الضحايا، نستطيع أن نفهم حقيقة التموضع داخل المجلس، “سجّلوا أول رسالة بعد انتخابهم على أمل يضلّوا قادرين يعبّروا حقيقة عن هم الناس”.

أحد المشاركين عبّر عن فرحه قائلاً إنّه كان ينتظر هذه اللحظة منذ عشرات السنين، “من عشرات السنين ونحن مناكل رصاص وخبيط هون لنوصل على قلب البرلمان، اليوم يوم عيد، اليوم بداية نجاح معركة خضناها ليفوت حدا بيمثّل شعب موجوع عم يناضل من أجل الوطن”.