الرواية غير الرسمية لمداهمة حمام الآغا: التعذيب في كل محطة


2014-11-04    |   

الرواية غير الرسمية لمداهمة حمام الآغا: التعذيب في كل محطة

في مساء يوم السبت الواقع فيه التاسع من شهر آب من هذا العام، داهمت دورية قوى أمن داخلي – مكتب حماية الآداب الحمام التركي المعروف باسم حمام الآغا في بيروت. أفضت المداهمة الى توقيف 28 شخصا، 12 عاملا و15 زبوناً بالإضافةالى صاحب الحمام. سبب المداهمة؟ شبهة “وجود أشخاص مثليي” الجنس في هذا المكان. قرر المدعي العام في بيروت القاضي بلال ضناوي ملاحقة جميع الموقوفين وادعى على الزبائن والعمال بمجموعة من الجرائم، من ضمنها المجامعة خلافًا للطبيعة (المادة 534 من قانون العقوبات اللبناني) والتعرض للآداب والأخلاق العامة (المادتان 531 و532 من قانون العقوبات). فضلا عن ذلك، ادعى على العمال وحدهم بتعاطي الدعارة السرية بعدما ورد في التحقيقات أن غالبيتهم يقومون بتدليك الزبائن (المادة 523). في مقال سابق، نشرت المفكرة القانونية مقالا للمحامية غيدة فرنجية حول المخالفات التي تم رصدها في ملف التحقيقات[1]. واستكمالا لرسم وقائع هذه المداهمة وما استتبعها من أحداث، كان لا بد من الاستماع الى الأشخاص الذين تم توقيفهم واستجوابهم. فمحاضر التحقيقات والمحاكمة الرسمية يدوّنها الأشخاص الذين يقومون بها (ضابطة عدلية، قضاة..) وهي غالبا ما تتضمن سردا مجتزأ للمجريات، الرواية الرسمية لهذه المجريات، فيقتطع منها بالضرورة كل ما قد يشكل دليلا واضحا على مخالفات مرتكبة من هؤلاء. فلا يتخيل مثلا أن يتضمن محضر تحقيق أي إشارة الى اعتماد أي أسلوب من أساليب التعذيب. ومن هنا، كان لا بد من الاستماع الى شهادة عدد من الأشخاص الذين خضعوا للتحقيق و… للتعذيب. بقي أن نشير الى أن هذه التحقيقات قد جرت بالتعاون بين المفكرة القانونية وجمعية حلم، وقد أشرف عليهاكل من سارة ونسا وأحمد صالح (المحرر).

ليست هذه أول مداهمة تنتهي الى توقيف أشخاص بسبب ميولهم الجنسية. وكنا قد أشرنا في مقال سابق[2] الى مداهمة أخرى حصلت في بداية هذا العام لمنزل أحد المواطنين، بعد وصول “إخبارية” الى قوى الأمن الداخلي عن احتمال “وجود أشخاص مثليي الجنس” في هذا المكان.

كيف بدأت القضية: “هات موبيالك لنشوف”
“س” لاجئ سوري مسجل لدى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان، موظف سابق لدى حمام الآغا. أضاع “س”  أوراقه الثبوتية في لبنان، وكان ينتظر موعد إعادة توطينه الى بلد ثالث. وتبعاً لذلك،  اضطر “س” الى التوجه الى المديرية العامة للأمن العام من أجل الحصول على تسهيل مرور ليتمكن من السفر. وفي يوم مقابلته، وتحديدا يوم الجمعة الواقع فيه 8/8/2014، سأله محقق في الأمن العام عن نوع عمله في لبنان، فأجابه أنه لا يعمل حالياً وأن المفوضية تساعده في بعض التكاليف، وأنه مسافر قريباً الى بلد آخر. استوقف هذا الموضوع عنصر الأمن العام الذي سأله: “أنت مسافر على (…) (كلمة نابية). هات موبيالك لنشوف”. هذه هي رواية الشاب، الرواية غير الرسمية. وبمراجعة المحضر الرسمي، يتبين أن المحقق توقف عن النظر في معاملات فقدان الأوراق بعدما تبين أن تصرف الشاب  “غير سوي” وكذلك طريقة كلامه. ولدى مفاتحة “س” بذلك، صرح أن لا شيء فيه دل عن ميول جنسية محددة، فهو يحرص كثيراً على تصرفاته عند وجوده مع عناصر أمنية. ويروي الشاب أن المحقق أخذ منه هاتفه، وبدأ يقرأ مراسلاته ويستمع الى تسجيلاته، ويدقق في الصور. وما إن فرغ من ذلك حتى صاح به “شو انت لوطي، انت لوطي وليه!” وانهال عليه بالضرب المبرح. يتابع “س”: “عندما انتهى (المحقق) من ضربي نقلني الى نظارة دخلها برفقة عنصرين جديدين وانهالوا علي بالضرب أيضاً بعصا على رأسي وجسمي، سألوني عن عملي السابق فقلت لهم إنني كنت أعمل في حمام تركي، وصار يقول لي أحدهم، كذاب انت لوطي”. يتابع “س” بسرد ما جرى معه، يقول إنه تفاجأ بعدها بوصول شخص ما قيل له إنه “طبيب”، “طلبوا مني أن أخلع ثيابي، قالوا لي اكيد خايف تشلح لأنك ناتف مثل البنات، أبقوني واقفاً عارياً لمدة ربع ساعة تقريباً، لم يقترب مني أحد، وبعدها طلبوا مني أن ألبس. وصار يقول لي أحدهم “ما عيب عليك انت لوطي واليوم الجمعة يا قليل الشرف، سوري وعم تعمل هيك ببلدنا”. يقول “س” إنه كان لديه “سكسوكة” لم تعجب أحد عناصر الأمن العام فقام “بقصها”. حسب “س”،  كل ما أخذ منه من أقوال تم تحت الضرب، إما بواسطة عصا أو بواسطة سلك يسمى “السوداني”. ويتابع قائلاً أن عنصر الأمن العام اتصل بمرؤوسه لإعلامه بالحدث الجلل أنه أوقف “لوطياً وأنه يريد إجازة”. “هو أخذ إجازة وأنا فتت على الحبس”. “أنا وقعت على المحضر دون أن أعرف ماذا دون عليه، طلبت الاتصال بأحد الأصدقاء لأعلمه عن توقيفي إلا أنهم رفضوا، وقاموا بتحويلي الى نظارة الامن العام”. يتابع أنه هناك أيضاً استقبل بالإذلال والضرب، “سألوني عن اسمي، أعطيتهم إياه، طلبوا مني اسمي الفني، قلت لهم ان ليس عندي أي اسم فني، قالوا بلى، اسمك “شوشو” وانهالوا علي بالضرب مجدداً”. بتاريخ 9/8/2014، أي في اليوم التالي، نُقل “س”  الى مخفر حبيش، مكتب حماية الآداب. يقول إنه هناك أيضاً تعرض لضرب مبرح، كان يسأل خلاله عن عمله في حمام الآغا، توسلهم ليوقفوا ضربه “الله يخليك ما بقى فيني اتحمل”، فرد عليه محقق المكتب: “أنا ما بعبد الله.. أنا بعبد جسد المرأة، لح علمك كيف تعبد جسد المرأة”. أعيد الى النظارة ليطلب مجددا الى التحقيق، فما سبق كان مجرد تمهيد للتحقيق. حسب “س”  كان التحقيق سريعاً، فأخذت إفادته مسبقاً تحت الضرب والتعذيب، وقّع المحضر دون أن يقرأه ودون أن يعرف مضمونه.

كيف حصلت المداهمة: عناصر مخفر حبيش يطلبون “مساج اكسترا”
محضر التحقيق مقتضب جداً في وصف واقعة المداهمة ومجرياتها، فكل ما نقرأه في هذا الخصوص هو التالي: “في الساعة التاسعة عشرة من تاريخه انتقلنا على رأس دورية من مكتبنا الى محلة الحمرا حمام الآغا حيث عملنا على مداهمته وأوقفنا بداخله كلاً من: (…)”. لذا، كان من المهم جداً أن نسأل من قابلناهم عن مجريات المداهمة والتوقيف، وكيف عايشوا هذه اللحظات.

كانت حوالي الساعة السابعة مساء، حين قامت دورية من مكتب حماية الآداب مؤلفة من حوالي عشرة عناصر في ملابسهم المدنية بمداهمة حمام الآغا. لم يكن أحد من الموجودين، من العمال (جميعهم من الجنسية السورية) أو الزبائن، يتوقع المداهمة. بعضهم وصل للتو، بينما البعض الآخر كان يستعد للمغادرة. يروي أحد العاملين أنه كان يقف على المدخل “عندما دخل شخص في ثياب مدنية. لم يعرف عن نفسه أنه مؤهل أول في عناصر قوى الأمن الداخلي، بل اكتفى بطلب “مساج اكسترا”. اعتذرت منه بأنه ليس لدينا ما يطلبه ولكنه أعاد طلبه وأضاف أنه أتى من قبل شخص اسمه فلان (الموقوف صفر). اعتذرت منه مجدداً وطلبت منه المغادرة بلطف. فما إن همّ بالمغادرة حتى داهمت الحمام مجموعة من عناصر قوى الأمن في ثياب مدنية وجعب “شرطة” وأسلحة. داهمت المجموعة الحمام بينما الزبائن ما زالوا في الداخل. لم يكن هناك أي شخص في وضع “يخل بالآداب العامة” ولكن عمدت العناصر إلى الدخول إلى جميع غرف المساج وطلبت أوراق التعريف من الجميع قبل أن يأخذونا جميعاً إلى مخفر حبيش.

يتابع آخر “توجه عناصر الدورية مباشرة الى عمال الحمام، طالبين منهم أن يدلوهم على الغرف التي تستخدم لأغراض جنسية. ولما لم يجدوا شيئاً أقدموا على ضرب أحد العمال، ودخلوا الى غرف النوم (بعضهم ينام في غرف مخصصة لهم في الحمام)، حيث قاموا بتفتيش الغرف وأغراضنا الشخصية وقاموا بمصادرة أغراضنا الشخصية بينها ظروف “جيل للشعر” وبعض أدوية للحساسية ووجع الأسنان. “وفيما تحدث المحضر عن ضبط عدد من الأوقية الذكرية وجدت في الحمام، تبين وفق إفادات بعض العاملين في الحمام الذين التقينا بهم، أنه قد تم ضبطها من ممتلكاتهم الشخصية.

يصف أحد الزبائن كيف تم اقتيادهم من الحمام الى مخفر حبيش “قاموا بسوقنا مثل الذباب وقد بدأ العنف من هناك، كنا كلنا فوق بعضنا البعض. قال لهم أحد الموقوفين، “شو فوق بعض بدكن تحوطونا؟”. فأجابه أحد عناصر الدرك، “إيه، ما هلق كنتوا فوق بعض”. زركونا ووضعونا فوق بعض بالسيارة”. يضيف زبون آخر “في أول الأمر، عندما يتوقف شخص ما، من المفترض أن يتوقف تحت تهمة واضحة وصريحة؛ هذا لم يحصل. هم قالوا لنا عندما أوقفونا، “بتروحوا عالمخفر وبتعطوا إفاداتكم وبتفلوا”. قالوا لنا “بتفلوا” بالحرف الواحد. تؤكد بقية الإفادات هذا، فوفق العاملين الذين قابلناهم، أن عناصر الدرك أعلموهم ان الموضوع سهل “بدّن يحطوها بصاحب الحمام، انتوا ما خصكن”، بينما يؤكد زبون آخر أن المسألة بسيطة “ساعة وبتفلوا”.

التحضير للتحقيق: “إذا اعترفت تتوقفون عن ضربي؟ نعم”
لم يتم التحقيق مع العاملين خلال اليوم الأول للتوقيف ولا في اليوم الثاني، فهذان اليومان خصصا لترهيب العاملين في الحمام حيث تعرضوا جميعاً للضرب على أيدي “المحققين” الذين خضعوا لدورات وتمارين حول احترام حقوق الإنسان وكيفية إجراء التحقيقات. أولى نتائج هذه الدورات تمثلت في اختيار اصغر العاملين سناً (مواليد العام 1990) فمورست بحقه تقنية تعذيب معروفة باسم “الفروج” (تكبل اليدان خلف الظهر فيما يضرب على رجليه)، كل ذلك ليبوح أولا عن ميوله الجنسية، وثانياً عما إذا كان يدور في الحمام أعمال جنسية بين العاملين والزبائن أو بين الزبائن في ما بين بعضهم البعض. “ظلوا يضربونه الى أن تورمت رجلاه” يقول زملاؤه. قابلنا الشاب الذي عذّب بتقنية “الفروج”، يقول: “لا أستطيع أن أنسى الضرب، أخرجوا جميع الشباب وأبقوني وحدي مع عناصر الدرك. سألني “مع كم واحد بتطلع؟”. فقلت له أنني لا أعرف شيئاً فبدأوا بضربي من جديد. ظلّوا يضربوني حتى مثلّت لهم كيف أقوم بالمساج على يد واحد من المحققين الذي قال لي “من لمستك مبيّن عليك لوطي”.

قال واحد منهم “هيدا أكبر كذّاب” وكان يضربني خلال ذلك بقسطل حديد على ذراعيّ حتى فقدت القدرة على تحريكهما. سألته، “ليش عم تضربني” فأجاب، “لأنك عمّ تكبر راس”. ثم أمرني بالتسطح على الأرض وأحضر كرسياً ورفع رجليّ على الكرسي وبدأ بضربي عليهما. ظلّ يضربني لنصف ساعة وكل الأشخاص في المبنى سمعوا صراخي. جاءت امرأة تعمل معهم وطلبت منهم التوقف أول مرة ولكنهم لم يذعنوا لها. ثم دخلت مرة ثانية وسحبتني من الغرفة إلى المدخل وأحضرت لي كيس ثلج.

من بعدها جاء الشخص نفسه وكان ينادونه الوطواط، وجعلني أمشي على الأربع لغاية مدخل الغرفة وهو يركلني من الخلف وقال لي، “يلاّ، عمّنريحك شويّ ومنرجع منكمل”. ثم أعادوني للنظارة. طلبوني مرة أخرى الساعة 3 صباحاً. صاروا يحققون معي بدون ضرب ثم اقترب مني أحد المحققين ونعتني بالكذاب وصار يضربني بكفه على صدري. أفقدني الوعي ووقعت على الأرض. ثم سحبني للأعلى وأمسكني من عنقي حتى لم يعد بإمكاني التنفس. بعدها بقى 4 أشخاص يضربونني لغاية الـ5 صباحاً.

طلبوني مجدداً على الساعة 6 صباحاً لأن أحد الزبائن اعترف بأنني مارست الجنس معه. عندما نكرت ذلك ضربوني بالعصا الخشب. قال لي أحد المحققين بأن الكل اعترف باستثنائي وأنني “عم تاكل ضرب لأنك ما اعترفت بعد”. بعد يومين من الضرب، لم أستطع التحمل ووافقت على كل شيء وتوقف الضرب.

الضرب والتعذيب كان من نصيب جميع العاملين في الحمام، لم يُستثن منهم أحد، منهم من وُضع له كيس على رأسه وابرح ضربا، أيضاً ليعترف بأنه “يتعاطى اللواط” وانه يأخذ مالاً من زبائن الحمام مقابل ما يسمى “بالمساج الاكسترا”. “طلبونا الساعة الثانية ليلاً وبدأوا بضربنا. وقاموا بتهديدي بالكهرباء، فوضع أحدهم كيسا على رأسي مع شرائط كهربائية وضربني”. يتابع آخر “بقوا يضربوننا الواحد تلو الآخر. وقالوا لنا “أوعى حدا يقول إنوا ضربناكم وإلا رح تبقوا هون”.

كما تم ضربهم ايضا لترهيب الزبائن بحيث كان يتم تعذيب العاملين في غرف قريبة من تلك التي فيها الزبائن وأحياناً في الغرفة عينها. “كانوا يدخلوننا إلى غرفة التحقيق ويقومون بضربنا ليرهبوا الزبائن بنا. وكانوا يقولون للزبائن “اعترفوا بالذي نريده ويمكنكم أن تخرجوا خلال يومين”. يتابع آخر “قاموا بضربي على رقبتي حتى أوافق على أني أدخلت القهوة إلى غرفة البخار لأحد الزبائن ومارست الجنس معه مقابل 10 آلاف ليرة لبنانية. عندما سألت إذا سوف يتوقفون عن ضربي إذا اعترفت بذلك، قالوا “نعم، سنتوقف عن ضربك”. يفيد أحد الزبائن من الذين قابلناهم: “لم ننم بسبب الصراخ ولأننا كنا ننتظر ماذا سيحصل معهم. رجع أحد العاملين ورجلاه متورمتان من الفخذ للأسفل ولم يستطع المشي لغاية اليوم الثاني”. ويتابع “طلبت الذهاب إلى الحمام، وعلى الطريق رأيت أحد العاملين جالساً في الممر. كانت يداه مقيّدتين وأحد رجليه بينهما ورأسه منخفض وكانوا يضربونه على رأسه ورقبته. كانوا يضربونه بقبضتهم ويقولون له، “ما تقول شي، خلّي صاحب المحل يفيدك”، ويؤكد زبون آخر أن ضرب العاملين كان بهدف الضغط على الزبائن “المماطلة التي حصلت كانت كلها بهدف اللعب على الأعصاب. بالإضافة الى ضرب الشباب السوريين، كنا نسمع كل الوقت الصراخ والضرب لتذكيرنا بضرورة التعاون في التحقيق”.

طبعا لم يخل التحضير للتحقيق من تعليقات عنصرية او مرتبطة بما يجري في سوريا، فسألالعاملونمن باب التهكم “وين أحلالكن، هون او مع داعش؟” او “من منكم خادم في الجيش السوري؟ لي شقيق توفي في سوريا، بدي استرد حقي”. وقبل ان يفتح المحضر ويبدأ التحقيقرسمياً، طلب من بعض العاملين ان يفتحوا هواتفهم من أجل البحث في محتوياتها (من صور ومراسلات).

الفحوصات : 45.000 ليرة لبنانية على كلفة الموقوف
بإشارة من المدعي العام بلال ضناوي تم إخضاع جميع الموقوفين لفحوصات السيدا والمخدرات، وذلك من دون الحصول على موافقتهم المسبقة. ولم يتم تكليف طبيب للقيام بهذه بالفحوصات، بل تولاها أحد المحققين في مكتب حماية الآداب. ووفق الافادات التي وثقناها، تحمل الموقوفون تكلفة الفحوصات التي بلغت 45.000 ليرة لبنانية عن كل شخص.

كما تم إخضاع جميع الموقوفين لفحص المخدرات علما انه لم يتم ضبط أي مادة مخدرة مع اي منهم. ويتم عادة فحص المخدرات من خلال فحص البول. وقد أعلمنا أحد العمال الموقوفين انه يواجه مشكلة في التبول و”ما زاد من عدم قدرتي على التبول هو وجود احد عناصر مكتب حماية الآداب معي في الحمام. وعندما أعلمته عن عدم قدرتي على التبول بسبب وجوده، طلب مني أن أخلع ملابسي وقام برشي بنبريش مياه طالباً مني الركوع وثم الوقوف الى ان تبولت!” لم يبلغ أحدهم عن نتيجة الفحوصات “قاموا فقط بإعلام من جاءت نتيجة فحصه إيجابية”. شدد أحد الزبائن الذين قابلناهم على ان المحققين قد أضفوا رهبة معينة على الفحوصات من خلال التلميح بأن كل شخص معرّض للحصول على نتيجة إيجابية. “وقد استدعوا أحد الأشخاص وأخبروه بأن نتيجة فحص السيدا كانت إيجابية فعاد يبكي إلى النظارة. ثم عادوا وطلبوه مرة أخرى وأخبروه أن النتيجة كانت سلبية عندما غيّر إفادته. كما قال لي المحقق الذي قام بفحص السيدا – “إنت ما عمّ تتعاون مظبوط، وهيدي رحّ تشوف عواقبها”.

حضور النائب العام الى مخفر حبيش 
يشير محضر التحقيق الى حضور النائب العام بلال ضناوي الى مخفر حبيش للإشراف على التحقيقات. سألنا من قابلناهم من العمال ان علموا بوجوده في المخفر، قالوا إنهم علموا بوجوده لكن بعد مغادرته. فعندما كان هناك لم يتعرفوا عليه ولا على صفته. كما صرح أحد العمال “أن النائب العام التفت الى أحد العمال وانتبه الى ان رقبته متورمة. سألني عن العلامات التي على رقبتي وعندها قام أحد الضباط بالإجابة بأنني وقعت على الدرج.(!)”

كما التفت النائب العام الى آخر كان يواجه صعوبة في المشي وسأله ايضا عن سبب ذلك، وكان الجواب هو نفسه “لقد وقعت” والسبب هو الخوف من ان يتعرض للضرب مجددا على أيدي قوى الامن الداخلي.

التحقيق
الهدف من كل هذا الضرب هو التمهيد للتحقيق مع العاملين في الحمام. فقد أعلمنا أحد العاملين الذي تلقى ضربا مبرحا من قبل عناصر مكتب حماية الآداب أن التحقيق كان مقتضباً، حيث كان الجميع مستعداً للتوقيع على ما يكتبه المحقق. وقد أفادنا المذكور أنه أعلم المحقق انه “مستعد لأن يوقع على أي شيء، اكتب ما تريد وأنا أوقع”. وهذا ما حصل، فلم يقرأ أحد منهم المحضر ولا يعرفون على ماذا وقعوا، هم فقط وقعوا لأن طلب منهم ذلك.

التهديد بالفحوصات الشرجية
يقول أحد الزبائن إنه تم تهديده بالفحص الشرجي عندما كان ينكر “التهم” الموجهة اليه “خلال التحقيق. “عندما كنا نرفض الاعتراف بالمثلية الجنسية، كانوا يهددوننا بالفحص الشرجي”. وهذا ما اكده ايضا بعض العاملين، حتى الذين “اعترفوا” بمثليتهم تم تهديدهم بالفحص الشرجي، “إنت مستعد تعمل فحص شرجي لنتأكد؟ يعني إحنا رح نطلب الطبيب الشرعي ليفحصك”. بينما يفيد زبون آخر أنه عندما أنكر التهم الموجهة اليه، راح أحد عناصر الدرك يهدده بـ”أن نتيجة الفحوصات (المخدرات وفيروس نقص المناعة) ممكن ان تتغير”.  وإذ أصررتعلى نكران التهم والأسئلة، استمر في كتابة المحضر من دون أن يكترث لما كنت أقوله. “قلت له: روق، لوين رايح؟ فأجابني، إنت اللي رايح. وطلب مني أن أوقع. قمت بالتوقيع لأن موقفي أصبح ضعيفا”.

أيضاً، وعلى عكس ما يقرأ في محضر التحقيقات، لم يُسأل أحد من العاملين الستة الذين قابلناهم عن رغبته بالاستفادة من حقوقه المنصوص عليها في المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، فلم يتم إعلامهم بها . كما أعلمونا انهم لم يطلبوا أساساً الاتصال بأحد، خاصة بعد ان علموا بأنه تم رفض هذا الحق للموقوفين اللبنانيين، فكيف سيسمح لهم وهم سوريون؟ يتابع أحدهم “طلبوا من ر. (أحد الزبائن) أن يقول أنه دخل إلى غرفة المساج قبل 10 دقائق وممارسة “اللواط” مع أحد العمال (أ.) مقابل السماح له بالتكلم مع أهله. أذعن (ب). لهم، ولكن عندما نفى (أ) ذلك قاموا بضربه”.

انتهى التحقيق ومعه انتهت حفلة الضرب والتعذيب والاهانات التي تعرض لها العاملون في الحمام، وصاروا ينتظرون ما ستؤول اليه الامور وكيف ستنتهي قضيتهم.

التحويل لسجن زحلة
عند انتهاء التحقيقات، بدأت مرحلة الانتظار الذي طال من منتصف الليل حتى الساعة الثالثة من بعد ظهر اليوم التالي. فترة حُرم العاملون خلالها من الدخول الى الحمام. بعدها تم تحويلهم الى سجن زحلة حيث وعدوا بأن استقبالا خاصاً بانتظارهم على سبيل الترهيب. هناك، حين وصلوا كان السجناء بانتظارهم، قيل لأحدهم “خليلي اياك، صار الي خمس سنين ناطر، بدي انبسط فيك”. في زحلة أيضا تعرضوا لضرب مبرح من السجناء، “وصلنا إلى سجن زحلة وأوقفونا كلنا في مواجهة الحائط وقام أحد عناصر شرطة حبيش بضربنا على رقابنا، كما أوصى عناصر السجن للاهتمام بنا. بعدها بدأ السجناء بضربنا ولم نكن نعرف من أين كانت الضربات تأتي”.

ولم يتوقف الإذلال على الضرب أو الإهانات اللفظية بل تخطاه بأشواط. فقد قام السجناء بحلق حواجب الموقوفين. يقول من استطعنا مقابلتهم ان المقدم في السجن سأل الموقوفين عن هوية الشخص الذي حلق حواجبهم، غير انهم لم يصرحوا بهذه المعلومة خوفا من ان يرتد ذلك عليهم سلباً، اي ليتفادوا انتقام بقية السجناء. هناك في سجن زحلة، اضطر العاملون لأن يدفعوا مبالغ مالية تراوحت بين المئة دولار اميركي بالنسبة الى بعضهم فيما اضطر احدهم لأن يدفع 500 دولار أميركي! هذه المبالغ دفعت لضمان عدم التعرض لهم. من لم يدفع، أجبر على النوم في الحمام، او حرم من الطعام وتعرض للضرب والاهانات المستمرة من قبل بقية السجناء.

التحقيق عند الأمن العام
وعلى الرغم من صدور قرار بإخلاء سبيل الموقوفين في قضية حمام الآغا، إلا ان موظفي الحمام ظلوا محتجزين تعسفيا في سجن زحلة بانتظار إحالتهم الى نظارة الامن العام، حيث عمدت النيابة العامة التميزية الى إرساء ممارسة غير قانونية مفادها التعميم على آمري السجن وجوب إحالة أي شخص أجنبي الى الأمن العام قبل إطلاق سراحه.

عاد الامن العام وحقق مع جميع الموقوفين، بعضهم تعرض ايضا للضرب من قبل ضباط الامن العام على وقع تهكمات من قبيل “اه انتم جماعة الحمام، اهلا وسهلا كنا ناطرينكن، مين بينيك ومين بينْتاك؟”، تمحور تحقيق الامن العام مع بعض العاملين ايضا حول كيفية ممارستهم الجنس، من منهم “فاعل” ومن “مفعول به”. أما بقية التحقيق فتمحور حول تاريخ دخولهم لبنان، عملهم، مكان اقامتهم. وفي نهاية التحقيق تم إعلامهم بإمكانية الطلب منهم مغادرة البلاد.

نشر هذا المقال في العدد | 22 |تشرين الأول/أكتوبر/  2014 ، من مجلة المفكرة القانونية | لبنان |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه:

دعوى العادة تأسيس النظام العام:الجهورية أمام القضاء

للإطلاع على النص مترجما الى اللغة الإنكليزية يمكنك الضغط هنا


[1]المخالفات القانونية في قضية حمام الأغا: ملاحقة جماعية تنتهك حقوق الأفراد، المفكرة القانونية، العدد 20، آب 2014.
[2]سارة ونسا، “فحوصات العار” تستمر في “جمهورية العار”: حين يصبح القانون والطب مجرد أدوات للإذلال والتخويف، المفكرة القانونية العدد الثامن عشر، تموز 2014
انشر المقال

متوفر من خلال:

جندر ، أجهزة أمنية ، فئات مهمشة ، مجلة لبنان ، لبنان ، مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، لا مساواة وتمييز وتهميش



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني