أربعة أيام وما زال أهالي المنصورية يخرجون للدفاع عن صحتهم وصحة أطفالهم في وجه شبكة خطوط التوتر العالي المقرر تمريرها بين منازلهم. وهم يتابعون معركة الكر والفر بينهم وبين السلطات المعنية التي أرسلت لهم عشرات العناصر الأمنية: “بعتولنا شي 3 آلاف دركي، نحن ما منقاتل الدرك”، تقول كارول إبراهيم، إحدى نساء المنطقة.

وخلال رفعهم الصوت، تعرّض بعضهم للضرب وآخرون للتوقيف. وخرج البعض الآخر يكفر بالسياسيين والنواب الذين وعدوهم بالوقوف إلى جانبهم وعادوا عن وعودهم بناء على الإصطفاف السياسي المنقسم بين “مع وضد”. عتب الأهالي على نواب التيار الوطني والقوات: “أنا قوتجي” وأقول “عيب” على القوات اللبنانية ألاّ تشاركنا التحركات، أين آدي أبي اللمع؟ أين الزعما المسيحيين؟ أخذوا أصوات الناس من ثم اختفوا؟ نفهم “العونية على غير غيمة عال، بس القوات وينن؟”، يقول شاب ينتمي إلى القوات بحرقة.

متسلحين بالمؤتمر الأخير الذي عقد في نقابة مهندسي طرابلس حول “التلوث الكهرومغنطيسي وأثره على صحة المجتمعات”، والذي بات يهدد البشرية ويتسبب بأمراض بعضها لم يكن موجوداً”، وكذلك بدراسات أخرى ونماذج عن مناطق تمر فيها خطوط التوتر العالي، جاءوا يرفعون الصوت رافضين التسبب بقتلهم أو تهجيرهم من بيئتهم ومنازلهم.

وعلى خط التدخل بالحلّ، عُقد اجتماع عند الساعة العاشرة من صباح الخميس 9/5/2019 في بكركي ضمّ إلى جانب البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، وزيرة الطاقة والمياه ندى بستاني والنائبين سامي الجميل والياس حنكش ومدير عام مؤسسة كهرباء لبنان كمال حايك ومختاري عين سعادة ورومية للبحث في ملف “وصلة المنصورية”. وبعد نحو ساعة وثلث، خرج النائب الياس حنكش معلناً أنه لم يتم التوصل الى حل، آملا أن تتألف لجنة حيادية. وقال:”وضعنا كل هواجسنا أمام البطريرك الذي سيقوم باتصالاته لتخفيف الاحتقان”. وكان النائب إبراهيم كنعان قد اجتمع بالبطريرك الراعي عند الساعة الثامنة صباحا وأعلن عند خروجه أنه”وضع بين يدي البطريرك الأفكار التي قد تشكل خرقاً في ملف وصلة المنصورية وهو متفهم ولديه الرغبة في الوصول إلى الحل”. معتبرأ أن”الاجهزة الأمنية والقضائية تنفذ قراراً سياسياً آملاً أن تثمر اللقاءات في سحب التشنج”.ليتضح بعد انتهاء الإجتماع أن الحل وفق كنعان هو السير بخطة الكهرباء كما هي.

وجاء بيان بكركي ليؤكد أن المشاركين في الإجتماع “اطلعوا على الدراسات لدى وزارة الطاقة والتي أجريت منذ أكثر من 15 سنة وكانت ملاحظات واستيضاحات بشأنها، الأمر الذي يقتضي مراجعة السلطات المعنية من أجل إيجاد مخرج يساهم في متابعة تنفيذ الخطة الموضوعة للكهرباء لصالح كل اللبنانيين وفي الوقت عينه ينزع هواجس السكان المعنيين ويجنبهم الضرر الصحي الذي يتخوفون منه”.

وفي متابعة لما حصل، وخصوصاً القمع الذي تعرض له الأهالي من قبل القوى الأمنية، التقى نائب المتن ابراهيم كنعان وزيرة الداخلية والبلديات ريا الحسن وتواصل مع وزيرة الطاقة ندى البستاني والأهالي وطالب “بوقف استخدام القوة”.وقد غردّ على حسابه عبر تويتر قائلاً:”مع إقراري بأهمية وصلة المنصورية على مستوى خطة الكهرباء لكل لبنان، لكنني كنت وما زلت مع التفاهم والسعي إلى اجتراح حلول تطمئن المعنيين ومنها اقتراح مدّها تحت الأرض الذي عملت له طيلة السنوات الماضية. لذلك أكررّ موقفي اليوم وندعو الحكومة الى عدم استخدام القوة”.

لكن الحسن اكتفت بالقول:”إن أشغال ما يعرف بـ “وصلة المنصورية” تتم استناداً إلى قرارات قضائية وتنظيمية، وإن دور قوى الأمن الداخلي ينحصر بمؤازرة المكلفين بتنفيذ هذه الاشغال، وذلك إنفاذاً لقرار مجلس الوزراء الصادر بناء لطلب من وزارة الطاقة”.

مستمرون بالشبكة رغم الوعود بالتهدئة

وكان الأهالي صباح اليوم في 9/5/2019، مستمرين في تحرّكهم لليوم الثالث على التوالي في منطقة المنصورية قضاء المتن-لبنان رفضاً لمشروع مد خط التوتر في الهواء الذي يقوم على وصل محطة كهرباء بصاليم بمنطقة عرمون، ويمر بعدد من المناطق منها المنصورية وبيت مري وعين سعادة وعين نجم والديشونية وغيرها.

وقد فوجؤوا صباحاً بوصول أعداد كبيرة من القوى الأمنية تدخل فجرا أراضي المطرانية حيث كنيسة سانت تريز وتقفل كل الطرق المؤدية وتمنع المواطنين في المنطقة من الدخول إليها للمشاركة في الصلاة الصباحية. الأمر الذي دفع بالنائب إلياس حنكش إلى إطلاق تغريدة على حسابه على “تويتر”:”رغم كل مساعي البطريرك للتهدئة وإظهار حسن نية من قبل السكان والأهالي وقبل إجتماعنا ببضع ساعات مع الوزيرة بستاني في بكركي، يغدرون مجدداً ويقتحمون أرض كنيسة سانت تيريز ويقفلون كل الطرقات المؤدية إليها .” بدورها أعلنت أمانة سر مطرانية بيروت المارونية في بيان لها استنكارها لعملية “كسر وخلع بوابة المكان، كما إغلاق جميع الطرقات المؤدية الى الكنيسة وحرمان المؤمنين من الدخول إليها للصلاة حسب المعتاد”. وعند إعلان حنكش عدم التوصل إلى حل، تجددت الاشتباكات بين الأهالي والقوى الأمنية أثناء محاولتهم وقف الأعمال، فهم يتشبثون برفضهم تمرير تلك الخطوط فوق منازلهم الأمر الذي يضعهم تحت رحمة الموت إما بمس كهربائي أو بفعل السرطان الذي سينجم عن وجود هذه الخطوط، ولعل منطقة دير عمار شمال لبنان الشاهد الحي الأبرز في هذا السياق.

وللتذكير، فإن التحركات بدأت نهار الثلاثاء 7/5/2019 حين استيقظ الأهالي على عمال شركة كهرباء لبنان يحاولون مدّ خطوط التوتر بحماية القوى الأمنية، فحاولوا منعهم سلمياً، ليتطور الأمر إلى اشتباك  بينهم وبين القوى الأمنية، سرعان ما انتشر من خلال فيديوهات تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة. وقد لقي النائب الكتائبي الياس حنكش الذي حضر متضامناً مع الأهالي، نصيبه من التدافع الحاصل.

هذا ولم يتردد الأهالي بالتعبير عن غضبهم إزاء ما يحصل، علماً أن المشروع عمره 18 سنة، وشهد موجات عدة من الإعتراضات، ونام بعض الوقت في الأدراج ليستيقظ الآن. وظهر من بين المواطنين المعبرين عن سخطهم فيديو للخبير المالي لدى المحاكم داوود لبيب مخيبر الشقيق التوأم لعضو المجلس الدستوري القاضي صلاح مخيبر الذي وجّه انتقادات ساخطة لكل من وزيرة الطاقة ندى البستاني ووزير الخارجية جبران باسيل، وصولا إلى رئيس الجمهورية ميشال عون. وقد أبدى أسفه لأن أهالي المنطقة وهو منهم انتخبوا التيار الوطني الحر. وما أن انتشر هذا الفيديو حتى تم إلقاء القبض عليه وتوقيفه لبعض الوقت، ليصار فيما بعد إلى تركه. وقد ألقى كلمة على الأثر اعتذر فيها على ما بدر منه من إساءة، مؤكداً تمسكه برفض خطوط التوتر.

وقد علق النائب نديم الجميل على الحادثة عبر حسابه عبر موقع تويتر قائلاً: “القبض على المواطن داوود مخيبر الذي عبر عن مشاعره وغضبه بعصبية، يؤكد أننا نعيش في سلطة “فشة الخلق” وجولة الاقتصاص من الضعفاء أكان ضرائبياً أم أمنياً.عاش عهد التوتر”.

هذا ولم يفضّ الأهالي الإشكال إلاّ بعد تلقي وعود بحل هذه القضية وعملوا على فتح الطرقات، لكن هذه الوعود ذهبت هباءً، إذ فوجئوا بعودة العمال صباح الأربعاء 8/5/2019 إلى المنطقة لمتابعة الأعمال وكأن شيئاً لم يكن، وكأن لا قيمة لرأيهم ورفضهم للمشروع. وعليه، تجدد الصدام بين الأهالي الذين اعتصموا هذه المرة رافعين “الصليب” وبين القوى الأمنية التي واجهت الناس بالعصي والهراوات فسقط عدد من الجرحى الذين تم نقلهم إلى المستشفى لتلقي العلاج. كما اعتقل احد الأشخاص (رفض ذكر اسمه) لبعض الوقت ليصار لاحقاً إلى إطلاق سراحه ليعود إلى نقطة الاعتصام ويعبر عن فرحه أنه”تم توقيفه دفاعاً عن أبنائه”، معلناً عن نيته عرض منزله للبيع وحماية عائلته من خطر “التوتر”.

غضب عارم يجتاح الأهالي

قرابة الساعة الثانية عشرة، كانت القوى الأمنية المدرعة بالأوقية والهراوات تقطع الطريق باتجاه منطقة المنصورية تحديداً عند نقطة “شاركوتيه عون”، فيما قطع الأهالي الطريق المؤدية إلى كنيسة “سانت تيريز”.

في المساحة التي أتيحت لهم، وقف الأهالي تحت الشمس الحارقة بانتظار معرفة الخطوات التالية لعمال الكهرباء من أجل التصدي لهم. حال التوتر التي تصيبهم كانت أشد خطراً من مشروع خطوط الكهرباء، فهم استنكروا مسألتين: الأولى، بحسب أقوالهم، أن مشروع مد خط التوتر العالي في الهواء، تصل كلفته إلى نحو 19 مليون دولار، بينما الحلول التي يقترحونها في مد الخطوط تحت الأرض، فلن تصل إلى 25 مليون دولار. المسألة الثانية هي غياب النواب الذين انتخبوهم وطالما وعدوهم بالوقوف إلى جانب قضيتهم وحقهم بالبيئة الحياتية السليمة.

وفي حديث “للمفكرة” مع مختار منطقة عين سعادة موريس أسمر، أكد”رفض الأهالي لهذا المشروع كلياً”، معتبراً أن “كل شيء لدى الدولة وجهة نظر. فمثلما الموازنة هي وجهة نظر كذلك الضرر الناجم عن خطوط التوتر أيضاً وجهة نظر”. وشدد أنه “لن يتم فض الاعتصام قبل أن يتخذ قرار بوقف الأشغال”.

وكي لا يشعر المعتصمون بالحيرة من أمرهم، كان خادم رعية سانت تريز الأب داني أفرام يتولى إرشادهم بعيداً عن عدسات الإعلام، وخاطب الحاضرين متوجهاً إليهم بالشكر قائلاً: “نحن كما تعلمون لا نملك سوى الصلاة، وهذه خطة أولية وأخيرة في آن، ذلك لأنهم يمسون بنقطة خطيرة جداً تطال أرضنا وأولادنا”. أضاف:”اليوم ستتوقف الأعمال لكن غداً سيكون عددهم أكبر. لذلك أطلب منكم بعض التضحية والحضور غداً والمشاركة بالاعتصام. إذا لم تأتنا الليلة تطمينات بأنه اتخذ القرار بإيقاف الأشغال فنحن متجهون إلى التصعيد”.

تشعر ساندي شمعون بالخوف ذلك أن منزلها يقع  قرب العمود في منطقة “المونتي فردي”. وعن ذلك، قالت: “البناية التي أقطن بها تم تشييدها في الثمانينات، وعندما اشتريت بيتي في العام 2003 لم يكن هناك عمود، ثم نمنا واستيقظنا في العام 2005. وجدنا العمود قرب منزلنا. أنا لدي أولاد في عمر ست وثماني وأربعة عشرة عاماً وحتى مدرستهم ستتضرر من الخطوط”. واعتبرت:”أن الاعتصام وحده ليس كافياً طالما أبناء المنطقة منقسمون. قال “عونيون” (مناصرو التيار الوطني الحر) يرون أن خطوط التوتر لا تؤثر فيهم، لكن ربما بعد أربع سنوات عندما لا يعودون بالحكم ويعودون إلى صفوف المعارضة عندها سيستشعرون الخطر”.

ولفتت إلى أنه سبق أن”شاهدت حلقة تلفزيونية للنائب الحالي إبراهيم كنعان قبل انتخابات 2009 قال فيها “أن هذه الخطوط لن تمر سوى على جثثنا”.أضافت: “الحق ليس على المسؤولين في أنهم ينجحون في استلام الشعب الغشيم. الحق على الشعب. فالدراسات التي تثبت ضرر هذه الخطوط لن تتغير من عوني إلى كتائبي أو قواتي، فنحن هنا نتحدث عن أبنائنا، والخوف على حياتهم ومستقبلهم. وأنا لن أقبل أن تحضر الدولة الكهرباء على حساب صحتي وصحة أولادي”.

جدل حول استخدام الصليب لوقف خطة الكهرباء

وفي باحة الاعتصام صور لتوثيق اللحظة، وربما لدعوة المزيد من المشاركين في الاعتصام، كان التركيز فيها على رفع الصليب بعد الاشتباك صباحاً بين الأهالي والقوى الأمنية. وقد حاولنا أن نفهم رمزيته في تحركات مطلبية مدنية بحتة لكن قوبلنا بالصدّ. يقول أحد الأشخاص: “لا يمكنك أن تسأليني عن سبب حملي للصليب ولكن بإمكاني القول أني أشارك في التحرك لأحمي عائلتي، بالنسبة للبعض كان خط التوتر منذ 15 عاماً مضراً أما اليوم بات مثل “البنادول”و”الأسبيرين”، وكأن المرء بحاجة لأن يقطن تحت خط التوتر ليبقى على قيد الحياة وإلاّ سيصاب بالسرطان”.

وتتدخل إحدى السيدات فتقول:”هم لديهم فيلات في الخارج يلجؤون إليها أما نحن فلدينا هذا البيت الذي لن يشتريه أحد منا، ونحن سنموت تحت هذه الأعمدة بالسرطان. لذلك لا تقولوا أننا استغلينا الصليب أيها المجتمع العلماني، ما بقى فرقان معنا حدا”.

و”الاعتداء على الصليب”، هو الذي دفع ملكة معرّاوي من زغرتا، سكان بيروت، إلى المشاركة بالاعتصام وقالت: “لن أقبل أن أرى بيئة أبناء بلدي تدمر وتحضر لهم الامراض، وأسكت، إذ من واجبي إن كنت لبنانية ومسيحية التواجد هنا في الاعتصام”.

أما الأب أفرام فعلق على مسألة استخدام الصليب قائلاً: “نحن لا نملك إلاّ الصلاة والتضرع إلى الرب. يتهموننا بحمل الصليب نحن في منطقتنا وفي ظل رعيتنا نصلي ليحمينا الرب من خطر التوتر العالي”.

وكان قد صدر موقف عن وزير الإعلام جمال الجراح بدا مستفزاً بالنسبة للمعتصمين، رأى  خلاله أن”هناك الكثير من المناطق في لبنان يمر فوقها الخط نفسه وبالقوة الكهربائية نفسها، ولم يتم إثبات وجود أي ضرر من مد مثل هذه الخطوط”.

وأشار إلى أن”الوزارة سبق أن عرضت في فترة من الفترات على الأهالي في منطقة المنصورية شراء شققهم إذا كان لديهم إحساس بإمكان حصول أي أذى، لكن لم يتقدم أحد بطلب لبيع شقته”.

وعلق الجراح على مسألة الاعتداء على الصليب بالقول:”ما هي علاقة الأمر بالصليب، مع احترامنا له ولكل المرجعيات الدينية والأديان والمذاهب، لا علاقة للدين بهذا الأمر. فالموضوع تقني، وهناك قرار لمجلس الوزراء بتنفيذ خطة الكهرباء، ولا علاقة لا للقرآن ولا للإنجيل بالأمر، وأتمنى عدم استعمال الدين لوقف خطة الكهرباء”.

وقد رد الأب أفرام عليه قائلاً: “أود أن أوجه تحية للوزير الجراح. وقد علمت أن هناك خطة بديلة أخبرت بها وهي كانت لدى الرئيس الشهيد رفيق الحريري بطمر كل خطوط التوتر العالي. إذن، فليعد إلى الملفات القديمة ولنبقَ أصحابا معه. هذه منطقتنا ونحن أحرار أن نصلي فيها، وأن نمارس كامل شعائرنا. مع احترامي لمعالي الوزير هذه شعائرنا، ولا أحد يقول لنا متى نرفع الصليب ومتى نخفضه، هذا صليبنا الذي يبقى مرفوعاً وسننتصر”.

وأصدر رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس مطر بيانا رفض فيه مشهد الاشتباك بين القوى الأمنية والمواطنين وطالب فيه “بوقف العمل فوراً، وأن يعمد المسؤولون إلى التفكير الجدي بالبدائل”.

كما أشار رئيس المركز الكاثوليكي للإعلام الأب عبدو أبو كسم في حديث إذاعي له إلى”أن البطريرك مار بشارة بطرس الراعي أكد أن ما حصل من مواجهات بين القوى الأمنية والمواطنين مرفوض، ويجب أن يقام حوار وأن تتوسع المروحة بين الوزارة والمواطنين والإستعانة بمزيد من الخبراء لإيجاد حلول ترضي الطرفين”.

وقد شكل الكلام المنقول عن البطريرك دعماً للنواب والأهالي في آن. ورأى النائب الياس حنكش أن:”ما بعد كلام البطريرك ليس كما قبله، فاليوم نحن نحظى بغطاء منه، والأهالي يتصرفون على هذا الأساس”، مؤكداً أن”الموضوع ليس مسيساً وإنما يتعلق بصحة الناس وحسب”.

أما النائب آلان حكيم فرأى أن “الأهالي مواطنون عزّل، حملوا الصليب ومشوا مع الكاهن ليفتحوا الطريق ما أدى إلى الإحتكاك، مؤكداً عدم تحميل مسؤولية ما حصل “لأحد”. ولكن لا أحد يمكنه أن يلوم أحدا على استعمال شعائره الدينية”. وأشار إلى أنه “على الدولة أن تطمئن مواطنيها من موقعها المسؤول تجاه أبنائها والوسيلة الوحيدة هي بالنقاش. وهذا تطبيق لبيان بكركي، لافتاً إلى أن أهالي المنصورية موجودون في بيئة وتحيط بهم المدارس. فهل يمكن أن نأخذهم إلى مناطق أخرى؟ سائلا: ما هي التكلفة؟ وأردف: ليس من السهل أن نطلب من الناس أن يتركوا بيوتهم وبيئتهم ومدارس أولادهم”.

كما حضر نائب كسروان فريد الخازن، وأكد تضامنه مع الأهالي الذين تعرضوا للعنف على مدى يومين مؤكداً أن”كلمة أهل المنطقة يجب أن تحترم لأنهم يدافعون عن حقهم وعن صحتهم وليس عن رفاهية أو كمالية معينة”. وشدد  على أمرين: الأول”أن القوى الامنية هم أهلنا، ولا يفترض بالأهل الاعتداء على بعضهم البعض”. ثانياً: “من المفروض على مجلس الوزراء والوزيرة بستاني أن يقوموا بالتفاوض مع الأهالي”.

ودعا”مجلس الوزراء إلى إعادة النظر بهذا القرار”. كما وافق على مطلب المعتصمين بأن يسعى إلى “تشكيل لجنة حيادية من نواب المنطقة، لإجراء تحقيق في هذا الموضوع بطريقة علمية”. وعلق أحد المواطنين على اقتراحه بالقول: “في حال كانت النتيجة إيجابية، نحن مستعدون للمساهمة في تركيب الأعمدة، فأيد الاقتراح، واعداً بطرحه في أول جلسة نيابية مقبلة، لكن رد عليه أحدهم”بأن الأمر لا يحتمل الانتظار”، لكن الخازن لم يعلق وتابع سيره.

كلام وزيرة الطاقة مرفوض من قبل الأهالي.

وكانت وزير الطاقة ندى البستاني قد زارت البطريرك الراعي في بكركي، وخرجت من اللقاء مكررة موقفها بأن”هناك قراراً بتنفيذ خطة الكهرباء، التي لا تشكل أي ضرر على الناس الذين نتفهم مخاوفهم، ولكن في الوقت نفسه نؤكد لهم أن قرارا كهذا لم يكن ليتخذ في الحكومة لو كان هناك أي ضرر عليهم”. وعلى نحو سوريالي دافعت البستاني عن خطوط التوتر بأن أقرباءها “يسكنون في المنصورية”، وبأن هذه الخطوط “تمر فوق بكركي”.

واستنكر الأهالي كلام بستاني، ورفضه الناشط البيئي رجا نجيم جملة وتفصيلاً، مطالباً “بإستقالة الوزيرة”. وشرح أن”هناك فرقاً بين أن يمر خط 100 ميكرو تيست، وأن يعيش الناس في ظله”. وقال:”إن إصرارها يعني أن لا إمكانية معها للعودة إلى الوراء. لذلك نطلب منها أن تعود إلى منزلها ويأتوننا بشخص يحترم الناس ويحافظ عليهم”. وأضاف: “إن تقرير وزارة الطاقة بتاريخ 16/7/2004 وجد لمواجهة اقتراح الشهيد الرئيس رفيق الحريري الهادف إلى طمر كل خطوط لبنان، وقد أخرجوا هذا الطرح على أساس أن يجري التنفيذ على قاعدة غب الطلب ولكن هناك حدود”. كما لفت نجيم إلى دراسة أعدت في هذا السياق خلال مؤتمر عقد في نقابة المهندسين في طرابلس حول التلوث الكهرومغناطيسي من المنظور التقني والهندسي والتي أظهرت “تأثيره على صحة الناس، وأوصت بالتوقف عن تركيب خطوط التوتر العالي والبدء بعملية طمرها”.

لقاء تضامني رداً على الاعتداء على المعتصمين

قرابة الساعة الثالثة، جرى إتفاق مع القوى الأمنية على إنسحاب عمال شركة الكهرباء، لكن سرعان ما اكتشف الأهالي أن العمال متجهون نحو عمود التوتر الموضوع ضمن أملاك وقف كنيسة “السانت تيريز”، فطلب كاهن الرعية من الجميع التوجه نحو الكنيسة وقطع جميع الطرق. فلبى الأهالي النداء فيما تجمع البعض في باحة الكنيسة. ثم طلب الأب أفرام تشغيل جرس الكنيسة الكهربائي، فبدأت الأصوات تصدح في الوادي.

الانتظار في الساحة كان لسببين: الأول، للتأكد من عدم وصول العمال إلى العامود ومد خطوط التوتر والثاني بانتظار الساعة الخامسة والنصف حيث سبق أن دعا النائب إلياس حنكش “نواب المتن للتضامن مع أهالي عين سعادة والمنصورية بعد تعرضهم وكاهن الرعية الأب داني أفرام للإعتداء، وذلك في صالة كنيسة سانت تيريز عند الساعة الخامسة والنصف من النهار نفسه”.

وقد حضر اللقاء التضامني رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل، النائبان الياس حنكش ونديم الجميل ورئيس “حركة التغيير” النائب إيلي محفوض، فيما غاب نواب القوات والتيار الوطني الحر عن اللقاء.

وذكّر الجميّل  بموقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون”في 18 آب 2008 عندما طالب بحل بديل عن خطوط التوتر العالي فوق الأرض في المنصورية”. وأكد: “أن ما نطالب به اليوم ليس إلا الموقف الذي كان يقوله الجميع في السنوات الماضية ولكن الأكيد أن موقفنا لم يتبدل”.

واقترح الجميّل “تشكيل لجنة من اختصاصيين من الجامعة اليسوعية والجامعة الاميركية لتقييم تقني وعلميّ نستند عليه لأن الرأي الذي يعطى من قبل وزارة الطاقة نصف رأي فهم يستندون إلى ما هو مجتزأ”. وشدد على أن”ما يحصل في المنصورية ليس جزءًا من معركتنا بوجه السلطة”، مطالباً ب”وقف الأعمال فورًا بانتظار صدور التقارير العلمية والموضوعية ليطّلع عليها الأهالي وبناء عليه يقرّرون”.

بدوره طالب النائب نديم الجميّل الحكومة بأن “تعيد النظر وألا تتصرف كما تصرفت خلال 24 ساعة الماضية، لأن الحكومة التي تتعامل مع شعبها بهذه الطريقة، والوزير الذي يتصرف مع شعبه بهذه الطريقة لا يستحق أن يكون وزيرا”.

أما خادم رعية سانت تريز المنصورية الأب داني افرام فقد رفع سقف خطابه معتبراً أن”الموضوع لم يعد قضية توتر إنما كنيسة ووقف والبطريرك الراعي والمطران مطر شجبا الأعمال، وطالب القوى الأمنية بإعادة النظر. وها نحن وصلنا إلى حالة الصفر، وحوّلوا المسألة إلى طائفية وسأكون بمواجهة كل من يهجم على الأرض دون إذن كنسي”.

واعتبر أن:”ما حصل اليوم خطير وسالت الدماء ولو لم يتوقفوا لكانوا دخلوا أرض الوقف، وممنوع على أحد أن يدخل الكنيسة دون إذن من السلطات الكنسية وسننام في الكنيسة لمنعهم”. وختم: “نريد أن تكون الأمور واضحة، فالكنيسة لا تباع ولا تشرى ويهمنا شعبنا”.

كما تخلل الوقفة التضامنية بيان تلته نيكول نبهان، باسم أهالي المنصورية، أكدت خلاله “استمرار التحركات استنكارا لمد خطوط التوتر العالي هوائيا في مناطقنا بمؤازرة أمنية وبالقوة”. ونوهت أن:”الأحداث والتضارب الذي حصل بالأمس واليوم هي نموذج صغير عما قد يحدث أو يتطور لا سمح الله في الأيام المقبلة إذا استمر العمل لمد الخطوط. ونحن اليوم بانتظار أن تستجيب وزارة الطاقة لطلب البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الذي هاله ما حصل بالأمس، وطلب وقف الأعمال وتغليب لغة الحوار على لغة العنف، وخضنا اليوم مسيرة صلاة و جوبهنا من قبل القوى الأمنية”. وفي المساء نشر النائب إبراهيم كنعان خبراً عن لقاءه بالأب أفرام برفقة وفدٍ من أهالي المنصورية من دون أية تفاصيل إضافية.

في طريق العودة إلى بيروت يستنكر سائق الأجرة قطع الطرقات ويعلق على قضية خطوط التوتر بشكل ينم عن تشاؤم المواطن اللبناني: “كل لبنان في خطوط توتر أهالي المنصورية ما بدن ليه؟ فكرن أنو الاعتصام بيجيب نتيجة الدولة لما تحط براسها شي بدها تنفذو لو شو ما كان”.