الخيم تجتاح الساحات في بيروت وطرابلس: رسم الانتفاضة عبر مساحاتها الحوارية


2020-01-11    |   

الخيم تجتاح الساحات في بيروت وطرابلس: رسم الانتفاضة عبر مساحاتها الحوارية

مع اندلاع انتفاضة 17 تشرين الأول 2019، توافد اللبنانيون إلى الساحات في كافة المناطق احتجاجاً على الوضع المعيشي المذري الذي أوصلهم إليه نظام الزعماء. فشهدت ساحتا رياض الصلح والشهداء في بيروت وساحة النور في طرابلس توافد أعداد هائلة وغير مسبوقة من المحتجين. وبعدما فرضت الانتفاضة نفسها كواقع جديد، بدأت خيم تظهر داخل الساحات وفي جانبها، في ظل استمرارية الاحتجاجات حولها. كانت مجموعة “بيروت مدينتي” أول المجموعات التي نصبت خيمة نقاش على ساحة الشهداء، وذلك في اليوم الثالث من الانتفاضة ليحذو حذوها حزب “مواطنون ومواطنات في دولة”. وفي الأسبوع الثاني، نُصبت أول خيمة نقاش في موقف العزارية، وهي تعود لمجموعة “لحقي”، لتستقر في موقعها حتى اليوم. وبادرت هذه الخيم من ثم تباعا إلى تنظيم نقاشات مفتوحة للناس: أول المبادرات في هذا الخصوص جاءت كمبادرة مشتركة بين “لحقي” و”بيروت مدينتي” تحت عنوان “مساحة نقاش”. ومع ازدياد عدد المنصات ومكبرات الصوت، وبسبب زحمة المحتجين الخانقة في ساحة الشهداء، انتقلت جميع الخيم الحوارية إلى موقف العزارية حيث بات عدد الخيم يزداد تدريجياً. وهكذا “صارت العزارية نوعا من كلية شعبية يجري فيها نقاش جدي وعلمي وحوار تفاعلي”[1]. فأصبح الموقف المذكور مساحة عامة للحوار، يجول فيها المواطن ويختار النقاش الذي يهمّه من بين خيارات عديدة.

وفي طرابلس، نُصبت الخيمة الأولى في اليوم الثالث من الانتفاضة على طرف من أطراف ساحة النور الذي أصبح يُعرف بـ”الوسطية”، وقد أنشأتها مجموعة نشأت معها تحت تسمية “مدرسة المشاغبين”. ومن ثم لحقتها خيمة مجموعة “ساحة ومساحة” وخيمة طلاب الجامعة اللبنانية. ووسط تحديات وانقتادات مثل “الحوار لوين بوصّل؟”[2]، ازداد العدد حتى تشكلت كتلة خيم تجمع مختلف الفئات والمجموعات بغية النقاش.

ولم تنحصر ظاهرة النقاشات في بيروت وطرابلس فقط، بل برزت خيم حوارية في كافة المناطق اللبنانية من كفررمان إلى صيدا إلى الزوق إلى عاليه وبعلبك. وهي خيم نظمت نقاشات وحوارات على غرار ما حصل في بيروت وطرابلس. وفيما يتناول هذا المقال حصرا خيم مدينتي بيروت وطرابلس، فإننا نعمل على تخصيص بحث خاص للنقاشات في المناطق الأخرى.

وقبل المضي في تحليل نقاشات هذه الخيم، تجدر الإشارة إلى تحديد المنهجية المعتمدة في هذا البحث. فبعدما تم اختيار الخيم والمجموعات الأكثر نشاطاً في بيروت (وهي تباعا الحزب الشيوعي، بيروت مدينتي، لحقي، تكتل طلاب الجامعة البنانية، الشعب يقاوم الفساد، ملتقى التأثير المدني The Hub، المنتدى Move 4 Leb، لبنان عن جديد Re-Lebanon، وحوار الشباب) وطرابلس (ساحة ومساحة، مدرسة المشاغبين، وخيمة طلاب الجامعة اللبنانية)، تم توثيق مواضيع النقاشات التي دعت إليها وذلك في الفترة الزمنية بين 17 تشرين الأول 2019 و 10 كانون الأول 2019 وبخاصة المنشورة على صفحات موقع الفيسبوك الخاصة بهذه المجموعات. كما أجرت “المفكرة” مقابلات مع منظمي جميع المجموعات المذكورة أعلاه حول نشاطاتها وتفاعل المشاركين خلالها.

عن أصحاب الخيم…

تتنوع المجموعات التي تنظم النشاطات الحوارية ويمكن تصنيفها ضمن ثلاث فئات. فمن جهة، نجد أحزابا ومجموعات مكونة قبل 17 تشرين الأول، وبعضها مكون منذ ما يقارب القرن كالحزب الشيوعي (الذي ليس لديه خيمة خاصة إنما كان ينظم لقاءاته في الساحة). ومن أبرز هذه المجموعات حضورا، حزب مواطنون مواطنات (خيمة في موقف العزارية وطرابلس)، بيروت مدينتي (خيمة في موقف العزارية)، لحقي (خيمة في موقف العزارية)، وتكتل طلاب الجامعة اللبنانية الذي نشأ خلال حراك الجامعة في أيار 2019 (خيمة الجامة اللبنانية في ساحة رياض الصلح). أما الفئة الثانية، فشملت المجموعات والمبادرات التي نشأت مع اندلاع الثورة مثل “مدرسة المشاغبين” و”ساحة ومساحة” في طرابلس، بعدما تحولت الانتفاضة إلى فضاء يشجّع على التنظيم السياسي في صفوف المحتجين.

أما الفئة الثالثة، فهي ضمّت مجموعات نشأت قبل تشرين الأول 2017 ولكن أدخل عليها أعضاؤها تعديلات كبيرة في التسمية أو التنظيم أو الأهداف لمواكبة انتفاضة تشرين الأول. فمجموعة “الشعب يقاوم الفساد” بدأت كمجموعة أصدقاء والعديد منهم هم من أهالي بلدة بدنايل شاركوا في حراك إسقاط النظام الطائفي في 2011 وحراك طلعت ريحتكم في 2015. فبعد اندلاع الثورة تم إعادة تأطير وتنظيم المجموعة هذه تحت اسم “الشعب يقاوم الفساد”. وبالمثل بدأت مجموعة “بدنا وطن” كمجموعة حراكيين شاركوا في حراكي 2011 و2015 ولكن خفّت نشاطاتها بعد العام 2015 فأتت الثورة لتعيد تنشيط المجموعة ونشاطاتها. وقامت بعض المجموعات كحركة “صح” بتغيير اسمها وصورتها عبر الـ”rebranding” في ظل الثورة لتصبح تُعرف كـ”لبنان عن جديد” أو “Re-Lebanon“، وذلك “كرمال نقدر نتلاقى مع كل الأطراف من كل المناطق ومع كل الأطراف السياسية”[3] بحسب أحد المنظمين.

اختلاف التسميات ولكن الهدف واحد

اعتمدت معظم الخيم والمجموعات على نشاطات متشابهة من حيث الشكل: يقوم صاحب أو صاحبة إختصاص معين بالتحدث عن موضوع ضمن هذا الإختصاص ومن ثم يلحقه نقاش مع المشاركين حيث يقوم هؤلاء بطرح الأسئلة أو بمشاركة آرائهم. ومن الملفت استخدام كل مجموعة لمصطلح معين للتعريف عن نشاطها الحواري على الرغم من تشابه الشكل. فـ”مدرسة المشاغبين” التي استعارت شكلها، وفق ما يوحي به إسمها، من التنظيم المدرسي فضّلت استخدام مصطلح “حصّة” لهذه الجلسات. وسميت الحوارات “مساحة نقاش” من قبل مجموعتي “بيروت مدينتي” و”لحقي”، وهي التسمية التي تعدمدها “بيروت مدينتي” لحواراتها منذ نشأتها[4]، و”حوار تفاعلي” من قبل مجموعة “الشعب يقاوم الفساد” و”لبنان عن جديد” و”جلسة نقاش” من قبل الحزب الشيوعي و”ساحة ومساحة”. فجميع المجموعات لجأت إلى تسميات تتشابه من حيث اللجوء إلى مصطلحات “حوار” و”نقاش” وكأنها تؤكد على أولوية التفاعل مع المشاركين ومنحهم المساحة لطرح الأسئلة والتعبير عن آرائهم مقابل تسميات أخرى كـ”ندوة” التي تلمح إلى أن الأهمية معطاة للمتحدث. ويؤكّد عبيدة تكريتيمن “ساحة ومساحة”، كعدد من المجموعات الأخرى، أنه لا يجب أن تتعدّى مقدمة المتحدث العشر دقائق قبل أن تطرح أسئلة لكي تبقى الأهمية الأكبر مخصصة للنقاش.

ورغم تركيز هذا المقال على الحوارات مع أخصائيين كونها الشكل الأكثر رواجا، تجدر الإشارة إلى أن بعض المجموعات مثل “بيروت مدينتي” و”لحقي” عمدت خلال الأسبوع الأول من الثورة لتنظيم نقاشات مفتوحة، كما نظمت خيمة “لبنان عن جديد” open mic لمرة واحدة وعرضت خيمة ملتقى التأثير المدني “The Hub” فيلم “تدمر” وهو فيلم يستعيد أوضاع المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. ولكن سرعان ما انعدمت تلك النشاطات الأخرى لتجتاح الندوات خيم العزارية.

وفي طرابلس، فلم تفقد النقاشات المفتوحة زخمها بل خلق ناشطو “ساحة ومساحة” و”مدرسة المشاغبين” مبادرة مشتركة تحت إسم “منبر الثورة” تُنظَم ثلاث مرات في الأسبوع. يأتي هذا المنبر كمساحة مفتوحة  يُطرح فيها سؤال معين ليتسنى لأي فرد التعبير عن رأيه خلال دقيقة واحدة، شرط أن لا يتضمن أي تحريض أو مضمون عنصري أو طائفي. “عملنا منبر الثورة وقت صار الإقتراح أنو الناس بدها تحكي، يعني أوقات بيجو ناس بيحكو عن مواضيع ما خصها بالموضوع المطروح، قارتأينا أنو هول الناس بدنا نتركلن المجال أنو يجو يحكو فخلقنا منبر الثورة” كان تعليق جيمي كرم أحد منظمي “مدرسة المشاغبين”.

مساحة “تثقيف” وتفاعل وتعبير

خلال المقابلات مع منظمي الخيم، برز تشابه في أهداف الجلسات الحوارية في بيروت وطرابلس لمواكبة الثورة. أفادت كريستيل صفير من “لبنان عن جديد” لـ”المفكرة” أن الهدف الأساسي من هذه الحوارات هي التوعية، “ليصير الناس عندها فكرة عن المواضيع المهمة”. وبحسب ناهدة خليل من “بيروت مدينتي”: “بس الواحد بصير بيعرف خلص، بصير معني”. أفاد المحامي شريف سليمان أن حوارات “الشعب يقاوم الفساد” انطلقت لتلبية حاجة الناس لبلورة مطالبهم. “فبعد استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، كان من الضروري أن “تعمل نوع من التثقيف” وسط مطالب للثورة غير واقعية قانونياً ودستورياً لا سيما إسقاط رئيس الجمهورية وكافة أركان السلطة في الوقت عينه”. وبالإضافة إلى البعد القانوني/الدستوري، رأى المحامي سليمان أنه كان هناك حاجة لتفسير أسباب الأزمة الإقتصادية وتداعياتها وتفسير مصطلحات إقتصادية برزت في الشارع مثل haircut وcapital control. أبعد من ذلك، تسعى النقاشات إلى تعزيز قدرات المواطنين على طرح هذه المواضيع ومناقشتها مع الآخرين وبالأخص خارج الساحات. مثال على ذلك، خيمة الجامعة اللبنانية في ساحة رياض الصلح التي تسعى بحسب أحد المنظمين، إلى تمكين الطالب من مناقشتها في المجتمع.

بالإضافة إلى الجانب “التثقيفي”، أمّنت الخيم مساحة تجمع الأفراد وتولّد روابط فيما بينهم. فمن جهة، تؤكّد ماري روز رحمة من “لحقي” أن الهدف هو إطلاق حوارات بين ناس من مختلف الخلفيات والمناطق والطوائف بحيث ساعدت في “تقريب الناس من بعضها، راح حاجز الخوف”. في طرابلس، يفسّر عبيدة تكريتي أحد أهداف “ساحة ومساحة”: “الهدف نلتقى بناس بتشبهنا، كل الناس اللي نازلين على الثورة بيشبهوا بعضن بطريقة أو أخرى، هني مهتمين بنفس الأشيا وعندن نفس الطاقة وإلا ما كانوا التقوا تحت”. من جهة أخرى، سعت خيمة الجامعة اللبنانية في طرابلس لإيجاد روابط بين الطلاب المشاركين في الانتفاضة تحديداً كي تصبح الخيمة بوصلة لهم. بحسب أحد منظمي الخيمة عدنان آدم، “كان طلاب الجامعة اللبنانية في طرابلس في بداية الثورة “عم ينزلوا مفرطعين” إلى المظاهرات فأتت الخيمة كمبادرة لكي يتعرف الطلاب على بعضهم البعض كي يشاركوا في الانتفاضة سوياً بهويتهم الطلابية”.

أخيراً أتت الخيم وحواراتها لخدمة الثورة من ناحية تسهيل تعبير الثوار عن أفكارهم وتبادلها فيما بينهم. فمجموعة “لحقي” رأت حاجة بمعرفة “العالم كيف عم بتفكر”، وما هي مطالبهم، وما هي الهواجس لمعرفة كيفية بناء التحرك الشعبي. “كان بدنا ندس نبض الشارع، نشوف شو المطالب، احتياجات الناس ويصير في حوارات بيناتهم”[5]. وفي طرابلس مجموعة “ساحة ومساحة” سعت إلى استعمال النقاشات من أجل البحث في قضايا مثل كيفية التصعيد ضد السلطة.

تميّزت خيم “مواطنون ومواطنات في دولة” في العزارية وطرابلس عن باقي الخيم من حيث أنها هدفت بشكل أساسي إلى توضيح رؤية الحزب السياسية للناس.

كيف تحدد مواضيع النقاش؟

تشابهت المواضيع التي تناولتها المجموعات في نشاطاتها الحوارية إلى حد ما وشملت قطاعات ومقاربات متنوعة. وتبعا لمقابلة منظمين من إثني عشرة مجموعة، أمكن القول بأن هناك ثلاث طرق لاختيار المواضيع.

الطريقة الأولى تتمثل في سعي المنظمين إلى تقديم إجابات لتساؤلات الناس وحاجاتهم للمعرفة. في هذا الإطار، قالت رانيا المصري من “مواطنون ومواطنات في دولة” خلال المقابلة أن “صرنا نلاحظ الناس مش فاهمين شو معنى بلد مفلس، الناس مش فاهمين شو يعني أزمة مالية فنركز على هول المواضيع، بعدين بين أنو مش مفهوم شو يعني حكومة انتقالية فمنعمل جلسات عن هيدا الموضوع”. وأضافت “جلساتنا عم بكونو حسب الأسئلة الي عم ناخدها من الجمهور”. واتّبعت “بيروت مدينتي” المنطق عينه عندما بدأت المجموعة باختيار مواضيع انطلاقاً من المطالب المرفوعة في الساحات لشرحها، من حكومة انتقالية إلى استقلالية القضاء. أما مجموعة “الشعب ضد الفساد” فهدفت وفق منظميها إلى اختيار مواضيعها للتأثير على المطالب بدل من أن تتأثر بها. ف “تثقيف الحراكيين” يتمّ من خلال تزويدهم بالمعرفة اللازمة لترتيب أولوياتهم وصولا إلى أهدافهم. وركّز الحزب الشيوعي على مواضيع تصب في البيان الوزاري البديل الذي أعلنه الحزب بعد تشكيل الحكومة الأولى للعهد.

الطريقة الثانية والتي اعتمدتها بعض المجموعات كـ “ساحة ومساحة” والحزب الشيوعي فقد قامت على مناقشة مواضيع يقترحها ويختارها الناس مباشرةً من المنظمين.

الطريقة الثالثة، وهي بعض الحالات بحسب المقابلات، يحدد الموضوع باقتراح من صاحب أو صاحبة إختصاص، يوافق عليه منظمو الخيمة.

نقاشات لتنظيم الهجوم وأخرى لتنظيم الدفاع

تبعا لتوثيق المواضيع التي تم مناقشتها في ساحات بيروت وطرابلس، أمكن تصنيفها ضمن أربع فئات: مواضيع متصلة مباشرة بمطالب ومواقف الانتفاضة، ومواضيع متصلة بردود أفعال على السلطة، ومواضيع متصلة بضمان استمرارية الثورة، وأخيراً مواضيع اكتسبت زخما مع الانتفاضة.

مواضيع متصلة مباشرة بمطالب ومواقف الانتفاضة

تتضمن هذه الفئة مواضيع اقتصادية، اجتماعية، وسياسية ناقشتها المجموعات انطلاقاً من مطالب الانتفاضة. فهي مواضيع متعلقة مباشرةً أو غير مباشرةً بأولويات لازمت في معظمها انطلاقة الثورة ومطالبها والخطاب المنبثق عنها. وقد احتلّ عنوان  “الحكومة الإنتقالية” و”الحكومة القادمة” الصدارة أي حوالي 17% من الندوات المنعقدة في بيروت خلال الفترة التي تشملها هذه الدراسة. وكثرت هذه المواد خاصة في الأسبوع الذي سبق استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري كما الأسبوع الذي لحقها كثافة، حيث كانت تنظم الحوارات بصورة شبه يومية في عدد من الخيم. وقد تطرقت هذه الورشات إلى أولويات الحكومة المقبلة، معاييرها، شكلها، وكيفية تأليفها. ولا تزال تُنظَم حتى اليوم نقاشات حول هذا المحور ولو بوتيرة أقل.

كما تمّت عدد من النقاشات في خيم مختلفة حول ماهية النظام السياسي وسبل تطويره. وبخلاف طرابلس حيث بقي الحديث عن الدولة المدنية مقلا بفعل ما يثيره من حساسيات دينية، انعقدت في بيروت نقاشات عدة في هذا الخصوص. ومن أبرز عناوين هذه النقاشات: “بدائل عن الطائفية السياسية”، “المادة 95 من الدستور وإلغاء الطائفية”، و”الدولة العلمانية”. وشكلت هذه المواضيع المتعلقة بتغيير النظام الطائفي والبدائل عنه حوالي 12% من مواضيع المناقشة في بيروت ضمن هذه الفئة، أي أنها أتت في المرتبة الثالثة. أمّا “مدرسة المشاغبين” فامتنعت عن مناقشة مواضيع الدولة المدنية: “إذا بتحكين للطرابلسيين عن الدولة المدنية هيدا موضوع شوي حساس لأن في عندن الإلتزام الديني شغلة أساسية فمن الأفضل تجنب الموضوع لنضل نستقطب ناس”[6]. كما ركّزت عدد من الخيم على مرحلة ما بعد تشكيل الحكومة، وبشكل خاص على القوانين الإنتخابية والإنتخابات المبكرة مما قد يدل على تفاؤل الحراكيين بإعادة تكوين جميع أركان السلطة.

ومع تفاقم الأزمة الإقتصادية، وهي من أهم عوامل اندلاع الانتفاضة، برز اهتمام لافت بالسياسات الإقتصادية والمصرفية في البلاد. وهذا الإهتمام قد يفسّر كثرة النقاشات التي نظمتها المجموعات المشمولة في هذه الدراسة دون استثناء حول أسباب وتداعيات الأزمة الإقتصادية من جهة وتوجيهات للخروج منها من جهة أخرى، وبلغت نسبة المواضيع الإقتصادية حوالي 15% من المواضيع ضمن هذه الفئة المناقشة في بيروت. وفيما أمكن وضع العديد من المواضيع المطروحة خلال هذه الحوارات ضمن ردود الأفعال على التدابير المتخذة من السلطة، حرصنا على تناولها في هذا القسم بالنظر إلى قوة حضورها وتلازمها مع الانتفاضة التي سرعان ما عبّرت من خلال منابر مختلفة عن طروحات اقتصادية بديلة. ومن أول وأبرز هذه الطروحات هو البين الذي تقدم به عدد من أبرز الإقتصاديين اللبنانيين لبناء “اقتصاداً منتجاً ومستداماً لأكثرية اللبنانيين وليس للقلة منهم” في 21 تشرين الأول 2019. قدّم البيان ستة حلول لإحداث تغييرات في السياسات الاقتصادية بشكل عام للعبور نحو اقتصاد جديد منتج متطور وعصري ومستدام، ويؤمن فرص العمل اللائق والرفاه والتقدم للأكثرية وليس للقلة[7].

نظراً إلى أن الأزمة الإقتصادية هي أزمة مالية ومصرفية، خصصت العديد من النقاشات للحديث عن القطاع المصرفي وعلاقته الوطيدة بين مع السلطة. فبرزت نقاشات تحت عناوين كـ “سياسات مصارف لبنان والإفلاس”، “المصارف والأزمة الإقتصادية”، و”القطاع المصرفي” بموازاة تحركات شبه يومية في الأسابيع الأولى أمام مصرف لبنان وكثافة الشعار “يسقط حكم المصرف” الذي خرج من نطاق المجموعات اليسارية ليتبناه الشارع بشكل عام. فأصبح المصرف المركزي وجمعية المصارف محطات أساسية في المسيرات والمظاهرات بالإضافة إلى حملات تستهدفهم. ومن بعض الحملات العديدة، تلطيخ دهان أحمر يرمز للدماء على مدخل جمعية المصارف التي باتت تُعرف، بحسب اليافطة التي وضعت على باب المبنى من قبل الثوار، بعصابة أصحاب المصارف. وشملت الحملات الثورية فروع المصارف حيث اقتحمتها مجموعات لإلقاء خطابات ضد تعسف المصارف. بعض الاحتجاجات الأخرى أخذت طابعا غنائيا، وبعضها الآخر هدف لدعم المودعين الصغار في سعيهم لتحرير ودائعهم.

وتحت شعارات استعادة الأموال المنهوبة ومحاربة الهدر والفساد، تناولت بعض النقاشات الفساد المؤسساتي وآليات استعادة الأموال المنهوبة. كما تم تخصيص عدد من النقاشات للتحدث عن ملفات الفساد في قطاع الإتصالات ومجلس الإنماء والإعمار. وفيما تخلل هذه النقاشات استعراض للمسؤوليات الفردية لهذا الوزير أو المدير أو ذاك، فإن أيا من عناوينها لم يستهدف مباشرة شخصا أو حزبا بذاته. وما لم يحصل في نقاشات الخيم حصل في العديد من الاحتجاجات التي صوبت على منزل أو المؤسسات الخاصة لهذا المسؤول أو ذاك، كاستهداف بيوت أو مكاتب النواب أو محلات “باتشي” (طرابلس) والتي اقتحمها الثوار في الليلة الثانية من الانتفاضة فبلما يقومون بتوزيع الشوكولاتة على بعضهم. كما تجدر الإشارة هنا إلى أن قناة الجديد بثت في الأسبوع الثاني من الانتفاضة (31/10) حلقة “يسقط حكم الفاسد” وقد حظيت هذه الحلقة بمتابعة واسعة في صفوف المحتجين لدرجة إعادة بثها في ساحة الشهداء في بيروت، بعدما استعرضت ملفات فساد محددة من ملف الـ”زيتونة باي” إلى ملف الجمارك.

وفي موازاة هذه النقاشات، برزت مناقشة استقلالية القضاء على خلفية أنه لا يحتمل مكافحة الفساد بغياب استقلال القضاء. وعليه، شهدنا كثافة غير مسبوقة لندوات حول استقلالية القضاء وكيفية إصلاحه، من بيروت إلى طرابلس. وقد دفع هذا الإهتمام لجنة الإدارة والعدل إلى المباشرة نهار الثلاثاء 3/12/2019 في دراسة إقتراح قانون استقلالية القضاء وشفافيته والذي لعبت “المفكرة” دوراً أساسياً في وضع مسودّته الأولى.

بينما كانت الأكثرية الساحقة من المواضيع المتناولة في بيروت قضايا وطنية، عمدت مجموعتا “ساحة ومساحة” و”مدرسة المشاغبين” على مناقشة مواضيع ومطالب تطال مدينة طرابلس بشكل خاص، من ملفات إنمائية إلى البطالة والفقر في المدينة.

ردود فعل على خطاب وأفعال السلطة

بالإضافة إلى ما تقدم، برز عدد كبير من النقاشات كردة فعل على خطوات اتخذتها السلطة تفاعلا مع الانتفاضة أو في مسعى لاستيعابها. من أهم هذه النقاشات، النقاشات حول الورقة الإصلاحية التي أعلنها الحريري بعدما استمهل “الثورة” 72 ساعة لوضعها. وتضمنت هذه الورقة خمسة وعشرين بندا، منها بنود اتّصلت بتخفيض عجز الموازنة أو فرض ضريبة إضافية على االمصارف أو وضع مشروع قانون حول استرداد الأموال المنهوبة كما تضمنت بندا حول خصخصة أملاك الدولة وبندا آخر (مفاجئا) هو العفو العام من دون أي توضيح لجهة الجرائم التي قد يشملها أو مدى ارتباطه بالحراك. وبشكل خاص، أجمعت آراء القوى المعارضة عموما على أن هذه الورقة مجردة “من أية رؤية عامة و(أنها) تجاهلت المسائل الأساسية التي أدّت إلى تفاقم الأوضاع المعيشية والاجتماعية على النحو الذي وصلت إليه، واقتصرت في غالبيتها على توجيهات ووعود يترك تنفيذها للمستقبل”[8]. وكان أسرع النقاشات في هذا المجال، النقاش الذي بادرت إليه حركة “مواطنون ومواطنات في دولة” ليلة 20 تشرين الأول في ساحة رياض الصلح تبعتها عدد من النقاشات التي ذهبت كلها إلى تقديم الإثباتات الكافية على سطحيتها. فتبين أنها، كما غنّى الثوار على إيقاع أغنية “بلا شاو” (bella ciao)، “ورقة إصلاحات ما إلها عازي، بلها بشاي بلها بشاي بلها بشاي شاي شاي”.

من النقاشات الهامة الأخرى، النقاشات المتصلة بدعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري لعقد جلسة نيابية يوم الثلاثاء 12 تشرين الثاني 2019 بعدما برر الدعوة بتلبيته مطالب الحراك. وبالتدقيق، بدا أنه ورد على جدول أعمالها بندان في غاية الخطورة هما اقتراحا قانون العفو العام وإنشاء المحكمة الخاصة بالنظر في القضايا المالية. وخطورة الأول تكمن في أن العفو العام أخذ طابع المبدأ بحيث يستفيد الجرم (أي جرم) من العفو إلا الجرائم المستثناة والمذكورة صراحة، الأمر الذي يؤدي إلى شمل كم هائل من الجرائم، منها الجرائم التي يشتبه تورط السلطة الحاكمة بها، مثل الجرائم البيئية أو جرائم التهرب الضريبي وجرائم ديوان المحاسبة وجرائم التعذيب والتهويل والتهديد وتهريب الرساميل وإنشاء جمعيات أشرار إلخ[9]

أما بشأن المحكمة الخاصة، فقد تبيّن أنها تؤدي إلى إنشاء محكمة تابعة للمجلس النيابي الذي يعين كامل قضاة الحكم والتحقيق والنيابة العامة فيها، مما يضمن إفلات جرائم الفساد من العقاب أكثر مما يضمن مكافحتها.

وعليه، شهدت الأيام القليلة التي سبقت الجلسة المقررة كثافة في الجلسات الحوارية تحت عنوان “قانون العفو العام” و”الجلسة التشريعية” و”بروباغندا التشريع” في مختلف المناطق. فلعبت الحوارات دورا في نشر الوعي على خطورة الجلسة مما أدّى إلى تأجيلها قبل يوم من انعقادها بقرار من رئيس مجلس النواب. ومن اللافت أنه غداة تأجيلها للمرة الأولى، ظهرت فجأة في ساحة رياض الصلح خيم حملت شعار “العفو العام” وقد اتضح أنها قامت بمبادرة من أشخاص من الهرمل وبعلبك، بعضهم معروف بقيادته لمجموعة مسلحة (دمر المقداد). وقد تحوّلت هذه الخيمة إلى سبب لتوجيه رسالتين ضمنيتين: الأولى، أن إقرار العفو العام هو خلافا لما يدعيه بعض متحدثي الانتفاضة هو مطلب من مطالب الانتفاضة أو على الأقل أن أي معارضة لهذا القانون ليست معارضة للسلطة الحاكمة وحسب بل أيضا لجزء من الانتفاضة؛ الثانية، أن أي مسعى لتعطيل المجلس النيابي أو إغلاق أبوابه قد تجابه ليس من الأجهزة الأمنية، بل من مجموعات تريد هي إصدار قانون عفو عام. ومن هذه الزاوية، جاءت هذه الرسالة بمثابة فزاعة للناشطين وثنيا لهم عن الاعتراض على انعقاد المجلس النيابي. رغم جسامة هاتين الرسالتين، فقد استمرت النقاشات بالزخم نفسه الذي شهده الأسبوع السابق، ونجح المعترضون فعليا في إغلاق مداخل المجلس وتاليا في فرض تأجيلها يوم انعقادها (19 تشرين الثاني)، وقد خاض هؤلاء معركة في مواجهة مواكب النواب، علما أن مرافقي بعض هؤلاء عمدواـ إلى إطلاق نار في الهواء.

عمدت السلطة أيضاً عبر إعلامها على التخويف من اندلاع حرب أهلية جديدة[10]. وكردة فعل، نُظمت هنا أيضا حوارات حول الحرب الأهلية عبر مقاربات مختلفة، من مناقشة السؤال “هل انتهت الحرب الأهلية”، إلى مناقشة العوامل النفسية ما بعد الحرب الأهلية، إلى التساؤل حول كيفية تخطي خوف اندلاع حرب جديدة. وظهرت هذه المواضيع لمدة محدودة وبحسب البيانات التي أمكننا رصدها فقط في الأسبوعين من 6 إلى 20 تشرين الثاني. ونذكر أنه خلال هذه الفترة قُتل الشهيد علاء أبو فخر على حاجز أقامه المحتجون في 12/11/2019. كما أثار بناء حائط داخل نفق نهر الكلب جدل واسع في 13/11/2019، ولحقه في اليوم التالي تصريح لوزير الدفاع الياس بوصعب يقارن الأحداث الحالية بالتي سبقت حرب 1975. كما وقد جاءت مسيرة أمهات عين الرمانة والشياح بتاريخ 27 تشرين الثاني 2019 لتجابه فزاعة ما حصل قبل ليلة من المسيرة بين شباب المنطقتين من توتّر وتراشق للحجارة ما استدعى انتشاراً كثيفاً للجيش اللبناني عند تفرعات المنطقة[11]. فما أن وصلت المسيرة إلى الشياح، حتى علا التصفيق بين الشباب المتجهمرين على طرفي الطريق وبدأ نثر الأرز من على شرفات المنازل، وعلت الزغاريد في أجواء المنطقة[12].

وبمقارنة حجم النقاشات حول مواقف ومطالب الانتفاضة (حوالي 45% من مجمل المواضيع المناقشة في بيروت) بحجم النقاشات لمواجهة أفعال السلطة (حوالي 9% من مجمل المواضيع المناقشة في بيروت)، يظهر أن الانتفاضة بدت واعية لأهمية التركيز على مطالبها وأولوياتها دون الغرق في ردود الأفعال على تصرفات السلطة.

مواضيع تضمن استمرارية الثورة

من أبرز مخاوف الثوار، الخوف على استمرارية انتفاضتهم ومسارها. وتجلّى هذا الهمّ أيضا في الجلسات الحوارية بحيث كرّست الخيم عددا هاما من النقاشات حول مواضيع تعالج حاجات الثوار على الأرض بغية ضمان استمرارية انتفاضتهم. الجزء الأكبر من هذه الجلسات ناقش مباشرةً كيفية حماية “مستقبل” أو “استمرارية” أو “آفاق” الانتفاضة. فـ”مدرسة المشاغبين” نظمت حوارا تحت عنوان “استمرارية الثورة: تصعيد وتواصل مع المجتمع”، فيما نظمت لـ”حقي” نقاشا حول “الثورة من زمن المراهقة إلى مرحلة النضوج”. كما نظم “حوار الشباب” جلسة حول “التثقيف الإعلامي ومستقبل الثورة”. وتم التركيز حتى على الاستمرارية على المستوى الفردي مع ظهور جلسات مع أخصائيين نفسيين لمعالجة الصمود النفسي والتعايش مع عدم اليقين.

كما تم التركيز في الخيم على مواضيع تضمن تعزيز دور ومساهمة قطاعات وفئات اجتماعية في الثورة. ومنها جلسات نقاش حول “دور الطلاب والتلامذة في الانتفاضة”، و”دور الأكاديميين في الانتفاضة”، و”المرأة والثورة”، و”المهن الحرة في قلب الانتفاضة”. كما تم تزويد الثوار بمعلومات تفيد تحركاتهم من جلسات حول “القانون والتظاهر” إلى “التواصل بين الساحات”، إلى “أهمية التصوير والتوثيق”.

خلال جميع المقابلات التي قامت بها “المفكرة” مع منظمي النقاشات في بيروت وطرابلس، أوضح هؤلاء أنه مهما يكون الموضوع المطروح في جلسات الحوار، دائماً يُطرح سؤال “شو لازم نعمل؟” أو “وهلأ شو بدنا نعمل؟” من قبل الحاضرين. وقد استجابت خيم عدة لهذه التساؤلات من خلال تخصيص حوارات حول الخطوات المستقبلية ووسائل للتحرك. فتمت مناقشة استراتجيات فعالية الثورة، وسائل الناشطية اللاعنفية، وأساليب الثورة السلمية.

احتلت المواضيع التي تضمن استمرارية الانتفاضة المرتبة الثانية من مجمل المواضيع التي تمت مناقشتها في خيم بيروت وطرابلس، ولم تنحصر بفترة معينة بل ما تزال تناقش حتى اليوم. وتبقى كثرة هذه الحوارات قابلة للتأويل في اتجاهين: فمن جهة، يمكن اعتباره مؤشر ضعف من حيث الشكوك والخوف الدائم على الثورة. من جهة أخرى قد تكون ساهمت فعليا في تعزيز قدرات الانتفاضة على الاستمرار وتهدئة خوف العديد من المشاركين فيها.

قضايا اكتسبت أو ازدادت زخما مع الانتفاضة

مع اندلاع الانتفاضة في 17 تشرين الأول وبروز إهتمام غير مسبوق لدى المواطنين بمختلف القضايا الوطنية، اكتسبت العديد من المواضيع الإجتماعية والبيئية زخما لم تشهده سابقاً. فظهرت في الساحات ندوات حول والنفط والغاز والنقل العام والمياه. كما تم التركيز على قضايا اجتماعية مثل حقوق النساء، الأحوال الشخصية، حقوق المتقاعدين وحقوق المعوقين حركياً. واستعادت قضية الجامعة اللبنانية زخمها مع حوارات حول استقلاليتها وإشكالياتها من جهة، وحركة طلابها من جهة أخرى. أخيراً تم تسليط الضوء في حلقات الحوار على قضايا بيئة لا سيما قضية مرج بسري التي نالت زخما واهتماما غير مسبوق. وكنتيجة لذلك، تكاثرت التحركات الإحتجاجية ضد السد المقرر إنشاؤه رغم المخاطر البيئية، والجيولوجية، والإقتصادية تجلّت بمظاهرات ونشاطات ترفيهية في المرج، وأدّى الضغط هذا إلى سحب المقاول قسما من آلياته من المنطقة.

من خبراء إلى “نجوم” الخيم

سألت “المفكرة” منظّمي الجلسات الحوارية في بيروت وطرابلس عن المعايير المتبعة في اختيار أصحاب الإختصاص للتحدث في نشاطاتهم. وتبيّن أن المعايير تتشابه من جهة استقلالية ونزاهة صاحب أو صاحبة الإختصاص. فبالإضافة إلى المعيار البديهي بأن يكون المتحدث متمكنا يتمتع بالمعرفة العلمية والخبرة في الموضوع الذي سيتناوله، يجب أن يكون “نضيف”[13] و”مستقل بممارسته ورؤيته”[14] و”يكون فكره بيتماشى مع فكر الثورة”[15]. أما ـ”مواطنون ومواطنات في دولة” فقد أضافوا معيار أكثر تحديداً لاختيار المتحدثين في نقاشاتهم فيجب أن يكونوا رفقاء اختصاصيين للحزب[16]. بما يخص النشاطات في طرابلس، شدّد جيمي كرم من “مدرسة المشاغبين” على معيار إضافي وهو أن يكون المتحدث المختص يتفهم الواقع والسياق الطرابلسي.

وأظهر المحامي شريف سليمان انفتاح “الشعب يقاوم الفساد” على فكرة استقبال أصحاب اختصاص محزبين في سبيل الحوار: “منبحث عن أكاديمي متمكن لديه معلومات علمية حتى لو بدي استضيف حدا محزب، لازم نسمع أطروحتهم ونسمعهم ونسَمّعهم أطروحتنا”. وبحسب المحامي أحمد حسن من خيمة “بدنا وطن” في العزارية، ليس هناك أي مشكلة مع الإنتماء الحزبي للمتحدثين شرط ألا يكون يدافع عن السلطة. مجموعات أخرى مثل “لبنان عن جديد” امتنعت عن استضافة أي مختص شارك في الحكم بعد حادثة حصلت عندما استضافت أحد النواب السابقين من أحزاب السلطة فتم انتقاد المجموعة المفترض أن تكون “مستقلة”[17].

ومع بروز مواضيع تهم الثوار، برز معها مجموعة متخصصين أصبحوا نوعا من “نجوم” الخيم، فأصبح هؤلاء يتنقلون من خيمة إلى أخرى خلال الانتفاضة للتحدث عن قضايا تدخل ضمن اختصاصهم، داخل بيروت أو خارجها، لتصبح محاضراتهم نوعا من أداء يعيدونه ويعدلون به لتفادي التكرار أو لكي يتأقلم خطابهم مع جمهور محدد. وأكّد بعض المنظمين أن هذه الأسماء أصبحت تجذب المواطنين إلى جلسات الحوار بفضل معرفتهم الواسعة في مجال اختصاصهم و”نفسهم من نفس الشارع والحراك”[18]. واعتبر سمير سكيني من قطاع الشباب والطلاب في الحزب الشيوعي أن بروز “النجوم” هو دليل على أنه هناك إختصاصيون قادرون على أن يستلموا ملفات ويفيدوا الشعب فيها، أي هناك طاقات قادرة على التغيير[19]. “الإسم الّي مش معروف ما بجيب العالم، في كتير خيم نقاش، حدى معروف بيستقطب عالم” كان تعليق كريستيل صفير. ولكن أضافت أن هذه الظاهرة غير خالية من الإشكاليات حيث تكرار جلسات المختصين “المشهورين” بين الخيم قد يؤثر سلباً على الحضور. ويلحظ أن مجموعة “ساحة ومساحة” تجنبت وفق ما أفادتنا به استضافة المختصين المشهورين ليبقى التركيز على الموضوع المناقَش وليس المتحدث.

جمهور الخيم الوفي والمتجدد

شهدت جميع الخيم نمطا مماثلا من المشاركة في نشاطاتهم الحوارية. فأصبح لكل خيمة نواة أساسية مؤلفة من مجموعة صغيرة تشارك بالحوارات بكثافة، أي “الدوّيمين”[20]، و تبقى الأكثرية من بقية المشاركين عبارة عن وجوه جديدة تتغير. بحسب تقديرات رانيا المصري هكذا توزع المشاركون في نقاشات خيمة “مواطنون ومواطنات في دولة” في موقف العزارية: “10% بيجو كل يوم، 40% هنّي نفس الوجوه تقريباً، و50% ناس جداد”. فأصبح لكل خيمة أو مجموعة نوع من جمهور دائم مصغر بموازاة استقطاب وجوه جديدة.

اختلفت أجوبة المنظمين حول عمر وخلفية المشاركين في نشاطاتهم. فخيمتا الجامعة اللبنانية في بيروت وطرابلس استقطبتا طلاب الجامعة بشكل أساسي. ماري روز رحمة من “لحقي” تقدر أن معظم الذين شاركوا في مساحة نقاش المجموعة هم غير محزبين “وإذا في محزبين ما بشاركوا بالحديث فما منعرف”. أما منظمو “ساحة ومساحة” و”مدرسة المشاغبين” فشدّدوا على أن المشاركين في نشاطاتهم هم من مختلف الطبقات الإجتماعية والطوائف ومستوى العلم. بما يخص الفئة العمرية يظهر تفاوت بين الخيم. فخيمة “The Hub” استقطبت عموماً أفرادا في الثلاثينات وما فوق بينما “الشعب يقاوم الفساد” استقطبوا فئات شابة بشكل أساسي من حيث “هيدا الحراك هو حراك جيل الـ90”[21]. قد يتأثر عمر وخلفية المشاركين بين جلسة وأخرى في الخيمة عينها على أساس موضوع النقاش. فتفسر ناهدة خليل من “بيروت مدينتي” أنه شارك في نقاش حول الأمن الغذائي عدد كبير من الزراعيين وأخصائيي زراعة، فهؤلاء ربما لم يشاركوا بالحوارات السياسية أو الاقتصادية مثلاً.

أما بما يخص عوامل المشاركة (أو

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، حراكات اجتماعية



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني