التعليم عن بعد في جامعات لبنان قيد التجربة: محاولات لإنقاذ العام الدراسيّ في ظلّ أزمة الكورونا


2020-04-17    |   

التعليم عن بعد في جامعات لبنان قيد التجربة: محاولات لإنقاذ العام الدراسيّ في ظلّ أزمة الكورونا

فرض قرار التعبئة العامّة منذ أن طبّقته الحكومة اللبنانيّة في 15 آذار الماضي إغلاقاً لجميع الجامعات في لبنان. وحرصاً على متابعة العام الدراسيّ في ظلّ الحجر المنزليّ، اعتمدت الجامعات وسائل عدّة لمتابعة التدريس، ولكن عن بعد، أي عبر الإنترنت. واعتمدت الجامعات والكليّات برامج أو تطبيقات إلكترونيّة مختلفة لمتابعة الفصل الثاني من العام الدراسيّ 2019-2020. ولكن هذا التغيّر المفاجئ الذي طرأ على طريقة التعليم لم يمرّ بسلاسة على شريحة كبيرة من الطلاب لاسيّما المنتسبين إلى الجامعة اللبنانيّة، بسبب وضعهم المادّي والمعيشيّ وعدم تمتّع بعضهم بالحدّ الأدنى من البنى التحتيّة التي تمكّنهم من إكمال عامهم الدراسيّ عن بعد، من كهرباء وإنترنت وكمبيوتر. ويعيد ذلك إلى الواجهة مسألة الحقّ في التعلّم أو المعرفة الذي يُحرم منه عدد كبير من الطلّاب، وتفتح طريقة التعليم الجديدة هذه النقاش حول مدى جهوزيّة الجامعات من إدارة وأساتذة وطلّاب لتأمين المستوى التعليميّ نفسه، في ظلّ وسائل جديدة لم تختبرها سوى بعض الجامعات الخاصّة، وفي موادّ تدريسيّة محدودة. ولا يغيب التعلّم الذاتيّ الذي يضطرّ الطلّاب إلى اللجوء إليه للإلمام بكافّة المعلومات لحين عودتهم إلى الصفوف. ورغم متابعة الدروس، يبقى مصير العامّ الدراسيّ مجهولاً عند معظم الجامعات في ظلّ عدم وضوح المدّة التي ستستغرقها التعبئة العامّة لمواجهة أزمة الكورونا.

يروي بعض طلّاب وأساتذة الجامعات اللبنانيّة والخاصّة لـ"المفكّرة القانونيّة" تجاربهم ومشاكلهم مع التعلّم والتعليم عن بعد التي تختلف باختلاف الجامعة أو الكليّة أو الأساتذة وباختلاف أوضاعهم العائليّة والماديّة. وما زال الطلاب والأساتذة يختبرون الطرق الأفضل في التعلّم والتعليم ويرتجلون في الكثير من الأحيان لتعويض ضعف الإنترنت.

اختيار برامج التدريس

تعتمد البرامج والتطبيقات التي استخدمتها معظم الجامعات على تقنيّة الفيديو والصوت، بحيث يمكن للمدرّس أو المدرّسة أن يفتح صفّاً افتراضيّاً يشارك فيه الطلّاب. وتزوّد بعض البرامج مثل webex meeting تقنيّة اللوح الأبيض بحيث يمكن أن يحصل الشرح عليه ويتسنّى للجميع مشاهدته. وفي تلك البرامج أيضاً تقنيّة تسمح بتسجيل المحاضرة كاملة بحيث تبقى موجودة في متناول الطلّاب للعودة إليها لاحقاً في حال احتاجوا أو في حال عدم حضورهم الصفّ. ويمكن أن تتشارك المدرّسة صوراً وفيديوهات معيّنة تظهر مضمون المحاضرة مع طلّابها.

ولكن البرامج المستخدمة في الجامعات اللبنانية مثل Microsoft teams أو webex أو zoom، ليست مصممة بشكل خاصّ للتعليم عن بعد، بل هي للاجتماعات الافتراضيّة أو لتسهيل بعض الأعمال عن بعد. تقوم الجامعة عادة بشراء بعض البرامج المذكورة أو غيرها ليتمكّن جميع طلابها من استخدامها، أو تترك حرية استخدام أحد البرامج المجانيّة. وكانت شركة microsoft فتحت في أواخر آذار الماضي برنامج الاجتماعات  Microsoft teams مجانّاً للمتعلّمين والمعلّمين. واقترحت إدارة الجامعة اللبنانيّة اعتماده في التدريس عن بعد، وقامت الكليّات بتوزيع بريد إلكترونيّ خاصّ لكلّ طالب/ة وأستاذ/ة جامعيّ/ة حتى يتمكّنوا من التسجيل في البرنامج.

يقول الدكتور عماد بشير مدير كليّة الإعلام-الفرع الأوّل في الجامعة اللبنانيّة، لـ"المفكرة" إنّ الأمور تمّت بدون تعقيدات في التعامل مع برنامج Microsoft teams، بالتعاون مع المعلوماتيّين في الإدارة ومع أحد الأساتذة الذي صوّر 7 حلقات يفصّل فيها طريقة استخدام البرنامج، بحيث يكون تعلّمه سهلاً على الأساتذة. ويضيف بشير أنّ "التعليم عن بعد" ليس مشّرعاً في قانون الجامعة اللبنانيّة، وما يحصل الآن هو إجراء مؤقّت واستثنائيّ تُطوّع من خلاله التكنولوجيا لتعويض الغياب القسري للطلّاب والأساتذة عن الجامعة.

ولكن الأساتذة الذين تحدّثت إليهم "المفكرة" أكّدوا أنّهم لا يعتمدون فقط على هذه البرامج بل يرتجلون في الكثير من الأحيان، فمنهم من يلجأ إلى إرسال رسائل نصّية أو صوتية عبر واتساب لتعويض انقطاع الإنترنت أو ضعفه أو عدم توفّره عند بعض الطلاب، والبعض الآخر يقوم بتسجيل نفسه يشرح الدّرس ويرسله عبر الإيميل كي يضمن أن يصل إلى جميع الطلاب إضافة إلى توزيعهم مواد بصرية ومصوّرة وغيرها لتعويض غياب التفاعل المباشر.

 

الحقّ في التعلّم (عن بعد) غير مضمون لجميع الطلاب

يقول د. بشير إنّ الشكاوى الأساسيّة التي تصل إلى الإدارة من الطلّاب تتمحور حول ضعف البنى التحتيّة في لبنان من إنترنت وكهرباء، بالإضافة إلى ارتفاع كلفة الاتّصال عبر الانترنت وبالطبع عدم امتلاك الكثير من الطلاب "لابتوب" أو تلفوناً حديثاً يمكّنهم من استخدام البرامج المتّبعة في التعليم الآن. ولكنه يلفت إلى أنّ وتيرة الشكاوى خفّت بحيث أصبحت "لا تعدّ" بعد 4 أسابيع من بدء التجربة، بحسب بشير.

وبالفعل اشتكى معظم الطلّاب الذين تحدّثت إليهم "المفكرة" من وضع الإنترنت في لبنان، حيث يعانون من انقطاع متكرّر وضعف في الشبكة، ممّا يؤثّر على وتيرة وجودة الحصّة الدراسيّة أو المحاضرة. ولكن الأسوأ من ذلك أنّ بعض الطلّاب في الجامعة اللبنانيّة غير قادرين على تأمين الإنترنت في منازلهم، هذا إن توافرت الكهرباء بشكل كامل أيضاً. وقبل كل ذلك، ليس بمقدرة جميع الطلاب شراء حاسوب، ما يطرح مسألة الفروق الطبقية التي تحرم شريحة من الطلاب من حقّ أساسي هو الحق في التعلّم.

وثمّة شريحة من الطالبات والطلاب العاملين الذين فقدوا أعمالهم نتيجة إغلاق المؤسسات التي كانوا يعملون فيها بسبب قرار التعبئة العامة أو الأزمة الاقتصادية، أو نتيجة صرفهم من العمل، وبالتالي تراجعت قدرتهم المادية، أو لم يعودوا قادرين على دفع بدل إيجار شققهم فعادوا إلى قراهم حيث شبكة الإنترنت ضعيفة.

تقول روبيس وهي طالبة مسرح في كليّة الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانيّة لـ"المفكّرة" إنّ الإنترنت هو العائق الوحيد أمام بعض زملائها الذين لا يستطيعون حضور الصفوف، فتقوم بإرسال تسجيل صوتيّ على "واتساب" يعطيهم ملّخصاً عن محتوى الصفّ. وتضيف أنّ من لا يستطيع الوصول إلى الإنترنت، لن يستطيع الوصول إلى التعلّم والمعرفة. المشكلة نفسها لمستها الأستاذة في كليّة العلوم في الجامعة اللبنانيّة وفاء نون التي صرّحت لـ"المفكّرة" أنّ بعض طلّابها في البقاع غير قادرين على مشاركة زملائهم في تجربة التعلّم عن بعد لأسباب لها علاقة بوضعهم المعيشيّ، لذلك تقوم هي بطبع المحاضرات أو الشرح وتوصيلها إلى منازلهم، مؤكّدة أنّ الخيارات لحلّ هذه المشكلة محدودة جداً. وتعتبر نون أنّ التعليم عن بعد في الجامعة اللبنانيّة يزيد التهميش الاجتماعيّ رغم أنّ الجامعة قامت في الأساس كصرح مناهض للتمييز وعلى مبدأ مجانيّة التعليم والحقّ في التعلّم.

قد تحلّ تقنيّة تسجيل المحاضرات مشكلة انقطاع الكهرباء والإنترنت، إلّا عند بعض أساتذة الجامعة اللبنانيّة الذين يرفضون، بحسب بترا وهي طالبة علم نفس، أن يسجّلوا محاضراتهم بحجّة حماية حقوقهم الفكريّة، أو خوفاً من استخدام الطلّاب لصورة الأستاذ أو تسجيله.

ويبقى طلّاب الجامعات الخاصّة أكثر امتيازاً من غيرهم بالحقّ في التعليم من جهة نظراً إلى كون معظم هؤلاء من أسر ميسورة، ومن جهة أخرى لأنّ جامعاتهم قدّمت لهم تسهيلات لضمان قدرتهم على متابعة التعلّم عن بعد. فمثلاً قدّمت الجامعة اللبنانيّة الأميركيّة لكلّ طالب وطالبة 90 دولاراً لمدّة شهرين لتأمين اشتراكات الإنترنت على هواتفهم وحواسيبهم (30 جيغا بايت في الشهر)، أمّا طلّاب الجامعة اللبنانيّة وعددهم كبير مقارنة بطلاب الجامعات الأخرى فيبقون الأكثر عرضة للحرمان من الحقّ في التعلّم.

 

محاولات حثيثة للمحافظة على التفاعل

يقول غسّان سحّاب، أستاذ الموسيقى في الجامعة الأنطونيّة والجامعة اللبنانيّة الأميركيّة، إنّ التجربة الحالية في التعلّم عن بعد تخفّف من نسبة الإفادة مقارنة بالتعليم في الجامعة حيث النقاش والتأثير والتفاعل أكثر. لذلك فالتحدّي يكمن في بذل مجهود أكبر لعدم ظلم الطالب، وضمان اكتسابه لمحتوى المادّة. وتشير نون إلى أنّ الصعوبة في هذا النوع من التعليم تكمن تحديداً مع طلّاب السنوات الأولى في كليّة العلوم كونهم يتعرّضون لمفاهيم علميّة جديدة ولبعض المواد "الدسمة". وتضيف أنّ شرحها للموادّ يعتمد بشكل أساسيّ على النقاش مع الطلّاب الذي لا يمكن أبداً التضحية به، لذلك تقوم بالبحث عن سبل لزيادة النقاش على برامج التدريس الجديدة.

مشكلة ضعف الإنترنت أساسية في مسألة التفاعل إذ يتعذّر إجراء تواصل مرئي ومسموع في الوقت نفسه بين الطلّاب والأساتذة وأحياناً يكون الصوت متقطّعاً أيضاً.  

ويقول فراس، طالب إدارة أعمال في الجامعة العربيّة، إنّ مستوى التركيز لديه يتراجع وبالتالي لا يحصل على النتيجة ذاتها كما كان في الصفّ. ويشتكي أيضاً من اختفاء النقاش الذي كان يدور في الصفّ، حيث يسمح الأستاذ للطلاب فقط أن يطرحوا بعض الأسئلة حول الشرح، من دون إتاحة المجال للنقاش. ويلاحظ سمير، طالب في كليتي الفنون والآداب في الجامعة اللبنانيّة، أنّ تعامل الطلاب مع التجربة يختلف ولكن صعوبة التركيز هي السمة الأكبر نتيجة تغيّر طريقة التعليم وبالتالي يكون التفاعل معدوماً أو قليلاً في أحسن الحالات. ويشير أيضاً إلى أنّ عدم الشرح على اللوح هو مشكلة للبعض لأنّ بعض الأمور من الصعب توضيحها عبر الفيديو. وتشكو تيا، وهي طالبة في الجامعة اليسوعيّة من صعوبة الوصول إلى مراجع أساسيّة للأبحاث لأنّها موجودة فقط في الجامعة، في حين لا يتوفّر بديل عنها في الوقت الحاليّ.

وتشير بترا طالبة علم النفس في اللبنانيّة إلى صعوبة في التواصل بين الأستاذ والطلّاب وبين الطلّاب فيما بينهم في ظلّ دخولهم إلى صفّ افتراضيّ للمرّة الأولى: "التفاعل غريب ولكن علينا أن نتعامل معه". ولكنّها لا تنكر إيجابيّة وصول المعلومة إلى منزل الطالب بحيث تلغى جميع ظروف التوتّر المحاطّة بالذهاب إلى الجامعة من زحمة سير وتأخّر عن الصفّ. إضافة إلى ذلك، لدى الطالب إمكانية البحث فوراً عن معلومة معيّنة على الإنترنت أثناء الشرح.

وينتقد عدد كبير من الطلاب بينهم بترا طريقة الشرح التي يتبعها بعض الأساتذة الذين يقرأون المرجع أمامهم من دون أي تفاعل مع الطلّاب، في حين يستطيع الطلّاب القيام بذلك بدون مساعدة الأستاذ. وهؤلاء هم إجمالاً من الأستاذة الأكبر سنّاً الذين يجدون صعوبة في التعامل مع التكنولوجيا الحديثة. وهذا ما دفع بعض الطلاب بينهم ريم وهي أيضاً طالبة علم نفس إلى الإمتناع نهائياً عن حضور الصفوف الإفتراضية والإكتفاء بالحصول على المقرر على pdf.    

 

ماذا عن الموادّ العمليّة والمخبريّة؟

فرض التعليم عن بعد بالشكل الذي يتخذه حالياً في لبنان إلغاء الموادّ العمليّة والمخبريّة لطلّاب العلوم والهندسة وبالطبع طلاب الفنون الجميلة، بخاصّة أنّ معظم اختصاصات الكليّة من نحت ومسرح وأداء يحتاج لتواجد الطلّاب والأستاذ معاً. وتشير روبيس طالبة المسرح إلى أنّ بعض الصفوف يحتاج إلى النقاش مع الأستاذ، ولكن البديل يكون تسجيلاً صوتيّاً على تطبيق واتساب. أمّا نسرين، وهي طالبة هندسة (في السنة الأخيرة) في الجامعة الأميركيّة في بيروت، فتشير إلى أنّ الحصص العمليّة المتعلّقة بمشروع تخرّجها قد ألغيت، وأصبح على الطلاب العمل بمفردهم، حيث يمكنهم فقط أن يسألوا الأستاذ بالطرق المتاحة. وعُلّق عمل طلّاب العمارة على مشاريع تطلب مجسّمات وموادّ معيّنة. أمّا بالنسبة للموادّ المخبريّة، فيقتصر الأمر على إرسال أستاذ المختبر لفيديو يشرح ما كان على الطلاب فعله في الجامعة، وبالتالي إذا احتاج الطالب الاستفسار عن شيء غير مفهوم، يضطر لانتظار أستاذ المختبر ليردّ على سؤاله عبر البريد الإلكتروني، وقد يتأخر الأمر يوماً أو يومين لينال الطالب الجواب على استفساره. 

تعلّق د. وفاء نون على موضوع تزويد الطلّاب بفيديوهات كبديل عن العمل في المختبر معتبرةّ أنّه يحرم الطالب من أمرين أساسيّين هما تحديد النتيجة التي وصل إليها خلال عمله المخبريّ، وكيفيّة استخدام هذه النتيجة. كما أنّ تجربة الطالبة في المختبر تفتح مجالاً لزيادة معرفتها من خلال التوصّل إلى النتيجة بنفسها وتحليلها. 

 

جهود مضاعفة من الأساتذة للحفاظ على تركيز الطلّاب

يقول ربيع بركات، وهو أستاذ محاضر في الجامعة الأميركيّة في بيروت، لـ"المفكّرة" إنّ على الأساتذة تفهّم ظروف الطلّاب اللوجيستيّة والمادية والنفسيّة التي تأثرت بسبب الحجر أو الوضع الاقتصادي المتردّي. ويذكر بركات أنّ أبرز السلبيّات في التعليم عن بعد هو أنّ الطلّاب لم يعودوا منسجمين في الصفوف مثل ما كانوا في السابق، فمن ضمن 21 طالباً تقريباً، أصبح عدد المشاركين حوالي 16 أو 17 طالباً، وثلاثة منهم فقط يقومون بفتح الكاميرا والتفاعل مع الصفّ.

وتوضح سحر شرارة أستاذة الصحافة والعلاقات العامّة في الجامعة اللبنانيّة الدوليّة أنّ غياب التفاعل المباشر يحتّم على الأساتذة البحث عن أدوات ومواد جديدة لتعويض ذلك، إذ لا يمكن تعليم المواد بذات الطريقة التي كانت تستعمل في الصف. وهي من جهتها تنوّع في الوسائط والأدوات والمضمون أثناء حضيرها الدروس. فبالإضافة إلى شرحها الدرس بنفسها، بدأت تضيف المزيد من الصور والموادّ البصريّة والأمثلة التفاعليّة والشرائط المصوّرة، من جهة لضمان جذب انتباه الطلّاب ومن جهة أخرى لتعويض التفاعل المباشر وفي بعض المواد لتعويض عدم تمكّن الطلّاب من النزول لإعداد تقارير. وتشرح شرارة كيف يتغيّر التقييم بتغيّر الهدف من المساق، فأصبحت تطلب من طلّاب الصحافة تحليل مقابلات جاهزة أو تحليل أسئلتها وذلك كبديل عن إجرائها.

وتؤكّد مها زراقط، وهي أستاذة جامعيّة في كليّة الإعلام في الجامعة اللبنانيّة، أيضاً على أنّ "غياب التفاعل المباشر هو السمة الأساسية للتعليم عن بعد"، لاسيّما أنّ عدد الطلّاب في الصفّ الواحد يتخطّى الخمسين أحياناً. فمثلاً، السؤال الذي كان يستغرق ربع ساعة من الجدل في الصفّ المباش لا مكان له في صفوف الأونلاين، فأصبح الطلّاب يكتفون بما تقوله هي في محاضراتها عبر الإنترنت. وهذا حتّم عليها بذل جهد مضاعف في تحضير الدروس ولكنّها تعتبر أنّ طلّابها أصبحوا أكثر جدية يوماً عن يوم خلال التعليم عن بعد وأحياناً أكثر ممّا كانوا في صفوف التعليم المباشر.

وتتحدّث شرارة عن صعوبة ضبط الصفوف عن بعد، فأحياناً تطرح سؤالاً خلال الصفوف المباشرة (صوت وصورة) من دون أن تتلقى ردّاً من أحد منهم. وتضيف أنّ التعليم عن بعد أخفى العلاقة الإنسانيّة التي كانت تحصل مع الطلّاب وجها لوجه، وأخفى بدوره خصوصيّتها كأستاذة، بحيث أصبحت تعلّم كلّ الوقت، وهي في منزلها وبين عائلتها.

مشكلة أخرى أشار إليها العديد من الأساتذة والطلاب وهي التضارب في مواعيد الصفوف، فعلى الرغم من أنّ بعض الإدارات طلبت من الأساتذة الإبقاء على مواعيد الصفوف كمان كانت في الجامعة، عمد بعض الأساتذة إلى تغيير أوقات صفوفهم أو تحديد أوقات امتحانات لطلّابهم تتضارب مع مواعيد صفوف غيرهم.

ورغم المشاكل التي يعايشها الأساتذة والطلّاب، يرى د. بشير في هذه التجربة هي فرصة للطلّاب والأساتذة ليدخلوا إلى قواعد البيانات التابعة للجامعة اللبنانيّة للاستفادة من بيانات المعلومات للأبحاث والامتحانات، ولتقوية مهارة البحث عند الطلّاب. ويفترض أن تفتح التجربة على تشريع يسمح بالتعليم عن بعد في الجامعة اللبنانيّة ويفتح أفقاً واسعاً لتعليم كلّ اللبنانيّين وغير اللبنانيّين، بخاصّة أنّ مهمّة الجامعة هي إتاحة التعليم للناس سواء عن قرب أو بعد.

تغيير في طرق التقييم يبشّر بإنقاذ الإمتحانات النهائية أيضاً

ما زال مصير الامتحانات النهائية غير واضح في معظم الجامعات بانتظار انتهاء فترة التعبئة العامّة وأزمة انتشار الكورونا قبل الصيف. ولكن ثمة إجماع على ضرورة إنقاذ العامّ الدراسي، وقد غيّرت بعض الجامعات طريقة تقييمها للطلّاب والامتحانات من أجل تحقيق ذلك. فمن المرجح أن تعتمد الجامعة العربيّة مثلاً نظام نجاح-رسوب أو pass-fail بحيث يكتفي تقييم الطالب في موادّه بنجاحه أو رسوبه، بدون تحديد علامة له. 

أما في الجامعات التي تعتمد في نظامها على امتحانات خلال الفصل، فبدأت الامتحانات تأخذ شكل أبحاث أو امتحانات عن بعد أيضاً، مع وسائل محدّدة كمحاولة لمنع الغشّ. في العربيّة، يطلب من الطلاب أن يجلسوا أمام كاميراتهم ليتأكد الأستاذ من عدم الغشّ ويكون لديهم وقت محدّد لإنهاء الامتحان وتسليمه، كما يطلبون من الطلاب ارتداء ثياب لائقة. وتتحدّث نسرين عن امتحانات مماثلة في الجامعة الأميركيّة، بحيث اعتمد بعض الأساتذة نظام تحضير ثلاثة أشكال من الامتحان تختلف فيها الأسئلة للحدّ من الغش وطلب من الطلّاب فتح الكاميرات في منازلهم والتأكيد أنّهم منفردون في غرفة. ورغم ذلك لا يزال الطلّاب يجدون سبلاً لأخذ الأجوبة من زملائهم. ويتحدّث غسّان سحّاب عن أساليب متنوّعة لتقييم طلّابه بين تقديم شفهيّ لكلّ طالب على حدة، أو تقديم خطيّ مع وقت معيّن، أو مشروع. ولكن لن تكون هذه الأساليب سهلة لصفوف كبيرة كما هي الحال في الجامعة اللبنانيّة. ولكن في جميع الأحوال قد تشكّل هذه التجارب مدخلاً إلى إنقاذ الإمتحانات النهائية ومعها العام الدراسي.

 

خلاصة

الواضح أنّ التوجّه هو نحو عدم الإستسلام لهدر العام الدراسي كما أجمع الأساتذة الذين تحدثت إليهم "المفكرة" والذين يعملون على قاعدة "إن لم يكن ما تريد فأرد ما يكون" أي يستعملون ما هو متاح بين أيديهم لتقديم الدروس بأفضل ما يمكن. فهؤلاء يحاولون قدر الإمكان تعويض ضعف الشبكة وعدم جهوزية البرامج التي يعلّمون عليها لهذا النوع من التفاعل، بينما يحاول الطلّاب أيضاً الاعتماد على ما يقدّمه الأساتذة وعلى أنفسهم وعلى زملائهم للتعويض عن المشاكل التقنية أو اللوجستية التي تشوب هذا التجربة بشكل عام.

ولكن الإجماع الأكبر بين الطلاب والأساتذة هو أنّه لا يوجد بنية تحتية سليمة للجزم بنجاح تجربة التعليم عن بعد في لبنان، تضاف إلى أنّ معظم الأساتذة غير مدرّبين على البرامج المستخدمة وثمة فئة كبيرة منهم ليست صديقة مع التكنولوجيا ووسائل التواصل الإجتماعي. وبالتالي هناك فرق في الكفاءات بين أستاذ وآخر وجامعة وأخرى ينعكس على جودة التعليم عن بعد الذي يحصل عليه الطلاب ويمسّ بشكل أساسي بحق أساسي من حقوق الإنسان وهو الحق في التعليم.  

 
انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، الحق في الصحة والتعليم



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني