التحقيقات في مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية في لبنان


2018-12-06    |   

التحقيقات في مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية في لبنان

عملت “المفكرة” على توثيق استدعاء 8 أشخاص إلى مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية منذ حزيران 2018. سبعة استدعاءات أتت على خلفية نشر آراء على “فايسبوك” فيما كان الثامن بسبب مقال نشر على أحد المواقع الإلكترونية. توزعت الحالات كالآتي: أربع حالات اتصلت بتصريح اعتبره محام والمركز الكاثوليكي للإعلام بأنه يشكل “إساءة للدين”، حالتان اتصلتا بانتقاد صحافية وناشط لمرشحين في الانتخابات النيابية الأخيرة، حالة اتصلت بحملة إلكترونية شارك فيها ناشط ضد شركة خاصة على خلفية ما رآه مخالفة جسيمة للقانون، حالة اتصلت بنقد وجهه صحافي إلى رئيس حزب لبناني على صفحته على “الفايسبوك”.

تلقى هؤلاء اتصالا هاتفيا من محقق في مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية طلب منهم الحضور إلى المركز دون شرح الأسباب. لم يرفض أحد المثول على الرغم من وجود ثلاثة صحافيين من بين المستدعين. كان بإمكان هؤلاء الامتناع عن الحضور والإصرار على استماعهم أمام قاض من النيابة العامة عملا بتفاهمات بين نقابتي الصحافة والمحررين والنيابة العامة التمييزية، إلا أنهم لم يفعلوا لأسباب مختلفة. قيل لإحدى الصحافيات أن عليها التوجه إلى التحقيق لأنها لا تحمل بطاقة صحافة. فيما حللت الثانية أن السبب يعود لكون الصحيفة التي تعمل لديها الكترونية. فيما إستدعي صحافي لأن موضوع الدعوى محتوى نشر على “فايسبوك”.

إختلفت نوعية الأسئلة المطروحة وطريقة معاملة المستدعين حسب القضية. وهو ما سنركز عليه في هذا التقرير. إذ تبيّن لنا أن المحققين فرقوا بين طبيعة القضايا المطروحة أمامهم وجنس الشخص المستدعى وعمله. الأمر الذي انعكس على مجريات التحقيق والذي اتسم بالهجومية والترهيب أحياناً وبالاحترام والتعاون أحياناً أخرى.

أصول التحقيق

كما أشرنا، اختلفت الأسئلة حسب القضية. وقد تميزت بغرابتها وخروجها عن المألوف في التحقيقات المتصلة بالتصريح “المسيء للأديان”. فقد ظهر المحقق وهو برتبة ملازم أول وكأنه أراد من خلال أسئلته أداء دور المرشد الاجتماعي. كان واضحاً أن القضية مست به على المستوى الشخصي. فلم يتمكن من الوقوف على الحياد لتأدية واجبه الوظيفي. توّجه بأسئلة شخصية جداً: “هل أنت “معمّدة” (أي جرت لها معمودية)؟ هل أهلك مؤمنون مسيحياً؟ هل أنت مطلعة على نصوص من الكتاب المقدس؟ هل تؤمنين بالعجائب؟” الأسئلة نفسها وجهت للناشط الثاني: “بتآمن؟ إنت ملحد؟ ليه كتبت هالستايتس؟ مين إنت لتشكك بالعجايب؟”. وسأل الملازم أول الناشط الثالث: “إنت عم تسب الدين؟ عم تزدري الدين؟ إنت رجعت نشرت بوست بيزدري الأديان؟” فيما أصر على معرفة هوية الأشخاص الذين قاموا بمشاركة الستايتس من الناشط الرابع. وحذروه من إخفاء المعلومات لأن الملف “خطير وعم بيصير في مشاكل طائفية من ورا البوست”.

ويلاحظ من المقابلات التي أجريناها أن المحققين عمدوا إلى التوجه للنساء بأسئلة شخصية. فسئلت مثلاً صحافية عن زوجها بعد طلب النشرة: “زوجك من بيت[1] ][، كيف سمحلك تنزلي على التحقيق؟” كما أراد المحقق معرفة لِم لَم تتوسط لدى أحد لتفادي المثول للتحقيق. فرفضت الإجابة. “قلتلو بليز التزم المعايير المهنية وما تقلل تهذيب”. كما أنها لم تجب عن أي سؤال غير متعلق بالقضية بشكل مباشر كسؤالها عن تاريخها المهني مثلاً. “قديه صرلك بالمهنة؟ وين اشتغلتي قبل؟”. وتمحورت باقي الأسئلة عن سبب تناولها مرشحا واحدا دون سواه في المقال، خاصة أن المحقق حاول الضغط عليها لكي تقر بأنها كانت تستهدف هذا المرشح شخصياً.

فيما سأل المحقق صحافية ثانية إن كانت تسكن في منزل بمفردها. وعندما أوضحت أنها متزوجة، كان جواب المحقق بعدما عرف أن زوجها مسلم: “إنت تزوجتي من مسلم بقبرص؟ تخايلي أنه قلتي هيك شي عن مسلم، كان زوجك ضربك”. اعترضت على ما جاء على لسان المحقق لكنه كرر سؤاله فاعترضت مجدداً ورفضت الإجابة على السؤال.

وفي إطار الدعوى التي أقامتها الشركة الخاصة على ناشط على مواقع التواصل، ركز التحقيق على علاقة هذا الأخير بالشركة وعلى الضرر الذي لحق بها جراء الحملة التي قادها بوجهها. كما سأله المحقق عن هوية محرضيه: “مين دزك؟”، فأجاب “رئيس الجمهورية، هوي طلب ندله على الفاسدين…كنت طابع تويت عون وفرجيته ياها وطلبت منه يحط بالمحضر هيدا الشي”. عاد وسأله عن السبب الذي دفعه لكتابة البوست. فشرح له أن الشركة اعتدت على الأملاك العامة وأن هذا “تحرك اعتراضي لا عنفي معتمد في كل العالم”.

هذا النمط من الأسئلة تكرر مع ناشطين آخرين. “بأي ظرف كتبت البوست؟ ليه كتبته؟ هيدا قدح وذم”… “شو في بينك وبين هذا المرشح؟ مين عم بيحرضك لتكتب ع فايسبوك؟ ليه عم تكتب هيدي البوستات؟ شو الغاية؟ شو يعني ناشط بالمجتمع المدني؟ صرنا نستفرغ بس نسمع هالكلمة. متل طيزي انت وإذا ناشط”.

تجدر الإشارة هنا إلى أن أحد الناشطين قرر التزام خيار الصمت أثناء التحقيق معه وفق المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية والتي تنص على التالي: “… إن امتنعوا أو التزموا الصمت فيشار إلى ذلك في المحضر ولا يحق لهم إكراههم على الكلام أو استجوابهم تحت طائلة بطلان إفاداتهم”. ومن هذا المنطلق رفض الناشط الإجابة على أسئلة المحققين واكتفى بترداد “أنا التزم الصمت”.

كيفية تعامل المحققون؟

تباينت المعاملة حسب القضية وهوية الموقوفة[2]. ناشطان في قضية “الإساءة إلى الدين” عوملا بشدة على عكس الآخرين الذين تمّ استدعاؤهما للسبب عينه. في المقابل، بدا المحققون متعاونين أكثر مع باقي الحالات وإن بطريقة مختلفة. ولم يقم المحققون بتلاوة الحقوق والواجبات على أي من المستدعين/ات.

وبالعودة إلى قضية “الإساءة إلى الدين”، اللافت هنا أنه تمّ توكيل الملازم أول (المذكور أعلاه) التحقيق مع الناشطين الأربعة وإن كان قد تمّ استدعاؤهم في أوقات مختلفة. تعامل الملازم أول بشدة مع إثنين منهم. صرخ بوجهه مراراً فيما حاول محقق آخر الاعتداء عليه قبل أن يمنعه زميله من ذلك. “كانوا طابعين البوست على ورقة A4. كل ما يفوت حدا يقرا البوست ويبلشوا يسبوني (يا إ… ويا حيوان ويا مهبول) ويبهدلوني”. لكن على الرغم من الاحتقان الذي ساد جلسة التحقيق، سأل المحققون الناشط إن كان يريد تناول الماء أو القهوة. وسمحوا له بأخذ دواءه بعد أن علموا بأنه يعاني من مشاكل صحية.

وصرخ الملازم في وجه ناشط آخر: “هيك بتسب العدرا ومار شربل؟ معقول في ناس بتسب الدين؟ وضرب بيده على الباب لإحتواء غضبه. كما أنه هدد الناشط بإحالته إلى المحكمة العسكرية لأنه استعمل كلمة في البوست اعتبرها إهانة للمكتب. كما أنهم حاولوا استفزازه لدفعه إلى الإقرار بأن هدفه كان “الإساءة إلى الدين”. “فرجوني بوستات نكت وتعليقات عالمسيح تيستفزوني. بقيت ساكت”.

في المقابل، تعامل المحققون باحترام مع إحدى الناشطتين في القضية عينها. عزت إحداهما السبب إلى كونها امرأة. “عموماً كانوا مهذبين معي. بعتقد كوني امرأة لعب دور”. فيما تصّرف الملازم أول مع الناشطة الثانية بالطريقة نفسها التي تصرّف بها مع الآخرين. صرخ بوجهها وتهجم عليها ورفض استكمال التحقيق معها فتولاه محقق آخر. وطلبوا منها عدم ذكر المكتب مجدداً على “الفايسبوك” وهددوها بتحويلها على المحكمة العسكرية في حال لم تلتزم بالشرط. لكنهم حققوا معها في غرفة مكيّفة وسألوها إن كانت تريد أن تأكل أو تشرب.

وقد تفاوتت المعاملة في القضايا الأخرى. ضغطوا على الصحافية كي تقرّ أنها كتبت رأيها الشخصي في المقال وأنها لم تستند إلى معلومات. قالوا لها “إنتِ بنت، شو بدك بهالشرشحة!” من جهته، قال ناشط أن التحقيق كان “طبيعي وبدون أي ضغط”. وأن المحققين أعطوه استراحة مرتين وماء بعدما أطلعهم على وضعه الصحي. كما أن المحقق صحح له بعض الأجوبة التي اعتبر أنها قد تؤذيه (ورد في الشكوى أنه وضع البوست على “فايسبوك” و”تويتر”. فنصحه المحقق بالإجابة بأنه وضعه على “فايسبوك” فقط لأن نسبة متابعيه هناك أقلّ). وأقرّ ناشط آخر بأن المعاملة كانت محترمة ولطيفة. “صاروا يقولولي نحنا معك ومأيدينك بيللي عم تقوله”، بما يؤشر إلى أن المعاملة كانت تختلف وفق رأي المحقق الشخصي من الموضوع الذي يتولى التحقيق فيه.

وقد قابل مدير المكتب الرائد ألبير خوري معظم الموقوفين قبل دخولهم إلى التحقيق أو أثناءه. وتركز اللقاء على شرح خوري لدور المكتب والتأكيد على أن هذا الأخير يتحرك بأمر من القضاء في محاولة منه لاستباق التهجم عليه. قابلت إحدى الصحافيات الرائد خوري حوالي 20 دقيقة. شرح لها سبب استدعائها وأن القاضية التي تتولى ملفها “مؤمنة” وأنها ستقرر مصيرها. واستقبل رئيس المكتب أحد الناشطين حوالي ثلاث ساعات عندما علم أن برفقته محامً. “طلع وعزمني لعنده ع فنجان قهوة مع المحامي. كان كتير لطيف ومهذب على عكس المعاون الأول. اشتكيت على المعاون قدامه وقلي رح يشوف شو القصة بس أنا أكيد إنه ما رح يشوف شي”. أخبره عن إنجازات المكتب وعن تهجم الناشطين على المكتب. وأوضح له أن المكتب لا يتحرك من تلقاء نفسه وأن القضاء هو الذي يتحرك. وأشار إلى أن العناصر محبطون من مهاجمة الناشطين لهم في حين تمكن المحققون من تحقيق العديد من الإنجازات.

وعبّر خوري عن غضبه تجاه إحدى الناشطات لأنها كتبت أنه تمّ استدعاؤها على “فايسبوك”. “سألني ليه هيك عملت. قلتلو انه كان بدي رفقاتي يعرفوا بحال صرلي شي”.

وجلس رئيس المكتب حوالي ساعة مع أحد الناشطين والمحامين الذين رافقوه. وتناقشوا بالقضية وبحق الناشط بالتزام الصمت أثناء التحقيق. وقد بلغ رئيس المكتب المحقق شخصياً أن المستدعى سيلتزم بالمادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية.

وقد حاول خوري لعب دور الوسيط بين المدعي والمدعى عليه في إحدى القضايا، حتى أنه إتصل بمحامي الجهة المدعية. “كان كتير لطيف وضيفني قهوة وحاول يلعب دور الوسيط”.

تفتيش الهاتف والكومبيوتر

ترك المستدعون هواتفهم في منازلهم، باستثناء صحافيين إثنين. لم يأخذ المحققون هاتف الصحافي فيما طلبوا من الصحافية الدخول إلى هاتفها فقط لإعطائهم رقم ناشط آخر. على صعيد آخر، لم يلتزم المحققون بأصول التحقيق فدخلوا إلى حسابات بعض الناشطين على “فايسبوك” وقاموا بإزالة بعض محتواها. أوحوا بأن من حقهم أخذ كلمة السر والتصرف بصفحات الناشطين. “بعدين جابولي لابتوب لإمحي البوستات اللي خصها بالموضوع عن فايسبوك. اللابتوب كان كتير بطيء. فأخدوا الـpasswords تبع الأكاونتس وفاتوا هني محوا كل شي”؛ “ما كان معي تلفوني. فاتوا ع صفحتي ع فايسبوك. ما بعرف كيف لأن ما عطيتن الـpassword وقلتلن إنه أنا بمحي البوستات بالبيت. قال لا هني بدن يمحوهن. محيوا كل شي إله علاقة بالموضوع”. كما طلبوا من ناشطة الدخول على حسابها من خلال كمبيوتر في المكتب لإزالة البوستات المتعلقة بالقضية.

مدة التحقيق

بدأ التحقيق فوراً مع الجميع باستثناء ناشط واحد انتظر على كرسي عند مدخل الثكنة من الساعة 8 صباحاً حتى الواحدة ظهراً للدخول إلى غرفة التحقيق. وهو الناشط التي أثارت قضيته الجدل الأكبر والذي اتسم التحقيق معه بالشدة. وتفاوتت مدة التحقيق بين قضية وأخرى. أحد الناشطين دخل عند الساعة 10 صباحاً وخرج عند العاشرة مساء، لتأخر المدعي العام بإصدار قراره في القضية. فيما بقيت أخرى من الـ10.30 صباحاً حتى الخامسة بعد الظهر. أما الباقون فقد تراوحت مدة التحقيق معهم بين 3 و5 ساعات.

اجراءات المدعي العام: ساعات انتظار، تعهد وشطب تصريحات عن الفايسبوك

لم تكن هناك أي تعقيدات إجرائية تذكر باستثناء التأخر في الحصول على قرار المدعي العام أو المحامي العام المسؤول عن القضية أو بالأحرى تعمد هذا الأخير تأخير قراره بهدف إبقاء الشخص المستدعى محتجزا لساعات طويلة لدى المكتب، بما يشكل عقوبة مقنعة.

في قضية الصحافية، تأخرت المدعية العامة في إصدار قرارها. اتصل بها المحقق ثلاث مرات؛ في المرة الأولى أجابته (الاتصال جرى بجانب الصحافية فسمعت مضمون المكالمة) “شو بدك بعدنا بأول النهار، خليها”. في الاتصال الثاني بعد حوالي ساعة، أجابته المدعية العامة: “قعدها لأن سابة على فايسبوك”. فأوضح لها سبب الاستدعاء. فأردفت المدعية العامة: “أنا بقرر هيي شو عاملة”. في الاتصال الثالث، قررت هذه الأخيرة تركها بسند إقامة وقالت للمحقق “بتشوف شو رح أعمل معها بس تصير القضية عندي”.

أما في قضية أحد الناشطين، فقد قرر المدعي العام إبقاءه حتى الساعة 9 مساءً “لاستكمال التحقيق”، علماً بأن التحقيق كان قد انتهى عند الساعة 12 ظهراً. وانتظروا حتى الساعة 9.30 مساء لتنفيذ مذكرة بحث وتحري في حق المستدعى.

ورغم إطالة أمد التحقيق، فإنه تمّ ترك جميع المذكورين في اليوم نفسه بعد التحقيق معهم. ولم يتبلغ أي من الموقوفين موعد محاكمتهم بعد أو إذا تمّت إحالتهم إلى المحاكمة. وقد أسقط النائب (المرشح) الدعوى ضد الصحافية.

الإجراء الثاني الرائج هو الضغط على المستدعى لانتزاع تعهد منه مع التلويح بامكانية توقيفه في حال رفض التوقيع عليه. وهو تعهد غالبا ما أخذ طابع الامتناع عن تكرار ما فعله أو ما شابه. وفيما رفض أكثر من ناشط التوقيع على التعهد المطلوب، لم يحاول آخرون التفاوض حتى لتجنب التوقيع عليه أو تحديد مضمونه، مع علم معظمهم بأن التعهد غير قانوني. ضغط على الصحافية كي توقع على تعهد بعدم التعرض للنائب (المرشح) مجدداً لكنها رفضت. “قال لي إنه لازم إمضي وإنه في كتير صحافيين مضيوا”. رفضت مجدداً. فطلب منها عندئذ التوقيع على تحفظ يرفق في المحضر.  وقد كتبت الصحافية التحفظ بنفسهاً بعدما طلب منها المحقق ذلك متحججاً بأنها صحافية. وقد جاء فيه: “أتحفظ على الإمضاء على أي تعهد بشأن تناول النائب ][ أو غيره من النواب لأن ذلك يندرج في إطار عملي كصحافية ويمكننا تناوله بأي تحقيق صحفي سواء في الجريدة التي أمثلها أو أي وسيلة أخرى”.

وقع ناشط على تعهد “بعدم التعرض والاساءة للأديان مجدداً على وسائل التواصل الاجتماعي”. وأصدرت مدعي عام جبل لبنان القاضية غادة عون قرارا بإقفال حسابه على فايسبوك لمدة شهر. وقعت صحافية على تعهد بـ”حذف كل شي له علاقة بالقضية وألا تكرر فعل التحقير والمس بالأديان على وسائل التواصل الاجتماعي” وطلب منها حذف كل البوستات المتعلقة بالقضية على صفحتها على “فايسبوك”، بما فيها التهديدات التي وصلتها على الصفحة. ووقعت ناشطة على تعهد “بعدم ازدراء الأديان في المستقبل”. وأزالت البوستات المتعلقة بالقضية. فيما وقع ناشط على تعهد “بعدم التعرض لمرشح سابق”.

رفض صحافي آخر التوقيع على تعهد وقال أنه سيزيل الكلمات المسيئة بحق السياسي إذا تنازل هذا الأخير عن الدعوى. عاد وأزال الكلمات دون التوقيع على تعهد. ورفض أحد الناشطين التوقيع لكن المحققين هددوه بإبقائه موقوفاً، فعاد وقبل. “جربت أتفاوض معن بس قالولي إنه بينيّموني بالنظارة إذا ما بمضي”.

مدى قراءة المحضر والاشكاليات المتعلقة بالتوقيع عليه

قرأ الجميع محضر التحقيق قبل التوقيع عليه، باستثناء ناشط واحد. “ما قلي إقرا المحضر. طلب مني دغري إمضي. صار يبرم الصفحات (3) ويقلي يلا إمضي. فشفت شي كلمتين من كل صفحة.” اعترض ناشطون على التحريف في أقوالهم في المحضر، فصحح المحققون الإجابات بناء عليه. ولم توقع إحداهن إلا بعد أن حذف المحققون عبارة معيّنة. طلب ناشط تغيير الإجابات في المحضر بعد أن عمد المحقق إلى كتابة “كلا” إلى جانب الأسئلة. فطلب منه وضع “التزام بالصمت” في خانة الأجوبة. اللافت أن في قضية “الإساءة إلى الدين”، لم تذكر في المحضر أي من الأسئلة المتعلقة بالدين. الباقي جاء مطابقاً لأجوبة المستدعين، فوقعوه دون اعتراض.

مدى معرفة المستدعيين بحقوقهم؟

ثلاثة ناشطين رافقهم محام إلى التحقيق. لم يسمح لهؤلاء بحضور التحقيق لكنهم انتظروا موكليهم في المركز.

ناشطان فقط كانوا على علم بحقوقهم كاملة. صحافية رفضت التوقيع على تعهد بعدما تواصلت مع عدد من الجمعيات وأوضحوا لها أنه يحق لها رفض التوقيع.

في المقابل، لم يتلُ المحققون الحقوق والواجبات على الموقوفين قبل البدء في التحقيق. وذكر المحققون في حالتين حق المستدعين في طلب طبيب شرعي (وفي بعض الحالات مترجم) أثناء قراءتهم لمضمون المحضر قبل التوقيع عليه.

خلاصة

يبدو واضحاً من سياق التحقيقات أن معظم هذه الاستدعاءات كان هدفها الأساسي منع الناشطين من التطرق لمواضيع محددة في المستقبل، خاصة فيما يتعلق بالمسائل الدينية. فإلى جانب تورط المحقق بشكل شخصي في مجريات التحقيق، يتبيّن أن الغاية الرئيسية كانت احتواء ردّة فعل الرأي العام حول القضية، خاصة في الحالات التي وصلت فيها الأمور إلى تهديد الناشطين بقتلهم. تجدر الإشارة هنا إلى أن النيابة العامة لم تتحرك تجاه هؤلاء.

فيما أتت التحقيقات الأخرى شكلية وروتينية، هدفها إقفال الملف في المكتب وتحويله إلى القضاء فقط. حتى أن المحققين لم يكونوا على إطلاع بشكل كامل على مضمون القضية وهوية المستدعى في بعض القضايا. فتفاجأ محقق عندما علم أنه يتصل بصحافية لاستدعائها إلى المكتب واستفسر آخر عن تفاصيل الملف المطروح أمامه من أحد الناشطين.

وعلى الرغم من المعاملة “الحسنة” التي تلقاها معظم الناشطين وإصرار رئيس المكتب على إظهار صورة مختلفة لعمل الجهاز، فالسؤال يبقى حول قانونية مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية، لاسيما في ما يتعلق بهذا النوع من التحقيقات[3].

نشر هذا المقال في العدد | 57 |  تشرين الثاني 2018، من مجلة المفكرة القانونية | لبنان |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه:

القمع ليس حيث تنظر: نظام المقامات

 


[1]    اعتبر المحقق أن زوج الصحافية من عائلة نافذة وعليه استغرب كيف أنها لم تدخل وساطة

[2]  هذا المقال يعتمد الحيادية الجندرية. وتاليا هو يقصد عند استعمال المؤنث أو المذكر، سواء بصيغة الجمع أو المفرد غير المحدد، كلا الجنسين.

[3]  غيدة فرنجية. مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية: رقابة غير منظمة على المساحات الإلكترونية. المفكرة القانونية، 3 كانون الأول 2013

https://bit.ly/2q75g8p

انشر المقال

متوفر من خلال:

محاكمة عادلة وتعذيب ، مجلة لبنان ، لبنان ، مقالات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني